هل سنشهد انطلاقة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في مجال الزراعة قريباً؟

5 دقائق
الذكاء الاصطناعي ومجال الزراعة
shutterstock.com/Photobank.kiev.ua
الجائحة ترشدنا إلى سبيل التعامل مع مستقبل سلسلة توريد المواد الغذائية من الآن فصاعداً. فما هي تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال الزراعة؟

باتت المخاطر المحدقة بالعمالة العالمية أكثر وضوحاً عن ذي قبل مع استمرار الإغلاق العالمي، إلى جانب تشتت الانتباه بين الرغبة في رفع الإغلاق والتخوف من ظهور موجة جديدة من مرض "كوفيد-19". وتغيّر الوضع العام للطلب على التكنولوجيا تغيراً جذرياً بفعل اللغة المشتركة الجديدة لما هو ضروري وغير ضروري وما يمكن وما لا يمكن إنجازه عن بُعد، ففي ظل أزمة كهذه، راح الجميع ينظرون بعين الاهتمام إلى التكنولوجيا الحديثة وقدراتها، ليس فقط للمساعدة في التعامل مع الجائحة وتداعياتها، بل للعب دور الوسيط في هذا الجانب من أجل فهم ما يمكن فعله لإعداد العالم وتأهيله بصورة أفضل للجولة التالية من الصدمات الناجمة عن العزلة الاجتماعية والحجر الصحي. أفسح هذا الاهتمام مجالاً رحباً أمام السؤال الذي يشغل بال الجميع في هذا الوقت حول ما يمكن للذكاء الاصطناعي فعله وما لا يمكنه فعله للتعامل مع الجائحة.

اقرأ أيضاً: تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الطب

انصب الاهتمام في الواقع على الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في قطاع الرعاية الصحية، ولكن لمدة قصيرة من الزمن، بغرض تحسين التقنيات الرقمية للخطوط الأمامية وبما يضمن استجابة كلّ من المستشفيات والأطباء على أفضل نحو ممكن وتوفير عوامل الأمان للكوادر البشرية مع الارتفاع الهائل في أعداد ضحايا العدوى أو لضمان القدرة على أتمتة أجزاء معينة من تلك الاستجابة على نطاق واسع، لكن لا ورد دون أشواك، فبالتوازي مع هذه الطموحات انتشرت النماذج الوبائية الناجمة عن الاندفاع في استخدام أساليب تعلم الآلة وحلول الرعاية الصحية غير المتطورة، على الرغم من حداثتها، وقد يؤدي هذا الاندفاع إلى زيادة الدراسات المتكررة والنمذجة غير المتماسكة غير الخاضعة للفحص والتدقيق والاستخفاف بالبيئة المعقدة والحافلة بالملاحظات في المستشفيات وفي قطاع الرعاية الصحية بصورة عامة نتيجة اندفاع المهندسين والشركات الناشئة لإعادة توظيف مواهبهم في علوم البيانات من أجل الصالح العام ظاهرياً.

يمكن الاستفادة من أبحاث وابتكارات تكنولوجيا المستقبل في الكثير من مجالات الذكاء الاصطناعي بقطاع الرعاية الصحية، لكن ينبغي ألا تهيمن على الرؤية الشاملة لقدرات الذكاء الاصطناعي وما يمكن أن تفيد به في هذا الصدد، ولعل أفضل ما يمكن أن تسهم به شركات الذكاء الاصطناعي في العام المقبل (أو الأعوام المقبلة) تلك الإسهامات التي تستطيع تقديمها في بعض القطاعات الاجتماعية والاقتصادية الأساسية المهمة التي تتأثر بصدمات الصحة العامة واضطراب سلاسل التوريد، وعلى رأسها إنتاج الغذاء وتوزيعه.

تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال الزراعة

أدى الإغلاق إلى زعزعة سلاسل التوريد الزراعية العالمية نتيجة اضطراب سلسلة التوريد متأثرة بانخفاض الإنتاج وتضرر الخدمات اللوجستية، متبوعاً بارتفاع الطلب ارتفاعاً غير مبرر بسبب حالة الذعر التي اعترت الكثيرين في الأيام السابقة للإغلاق. ونظراً لاستمرار تقييد مفهوم العمل بسبب عمليات الإغلاق، فإن السلع عالية القيمة التي تصادف أنها تتطلب عمالة كثيفة أكثر تأثراً من غيرها بالاضطرابات. فقد أدى اضطراب سلاسل التوريد في حالة تجارة الألبان إلى ظاهرة مؤسفة تمثلت في إفراغ الحليب أرضاً بسبب العجز عن التعامل مع الأوضاع المستجدة للطلب وافتقارها للمرونة، وتستحوذ المطاعم في الولايات المتحدة وحدها على 50% من جملة إنفاق المستهلكين على الطعام، لكن مع تعرض خدمات التوصيل للاضطراب بالإضافة إلى عدم الانتظام في استخدام مثل هذه الخدمات وتباين الطلب عليها، فقد تشهد المطاعم إعادة هيكلة واسعة في أفضل الأحوال.

يمكننا توسيع زاوية الرؤية من أجل دراسة المناطق الحضرية ذات الكثافة السكانية العالية وكيف نالها النصيب الأكبر من الضرر، ما أدى بدوره إلى تأثُّر سلسلة توريد المواد الغذائية على نطاق أوسع في الدول الأكثر اكتظاظاً بالمناطق الحضرية، إذ إن إغلاق الموانئ وهبوط أسعار العملات في الدول التي تعتمد على استيراد غذائها يضعها في موقف ضعف، كما أن التنسيق والتعاون في ظل نقص المعلومات الكافية على المستوى العالمي يصبح موضع شك. ومن هذا المنطلق فإن التحدي الجديد للتوسع في إنتاج المواد الغذائية وتوزيعها يتمثل في كيفية التأقلم بسرعة مع منطق ساد مؤخراً والذي يقتضي إعادة التعبئة وتغيير العلامة التجارية والشراء والتوزيع عن بُعد، أي أنه يشمل باختصار سلسلة الإنتاج بأكملها،  علاوة على اكتساب رؤية ثاقبة والحصول على التحليلات اللازمة للتوفيق بين التوزيع الجديد والمتغير للطلب بصورة أفضل مع إعادة هيكلة العرض.

ما الدور الذي يمكن أن يؤديه، إذاً، برنامج ذكاء اصطناعي شامل للمساعدة في هذا المسعى؟

كل ما نحتاج إليه هو توسيع مائدة الحوار بين أولئك الذين يمتلكون مصادر البيانات ويستطيعون معالجتها وأولئك الذين يمتلكون الوسائل اللازمة للاستفادة بشكل فاعل من هذه البيانات لتوفير الأفكار المطلوبة. لا يمكن الادعاء بحال من الأحوال أن هذه العملية سريعة، ولكنها تشكل وسيلة أساسية لزيادة مرونة السلسلة الغذائية العالمية، مع معالجة ما ينجم عنها من نفايات وتلوث والإسهام في اتساع الانتشار على مستوى العالم في وقت واحد، من خلال ما يمكن أن نطلق عليه "تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في مجال الزراعة" (Agri-AI-Tech).

اقرأ أيضاً: كيف بإمكان الذكاء الاصطناعي مساعدة القطاع العام؟

تعتبر هذه مشكلة ابتكار تعاوني، وهي تشير إلى الحاجة إلى إنشاء قاعدة بيانات عالمية وتحسينها والالتزام بالتعاون التحليلي. يمكن القول بصورة أكثر جوهرية إن ما نتحدث عنه لا علاقة له بالدقة المفرطة في التوزيع ولا بوعود الأتمتة الكاملة، بل برفع معدلات ضخ البيانات بهدف تحديد القيمة المتأصلة كغاية نهائية لتحسين قدرة يجب على كل جهة فاعلة أن تتعلمها وتستجيب من خلالها للاضطرابات العالمية فور وقوعها بصورة أكثر فاعلية. هذا هو السؤال الذي لا بد من الإجابة عنه من قبل الجيل الجديد من الشركات والجهات التمويلية في سياق الأحداث المزلزلة وأي جائحة أو صدمة نظامية أخرى قد تحيق بالعالم في المستقبل -ما هي القيمة القصوى التي يمكن استخلاصها من التعاون العالمي في معالجة البيانات الآنية والتعاون العالمي في معالجة البيانات على مستوى متعدد الأطراف؟ يمكن أن يسهم الذكاء الاصطناعي في هذه المعركة وقد يكون أحد أهم الأدوات نحو تطوير القدرات التنبؤية وتماسك قاعدة البيانات والأتمتة الثانوية التقدمية لتحقيق هذه الغاية على النطاق المطلوب.

يستلزم التصدي للأوبئة والجوائح توافر منصات التعاون الصناعي على المستويات الإقليمية والوطنية والعالمية للبيانات الزراعية،  بيد أن الواقع المؤسف يؤكد عجز معظم الشركات الحالية عن توسيع نطاق معالجة البيانات الأساسية والأتمتة بصورة فاعلة، إذ إن إحدى كبرى المشاكل مع الذكاء الاصطناعي بالمؤسسات لا علاقة لها في الواقع بفاعليتها بل بندرة علماء البيانات المتاحين الذين يجري توظيفهم ونشرهم لترجمة النتائج بفاعلية، ما أدى إلى زيادة الطلب العالمي على حلول علوم البيانات غير المشفرة.

ما هي الأفكار التي يمكن أن تزيد من اهتمام المستثمرين؟

* فكّر في التكنولوجيا الزراعية باعتبارها تقنية وليست زراعة، إذ يجب جذب المستوى المناسب من المستثمرين الذين يمتلكون المستوى المناسب من الاهتمام التكنولوجي بالمجال، وذلك للتأكد من كفاية نمذجة العائدات.

* فكّر في الطلب الذي لا ينتهي على الغذاء وكيف سيصبح الغذاء والأمن الغذائي أهم الأصول التي يمكن أن تستخدمها البلدان مع تحول سلامة الغذاء إلى قضية عالمية.

* تعرّف على منظومة عمل المبتكرين في مجال التكنولوجيا الزراعية وكيف سيتمكنون من التقدم بسرعة في خطوط متقاطعة تؤدي إلى نمو قيمة الابتكار بمرور الوقت مع ظهور المزيد والمزيد من براءات الاختراع من خلال العملية نفسها.

لا بد من طرح مبادرة تقدمية للتصدي للتحديات العالمية من أجل تحسين الأفكار على مستويات وقطاعات متعددة وتلبية الاحتياجات بصورة شاملة وتوسيع نطاق المعلومات عبر كافة سلاسل التوريد، إذ لا تكمن المشكلة الأكثر إلحاحاً في إنتاج الطاقة، بل في كيفية استغلال الأنظمة الجديدة القائمة على التحليلات المتقدمة لتحسين التعاون والاستجابة العالميين من أجل تحقيق السيولة في سلسلة توريد المواد الغذائية العالمية المطلوبة للتعامل مع الغموض في خضم معركة "كوفيد-19" في عصر الأوبئة والتعرف على الفوائد التي يمكن جني ثمارها من منظومة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في مجال الزراعة.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .