كيف تجعل الذكاء الاصطناعي يعمل كأحد أعضاء فريقك؟

7 دقيقة
أداة الذكاء الاصطناعي
رسم توضيحي لريكاردو توماس

في إحدى شركات تجارة التجزئة المدرجة في قائمة فورتشن 500، زودت القيادة فريقاً مسؤولاً عن صياغة عقود التفاوض مع المورّدين بأداة ذكاء اصطناعي تهدف إلى تبسيط العمل. توقعت القيادة أن تتمكن هذه الأداة المدعومة بنموذج لغوي ضخم مستخدم على نطاق واسع من تسريع عمل الفريق من خلال تلخيص المستندات والإجابة عن أسئلة المحتوى ومقارنة العقود وغير ذلك.

على الرغم من هذه التوقعات الإيجابية، ظلّت نتائج عمل الفريق على حالها. وعلى الرغم من أن الأداة كانت قادرة على توليد نصوص عمومية (مثل مسودات العقود الأولية)، اضطر الفريق بعد ذلك إلى تخصيص النصوص وفقاً للمورّد، وإضافة التفاصيل المهمة يدوياً في كل عقد، مثل معلومات المورّد والشروط وتاريخ الطلبات والتفاصيل الدقيقة الأخرى. وبالتالي كان تأثير الأداة ضئيلاً من حيث خفض عبء العمل على الفريق.

تبين هذه الحالة أحد أنماط فشل أدوات الذكاء الاصطناعي في الوفاء بما تعد به الشركات التي تطورها. أجرينا مؤخراً دراسة استقصائية شملت 30 شركة في مختلف القطاعات (منها التي ينتمي إليها فريق العقود السابق الذكر)، وأفاد المشاركون بأن أدوات الذكاء الاصطناعي العامة تعجز غالباً عن تلبية متطلبات المهام الدقيقة المرتبطة بطبيعة عمل كل مؤسسة. حتى عندما كانت أدوات الذكاء الاصطناعي مصممة خصوصاً لمجالات محددة مثل الشؤون المالية أو الموارد البشرية، فإنها فشلت في إضافة قيمة كافية لأنها لم تكن متخصصة بما فيه الكفاية؛ أي أنها لم تلبِّ الاحتياجات والمعايير المحددة للمؤسسة أو الفريق أو العملية. بالتالي، أفاد المستخدمون بأنهم لاحظوا بانتظام أن أدوات الذكاء الاصطناعي ونماذجه "غير فعّالة" أو "عامة جداً".

تشير هذه الفجوة بين قدرات الذكاء الاصطناعي العام والاحتياجات المحددة والمتطورة للفرق إلى مشكلة أعمق: أدوات الذكاء الاصطناعي المتوافرة حالياً غير مصممة بطريقة تجعلها قادرة على فهم آلية إنجاز العمل فعلياً. نقدم في هذا المقال مفهومين أساسيين يمكن أن يساعدا على سد هذه الفجوة: الرسوم البيانية للعمل (وهي خرائط رقمية لآلية عمل الفِرق) والتحليل العكسي للآليات (أي تخصيص نماذج الذكاء الاصطناعي لتتوافق مع الفِرق). يساعد المفهومان على تفسير القصور المتكرر للذكاء الاصطناعي التقليدي، ويوضحان للمؤسسات طرق تصميم أنظمة ذكاء اصطناعي تتكيف مع سير العمل والمستخدمين الفعليين والسياق الواقعي.

لماذا لم تولّد أداة الذكاء الاصطناعي القيمة؟

لنأخذ هذه المشكلة ضمن سياق عملية معينة ينفذها فريق العقود. عادة، يفعل الفريق ما يلي عند صياغة عقد جديد لأحد المورّدين:

  • تسجيل الدخول إلى أنظمة متعددة
  • استرجاع تفاصيل المورّد وتحليلها وفحصها
  • مراجعة بيانات الأسعار من المورد وشروط التفاوض من الموردين المشابهين (أو أصحاب الصلة)
  • فحص سجلات الطلبات ذات الصلة من المورد
  • صياغة عقد يتضمن هذه العناصر جميعها يدوياً

عندما اعتمد فريق العقود أداة الذكاء الاصطناعي أول مرة، كان إنشاء عقد أساسي عام هو الخطوة الأولى، ولكنه قضى وقتاً طويلاً في تنقيحه يدوياً، إذ استندت مخرجات أداة الذكاء الاصطناعي إلى حد كبير على المحتوى المتاح للجمهور من الإنترنت وافتقرت إلى الرؤى السياقية الدقيقة اللازمة للعقود. على الرغم من أن الفريق اعتقد أن أداة الذكاء الاصطناعي مثيرة للاهتمام، فإنه لم يلاحظ لها أثراً حقيقياً من حيث تقليل الجهد المبذول.

هذا مثال عملي على "مفارقة الإنتاجية" للذكاء الاصطناعي؛ فهو تكنولوجيا مذهلة تفشل في خلق تحسينات ملموسة في الإنتاجية إذا لم تخضع لتخصيص عميق وفقاً للسياق، وهي ظاهرة تذكّرنا بما قاله الاقتصادي روبرت سولو: "نستطيع ملاحظة أثر عصر الكمبيوتر في كل مكان إلا في إحصاءات الإنتاجية".

تتفوق نماذج الذكاء الاصطناعي الفعالة لأنها مدرّبة على مجموعات بيانات واسعة وعامة، ولكن عموميتها هي سلاح ذو حدين؛ ففي حين أن هذه النماذج قادرة على أداء مجموعة واسعة من المهام، فإنها تفوّت غالباً السياق الفريد لسير العمل ومتطلبات الفريق المحددة، ما يجعلها تفشل في زيادة الإنتاجية.

السياق هو الأهم

فشلت أداة الذكاء الاصطناعي السابقة الذكر للسبب نفسه الذي قد يجعل موظفاً جديداً يواجه صعوبة في الإنجاز على الفور: لم تعرف هذه الأداة كيف ينجز الفريق عمله، والمصادر المناسبة للمعلومات وطريقة استخدامها بالضبط؛ أي أنها افتقرت إلى السياق المناسب الذي يتيح لها تحسين الإنتاجية فعلاً.

بينما كانت شركة التجارة بالتجزئة تختبر هذه الأداة، كانت تطور أيضاً ما سيصبح حلاً لمشكلة السياق من خلال استخدام أدوات لإنشاء خريطة لعملياتها وإنشاء "رسم بياني للعمل"؛ وهو عرض آني تفاعلي لآلية تنفيذ الفِرق لمهام العمل عبر مختلف الأنظمة. لم تحتوِ هذه الخرائط على المهام فقط، بل كشفت عن آلية صنع القرارات والبيانات المرجعية والأنظمة المستخدمة في إنجاز المهام. هذه الخصائص مهمة جداً لأن طريقة استخدام الأداة نفسها تختلف بشدة من فريق لآخر.

البيانات المطلوبة لصياغة كل عقد ليست مركزية أو ثابتة، بل تختلف تبعاً للمورد وهي موزّعة عبر أنظمة متعددة، وقد اضطر أعضاء الفريق إلى تحديد مواقعها وتفسيرها والتحقق منها وتجميعها لإنشاء عقود دقيقة. وثّق الرسم البياني للعمل الإجراءات التي اتخذها الفريق، مثل التنقل من نظام لآخر ومراجعة البيانات وصنع القرارات، وجمّعها تلقائياً في أثناء أداء الفريق لهذه المهام.

ظهرت هنا الفرصة الحقيقية: يمكن بعد ذلك استخدام الرسم البياني للعمل، الذي تضمن نشاطات الفريق المفحوصة والغنية بالسياق التي تغطي شهرين من الزمن، لتدريب أداة الذكاء الاصطناعي. بما أن الرسم البياني يحتوي على كل ما يعدّه الفريق مهماً، فقد زوّد أداة الذكاء الاصطناعي بسياق حقيقي تحقّق الفريق من صحته بنفسه، ما مكّن الأداة من بدء العمل بطريقة تتوافق مع آلية عمل الفريق بالفعل. بفضل هذه المدخلات، تمكنت أداة الذكاء الاصطناعي من إنشاء مسودة أولى أكثر اكتمالاً بدرجة ملحوظة، ما قلل عدد النسخ المكررة المطلوبة وسرّع عملية صياغة عقد نهائي قابل للاستخدام. أدى هذا النهج إلى خفض الجهد اليدوي الذي اضطر الفريق لبذله سابقاً بنسبة تتجاوز 50%. على الرغم من أن الفريق راجع المخرجات التي ولّدتها الأداة وتحقق منها، فإنه لم يضطر لصياغة العدد نفسه من نسخ العقد أو لإعادة العمل بالقدر نفسه. بالنتيجة، زادت الإنتاجية الإجمالية للفريق في صياغة العقود بنسبة 30% تقريباً.

