في يوم الإثنين، التاسع من مارس/آذار، أقام مستشفى "بارتنرز هيلث كير" فعالية من خلال البث المباشر على الإنترنت مع تخصيص خط اتصال ساخن لجميع المرضى والأطباء وكل من لديه أي استفسار بشأن وباء "كوفيد-19"، سعياً لمعالجة مشكلة تزايد أعداد المرضى على نحو كبير في بوسطن. كانت أهداف هذه الفعالية تتمثل الاستفادة من تجارب المستشفيات مع الذكاء الاصطناعي لمواجهة كورونا وفي تحديد المرضى الذين لا يحتاجون رعاية طبية إضافية وطمأنتهم، وهم الأغلبية العظمى من المتصلين، وتزويد المرضى الذين يعانون من أعراض طفيفة بالمعلومات وخيارات الرعاية الافتراضية التي تلبي احتياجاتهم، وتوجيه العدد الأقل من المرضى الذين يعانون من أعراض شديدة أو الأكثر عرضة لخطورة الإصابة إلى الخدمات الأكثر ملاءمة لهم، ومنها مواقع الفحص وعيادات الأمراض التنفسية التي أنشئت حديثاً، أو إلى أقسام الطوارئ في حالات معينة.
ومع ضغط الاتصالات الهائل على الخط الساخن، وصلت ذروة متوسط وقت الانتظار إلى 30 دقيقة، واستسلم كثير من المتصلين قبل أن يتمكنوا من التحدث إلى فريق الممرضين الخبراء الذين كانوا يتلقون الاتصالات. لم تتوفر لدينا طرق لتسهيل عملية فرز المرضى قبل دخولهم إلى المستشفى كي نتمكن من تقديم الخدمات الطبية الملائمة لهم في الوقت المناسب.
اقرأ أيضاً: كيفية الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في مواجهة الجائحة الحالية والمقبلة
لذا، بدأ فريق مستشفى "بارتنرز"، بقيادة زملائنا لي شوام وهايبين مارك جان وآدم لاندمان، بالتفكير في الحلول التقنية من أجل تلبية الحاجة المتنامية إلى آلية فرز ذاتي للمرضى، بما في ذلك نظام استجابة صوتي تفاعلي وروبوتات الدردشة (تشات بوتس). وتواصلنا مع مستشفى "بروفيدنس سانت جوزيف" في سياتل، التي استقبلت بعضاً من أوائل المصابين بفيروس كوفيد-19 في بداية شهر مارس/آذار. وبالتعاون مع شركة مايكروسوفت، أنشأت مستشفى "بروفيدنس" برنامجاً للتحري والفرز على الإنترنت قادراً على التمييز بسرعة بين المرضى المصابين بفيروس "كوفيد-19" بشكل فعلي والذين يعانون من أمراض أقل خطورة. في الأسبوع الأول، عمل برنامج مستشفى "بروفيدنس" على خدمة ما يزيد عن 40 ألف مريض، وقدم لهم الرعاية على نطاق واسع غير مسبوق.
استخدام الذكاء الاصطناعي لخدمة مرضى فيروس كورونا
توقع فريقنا نجاح هذا النوع من الحلول القائمة على الذكاء الاصطناعي، وسعينا لتطوير برنامج مماثل من أجل خدمة مرضانا. يقدم برنامج التحري "بارتنرز كوفيد-19 سكرينر" (Partners Covid-19 Screener) واجهة محادثة بسيطة ومباشرة، تطرح على المرضى سلسلة أسئلة وضعت استناداً إلى المعلومات التي قدمها كل من المركز الأميركي لمكافحة الأمراض والوقاية منها، وخبراء مستشفى "بارتنرز هيلث كير". بهذه الطريقة، يمكن للبرنامج فحص أعداد هائلة من الأشخاص والتمييز بسرعة بين من تحتمل إصابتهم بفيروس "كوفيد-19" بالفعل ومن يعانون من أمراض أقل خطورة. توقعنا أن يتمكن هذا الروبوت الذكي من تخفيف الضغط الهائل من اتصالات المرضى على الخطوط الساخنة، وتوسيع الرعاية التي يقدمها المستشفى وتقسيمها بطرق لم تكن ممكنة حتى وقت قريب. ويجري حالياً العمل على تطويره من أجل تسهيل فرز المرضى الذين ظهرت عليهم أعراض المرض وتوجيههم إلى الخدمات الطبية التي تلائمهم، بما في ذلك خدمة الطوارئ الافتراضية ومقدمو الرعاية الأولية وعيادات الأمراض التنفسية أو أقسام الطوارئ. والأهم هو أن روبوت الدردشة الآلي يعمل بطريقة انتشار شبه فورية لدعم طواقمنا الطبية الموزعة على نطاق واسع، إذ لاحظنا ضرورة تحديث خوارزميات الفرز الطبي بصورة مستمرة بناء على المشهد سريع التغير.
وكذلك الأمر في كل من مستشفى "بريغام آند ويمنز" ومستشفى "ماساتشوستس العام"، حيث يعمل الأطباء الباحثون على استكشاف الاستخدامات المحتملة للروبوتات الذكية التي يتم تطويرها في شركة "بوسطن دايناميكس" (Boston Dynamics) ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي)، من أجل توظيفها في العيادات الاحتياطية المخصصة لمرضى "كوفيد-19" وعنابر المرضى الداخليين في المستشفى، كي تنفذ المهمات التي تحتاج إلى تماس مباشر مع المرضى، كقياس مؤشراتهم الحيوية أو توصيل الأدوية لهم، سعياً للحد من انتقال العدوى.
مبادرات الذكاء الاصطناعي بدأت بالظهور بالفعل
استفادت عدة أنظمة حكومية ومستشفيات حول العالم من أجهزة الاستشعار القائمة على الذكاء الاصطناعي من أجل دعم عمليات فرز المرضى بطرق متطورة. إذ قامت شركة التقنية الصينية "بايدو" (Baidu) بتطوير نظام استشعار عن بعد بالأشعة تحت الحمراء من أجل تمييز الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع في درجة الحرارة، حتى في الأماكن المزدحمة. وتم تزويد محطة قطارات "كينغهي" في بكين بهذا النظام من أجل تحديد حاملي العدوى المحتملين، ليحل محل عمليات التحري اليدوية المعقدة. وكذلك الأمر في مدينة فلوريدا، حيث ركب مستشفى "تامبا" العام أجهزة تعمل بنظام قائم على الذكاء الاصطناعي في مداخله، بالتعاون مع شركة "كير دوت أيه آي" (Care.ai)، من أجل تحديد الأشخاص الذين يحتمل ظهور أعراض الإصابة بفيروس "كوفيد-19" عليهم ومنعهم من زيارة المرضى. وعن طريق أجهزة الكاميرا التي وضعت على مداخل المستشفى، تجري التقنية فحصاً حرارياً للوجه وتلاحظ أعراضاً أخرى، بما فيها التعرق والشحوب، من أجل تحديد الزوار المصابين بالحمى.
اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي والسجلات الصحية الإلكترونية
وبالإضافة إلى عملية التحري، تستخدم أنظمة الذكاء الاصطناعي لمراقبة أعراض "كوفيد-19" وتقديم الدعم للقرارات المتخذة بناء على التصوير الشعاعي الطبقي (بالأشعة المقطعية)، وتنفيذ أعمال المستشفى آلياً. وفي هذه الأثناء، يستخدم مستشفى "زونان" (Zhongnan) في الصين جهاز تصوير شعاعي طبقي قائم على الذكاء الاصطناعي يتعرف على أعراض مرض "كوفيد-19" في غياب الأخصائيين. وأسس مستشفى "ووتشانغ" في ووهان الصينية مستشفى ميدانية ذكية تشكل الروبوتات قسماً كبيراً من موظفيه، حيث كانت تتم مراقبة مؤشرات المرضى الحيوية باستخدام أجهزة قياس الحرارة المتصلة بالإنترنت وأجهزة توضع على المعصم كالسوار. وكانت الروبوتات الذكية توصل الأدوية والطعام للمرضى، ما يقلل خطورة التقاط الأطباء للعدوى ويخفف عبء العمل عن العاملين المنهكين في قطاع الرعاية الصحية. وفي كوريا الجنوبية، أطلقت الحكومة تطبيقاً ذكياً يتيح للمستخدمين الإبلاغ عن ظهور الأعراض عليهم بأنفسهم، وينبههم في حال مغادرتهم "منطقة الحجر الصحي" من أجل الحد من تأثير الأشخاص الذين يحتمل أن ينشروا العدوى بين أعداد كبيرة من السكان.
التحول الرقمي الآن
يتسبب انتشار مرض "كوفيد-19" في توسيع الأنظمة التشغيلية في قطاع الرعاية الصحية وغيره، وقد شهدنا نقصاً في كل شيء، بدءاً من الأقنعة الواقية والقفازات الطبية، وصولاً إلى أجهزة التنفس، كما شهدنا عجزاً في القدرة الاستيعابية في غرف الطوارئ وغرف العناية المركزة، وحتى في إمكانية الاعتماد على الاتصال بالإنترنت. والسبب في ذلك بسيط ومخيف في آن، فأنظمتنا الاقتصادية والطبية مجهزة للتعامل مع طلب خطي متزايد، في حين يزداد انتشار الفيروس بمعدل أسي متسارع. لذا، لن يتمكن النظام الطبي في بلادنا من مجاراة هذا النوع من الطلب المتفجر إذا لم يسارع بتبني نماذج التشغيل الرقمية على نطاق واسع.
اقرأ أيضاً: أداة بسيطة تتيح لك اتخاذ القرارات بمساعدة الذكاء الاصطناعي
وفي حين نسابق الزمن لكبح انتشار الفيروس، يمكننا تحسين آليات استجابتنا عن طريق تنفيذ أكبر قدر ممكن من الإجراءات بالطرق الرقمية. وهذا لأن الإجراءات التقليدية، تلك التي تعتمد على الأفراد للعمل في مسار معالجة الإشارات الحرجة، مقيدة بمعدل قدرتنا على تدريب الموظفين البشر وتنظيمهم وتوزيعهم. وعلاوة على ذلك، كلما ازداد حجم العمليات التقليدية، تراجعت إيراداتها. وبالمقابل، يمكن توسيع الأنظمة الرقمية من دون هذه القيود، وبمعدلات تكاد تكون غير محدودة. والمعوقات النظرية الوحيدة فيها هي قدرة الحوسبة والسعة التخزينية، وكلاهما متوفر لدينا بكثرة، لذا، يمكن للأنظمة الرقمية مواكبة النمو المتسارع.
اقرأ أيضاً: تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الطب
لكن من الضروري تحقيق التوازن في الذكاء الاصطناعي المستخدم في قطاع الرعاية الصحية عن طريق الاستعانة بالمستوى المناسب من الخبرات الطبية البشرية في اتخاذ القرارات النهائية، من أجل ضمان تقديم رعاية آمنة عالية الجودة. ففي كثير من الحالات، لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل محل الإنسان في التفكير وصناعة القرارات الطبية بسهولة، لكن يمكن الاستعانة به لرفع كفاءة الإنسان وفعاليته.
أخيراً وبالحديث عن تجارب المستشفيات مع الذكاء الاصطناعي لمواجهة كورونا، يساهم التحول الرقمي في قطاع الرعاية الصحية في تأخير القطاعات الأخرى، وقد سرعت استجابتنا لوباء "كوفيد-19" اليوم من تبنينا للأدوات الافتراضية والقائمة على الذكاء الاصطناعي والتوسع في استعمالها. إذ يتم توظيف التحول الرقمي السريع في معالجة تهديد مرض "كوفيد-19" المتنامي باطّراد، بدءاً من روبوتات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في مستشفيي "بروفيدنس" و"بارتنرز"، وصولاً إلى المستشفى الميداني الذكي في ووهان. لذا، نأمل أن نتمكن بعد استقرار وباء "كوفيد-19"، من تغيير طريقتنا في تقديم الرعاية الصحية في المستقبل.
اقرأ أيضاً: منافع قطاع الرعاية الصحية من الجمع بين الأجهزة الطبية القابلة للارتداء والذكاء الاصطناعي