ملخص: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحقق قيمة هائلة في منطقة الشرق الأوسط تصل إلى 150 مليار دولار، أي ما يعادل 9% من إجمالي الناتج المحلي لدول مجلس التعاون الخليجي.
وقد أدرك بنك الإمارات دبي الوطني (NBD)، وهو أحد أهم المصارف الإماراتية، هذه الإمكانية واتخذ خطوة جريئة بتحويل عملياته لتستند إلى الذكاء الاصطناعي، وعقد شراكةً مع شركة ماكنزي لتعزيز فرص نمو أعماله وبناء قدرات تشغيلية استثنائية قائمة على الذكاء الاصطناعي والتحليلات المتقدمة. يسلّط هذا المقال الضوء على خطوات نموذج واعد لاعتنام الفُرض التي يوفرها الذكاء الاصطناعي: 1. الفرصة (تنفيذ برنامج تحول البيانات)، 2. النهج المتبع (تمويل التوسع ذاتياً)، 3. التأثير (التوسع عبر إدارات البنك).
عقد بنك الإمارات دبي الوطني (ENBD) شراكةً مع شركة ماكنزي لتعزيز فرص نمو أعماله وبناء قدرات تشغيلية استثنائية تستند إلى الذكاء الاصطناعي والتحليلات المتقدمة.
الفرصة
تنفيذ برنامج تحول البيانات
وفقاً لتقديراتنا، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحقق قيمة هائلة في منطقة الشرق الأوسط تصل إلى 150 مليار دولار، أي ما يعادل 9% من إجمالي الناتج المحلي لدول مجلس التعاون الخليجي.
وقد أدرك بنك الإمارات دبي الوطني (ENBD)، وهو أحد أهم المصارف الإماراتية، هذه الإمكانية واتخذ خطوة جريئة بتحويل عملياته لتستند إلى الذكاء الاصطناعي.
يقول رئيس قسم العمليات الرقمية والمعلومات لمجموعة بنك الإمارات دبي الوطني، ميغيل ريو تينتو: "أكمل بنك الإمارات دبي الوطني بنجاح عملية تحول شاملة في تكنولوجيا المعلومات أدت إلى تبسيط البنية التحتية التكنولوجية ورقمنة العديد من العمليات الأساسية، بالإضافة إلى إنشاء بحيرة بيانات شاملة على مستوى البنك. ويمثل استخدام التحليلات المتقدمة والذكاء الاصطناعي خطوة استراتيجية للبنك لتحقيق أقصى استفادة من استثمار التحول التكنولوجي".
مع قاعدة عملاء تتجاوز 20 مليون عميل، وأكثر من 30 ألف موظف موزعين عبر 13 دولة، شكّل التحول الرقمي لبنك الإمارات دبي الوطني مشروعاً معقداً ومتعدد الأبعاد. كما ينطوي التحول في القطاع المالي على تحديات فريدة؛ إذ يتطلب الاعتماد على الذكاء الاصطناعي استثمارات ضخمة في البنية التحتية التكنولوجية، بالإضافة إلى وقت طويل قبل تحقيق عوائد ملموسة وقابلة للقياس.
"يدرك العديد من البنوك أن الاستثمار في الذكاء الاصطناعي يشكل التزاماً مالياً كبيراً قد لا يظهر نتائجه الفورية. وعلى الرغم من يقين البنوك بأن هذه التقنية ستحقق فوائد كبيرة على المدى الطويل، فإنها تواجه تحديات مرتبطة بالمدة الزمنية لتحقيق هذه النتائج بشكل ملموس. ومع ذلك، يمكن لاتباع استراتيجية استثمار ذكية أن يساعد البنوك على تمويل تحولها الرقمي تدريجياً عبر تحقيق تأثيرات تراكمية من البداية وحتى مراحل التوسع".
أشوين نايب: شريك مساعد – ماكنزي.
النهج المتبع
تمويل التوسع ذاتياً
بدأ بنك الإمارات دبي الوطني المرحلة الأولى من التحول في عام 2021 بالشراكة مع ماكنزي. يقول رئيس الاستراتيجية والتحليلات ورأس المال المغامر في البنك، نيراج ماكين: "كان من المهم وضع استراتيجية وخارطة طريق واضحة للتحليلات المتقدمة متوافقة مع أهداف البنك، لضمان التوسع السريع وتأثير نماذج الاستخدام. وكان لدعم القيادات التنفيذية المباشر دوره في تشكيل نماذج الاستخدام والتبني الواسع النطاق في المكاتب الأمامية".
ركزت استراتيجية التحول على حالات الاستخدام عالية التأثير، والتي برهنت على قدرتها على تحقيق قيمة كبيرة عبر الإدارات المختلفة وحظيت بدعم واضح من الإدارة التنفيذية. ولتقليل الجهد اللازم لإدارة التغيير في المكاتب الأمامية، تم دمج نتائج التحليلات المتقدمة مباشرة في تطبيقات الأعمال الحالية.
"مثل جميع البنوك، واجهنا تحديات كبيرة في إدارة البيانات نظراً لوجود كميات ضخمة من البيانات غير المصنفة والمستمدة من مصادر متعددة، والتي تتفاوت في جودتها وغالباً ما تفتقر إلى وضوح المصدر. وتمثل هذه التعقيدات عوائق أساسية أمام قابلية اكتشاف البيانات، وفهمها، وتحقيق جودة عالية ومستدامة للبيانات".
راي ريتشاردسون: رئيس تحليل البيانات في بنك الإمارات دبي الوطني.
لبدء هذه الرحلة، اختار البنك مجموعة من خبراء البيانات لتكون الفريق الأساسي المسؤول عن إدارة البيانات. تولى هذا الفريق الصغير، الذي يمتلك فهماً شاملاً للبيانات واحتياجات الأعمال، مسؤولية تنظيم أصول البيانات اللازمة لتطبيق حالات الاستخدام المتميزة الأولية. مكنتهم خبرتهم من تحديد أولويات البيانات بدقة وضمان تكاملها عبر المنصات المختلفة. وتطلب توسيع نطاق الجهود الخاصة بالبيانات اعتماد نهج جديد للتعامل مع التعقيدات المتزايدة. قاد الفريق المركزي الصغير استراتيجية مستوحاة من نموذج شبكة البيانات (Data Mesh). كما اعتمد الفريق نهجاً لحوكمة البيانات وإدارتها يتيح لكل وحدة أعمال إدارة بياناتها مع الالتزام بالمعايير والسياسات العامة.
ولضمان التوسع في تحليلات الذكاء الاصطناعي بأمان وكفاءة، تعاون البنك مع (QuantumBlack, AI by McKinsey)، لتطوير قدرات متقدمة مبتكرة مثل إطار عمل (CI/CD) الآلي وبناءات معلّبة للتخلص من مشكلات إعادة الإنتاج. وأنشأ البنك متجر ميزات لتمكين مراقبة خطوط البيانات ونماذج تعلم الآلة وتحسينها. كما طور البنك إطار عمل للتحقق من صحة النموذج لضمان توحيد وثائق النماذج والتحقق منها وإصدارها آلياً.
يقول رئيس الأعمال المصرفية للشركات والمؤسسات للمجموعة، أحمد القاسم: "مع تزايد الطلب التجاري على التحليلات، أدرك بنك الإمارات دبي الوطني الحاجة إلى الانتقال من حالات الاستخدام واسعة النطاق التي تتطلب فترات تنفيذ طويلة إلى إصدارات أكثر تكراراً وأقل حجماً وأسرع في الدورة".اعتمد بنك الإمارات دبي الوطني نهج الاختبار والتعلم لتمكين التحول، مما سمح له بالتوسع التدريجي عبر الاستفادة من أصول البيانات والتحليلات التي تم تطويرها مسبقاً. ولضمان تحقيق عوائد ملموسة، اعتمد البنك على مجموعات تحكم اصطناعية مدعومة بتقنيات التعلم الآلي القياسية لقياس وتتبع الأثر التجاري، وكان النجاح في قياس التأثير التجاري مدعوماً بتعاون وثيق بين فرق الأعمال وفرق الخدمات المالية.
وقد أدرك بنك الإمارات دبي الوطني منذ البداية أن بناء مجموعة مواهب قوية يعد عنصراً أساسياً لنجاح عملية التحول. ولتحقيق هذا الهدف، ركز البنك على تعزيز قدرات علوم البيانات، مع إعادة تأهيل الموظفين الحاليين للأدوار الجديدة التي تتطلب مهارات متقدمة، مثل قادة التسليم ومهندسي البيانات.
تعليقاً على ذلك، يقول أحد شركاء ماكنزي، سعدي عظيم: "عند الحديث عن الذكاء الاصطناعي، يبرز التركيز على بناء القدرات الفنية كعنصر رئيسي، لكن إدارة التغيير تشكل عنصراً لا يقل أهمية لضمان نجاح هذا التحول. ويؤدي التركيز على الأدوار الوظيفية التقنية دوراً أساسياً في جسْر هذه الفجوة ودمج التكنولوجيا بسلاسة ضمن بيئة العمل".
مع تقدم البنك في رحلة التحول، أصبحت الأدوار التقنية الوظيفية أهم لدعم إدارة التغيير وتحديد حالات الاستخدام المستقبلية للذكاء الاصطناعي. ففي المراحل الأولى، ركز البنك على التوظيف الخارجي لاستقطاب أصحاب الكفاءات ذوي الخبرات الفنية والوظيفية اللازمة لهذه الأدوار. وبالتوازي مع هذا التوجه، حرص البنك على بناء قدرات داخلية، وصمم برنامجاً شاملاً بالشراكة مع أكاديمية ماكنزي، وتم تنظيم هاكثونات داخلية لتعزيز الابتكار وتشجيع الموظفين على اكتشاف إمكانيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، وتطوير حلول جديدة باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.
التأثير
التوسع عبر إدارات البنك
حقق البنك نمواً ملحوظاً وقابلاً للتوسع في القطاع المصرفي بفضل تحوله الاستراتيجي نحو الذكاء الاصطناعي. وأسهمت التحليلات القابلة للتوسع في تحسين الكفاءة التشغيلية، وإضفاء الطابع المؤسسي على صنع القرار بوتيرة أسرع وأدق.
بفضل التحول الرقمي الذي يقوده الذكاء الاصطناعي التنبئي، أصبح بإمكان البنك تقديم تجارب عملاء مخصصة وموجهة بدقة أكبر لتلبية الاحتياجات الفردية. فعلى سبيل المثال، في الخدمات المصرفية للأفراد، يمكن استخدام قدرة التخصيص المفرط لتقديم المشورة للعملاء من شرائح واسعة، بما في ذلك المستثمرين لأول مرة، بشأن حلول استثمارية تلبي احتياجات كل مستثمر.
يقول رئيس الخدمات المصرفية للأفراد وإدارة الثروات، مروان هادي: "تلعب نماذج التحليلات المتقدمة دوراً رئيسياً في تمكين بنك الإمارات دبي الوطني من فهم وتلبية احتياجات العملاء بشكل أفضل. فمن خلال هذه النماذج، يستطيع البنك تحديد العملاء المحتملين ذوي الإمكانات العالية وتحسين مستوى التفاعل مع العملاء الحاليين عبر تقديم منتجات وخدمات مخصصة تلبي احتياجاتهم".
خلال أول عامين من جهوده في التحول المدعوم بالذكاء الاصطناعي، أنتج بنك الإمارات دبي الوطني أكثر من 100 نموذج تحليلي، مع بناء فريق تحليلات متخصص يضم أكثر من 70 خبيراً. ويضع البنك أهدافاً طموحة فيما يتعلق بعائد الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، حيث يسعى إلى تحقيق عائد يتراوح بين خمسة إلى سبعة أضعاف على استثماراته في هذا المجال، من خلال القيمة التجارية الناتجة عن التحليلات والمبادرات القائمة على البيانات.
يقول رئيس تحليل البيانات في بنك الإمارات دبي الوطني، راي ريتشاردسون: "نسعى إلى جعل الذكاء الاصطناعي عنصراً أساسياً في كافة شؤون وأنشطة البنك، سواء كان ذلك على مستوى قرارات مجلس الإدارة أو في كل تواصل مع عملائنا".