مع ذلك، لم يتطلب تحقيق ذلك استخدام البيانات المناسبة فقط؛ بل تطلب اتباع النهج الصحيح. على الرغم من أن الهدف المعتاد للأتمتة التقليدية هو الاستغناء عن العمل البشري، فقد تمثّل هدفنا في تخصيص أدوات الذكاء الاصطناعي بطريقة تجعلها أكثر فعالية في مساعدة الفرق، من خلال جعلها تعكس طريقة عمل هذه الفرق. لفعل ذلك، طبقنا نهجاً يحمل اسم "التحليل العكسي للآليات" (Reverse Mechanistic Localization - RML). ما يفعله المتخصصون عادة لفهم آلية عمل الذكاء الاصطناعي هو تصميمه عكسياً من منظور بشري، لكن نهج التحليل العكسي للآليات يقلب هذه الفكرة رأساً على عقب؛ فهو يطبّق الهندسة العكسية على آلية عمل البشر من خلال تحليل سير العمل الحقيقي للفريق وقراراته وسياقه بعمق، ويستخدم ذلك لتخصيص أدوات الذكاء الاصطناعي بطريقة تجعلها مفيدة أكثر للفرق. هذا نموذج ينطوي على التعاون بين الإنسان والآلة، وليس استبدال أحدهما بالآخر.

يمكنك التفكير في نهج التحليل العكسي للآليات على أن تأثيره في أدوات الذكاء الاصطناعي مماثل لتأثير عملية التخصيص في منصات البرمجيات. لكن في حين أن تخصيص البرمجيات ينطوي غالباً على تغيير ما يراه المستخدم، فإن نهجنا يغيّر ما تفهمه أدوات الذكاء الاصطناعي. هذا النهج أعمق وأكثر سياقية وبالتالي أكثر فعالية.

اتبعنا الخطوات التالية في تطبيق نهج التحليل العكسي للآليات في حالة فريق العقود:

1. تخطيط الرسم البياني للعمل.

بدأنا بتوثيق كل خطوة اتخذها أعضاء فريق العقود وكل تفاعل بينهم وبين الآلة في أثناء إنجاز العمل، ويشمل ذلك طرق استرجاع المعلومات عن أحد الموردين وآلية التحقق من الموردين وطرق دمج مصادر البيانات المتنوعة يدوياً في ملفات إكسل. تغطي هذه الخطوات كلاً من الإجراءات الصريحة (مثل قراءة ملف تعريفي لأحد الموردين) وأنماط صنع القرار الضمنية التي تُمثل أساس سير العمل (مثل التحقق من قوة تصنيف المورد الائتماني أو ضعفه). هذه البيانات التفصيلية والعالية الدقة هي جوهر السياق الخاص بالفريق، وهي الإشارات التي يعتمد عليها والمعلومات الأهم بالنسبة له، كما أنها تُمثل طريقة تكيفه مع السيناريوهات المختلفة.

توفر هذه البيانات التفاصيل الدقيقة لآلية إنجاز الفريق للعمل، بغض النظر عن المؤسسة. عندما يُدخل الفريق هذا المزيج الغني من البيانات في أداة الذكاء الاصطناعي، فإنه يتيح تحويل نموذج عام إلى أداة عالية التخصص تفهم طريقته في إنجاز العمل. بالتالي، يجب على القادة أن يأخذوا في الاعتبار تخصيص الموارد لجمع هذه البيانات واستخدامها لتحقيق المزيد من التغييرات الجذرية في سير العمل، ومنها توفير السياق لنماذج الذكاء الاصطناعي.

2. الضبط الدقيق وفقاً للرسم البياني للعمل.

بمجرد تخطيط الرسم البياني لعمل فريق العقود، استخدمنا رؤاه التفصيلية على أنها سياق واستخدمناه لضبط النموذج الذي تعتمد عليه أداة الذكاء الاصطناعي. تطلّب ذلك إدخال أنماط العمل والبيانات (مثل معلومات الموردين) إلى النموذج الذي تعتمد عليه الأداة. هذه هي الخطوة الرئيسية: دمج السياق الخاص بالفريق ضمن أداة الذكاء الاصطناعي. من خلال دمج أنماط العمل المحددة والإشارات السياقية من العمليات اليومية التي يجريها الفريق، تولِّد أداة الذكاء الاصطناعي مسودة عقد أولية تتضمن كمية كبيرة من التفاصيل الخاصة بالمورد والتفاصيل الدقيقة حول تصنيفاته الائتمانية وما إلى ذلك. يعني ذلك أن هذه المسودة أكثر اكتمالاً.

3. التنقيح المستمر.

تتطور المؤسسات باستمرار؛ إذ تتغير عملياتها وهي تستخدم التكنولوجيا الجديدة وتغيّر مواقفها وأولوياتها (على سبيل المثال، تبدأ الفرق العمل مع موردين جدد في مناطق جغرافية جديدة). يعني ذلك أن الشركات مضطرة لتحديث الرسم البياني للعمل باستمرار وإدخال الأنماط الناشئة في النموذج.

على سبيل المثال، يتلقّى فريق العقود ملاحظات دورية حول جودة العقود التي يصوغها باستخدام نهج التحليل العكسي للآليات (على سبيل المثال، "لا يعكس العقد بدقة الآثار المترتبة على ضعف التصنيف الائتماني لأحد الموردين"). يُستخدم هذا النوع من تقديم الملاحظات، الذي يحمل اسم "التعليم المعزّز مع الملاحظات البشرية" (RLHF)، لضبط النموذج في أداة الذكاء الاصطناعي وتحسينه أكثر. بالنتيجة، تستمر أداة الذكاء الاصطناعي في التكيف مع احتياجات الفريق، ما يضمن دقة نتائجها العالية على نحو مستدام.

تعتمد الفرق المؤسسية على المعارف القبليّة، وهي المعارف الضمنية حول الآلية التي يتبعها كل فريق لإجراء العمل وحلول التحديات التي يواجهها في العمل. يمكننا تصميم نماذج أدق وملائِمة أكثر للسياق تخدم الفرق بدقة أكبر من خلال جمع هذه المعارف وضبط النماذج على أساسها.

أحد الاستخدامات المثيرة لنماذج الذكاء الاصطناعي هو جعلها تؤدي دور "وكيل"؛ أي أن تعمل على نحو مستقل لتنفيذ أنماط العمل. مع ذلك، يكمن التحدي في أن هذه النماذج ستعاني على الأرجح مشكلة العمومية نفسها لأنها مدعومة بنماذج معممة فعالة. إذا أردنا تصميم وكيل ناجح، يجب أن تعمل النماذج وتنفّذ المهام وفق سياق عمل الفريق بدقة. بالتالي، فإن نهج التحليل العكسي للآليات بالغ الأهمية لتمكين الوكلاء من التعلّم من الفرق، وبالتالي خدمتها بدقة أكبر.

ما الذي يمكن أن يفعله الرؤساء التنفيذيون لتجربة العملاء؟

تفشل النماذج العامة غالباً في تحديد السياق الخاص الدقيق الذي يعزز الكفاءة والدقة، على الرغم من أهمية سعة نطاقها. يجب أن يدرك الرؤساء التنفيذيون لتجربة العملاء أن الذكاء الاصطناعي ليس تكنولوجيا يمكن إعدادها مرة واحدة وتركها تعمل وحدها؛ بل يمكن جني فوائدها الحقيقية عندما تتوافق مع أنماط العمل المحددة وعمليات صناعة القرار في المؤسسة.

تستطيع الشركات خفض معدلات الخطأ والتكاليف التشغيلية بمقدار كبير من خلال تخصيص الوقت لتطوير نهج مخصص، كما أن ذلك سيساعدها في نهاية المطاف على تحقيق عائد استثمار أعلى بكثير من مبادرات الذكاء الاصطناعي. وفي ظل المشهد التنافسي اليوم، سيؤدي إهمال دمج هذا المستوى من الرؤى السياقية إلى تفويت فرص الربح وخسارة الميزة الاستراتيجية.

باختصار، إذا كانت الاستراتيجية التي تتبعها في استخدام الذكاء الاصطناعي تعتمد فقط على الحلول الجاهزة، فإنك تخاطر بتفويت فرصة تحقيق تحوّل فعلي يعزز الإنتاجية الحقيقية ويحد من المخاطر. بالتالي، يجب أن تتضمن الاستراتيجية المكتملة لاستخدام الذكاء الاصطناعي التحسين المستمر من خلال الرؤى الخاصة بالفرق لضمان أن تولّد الاستثمارات التكنولوجية قيمة فورية وطويلة الأجل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي