كيف يقضي الذكاء الاصطناعي على الأعمال الإدارية المملة في مجال الرعاية الصحية؟

4 دقائق
الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

عندما نفكر في الاختراقات التكنولوجية التي حدثت في مجال الرعاية الصحية، فإننا غالباً ما نستحضر صور التدخلات الطبية البطولية – مثل أول عملية زرع أعضاء والجراحة الروبوتية، وما إلى ذلك. ولكن في الواقع، تحققت بعض الطفرات في صحة الإنسان بسبب تدخلات أكثر واقعية – مثل التخلص الآمن من الفضلات البشرية عن طريق مياه المجاري والصرف الصحي على سبيل المثال، أو غسل اليدين أثناء الولادة أو أثناء عمليات الولادة القيصرية. 

لدينا فرصة مماثلة الآن في الطب من خلال الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية، إذ نتجت توقعات هائلة عن المشاريع الطموحة للقيام بأمور تتعلق بعلاج مرضى السرطان أو مساعدة المرضى المصابين بالشلل على المشي من خلال الذكاء الاصطناعي. لكن أعظم فرصة للذكاء الاصطناعي على المدى القريب لن تحدثها الإنجازات المذهلة التي تتصدر عناوين الصحف، وإنما استخدام الحواسيب والخوارزميات للعمل بأقصى جهد ممكن.

استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية

تُعد الأعمال الورقية الزائدة والبيروقراطية بمثابة “مياه المجاري” في الطب الحديث. إن النفقات المهدرة في مجال الرعاية الصحية والتي تُقدر بـ 14% من إجمالي النفقات (ما يعادل 91 مليار دولار) ما هي إلا نتيجة للإدارة غير الفعالة. دعونا نكلف الذكاء الاصطناعي بمهمة تنظيف هذا الوحل الإداري غير المحبب قطعاً، فالإدارة غير الفعالة تمثل عائقاً في مؤسساتنا الطبية وتمتص قيمة اقتصادنا، وتصيب الأطباء حرفياً بالإجهاد والتوتر.

إليكم مثال واحد فقط على هذه الفرصة المباشرة: لا يزال هناك نحو 120 مليون جهاز فاكس مستخدمة لتنفيذ أعمال أكثر من 100 ألف مزود خدمة في شبكة شركة “أثينا هيلث” (athenahealth)، وهي شركة تكنولوجيا الرعاية الصحية التي أعمل مديراً تنفيذياً لها. نعم إنها أجهزة الفاكس. هل تتذكرونها؟

في مجال الرعاية الصحية، تظل رسائل الفاكس هي الطريقة الأكثر شيوعاً التي يستخدمها الأطباء الممارسون للتواصل مع بعضهم. وبالتالي، غالباً ما تحتوي على معلومات سريرية مهمة مثل: نتائج المختبرات وملاحظات الاستشارات المتخصصة والوصفات الطبية وما إلى ذلك. ونظراً لأن معظم أرقام الفاكس الخاصة بمؤسسات الرعاية الصحية متداولة بين العامة، يتلقى الأطباء أيضاً أعداداً كبيرة من الرسائل التي تحتوي على قوائم الوجبات السريعة وعروض السفر وغيرها من الرسائل غير المرغوب فيها. إذ لا تحتوي رسائل الفاكس على أي نصوص منظمة؛ لذلك يستغرق طاقم العمل الطبي في المتوسط دقيقتين و36 ثانية لمراجعة كل الوثائق وإدخال بيانات ذات الصلة في سجلات المرضى، ومن خلال مزيج من تقنيات التعلم الآلي والاستعانة بمصادر خارجية للعمليات التجارية التي استُخدمت في تصنيف رسائل الفاكس آلياً، نجحنا في تقليل متوسط الوقت المستغرق في مراجعة كل رسالة فاكس إلى دقيقة و11 ثانية. ونتيجة لذلك، قللنا خلال العام الماضي وحده أكثر من 3 ملايين ساعة من العمل في نظام الرعاية الصحية.

وتلك مجرد البداية فقط لفريقنا المتخصص في الذكاء الاصطناعي. كما أننا نعمل على نطوّير برمجيات يمكنها فحص نتائج المختبرات والإشارة إلى النتائج العاجلة لينتبه لها الأشخاص، بالإضافة إلى خوارزمية يمكنها المساعدة تلقائياً في وضع برنامج متابعات روتينية للمرضى ذوي الحالات الحرجة، وفي العام المقبل، نأمل في تقليل الوقت الذي يستغرقه استخراج البيانات من رسائل الفاكس وإدخالها في سجل المريض إلى 30 ثانية.

إن قراءة رسائل الفاكس ووضع جدول للمواعيد ليست مفيدة لصحة المرضى، ولكن هناك مجموعة أسباب وراء أهمية هذا النوع من العمل. أولها، نحن في خضمّ أزمة إرهاق تصيب الأطباء الأميركيين. إنهم يعانون من الأعباء الإدارية ويشعرون بأنهم أنهم أصبحوا موظفين روتنيين وليس أطباء. يشعر المرضى أيضاً بالضيق بسبب الأعمال البطيئة المطلوبة لمتابعة الإحالات وضمان وصول المعلومات السريرية الأساسية إليهم من خلال النظام الصحي.

صناعة تكنولوجيا المعلومات الصحية

يمثل تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي في العمل الذي لا يطيقه الأطباء طريق الخلاص لصناعة تكنولوجيا المعلومات الصحية. وبالنسبة للعديد من الأطباء، أصبحت التكنولوجيا التي كانت ناجحة سابقاً (مثل السجلات الصحية الإلكترونية) جزءاً من المشكلة، وأضافت إلى هذا العبء والإرهاق بدلاً من تخفيفهما. نحتاج إلى إعادة بناء الثقة فيما تعد به التكنولوجيا من توفير وقت مزودي الخدمات الصحية وتحسين تقديم الرعاية الصحية. هل ستسبب الخوارزميات وتقنيات الذكاء الاصطناعي توترات جديدة وغير متوقعة للأطباء في المستقبل؟ ربما. تعد تلك مخاطرة دائماً مع أي تقنية جديدة. لكن من واقع خبرتي، فإن معظم الأطباء لا يخشون الأتمتة، بل يخشون فقدان الاستقلال؛ فاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتخفيف الأعمال المملة سيسمح لهم بالتركيز مرة أخرى على أكثر ما يحبونه وأين يحققون القيمة الأكبر وهو مقابلة المريض.

أخيراً، إن تركيز الذكاء الاصطناعي على الهدف المتمثل في القضاء على الأعمال المملة والمزعجة بالطب الحديث قد يضع حجر الأساس لعلاج مرضى السرطان يوماً ما (وابتكارات الذكاء الاصطناعي المذهلة الأخرى). ووجد تقرير حديث لمجموعة “جيسون” (JASON)، وهي مجموعة نخبوية من العلماء تقدم الاستشارات للحكومة الأميركية في شؤون العلوم والتكنولوجيا، أن ضعف إدارة البيانات يظل عقبة رئيسية تواجه التطبيق السريري لتقنيات الذكاء الاصطناعي. لا يزال هناك عمل كبير يجب القيام به لتحسين البيانات التي يعتمد عليها مستقبل الذكاء الاصطناعي، إذ نحتاج إلى إخراج البيانات من مخازنها، وبالتالي يمكن الوصول إليها والاستعلام عنها وتحليلها بسهولة. إن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد وتصنيف ونشر المعلومات بشكل صحيح سيضع حجر الأساسي لتحقيق تحليلات هائلة في المستقبل. 

لا يزال معظم المدراء في مجال الرعاية الصحية غير متأكدين من استراتيجية الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية. إنهم يشعرون أن الذكاء الاصطناعي سوف يغير قواعد اللعبة، ولكنهم غير متأكدين من كيفية حدوث ذلك. أحب أن يكون لدى مجال الرعاية الصحية طموحات بطولية لتكنولوجيا جديدة واعدة، حتى بعد سنوات من صيحات التكنولوجيا الفائقة المخيبة للآمال. لكن في الوقت الذي نحقق فيه تقدماً تقنياً هائلاً، دعونا ننظف الوحل الإداري الذي يعيقنا عن التقدم في الوقت الحالي؛ لنطلق العنان لإمكانياتنا في تطوير مجال الرعاية الصحية. 

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .