عملتُ ذات مرة مع قائد، ولنسمه أكرم، اضطر يوماً إلى إجراء محادثة صعبة مع موظفة في فريقه كان أداؤها دون المستوى (لكن لها دور أساسي في الفريق). حرص أكرم على التسلُّح بالأدوات اللازمة التي تتيح له مواجهة الموظفة من خلال إعداد قائمة بأوجه قصورها؛ لكنه شعر بأن هذه المحادثة ستنتهي نهاية سيئة وانتابته حالة من القلق الشديد تجاه هذه المسألة.
لا مفر غالباً من نشوب نزاعات كهذه في مكان العمل، ويكاد يكون تجنبها أمراً أشبه بالمستحيل. ومثلما تختلف أحياناً مع زوجتك أو صديقك المقرَّب أو أحد والديك، فسوف تتعرَّض لمواقف تختلف فيها مع زملائك أو رؤسائك أو مرؤوسيك في العمل. يختار قادة كثيرون، مثل أكرم، التعامل مع المواقف الخلافية بأساليب منطقية: إذا كان أحد أعضاء الفريق لا يبذل قصارى جهده، فاحصل على دليل يثبت تقصيره؛ وإذا ارتكبت زميلتك في المكتب خطأ فادحاً، فاحرص على تسجيل هذا الخطأ وأثره في ارتكاب مخالفات تنتهك سياسة الشركة.
لكن في حين أن العوامل المنطقية تشكّل جانباً مهماً من جوانب حل النزاعات، فإنها ليست سوى جزء من المعادلة؛ إذ لا يمكن تجاهل المشاعر. وقد أثبتت الأبحاث في واقع الأمر أن كبت المشاعر، بمعنى اتخاذ قرار بالسكوت وعدم قول شيء عندما تشعر بالانزعاج، قد يؤدي إلى نتائج سيئة. هل سبق لك أن صرخت في وجه زوجتك أو طفلك بعد يوم محبط في العمل، على الرغم من عدم وجود علاقة لأيٍّ منهما بهذا الإحباط من قريب أو بعيد؟ هذا ما يشير إليه علماء النفس باسم "التسرُّب العاطفي". عندما تكبت مشاعرك، ستعبّر عنها بأساليب غير مقصودة، إما بالسخرية أو بالتنفيس عنها في سياق مختلف تماماً، كما أن كبت المشاعر يرتبط بضعف الذاكرة وتنغيص العلاقات الاجتماعية والإصابة بمتاعب فسيولوجية (مثل أمراض القلب والأوعية الدموية). المشاعر مهمة.
عندما عرض عليَّ أكرم أسئلة حول اجتماعه المرتقَب، تعاونت معه لوضع خطة تستند إلى مبادئ الذكاء العاطفي. ساعدته هذه الخطة على الإقرار بالعوامل المنطقية والشعورية في أثناء الاجتماع مع موظفته.
أولاً: اقترحت على أكرم أن يدرك المشاعر التي تكتنف هذا الموقف. تعرَّف أكرم إلى مشاعره الحقيقية التي كانت تعكس إحساسه بالإحباط الشديد. وعلى الرغم من ذلك، كان عليه أيضاً أن يراعي مشاعر الموظفة المتهمة بضعف مستوى الأداء التي ستشعر غالباً بالخوف والتهديد. وتبنّي وجهات نظر الآخرين أمرٌ ضروريٌ للتعامل مع النزاعات بفعالية. عندما جلسا معاً، تأكدت شكوك أكرم؛ كان بإمكانه أن يخمّن من وضعية ذراعيها المتشابكتين وتعبيرات وجهها أنها كانت تتخذ بالفعل موقفاً دفاعياً.
ثانياً: كان على أكرم أن يقيّم أثر هذه المشاعر على سلوكه وسلوك موظفته؛ فالمشاعر سيف ذو حدين. تساعدنا المشاعر السلبية اليومية على الاستمرار في التحليل والتركيز على المهام. على الرغم من ذلك، قد تؤدي المشاعر السلبية في أثناء النزاع إلى النقد وتصيّد الأخطاء (كنوعية الفكر التي تورَّط فيها أكرم). وتدعم المشاعر الإيجابية التفكير في الصورة الكبيرة والعصف الذهني والقدرة على الإبداع. لكن ما لم نتوخّ الحذر، فقد نبدأ النظر إلى العالم من خلال نظارات وردية اللون ونفقد المسارات الواقعية. وبوضع قوة المشاعر الإيجابية والسلبية في الاعتبار، بدأ أكرم محادثته بتسليط الضوء على أسباب رغبته في إبقاء الموظفة المتهمة بضعف مستوى الأداء ضمن فريقه. وهكذا عبّر عن الإيجابية في المناقشة، ما ساعدهما على الاستماع والاسترخاء والمشاركة في حلّ المشكلات قبل تناول الموضوعات السلبية.
ثالثاً: ناقشتُ أنا وكارل أهمية فهم دوامة المشاعر التي تنشأ خلال النزاعات التي تنشب في مكان العمل. يدرك القادة الذين يتحلون بالذكاء العاطفي أسباب مشاعرهم، ويفكرون أيضاً في أهم النتائج المرغوبة. وفي أثناء التخطيط للاجتماع، بدأ أكرم يتساءل لماذا: لماذا كان كلٌ منهما يعاني الإحباط ويتخذ موقفاً دفاعياً؟ لماذا كان أداء الموظفة دون المستوى؟ خلال الاجتماع، أطلعها على ملاحظاته. وطرح أسئلة ذات نهايات مفتوحة، على أمل أن يفهم ما كان يحدث مع الموظفة، دون أن يتخلى عن التعاطف. سألها: "ما شعورك حيال مشاريعك الحالية؟". وعندما ألمحتْ إلى أنها كانت تشعر بالسأم، تابع أكرم سائلاً إياها: "لماذا يحدث هذا؟ وما المهارات الأساسية التي ترغبين في صقلها؟"
رابعاً، وأخيراً: كان على أكرم أن يدير المشاعر التي تكتنف الموقف من خلال استخدام استراتيجيات من شأنها أن تقوده إلى هدفه المتمثّل في إبقاء الموظفة ضمن فريقه ووضع خطة لتحسين مستوى أدائها. في هذه الحالة، كان هذا يعني تحديد موعد لعقد اجتماع وتناول القهوة معاً في فناء الشركة (ساعدهما ذلك على خوض محادثة مفتوحة). أيضاً، عندما توصلت الموظفة إلى أهداف مفرطة في التفاؤل، أظهر أكرم خطورة الموقف بالأدلة المنطقية، مع الإشادة بمبادرتها طوال الوقت. في النهاية، شعرت الموظفة بأنها كانت تلقى معاملة عادلة؛ فقد استمع إليها أكرم باهتمام وكان منفتحاً على أفكارها وتوصلا معاً إلى خطة عمل.
المشاعر ليست مجرد نتيجة للنزاعات التي تنشب في مكان العمل، في واقع الأمر تمثّل المشاعر عادةً صُلب النزاع نفسه؛ لذا يجب الإقرار بها والتخطيط لها. ويشكل إدراك المشاعر وتقييم أثرها على التفكير وفهمها وإدارتها خريطة طريق للتعامل مع هذه البيئة الغامضة (والمثيرة للقلق).