ما هو أثر الذكاء الاصطناعي التوليدي على قيمة الخبرة؟

9 دقيقة
التنقل الوظيفي
فريق عمل هارفارد بزنس ريفيو؛ هنريك سورنسن/غيتي إميدجيز؛ الذكاء الاصطناعي

أدى انتشار الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى أتمتة بعض جوانب الوظائف وتعزيز قدرات العاملين في وظائف أخرى، ما يعني أن المهارات والخبرات والمؤهلات التي تعتمد عليها الشركات في تقييم المرشحين ستشهد تغيُّرات متلاحقة. يرى المتشائمون أن هذه التغييرات تحد من التنقل الوظيفي، بينما يرى المتفائلون أنها تعززه من خلال تقليل متطلبات الوظائف المرتبطة بالمهارات التقنية أو "الفنية".

أي من الطرفين سينجح في إثبات صحة وجهة نظره؟

الحقيقة أن الذكاء الاصطناعي سيفتح الأبواب أمام بعض العاملين بينما يغلقها أمام آخرين. في إطار التعاون بين معهد بيرننغ غلاس (Burning Glass Institute) ومشروع كلية هارفارد للأعمال حول إدارة مستقبل العمل (Harvard Business School Project on Managing the Future of Work)، لاحظنا أن نحو 12% من العاملين الأميركيين يشغلون وظائف يُتوقَّع أن تؤدي تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى أتمتة جزء كبير من مهامها، لا سيما الوظائف التي لا تحتاج إلى خبرات مسبقة. سيؤدي هذا حتماً إلى انخفاض التعيينات في هذه الوظائف، وهو ما يحدث فعلياً؛ فمع ظهور برنامج كوبايلوت (Copilot) المدعوم بالذكاء الاصطناعي التوليدي من مايكروسوفت، شهدت عمليات التوظيف في وظائف هندسة البرمجيات التي لا تحتاج إلى خبرة جموداً ملحوظاً. في المقابل، يعمل نحو 19% من الموظفين في مجالات يُتوقع أن يتولى فيها الذكاء الاصطناعي التوليدي المهام التي تتطلب معرفة تقنية حالياً، ما يتيح فرصاً أوسع لمن لا يمتلكون مهارات فنية متقدمة.

تشير نتائج تحليلنا إلى أن الجزء الأكبر من 50 مليون وظيفة سيتأثر بشكل أو بآخر خلال الأعوام القليلة المقبلة. وستؤدي هذه التغييرات إلى إجبار الشركات على إعادة تشكيل هياكلها التنظيمية وإعادة النظر بصورة جذرية في أساليب إدارة المواهب. ستكون لهذه التغييرات تداعيات واسعة النطاق تطال القطاعات والأفراد والمجتمع على حدٍّ سواء. وستتمكن الشركات التي تتعامل بذكاء مع هذا الوضع من اغتنام الفرص التي يوفرها الذكاء الاصطناعي التوليدي في تعزيز الإنتاجية، مع التخفيف من المخاطر التي يشكلها نقص المواهب.

ما هي المهن التي يُتوقَّع أن تتبع هذا النمط المتمثل في تمكين أصحاب الخبرة مع تقليص فرص الدخول أمام مَن هم أقل خبرة؟ للإجابة عن هذا السؤال، عملنا على دراسة منحنيات التعلم التي تشكّل عنصراً أساسياً في تجربة أي شخص يبدأ وظيفة جديدة.

منحنيات الدخل والتعلم

على الرغم من بساطة هذا المفهوم، فإن تداعياته بالغة الأثر؛ إذ لا يستغرق الأمر في بعض الوظائف وقتاً طويلاً للوصول إلى مستوى الأداء المطلوب، مثل قيادة سيارات الأجرة عبر التطبيقات الإلكترونية. ولكن ثمة فجوات كبيرة بين ما يعرفه الموظف المبتدئ والمخضرم في مجموعة واسعة من المهن، بدءاً من المبيعات وصولاً إلى هندسة البرمجيات.

تعكس منحنيات التعلم فوارق المدد الزمنية التي يستغرقها العاملون في مختلف الوظائف للوصول إلى ذروة الإنتاجية. وكلما زادت الفجوة بين إنتاجية العاملين المخضرمين ونظرائهم المبتدئين في مهنة معينة، كان منحنى التعلم أكثر حدة. ويشير تحليلنا إلى أن مهارات المبتدئين في العديد من هذه المهن أكثر عرضة لأتمتة الذكاء الاصطناعي التوليدي مقارنة بالمهارات المطلوبة في المستويات العليا، ما ينذر بزيادة العقبات أمام شغل وظائف المبتدئين في هذه المهن.

ما هي المهن التي سيؤدي فيها الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى تعزيز العوائق المرتبطة بالخبرة؟

للإجابة عن هذا السؤال، ولقياس كيفية تقييم السوق للفوارق في التعلم، حللنا منحنيات الدخل عبر مجموعة من المهن المختلفة، علماً بأن منحنيات الدخل تمثل مؤشراً جيداً على نمو الإنتاجية بمرور الوقت؛ لأنها غالباً ما تعكس المدة اللازمة لاكتساب الخبرة في مجال معين. أتاح لنا ذلك تحديد الوظائف التي يحصل فيها العاملون المخضرمون على رواتب أعلى بكثير، ما يعكس القيمة الكبيرة للخبرة المكتسبة. عملنا بعد ذلك على تحليل الفوارق في المهارات بين العاملين الجدد والمخضرمين في كل مهنة، مستندين إلى بيانات إعلانات الوظائف الأميركية على الإنترنت خلال عامين، والتي شملت ملايين الإعلانات.

ثم استخدمنا نموذجاً معدلاً يوضح أثر تبنّي الذكاء الاصطناعي التوليدي على مهام المهن المختلفة، وذلك للتنبؤ بالمهارات التي قد تتغير أهميتها. أتاح لنا ذلك تحديد الوظائف التي تنطوي على منحنى تعلم حاد، ويتأثر فيها الموظفون غير المخضرمين بالذكاء الاصطناعي التوليدي بدرجة تفوق نظراءهم المخضرمين.

مع اضطلاع الذكاء الاصطناعي التوليدي بأداء جزء كبير من مهام المبتدئين في تلك الوظائف، قد تتقلص فرص الوصول إلى المسارات المهنية التقليدية بدرجة ملحوظة. تشمل قائمة أكثر 100 مهنة في هذه الفئة وظائف مثل مختص إدارة المشاريع ومدير التدريب والتطوير ومصمم المواقع الإلكترونية ومختص المخاطر المالية، وتضم حالياً 17.8 مليون عامل، أي ما يعادل نحو 12% من إجمالي القوى العاملة في الولايات المتحدة.

تتصدر القائمة مسارات مهنية ذات منحنى تعلّم حاد. تساعد قدرات الذكاء الاصطناعي التوليدي في هذه المهن على زيادة إنتاجية الموظفين المخضرمين، بينما تقلل الحاجة إلى زملائهم المبتدئين. على سبيل المثال، يمكن لمحلل ائتماني متمرس الاستعانة بالذكاء الاصطناعي التوليدي لتقييم الجدارة الائتمانية للشركة ومقارنة أوضاعها المالية بنظيراتها في القطاع، بدلاً من إسناد تلك المهام إلى مرؤوسيه الأقل خبرة. يشهد دور محلل الائتمان هنا تغيراً ملموساً؛ فبدلاً من جمع البيانات ودمجها باستخدام أدوات مثل مايكروسوفت إكسل (Microsoft Excel)، ومقارنتها بسياسات الائتمان لمؤسسته، بات الآن يستكشف سيناريوهات أكثر تنوعاً، مستخدماً النتائج لإعادة تقييم الجدارة الائتمانية للعملاء الحاليين أو التعاون مع زملائه لتحديد عملاء محتملين يستوفون معايير مؤسسته. والأهم من ذلك أن هذا سيتضمن أيضاً إنشاء أنظمة وكلاء الذكاء الاصطناعي التوليدي وتحفيزها لتنفيذ الكثير من هذه المهام.

يمثل هذا التحول خطراً يهدد بزعزعة التدرج المهني المعتاد من مرحلة المبتدئ إلى مرحلة الخبير. ونظراً لأن الذكاء الاصطناعي التوليدي أصبح يؤدي المهام التي كانت تُستخدم في السابق لتطوير القدرات الأساسية، ستتضاءل الفرص المتاحة أمام المبتدئين لاكتساب الخبرة التي مكّنت أسلافهم من الارتقاء إلى المناصب العليا. يشكل هذا التوجه مصدر قلق للشركات التي قد تواجه تحديات في تطوير مسارات واضحة لتأهيل المواهب المستقبلية وتطويرها.

