نتعامل يومياً مع نوعين من السلع: النوع الأول يتم الحصول عليه وتبادله على الفور، كما أنه عديم الوزن، ومنيع ضد الأضرار، ومن السهل تخصيصه وتكييفه، ومن المستحيل فقدانه. حتى الأطفال يمكنهم أن يحملوا الآلاف من البضائع من هذا النوع في آن واحد. أما النوع الثاني فيستلزم السفر للحصول عليه أو تبادله، ومن الصعب إجراء تعديلات عليه، كما أنه ثقيل ومن السهل فقدانه، ويمكن أن يتضرر بعدد لا يحصى من الطرق. ويمكن وضع عدد قليل منه فقط في حقيبة واحدة. ورغم المزايا العديدة التي يتمتع بها النوع الأول، ألا وهو السلع الرقمية، تجد الشركات في كل مرة تلو الأخرى أن الأشخاص يقدّرون النوع الآخر من السلع، النسخ المادية من السلع الرقمية، ومستعدون لدفع مبالغ أكبر بكثير للحصول عليه. ومن ثم، يهدف بحثنا إلى تفسير هذا السلوك المحير.
أحدثت رقمنة العديد من السلع الاستهلاكية واسعة الانتشار، من الكتب إلى المجلات والجرائد والموسيقى والأفلام وتذاكر الطيران والآلات الحاسبة، تحولات في الحياة العصرية. فقد تم طرح الصور الرقمية تجارياً لأول مرة عام 1990، والآن يتم التعامل بها أكثر من الصور المطبوعة. ورغم هذه المزايا العديدة التي تتمتع بها السلع الرقمية، يبدو أن السلع المادية لا تزال تتمتع بقدر أكبر من الجاذبية. فمثلاً لا تزال الكتب المطبوعة هي المهيمنة، وأيضاً لا تزال مبيعات أقراص البلو-راي وأقراص الفيديو الرقمية مستمرة في النمو كما هو الحال بالنسبة إلى النُسخ المادية المطبوعة من الصور الرقمية التي يمتلكها الأشخاص بالفعل.
بدأنا في استكشاف هذه المفارقة في أحد الأيام المشرقة في فصل الصيف في بوسطن، عندما عرضنا على بعض السياح في "درب الحرية" (Freedom Trail) التقاط صورة تذكارية لهم مع ممثل يرتدي زي بول ريفير. لم نتقاض ثمن الصورة ولكن طلبنا من كل سائح أن يتبرع للمجموعة العريقة المعنية بالمحافظة على كنيسة "أولد نورث" (Old North Church) في المقابل. ودون علم المشاركين، أُدخِلوا عشوائياً إلى واحدة من مجموعتين. وتلقت المجموعة الأولى صورة رقمية فورية عبر البريد الإلكتروني، وتلقت المجموعة الثانية صورة ملتقطة بكاميرا بولارويد التي لا تزال قيد التطوير. وفي حين أن السياح في المجموعة الأولى اختاروا التبرع بـ 2.29 دولاراً في المتوسط مقابل الصورة الرقمية، إلا أنه كان من اللافت للنظر أن المجموعة الثانية تبرعت بمبلغ قدره 3.39 دولاراً، وهو أكبر بنسبة 48%، مقابل الصورة التي يمكنهم لمسها وإمساكها، الملتقطة بكاميرا بولارويد.
وجدنا من خلال بحثنا أن هؤلاء السياح لا يُعتبرون حالة فريدة، فرغم المزايا العديدة التي تمنحها السلع الرقمية، يتم تقدير النسخ المماثلة لها من السلع المادية بشكل أكبر. وعندما تتم رقمنة السلع المادية مثل الكتب الورقية أو الصور المطبوعة أو أقراص الفيديو الرقمية، فإنها تفقد جزءاً من قيمتها بالنسبة إلى المشترين. وتقترح تجاربنا أن الدافع الأساسي لهذه الخسارة في القيمة ليس قيمة السلعة عند إعادة بيعها، ولا تكلفة صناعتها، ولا طول المدة التي يمكن استخدامها خلالها، أو ما إذا كانت فريدة من نوعها أم رائجة. وجدنا أن الاختلاف الرئيس يتمثل في أن السلع الرقمية لا تمنح الشعور بالملكية نفسه الذي تمنحه السلع المادية.
فالميزة ذاتها التي تُكسب السلع الرقمية قدراتها الفريدة، ألا وهي كونها لا مادية، هي أيضاً ما تقوض شعورنا بالملكية. لأننا لا نستطيع أن نلمس السلع الرقمية ونمسك ونتحكم بها بالطريقة نفسها التي نتعامل بها مع السلع المادية، نشعر أن ملكيتنا للسلع الرقمية مقيدة. لا تُشعرنا السلع الرقمية أبداً بملكيتنا التامة لها، فنحن عندما نشعر بملكيتنا للشيء نميل نفسياً إلى تعظيم قيمته. ونتيجة لذلك، لا تتمتع السلع الرقمية بتلك المكانة التي نمنحها للأشياء التي نمتلكها.
في تجارب أخرى، أجريناها على عينات بحث عبر الإنترنت وعلى طلاب إدارة الأعمال، وجدنا أن الميل إلى تقدير السلع الرقمية بقيمة أقل من السلع المادية يمتد إلى مجموعة متنوعة المنتجات مثل الأفلام المشهورة والروايات والكتب الدراسية. كما لاحظنا أن التأثير هو نفسه سواء قسنا القيمة عن طريق السماح للمشاركين في البحث بدفع أي مبلغ يرغبون في دفعه مقابل السلع، أو بإخبارنا المبلغ الذي كانوا مستعدين لدفعه، أو عن طريق قياس احتمالية شرائهم نسخة رقمية أو مادية من سلعة ما إذا بِيع كلاهما بالسعر نفسه. ولا تزال القيمة الأكبر التي تتمتع بها السلع المادية قائمة حتى عندما أخذنا في الاعتبار تقديرات الأشخاص لتكاليف الإنتاج وأسعار التجزئة. بل ظلت قائمة حتى بالنسبة للسلع التي لا يكون لها قيمة عند إعادة بيعها. وقد فشلت التفسيرات البديلة المعقولة، مثل أن السلع المادية تعيش لمدة أطول، أو أنها أكثر متعة في الاستخدام من السلع الرقمية، في تفسير هذا الاختلاف.
لم يفسر هذه الظاهرة المتمثلة في تفضيل السلع المادية سوى الاختلاف المتعلق بالشعور بالملكية. في الواقع تلاشت الفجوة في القيمة في حالة السلع التي استأجرها المشاركون وكان من المنتظر إعادتها. فمثلاً لم يُبد الطلاب استعدادهم لدفع مبلغ أكبر مقابل الكتب الورقية التي سيعيدونها في نهاية المقرر الدراسي.
هذا الاختلاف في الشعور بالملكية يتيح لنا أيضاً تحديد متى سيقدّر الأشخاص السلع الرقمية بقيمة لا تقل عن السلع المادية. نظراً لأن الملكية تنطوي على وجود رابط بين الشخص والشيء، وجدنا أن الفجوة في قيمة نوعي السلع اتسعت عندما كان من السهل بناء هذا الرابط، وتلاشت عندما كان من الصعب بنائه. على سبيل المثال، يقدّر المشاركون النسخة المادية من فيلم "الإمبراطورية تعيد الضربات" (The Empire Strikes Back)، الجزء الخامس من سلسلة حرب النجوم، بقيمة أعلى من النسخة الرقمية فقط إذا كانوا يرتبطون ارتباطاً قوياً بسلسلة أفلام حرب النجوم. أما المشاركون الذين لم يكونوا من عشاق سلسلة أفلام حرب النجوم، فقد قدّروا قيمة كل من النسخة المادية والرقمية على نحو مماثل.
نعتقد أن هذا الاختلاف في شعور الأشخاص بالملكية تجاه السلع الرقمية والمادية ربما يرجع إلى شعورهم الضعيف بالتحكم في الأشياء الرقمية. فالأشخاص يشعرون بملكية السلعة بقدر ما يستطيعون لمسها ومسكها والتحكم فيها. وقد وجدنا في الواقع أن الأشخاص الذين لا توجد لديهم حاجة ماسة إلى الشعور بالتحكم في البيئة المحيطة بهم، لا يفضلون السلع المادية مقارنة بالسلع الرقمية، في حين أن الأشخاص الذين يحتاجون بشدة إلى الشعور بالتحكم في البيئة المحيطة بهم يفضلون بشكل كبير السلع المادية مقارنة بالسلع الرقمية. فقد أفاد المشاركون في إحدى التجارب بمدى استعدادهم للدفع مقابل الحصول على نسخة جديدة من كتاب لأحد مؤلفيهم المفضلين ومدى شعورهم بملكية هذا الكتاب بمجرد أن حصلوا عليه، وأيضاً بحاجتهم إلى الشعور بالتحكم، فجميعها مؤشرات إلى المدى الذي يحتاج به الشخص إلى فرض تحكمه على البيئة المحيطة به. كما وجدنا أن المشاركين الذين يُحبذون التحكم بدرجة أكبر يعتقدون أنهم سيشعرون بقدر كبير من الملكية النفسية للنسخ الرقمية أكبر من النسخ المادية للكتاب، وهو ما أدى بدوره إلى إضافة قيمة للنسخ المادية للكتاب أكبر من قيمة نُسخه الرقمية، حتى عندما أُدرجت تقديراتهم لسعر التجزئة الخاص بالكتاب وتكلفة إنتاجه في نموذج إحصائي. ولم تختلف الملكية المتصورة وتقدير قيمة الكتب المادية والرقمية بقدر كبير لدى المشاركين الذين لا يحبذون كثيراً الشعور بالتحكم.
تحدد نتائجنا كلاً من مصدر القيمة المفقودة بسبب الرقمنة، وأيضاً كيف يمكن تصميم السلع لتعيد اكتساب تلك القيمة المفقودة. فيمكن صنع السلع الرقمية لتشبه بصرياً النسخ المادية لها، باستخدام المحاكاة الفيزيائية للأجسام "skeuomorphism"، مثلما تعرض شركة "آبل" (Apple) كتبها الرقمية على رف خشبي افتراضي في تطبيق "آي بوكس" (iBooks).
يمكن تعزيز الشعور بالملكية عن طريق زيادة شعور المستخدمين بالتحكم عبر استخدام الواجهات البينية التي تعمل باللمس، وإتاحة الفرصة للمستخدمين ليشتركوا في إنتاج المنتج أو تصميمه. وفي هذا الصدد، تنذر النتائج التي توصلنا إليها بوجود خلافات تلوح في الأفق، نظراً لتبنّي الأجهزة ذاتية التحكم مثل السيارات ذاتية القيادة. تماماً مثلما يرفض المتمسكون بالسيارات الحديثة ناقلات الحركة التلقائية، الأفضل من الناحية التقنية، ولكنها تتيح لهم التحكم بدرجة أقل من ناقلات الحركة اليدوية، قد يقلل الأشخاص من قيمة الأجهزة ذاتية التحكم التي تتطلب مساهمتهم بقدر ضئيل، أو لا تتطلب أي مساهمة منهم على الإطلاق. فانعدام المساهمة المادية هذا من شأنه أن يثبط شعورهم بالتحكم في الأجهزة ذاتية التحكم. ونتيجة لذلك فإنهم يكونون أقل ميلاً إلى بناء الشعور بالملكية تجاه الأجهزة ذاتية التحكم، وبالتالي لن تتمتع تلك الأجهزة بالقيمة الكبيرة التي يمنحها الأشخاص للسلع التي يشعرون بالملكية النفسية تجاهها.
وختاماً، توفر النتائج التي توصلنا إليها فرصة للتعرف على مختلف وجهات نظر الأشخاص تجاه سرقة كل من السلع المادية والرقمية. فنظراً إلى أن الملكية المتصورة منخفضة القيمة فيما يتعلق بالسلع الرقمية، قد لا يشعر الأشخاص بأن سرقة السلع الرقمية تسبب لهم الضرر نفسه الذي تسببه سرقة السلع المادية.
رقمنة المحتوى تحررنا، نحن وبيئتنا، من عبء تكديس الأشياء المادية التي نستخدمها للحصول على المعلومات والترفيه. ورغم المكاسب الكبيرة التي تحققها السلع الرقمية على صعيد رفاهية المستهلك، فإن تفضيلاتنا لا تتحدد فقط بمدى الفائدة والعملية التي نرى أن تلك الابتكارات تتمتع بها. فيُظهر بحثنا كيف أن التقنيات الجديدة يمكن أن تتصادم مع بنية الإدراك، وكذلك مع الضرائب الإدراكية التي يمكن أن يفرضها العقل البشري.