عملتُ مرة مع قائد اسمه أكرم. اضطُّر هذا القائد يوماً إلى إجراء محادثة صعبة مع موظفة في فريقه كان أداؤها دون المستوى، ولكنّها كانت ذات دور أساسي في فريقه؛ لذا حرص أكرم على التسلُّح بالأدوات اللازمة التي تتيح له مواجهة الموظفة، فأعد قائمة بأوجه قصورها، ولكنه شعر في الوقت ذاته بأن تلك المحادثة ستنتهي نهاية سيئة، فانتابته حالة من القلق الشديد تجاه تلك المشكلة!
لا مفر غالباً من نشوب نزاعات كهذه في مكان العمل، بل يكاد يكون تجنبها أمراً أشبه بالمستحيل! فكما تختلف أحياناً مع زوجتك أو صديقك المقرَّب أو أحد والديك، فسوف تتعرَّض لمواقف تختلف فيها مع زملائك أو رؤسائك أو مرؤوسيك في العمل. ويختار قادة كثيرون -مثل أكرم- التعامل مع المواقف الخلافية بأساليب منطقية؛ فإذا كان أحد أعضاء الفريق لا يبذل قصارى جهده، فاحصل على دليل يثبت تقصيره. وإذا ارتكبتْ زميلتك في المكتب خطأ فادحاً، فاحرص على تسجيل هذا الخطأ وأثره في ارتكاب مخالفات تنتهك سياسة الشركة.
ومع أن العوامل المنطقية تعد أحد المفاتيح المهمة لحل النزاعات، تبقى تمثل جزءاً صغيراً من المعادلة؛ إذ لا يمكن تجاهل المشاعر. وقد أثبتت الأبحاث في واقع الأمر أن كبت المشاعر-أي التزام الصمت وعدم قول شيء عندما تشعر بالانزعاج- قد يؤدي إلى نتائج سيئة! فهل سبق لك أن صرخت في وجه زوجتك أو طفلك بعد يوم محبط في العمل مع أنهما ليسا من سبب لك ذلك الإحباط؟ هذا ما يشير إليه علماء النفس باسم "التسرُّب العاطفي"؛ فعندما تكبت مشاعرك ستعبّر عنها بأساليب غير مقصودة، إما بالسخرية أو بالتنفيس عنها في سياق مختلف تماماً. بل إنّ لكبت المشاعر أثراً في ضعف الذاكرة وتنغيص العلاقات الاجتماعية والإصابة بأضرار فسيولوجية كأمراض القلب والأوعية الدموية.
وعندما عرض عليَّ أكرم أسئلة عن اجتماعه المرتقَب، ساعدتُه في وضع خطة تستند إلى مبادئ الذكاء العاطفي. وقد أتاحت له هذه الخطة أن يأخذ بالعوامل المنطقية والشعورية معاً في أثناء اجتماعه مع موظفته.
أولاً: اقترحت على أكرم أن يدرك المشاعر التي تحتوي هذا الموقف؛ فتنبّهَ أكرم إلى مشاعره الحقيقية التي كانت تعكس إحساسه بالإحباط الشديد. وكان عليه أيضاً أن يراعي مشاعر الموظفة المتهمة بضعف مستوى الأداء التي ستشعر غالباً بالخوف والتهديد. وليس يخفى أن تبنّي وجهات نظر الآخرين أمرٌ ضروريٌ لمعالجة النزاعات بفاعلية، لذلك عندما جلسا معاً تأكدتْ شكوك أكرم؛ إذ كان بإمكانه أن يخمّن من وضعية ذراعيها المتشابكتين وتعبيرات وجهها أنها كانت تتخذ حقاً موقفاً دفاعياً.
ثانياً: لأن المشاعر سيف ذو حدين كان على أكرم أن يقيّم أثر هذه المشاعر في سلوكه وسلوك موظفته؛ إذ تساعدنا المشاعر السلبية اليومية على الاستمرار في التحليل والتركيز على المهمات، بل قد تؤدي في أثناء النزاع إلى النقد وتصيّد الأخطاء (كنوعية الفكر التي تورَّط بها أكرم). في حين تدعم المشاعر الإيجابية التفكير في الصورة الكبيرة والعصف الذهني والقدرة على الإبداع. ولكنْ إن لم نحذر قد ننظر إلى العالم من خلف نظارات وردية اللون ونفقد المسارات الواقعية!
لذا بعد أن وضع أكرم المشاعر الإيجابية والسلبية في حسبانه، بدأ محادثته بتسليط الضوء على أسباب رغبته في إبقاء الموظفة المتهمة بضعف مستوى الأداء ضمن فريقه. وبذلك عبّر عن الإيجابية في المناقشة! وهذا ساعدهما على الإنصات والاسترخاء والمشاركة في حلّ المشكلات قبل تناول الموضوعات السلبية.
ثالثاً: إنّ فهم دوامة المشاعر الناشئة من النزاعات التي تنشب في مكان العمل من الأهمية بمكان! إذ يدرك القادة الذين يتحلون بالذكاء العاطفي أسباب مشاعرهم، ويفكرون أيضاً في أهم النتائج المرغوبة. ولهذا عندما خطط أكرم لاجتماعه مع موظفته بدأ يسأل نفسه: لماذا كان كلٌ منهما يعاني الإحباط ويتخذ موقفاً دفاعياً؟ لماذا كان أداء الموظفة دون المستوى؟
وفي أثناء اجتماعه بها أطلعها على ملاحظاته، وطرح أسئلة ذات نهايات مفتوحة، على أمل أن يفهم ما كان يحدث مع الموظفة من دون أن يتخلى عن التعاطف. فسألها: "ما شعورك تجاه مشاريعك الحالية؟". وعندما ألمحتْ إلى أنها كانت تشعر بالسأم، تابع أكرم سائلاً إياها: "لماذا يحدث هذا؟ وما المهارات الأساسية التي ترغبين في صقلها؟".
رابعاً، وأخيراً: كان على أكرم أن يدير المشاعر التي تحتوي الموقف باستخدام استراتيجيات من شأنها أن تقوده إلى هدفه المتمثّل في إبقاء الموظفة ضمن فريقه ووضعِ خطة لتحسين مستوى أدائها. فكان هذا يعني تحديد موعد لعقد اجتماع وتناول القهوة معاً في فناء الشركة ليساعدهما ذلك على خوض محادثة مفتوحة. أيضاً، عندما توصلت الموظفة إلى أهداف مفرطة في التفاؤل، أظهر أكرم خطورة الموقف بالأدلة المنطقية، مع الإشادة بمبادرتها طوال الوقت. وفي النهاية شعرت الموظفة بأنها كانت تلقى معاملة عادلة؛ فقد استمع إليها أكرم باهتمام وكان منفتحاً على أفكارها وتوصلا معاً إلى خطة عمل.
إنّ المشاعر ليست مجرد نتيجة للنزاعات التي تنشب في مكان العمل، بل هي في واقع الأمر تمثّل صُلب النزاع نفسه؛ لذا يجب الإقرار بها والتخطيط لها، لأن إدراك المشاعر وتقييم أثرها في التفكير وفهمها وإدارتها يرسم لنا خريطة طريق لمعاملة هذه البيئة الغامضة والمثيرة للقلق!