بالمقارنة، نجد أن الفئات المهنية المدرجة في أسفل الرسم البياني تمنح ميزة محدودة للخبرة؛ لأنها تعتمد في الأساس على مهارات تقنية يمكن اكتسابها (لا مجال للتدرُّج هنا؛ فإما أن تستطيع تشغيل نقاط البيع وإما أنك لا تستطيع تشغيلها). ولأن الذكاء الاصطناعي التوليدي، والتكنولوجيا عموماً، سيسهل تعلم هذه المهارات وصقلها بسرعة في أثناء العمل، فقد يصبح الالتحاق بهذه المسارات المهنية أسهل للموظفين الجدد.

توسيع نطاق الوصول إلى الوظائف

انطلقنا مجدداً من تحليل منحنى التعلم لتحديد الوظائف التي قد يسهم فيها الذكاء الاصطناعي التوليدي في تقليل العوائق. ركزنا في هذه الحالة على المهن التي تشهد نمواً متواضعاً في الأجور خلال المراحل المبكرة من المسار المهني، حيث تبين أن الصعوبة الرئيسية في هذه المهن تكمن في الحصول على الوظيفة أساساً، وليس في إتقان مهامها. سعينا بعد ذلك إلى تقييم طبيعة الخبرة المطلوبة للوصول إلى هذه الوظائف من خلال تحليل قائم على نموذج لغوي كبير (LLM) لمتطلبات الوظائف، وذلك لتمييز المهن التي تعتمد بدرجة كبيرة على المعرفة الصريحة (التي يمكن اكتسابها من الكتب أو الدورات) عن تلك التي تتطلب معرفة ضمنية متراكمة (تُكتسب بالخبرة عادة). أتاح لنا ذلك تحديد المهن التي تعتمد على المعرفة الصريحة بدرجة عالية، والتي قد تسهم فيها أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي في تسهيل الوصول إلى المهارات المطلوبة.

تعني العوائق المرتبطة بالخبرة في هذه الأنواع من الوظائف أنها غالباً ما تعاني نقصاً في المرشحين المؤهلين. يمكن أن يسهم الذكاء الاصطناعي التوليدي في إزالة هذا العائق من خلال تسهيل اكتساب المعرفة التخصصية أو غيرها من المهارات (مثل الكتابة أو إتقان اللغات) التي كانت تحول دون انضمام مرشحين مؤهلين لهذه الوظائف. وقد حددنا 100 وظيفة ضمن هذه الفئة، يعمل بها حالياً 28.6 مليون موظف، أي نحو 20% من القوى العاملة في الولايات المتحدة. ومع تبسيط أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي لاكتساب المهارات، قد تصبح هذه الوظائف، ومنها مختص مستودعات البيانات ومدير الإنشاءات ومصمم الدوائر الكهربائية ومسؤول الشبكات، متاحة لفئة أوسع من العاملين. قد تساعد منحنيات التعلم المبسطة في تلك المجالات، خاصة في المراحل المبكرة من المسار المهني، على تقليل الحواجز التي تحول دون الالتحاق بالوظائف ذات الأجور المرتفعة التي يكثر عليها الطلب. من المتوقع أيضاً أن يُحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في مجالات مثل التصميم الغرافيكي والبرمجة والكتابة وتحليل البيانات، حيث تزداد قدرة الأفراد الذين تلقوا تدريبات غير تخصصية على أداء المهام المعقدة.

تحديات جديدة تواجه المؤسسات

في ظل إعادة تشكيل الذكاء الاصطناعي التوليدي لمشهد العمل، تجد الشركات نفسها أمام واقع جديد يستدعي القدرة على التكيُّف الاستراتيجي؛ إذ يتطلب الأثر المتزامن لارتفاع الحواجز وانخفاضها في مختلف المهن إعادة النظر بصورة جذرية في الهياكل التنظيمية وسياسات استقطاب المواهب. يتعين على الشركات التعامل، على وجه التحديد، مع التداعيات في المجالات التالية:

الهيكل التنظيمي.

سيؤدي تقلص أدوار المبتدئين في بعض المجالات إلى تغيير جذري في هيكلية المؤسسات. يعمل الكثير من المؤسسات حالياً وفق هيكل هرمي، حيث يعمل عدة موظفين مبتدئين تحت إشراف كل منصب قيادي. ونظراً لقدرة الذكاء الاصطناعي التوليدي على أتمتة مهام المبتدئين، قد يطرأ تغيير جذري على هذه الهيكلية. قد يتطور الهيكل الذي كان يضم في السابق 5 موظفين مبتدئين لكل منصب قيادي ليصبح بنسبة 2 إلى 1، أو حتى أقل.

مع إعادة تشكيل الذكاء الاصطناعي التوليدي للهرم التنظيمي في بعض أقسام الشركة ليصبح أكثر استواءً أو أقرب إلى شكل الماسة، ستنشأ فرص وتحديات جديدة. قد تسهم هذه الهياكل في تسريع تبادل المعلومات وتعزيز التواصل المباشر بين المستويات التنظيمية، ما يتيح صناعة القرارات وتنفيذها بمرونة أكبر، كما قد تمكّن هذه الهياكل الشركات من تشكيل فرق عمل أصغر وأكثر مرونة. بفضل قدرة الذكاء الاصطناعي التوليدي على أداء الكثير من المهام الروتينية وعمليات صناعة القرار، ستتراجع الحاجة إلى تعدد المستويات الإدارية الوسطى، ما يؤدي إلى تعزيز التواصل المباشر بين القيادات العليا والموظفين المبتدئين. ومع تعزيز قدرات الموظفين المخضرمين من خلال أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي قد تتقلَّص الحاجة إلى الإشراف المباشر، ما يؤدي بدوره إلى تقليص الحاجة إلى المستويات الإدارية. ومع تولي الذكاء الاصطناعي التوليدي مهام تتطلب خبرة تقنية متقدمة، قد تتمكن الشركات من تدوير المواهب الواعدة عبر وظائف متعددة لإعدادهم لمناصب إدارية في المستقبل.

غير أن اعتماد هياكل تنظيمية أكثر استواءً وأقرب إلى شكل الماسة قد يقلل من فرص الموظفين في اكتساب الخبرة الإدارية؛ إذ سيؤدي تقليص المستويات الإدارية بفعل الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى تقليل عدد الترقيات، ما يحدّ من فرص الموظفين لاكتساب الخبرة اللازمة لتطوير مساراتهم المهنية. وسيكون على الشركات إعادة تصميم المسارات المهنية وابتكار آليات جديدة لمكافأة المهارات التنفيذية والتعاونية والخبرات المتخصصة.

استراتيجية المواهب.

مع تغير الهياكل التنظيمية الهرمية، سيكون على الشركات إعادة النظر في أساليب التوظيف والتطوير المهني، ومن المتوقع أن تتجه إلى تضييق نطاق التوظيف ليقتصر على عدد محدود من المصادر التي توفر المهارات المطلوبة. وسيكون على فرق استقطاب المواهب أن تعزّز مرونتها بصورة ملحوظة لضمان الوصول إلى الكفاءات التي تتماشى مع المتطلبات التكنولوجية المتسارعة. علاوة على ذلك، مع تقليص الشركات لأعداد الموظفين المبتدئين، سيتضاءل عدد المرشحين المؤهلين للترقية، ما يجعل تعظيم جودة الموظفين الجدد أمراً بالغ الأهمية. وعلى الشركات النامية تطوير قنوات جديدة لاستقطاب المواهب، مثل تعيين موظفين من قطاعات أخرى، مع ابتكار أساليب جديدة لصقل الكفاءات وإعدادها للمناصب القيادية.

قد تؤدي هذه التحولات أيضاً إلى زيادة المنافسة على الموظفين المخضرمين، ما يجعل استبقاء المواهب أولوية أساسية، ما يستدعي تحول الشركات من نموذج "التوظيف والاستبدال" إلى استراتيجية تركز على الاستثمار في العاملين ذوي الخبرات النادرة واستبقائهم.

نماذج التدريب.

تُخصِّص الشركات اليوم جزءاً كبيراً من ميزانيات التعلم والتطوير لبرامج إعداد الموظفين الجدد. ونظراً لتقلص أعداد الموظفين المبتدئين في بعض المهن واعتمادها بدرجة أكبر على عدد محدود من الخبراء، فقد يقل الاهتمام بالتدريب الأولي لصالح التركيز على رفع إنتاجية الموظفين الحاليين. ومع الانتشار الواسع للذكاء الاصطناعي التوليدي في أماكن العمل، ستتطلب المرحلة المقبلة تحديد المهارات الحيوية لكل وظيفة وتعزيزها، لضمان بقاء أصحاب الخبرة في أعلى مستويات أدائهم. وعلى المؤسسات ذات الهياكل التنظيمية الشبيهة بالشكل الماسي إعادة هيكلة مسارات التعلم لتيسير انتقال الموظفين المخضرمين من مجالات أخرى واستيعاب العاملين الذين قد تتأثر مسيرتهم المهنية بالذكاء الاصطناعي.

على الشركات اعتماد نماذج تدريبية جديدة تسرّع عملية التعلم، سواء لمساعدة الموظفين الحاليين على التكيُّف أو لتمكين الموظفين الجدد من اكتساب المهارات بسرعة أكبر. وتجنباً لتعطيل تبنِّي التكنولوجيات الجديدة في أثناء انتظار تطوير برامج تدريبية خارجية، ستعتمد الشركات غالباً على تصميم برامج داخلية مخصصة تستند إلى المعرفة المختصة بالمؤسسة والقطاع. ومع محدودية الفرص الوظيفية للمبتدئين، من المرجح أن تصبح المحاكاة وسيلة أساسية لاكتساب الخبرات المهمة بسرعة وكفاءة.

المعرفة المؤسسية.

كلما زاد اعتماد الذكاء الاصطناعي التوليدي على أتمتة المهارات العامة، ازدادت أهمية المعرفة المؤسسية في تعزيز إنتاجية الموظفين. وعلى الشركات أن تركِّز على تحديد هذه المعرفة وتنميتها، إضافة إلى دراسة كيفية إنشاء بنية تحتية تتيح وصول الموظفين إليها بسهولة. سيتطلب ذلك اتخاذ قرارات بشأن إنشاء أنظمة جديدة لإدارة المعرفة، مثل الموسوعات الداخلية والمنصات التعليمية المدعومة بالذكاء الاصطناعي. وعلى المؤسسات أن تدرس مدى تقييد المعرفة المؤسسية، وكيفية الموازنة بين مزايا التقييد وضرورة الحفاظ على مرونة القوى العاملة.

إدارة المواهب في ظل التحولات الناجمة عن الذكاء الاصطناعي

لا يقتصر أثر ثورة الذكاء الاصطناعي التوليدي على تغيير محتوى التعلُّم، بل تمتد إلى أساليبه أيضاً؛ إذ تعيد رسم منحنيات التعلم التقليدية، ما يخلق نماذج جديدة لاكتساب المهارات والتطور المهني. يستدعي هذا التغيير إعادة صياغة شاملة لاستراتيجيات إدارة المواهب في الشركات، إضافة إلى إعادة تصور الأفراد لمساراتهم المهنية.

مع مضي هذه الثورة قُدماً، ستشهد آثارها تحولات غير متوقعة يصعب التنبؤ بها؛ إذ يعتمد تحليلنا الحالي على تقديم صورة لحظية استناداً إلى الوظائف والمهارات وإمكانات الذكاء الاصطناعي المتاحة في الوقت الراهن. وقد يؤدي توسع الذكاء الاصطناعي التوليدي في تمكين الأفراد من شغل بعض الوظائف التي تتطلب إتقان مهارات متقدمة إلى زيادة المعروض من العمالة، ما قد يضغط على الأجور في هذه المجالات، وهو احتمال لم تأخذه دراستنا بعين الاعتبار. يمثل هذا مجالاً رئيسياً يستدعي المزيد من الاهتمام في الدراسات المستقبلية. علاوة على ذلك، فمع تقدم التكنولوجيا، من المرجح أن يستمر تغيُّر الحد الفاصل بين ما يجب تعلمه في أثناء العمل وما يُكتسب من خلال التعليم الرسمي، ما يزيد المشهد تعقيداً.

سيكون الازدهار حليف المؤسسات التي تتبنى الطبيعة الحيوية لمنحنيات التعلم المعززة بالذكاء الاصطناعي. وستعتبر كل منحنى طريقاً مرناً قابلاً للتكيُّف والتحسين، لا مساراً ثابتاً، وذلك بفضل الاستراتيجيات والأدوات المناسبة. وهكذا لن يقتصر دورها على التكيف مع ثورة الذكاء الاصطناعي، بل ستسهم في توجيه مسارها من خلال بناء قوة عاملة أكثر مرونة ومهارة وتنوعاً وإنتاجية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي