ربما تكون الدول العربية بمؤسساتها وأفرادها من أكثر الدول التي تتحدث عن عصر "الديجيتال" والبيانات والذكاء الاصطناعي، مع أنها في الواقع من أكثر دول العالم مقاومة لشفافية البيانات، هذا إن وُجدت هذه البيانات أصلاً. فماذا عن عصر البيانات الحالي؟
فمن جهة، غالباً ما تسمع خطابات حماسية مبالغ فيها عن ضرورة دخول عصر الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين دون تأخير، وأن الانتقال إلى عصر "الديجيتال" يجب أن يكون كاملاً بلا تدرّج. ومن جهة أخرى، لا يزال الكثير ممن يرددون هذه الأفكار، يرتعدون من فكرة الشفافية في البيانات، ويشعرون بالتردد والارتباك عند الطلب منهم مشاركة البيانات بين الأقسام داخل الشركة الواحدة، فضلاً عن مشاركتها مع مؤسسات أخرى، أو مشاركة البيانات بين وزارة وأخرى في حالة المؤسسات الحكومية.
اقرأ أيضاً: هل تنتفع ببياناتك أم تجمعها فحسب؟
وإذا كان هذا حالنا كشركات خاصة ومؤسسات حكومية مع مشاركة البيانات ضمن المؤسسة الواحدة أو بين الوزارات، والتي هي عصب الذكاء الاصطناعي والقرار السليم، فيمكنكم تخيل الصدمة التي يمكن أن تحصل حينما نعلم أن الدخول الحقيقي إلى عصر "الديجيتال" والذكاء الاصطناعي يتطلب في النهاية شفافية عالية في مشاركة البيانات، لدرجة مشاركة كثير منها على الملأ أمام العامة.
دخول الشركات إلى عصر البيانات والذكاء الاصطناعي
هناك دول تكشف منذ عشرات السنين على مواقعها الإلكترونية عن سجلات الشركات ومؤسسيها وبياناتها المالية، وسجلات العقارات والمساكن ومالكيها والسجلات الضريبية، وسجلات المناقصات والعطاءات الحكومية بالكامل، بما فيها جلسات فيديو لطريقة فض العروض واسم الشركات الفائزة بكل عقد حكومي والمبلغ وطريقة ترسية العقود. عندما نكون من هؤلاء نستطيع أن نتحدث بالفم الملآن عن استعدادنا لعصر الذكاء الاصطناعي، لكن خلافاً لذلك، فلننشغل بالأساسيات والتي أولها بناء "داتا" أو بيانات حقيقية، ثم تعلم الشفافية داخل المؤسسة على الأقل ثم على الملأ، لأنها الخطوات العملية التي لا بديل عنها إذا رغبت في دخول عصر الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين، ففي عصر البلوك تشين تصبح عقود الشركات والممتلكات وغيرها علانية بحكم الضرورة، وهذا العصر الذي نتحدث عنه قد بدأ بالفعل "الآن".
اقرأ أيضاً: هل يعرف علماء البيانات في شركتك الغرض من عملهم؟
لا تزال البديهيات عندنا بحاجة إلى عمل مضنٍ، إذ إن الكثير من أصحاب الشركات يرتعدون من النشر العلني لسجلاتهم التجارية، ولا يريدون أن يتعرف أحد على شركاتهم ولا شركائهم أو رؤوس أموالهم. فكيف يمكن لهؤلاء تبني الشفافية والبيانات كقاعدة أساسية لأعمالهم؟
"لحظة كوداك"
أحياناً أجد أن الكثيرين في منطقتنا يفهمون الذكاء الاصطناعي والبيانات التي يعتمد عليها، وكأنه حل يمكن استيراده جاهزاً، أي أنني أريد ذكاء اصطناعياً وبيانات جاهزة من خارج شركتي، وهذا هو الانفصال عن الواقع بعينه، فالبيانات التي يريدها الذكاء الاصطناعي ليتعلم التفكير ومساعدتك في العمل، هي من داخل شركتك قبل أي شيء آخر وبلا أي أسرار.
اقرأ أيضاً: يمكنك تحسين بيانات مبيعاتك بالقليل من التنظيم
لنتذكر أن التخلف عن ركب الحضارة لم يعد مجرد كبوة ينهض منها البلد أو الشركة بكل بساطة، بل أصبح اصطداماً بالأرض بعد التحليق في الجو، وما إن تنهض منه حتى تجد نفسك غير قادر على اللحاق. قبل فترة كنت أدير حواراً في جلسة مفتوحة مع كريم لاخاني، وهو أستاذ في كلية "هارفارد للأعمال"، مؤلف كتاب (التنافس في عصر الذكاء الاصطناعي) -والذي نعمل على ترجمته في هارفارد بزنس ريفيو العربية وسيصدر قريباً- وكان يتحدث عما يسمى "لحظة كوداك" وهي المصطلح الذي بات مستخدماً في عالم الأعمال للإشارة إلى الشركات التي تتخلف عن الركب وتسقط، ولا تنهض من كبوتها إلا بعد فوات الأوان. وقد سألته ساعتها عن المؤسسات والشركات التي تتحدث كثيراً عن الذكاء الاصطناعي وعصر البيانات لكنها لا تفعل الكثير للحاق بالركب، فأجابني بأن العالم سيشهد قريباً الكثير من حالات السقوط الكوداكية.
اقرأ أيضاً: هل تعتمد على الحدس أم البيانات في عملك؟