ملخص: تعتمد المؤسسات على الذكاء الاصطناعي والتحليلات المحوسبة لمواجهة التحدي المتمثل في كيفية توزيع الأعضاء لإجراء عمليات زراعة الأعضاء واللقاحات والأشكال الأخرى من الرعاية الصحية. ولكن تتعامل العديد من المؤسسات مع الاعتبارات الأخلاقية على أنها أمر ثانوي. وهذا خطأ؛ إذ يجب أن تؤخذ هذه العوامل بعين الاعتبار في بداية الجهود المبذولة لتصميم خوارزميات الذكاء الاصطناعي أو نماذج التحليلات المحوسبة. فكيف يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد مَن هم بحاجة إلى عملية زراعة الأعضاء؟
تواجه مؤسسات الرعاية الصحية، مثل العديد من الشركات الأخرى، تحديات كبيرة في أثناء محاولة تحقيق أقصى قدر من الكفاءة التشغيلية لمواجهة نقص الموارد. وسواء كان الأمر يتعلق بمستشفى يحاول تحسين إدارة الموظفين أو حكومة تحاول تخصيص جرعات محدودة من لقاحات "كوفيد-19" وتوزيعها بإنصاف، فهي مهام يمكن أن تكون صعبة. ولكن هناك طريقة واعدة لإدارة التعقيد ولتحديد من هم بحاجة إلى عمليات زراعة الأعضاء، وهي الاستعانة بالتحليلات المحوسبة المستندة إلى البيانات والذكاء الاصطناعي.
استخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد الأشخاص المحتاجين لعمليات زرع الأعضاء
في حين أن هذه التقنيات فعّالة، إلا أنها يمكن أن تخفي الافتراضات الأخلاقية الأساسية المثيرة للمشكلات أو قد تؤدي إلى نتائج تتصف بأنها موضع شك من الناحية الأخلاقية. هناك دراسة نُشرت مؤخراً حول النماذج التي استخدمتها أكثر المستشفيات تقدماً من الناحية التقنية في العالم للمساعدة في تحديد أي من المرضى الذين يعانون من مرض الكلى المزمن لهم الأولوية في الخضوع لعملية زرع الكلى. وقد وجدت الدراسة أن النماذج تنطوي على تمييز ضد المرضى ذوي البشرة السمراء؛ إذ إن "ثلث المرضى ذوي البشرة السمراء ... كان من المفترض تصنيفهم ضمن فئة المصابين بمرض الكلى المعرضين لخطر شديد إذا كانت وظيفة الكلى لديهم قد تم تقييمها باستخدام المعادلة نفسها التي استُخدمت مع المرضى ذوي البشرة البيضاء". ليست هذه الدراسة سوى أحدث دراسة من عدة دراسات أظهرت أوجه القصور في مثل هذه النماذج، ولكن من غير المرجح أن تكون الدراسة الأخيرة.
هل يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي والتحليلات المحوسبة بطريقة تحسّن الكفاءة التشغيلية دون المساس بمبادئنا الأخلاقية؟ الإجابة هي "نعم" إذا أُخذت الأهداف والقيود الأخلاقية، التي غالباً ما يتم التعامل معها في الوقت الحالي على أنها أمر ثانوي، بعين الاعتبار من البداية عند تصميم النماذج. سنناقش محاولة أخيرة للجمع بين الأخلاقيات والتحليلات المحوسبة والكفاءة التشغيلية في عالم تخصيص الأعضاء لإجراء عمليات زراعة الأعضاء، وسننظر في الدروس التي تقدمها للجوانب الأخرى في مجال الرعاية الصحية وخارجه.
الاعتبارات الأخلاقية مقابل الكفاءة التشغيلية
يتمثل أحد التحديات الرئيسية فيما يتعلق بالجمع بين الأخلاقيات والكفاءة التشغيلية في أن تحقق النماذج الأساسية التوازن على نطاق أهداف متعددة. إذ تتعلق بعض هذه الأهداف بالكفاءة وحدها (على سبيل المثال، متوسط العمر المتوقع والأرواح التي أُنقذت والتحسينات التي أُدخلت على نوعية الحياة والتكاليف الإجمالية)، ويمكن في الغالب صياغتها حسابياً. وترتبط بعض الأهداف الأخرى بالأبعاد الأخلاقية للقرارات المتعلقة بتخصيص الأعضاء، ويمكن أن يكون من الصعب وصفها أو تحديدها بطرق متعددة وغير مترابطة مع بعضها. وفي حالة تخصيص الأعضاء لإجراء عمليات زراعة الأعضاء، إلى جانب مقاييس الكفاءة المختلفة التي يهتم بها واضعو السياسات، هناك الكثير من اعتبارات الإنصاف التي يمكن أن تكون متعارضة وينبغي أخذها في الاعتبار لكي لا يتعرض المرضى للتمييز بناءً على قائمة طويلة من العوامل كالعِرق والنوع الاجتماعي والعمر والموقع الجغرافي.
تتعامل الممارسات الحالية مع تخصيص الأعضاء باستخدام معادلة لتحديد الدرجة، وهي تمنح نقاطاً للمرشحين بناء على العديد من المعايير المختلفة (المسموح بها) كوقت الانتظار والضرورة الطبية ومدى القرب من المتبرع، وما إلى ذلك. إلا أن اتخاذ قرار بشأن عدد النقاط التي ينبغي منحها لكل معيار هو مهمة شاقة؛ إذ إن تعديل عدد النقاط بالنسبة إلى أحد المعايير قد يحسن النتائج في بعض الأبعاد ولكن يمكن أن يجعلها أسوأ في الكثير من الأبعاد الأخرى، وغالباً ما يحدث ذلك بطرق غير متوقعة. ولابتكار نموذج ينفّذ السياسات المرغوبة، عادة ما تضع المؤسسات عدداً من معادلات تحديد الدرجة وتختبرها من خلال إجراء عمليات محاكاة. ثم يتم تعميم أكثر النماذج الواعدة على أرض الواقع، وإذا وُجد أنها تضر بفئة من المرضى، حينها يتم صقلها وتحسينها. بمعنى آخر، يُجرى تحليل الإنصاف في وقت لاحق، وتُحدَّد الآثار التمييزية بشكل متواصل.
ولكن التفكير في الالتزامات الأخلاقية في مرحلة متأخرة للغاية يجعل من الصعب تحقيق نتائج مقبولة أخلاقياً لثلاثة أسباب:
1- ينطوي تنفيذ القرارات، كتلك المتعلقة بتخصيص الأعضاء، على عمليات وأشخاص وموارد أخرى قد يكون من الصعب تغييرها أو تعديلها بمجرد أن يتم توظيفها.
2- نظراً إلى أن الأشخاص قد يكون لديهم قدر قليل من التسامح إزاء التمييز أو النتائج الأخرى غير المنصفة، قد يؤدي التقييم الأخلاقي اللاحق إلى رفض النماذج والحلول المتعلقة بالرعاية الصحية بشكل قاطع.
3- عدم مراعاة الأخلاقيات سلفاً يقيد التطلعات من البداية، أو بعبارة أخرى، يمكن أن تؤدي مراجعة عمليات التنفيذ بأثر رجعي إلى تحيز التصورات السائدة حول ما يمكن تحقيقه في الممارسة العملية.
تبدأ العملية المثالية بفهم جميع أبعاد الهدف ثم محاولة إيجاد أفضل طريقة لتحقيقها جميعاً إلى أقصى درجة ممكنة. لذا من الضروري تطوير النماذج وعمليات تحليل البيانات التي تحاول من البداية أن تحقق التوازن بين جميع الأهداف، بما في ذلك الاعتبارات الأخلاقية.
وفيما يتعلق بتخصيص الأعضاء من أجل إجراء عمليات زراعة الأعضاء، قد يعني ذلك أنك يجب أن تمنح علماء الأخلاق "صفحة بيضاء" لتوضيح أي من نتائج التخصيص تُعد منصفة، قبل البدء في تصميم خوارزميات الذكاء الاصطناعي أو نماذج التحليلات المحوسبة. على سبيل المثال، ما هي النسبة المئوية للأعضاء التي ينبغي تقديمها للمرضى من أصحاب البشرة السمراء أو الإناث؟ بمجرد معالجة هذه المسائل ورؤية المسار الصحيح يلوح في الأفق، حينها يمكن الاستفادة من البيانات والذكاء الاصطناعي والتحليلات المحوسبة لوضع سياسة تساعد في تحقيق هذه الأهداف أو على الأقل تقترب قدر الإمكان من تحقيقها.
استخدام المحاكاة والتعلم الآلي في الرعاية الصحية
على سبيل المثال، عمل أحدنا على أداة عبر الإنترنت تستخدم هذا النهج لتسهيل وضع السياسات ذات الصلة بتخصيص الرئات. وقد كانت الواجهة البينية لهذه الأداة تستخدم "أشرطة تمرير" تتيح للأطراف المسؤولين عن وضع السياسات تحديد الكيفية التي يمكن بها تغيير المقاييس المهمة للكفاءة والأخلاقيات مقارنة بالوضع الراهن. وبعد ذلك، باستخدام المحاكاة والتعلم الآلي والأمثلية الرياضية، تُنتج الأداة سياسة تخصيص ملائمة؛ ما يعني حساب عدد النقاط التي ينبغي منحها عن كل يوم يقضيه المريض في قائمة الانتظار وعن كل سنة إضافية من سنوات العمر يتم توفيرها للمريض وعن كل ميل سيجعل المرشح أقرب إلى المتبرع، وما إلى ذلك.
يحاول هذا النهج "الأخلاقي من حيث تصميمه" الذي وصفناه أعلاه تحقيق نوع من "التوازن التأملي" (وهو مصطلح مقترن بالفيلسوف جون رولز) وبموجبه يبدأ علماء الأخلاق وقادة المؤسسات بتحديد مجموعة من الاعتبارات الخاصة بالمرشحين التي يبدو أنها مهمة (في حالة زرعة الأعضاء، قد تتعلق هذه الاعتبارات بالتنبؤ بتقدم المرض في المستقبل ومتوسط العمر المتوقع، وما إلى ذلك). ثم يتم استخدام التحليلات المحوسبة لنمذجة طرق مختلفة للمفاضلة بين هذه الاعتبارات ورؤية النتائج. يعرض جميع أصحاب المصلحة المعنيين نتيجة هذا التحليل ويدرسونها، ما يؤدي إلى مراجعة إما قائمة الاعتبارات وإما ترجيحها، وهو ما يؤدي بدوره إلى إجراء جولة جديدة من التحليل، وهكذا. وعندما يقول أصحاب المصلحة: "أعتقد أنك تعطي أولوية كبيرة للعمر"، في هذه الحالة "يمكن تعديل أشرطة التمرير" لتُظهر لهم ماذا سيحدث تحديداً إذا تم تغيير نظام المفاضلة، ما قد يثير مزيد من النقاشات على أمل أن تثمر عن مزيد من التفهم.
ينطوي مثال تخصيص الأعضاء لإجراء عمليات زراعة الأعضاء على دروس يمكن الاستفادة منها عند طرح اللقاحات المعتمدة لمرض "كوفيد-19" خلال الأشهر المقبلة. إذ ستواجه السلطات تحدياً مهماً يتعلق بالتخصيص والتوزيع؛ فبالنظر إلى أن قدرات الإنتاج والتوزيع ستحتاج إلى شهور لتتمكن من تلبية الطلب الهائل، سيتعين على الدول حول العالم أن تتخذ قرارات بشأن الفئات التي لها الأولوية في الحصول على اللقاح، إضافة إلى الانتباه لكيفية استخدام الذكاء الاصطناعي في تحديد من هم بحاجة لعملية زراعة الأعضاء، ويمكن للأدوات والمبادئ التي ناقشناها في هذه المقالة المساعدة في ذلك.