كيف تساعد زملاءك دون أن تضحي بنفسك؟

7 دقائق
العمل التعاوني

ملخص: قد تؤدي معتقداتنا حول ضرورة المسارعة إلى مساعدة الآخرين إلى زيادة عبء العمل التعاوني بدرجة مفرطة والإصابة بالاحتراق الوظيفي. مثلاً، قد تؤدي رغبتنا في مساعدة الآخرين إلى تدخلنا في مشاريع أو نقاشات من دون أن يُطلب ذلك منا، كما تحثّنا حاجتنا إلى اكتساب مكانة على توجيه مسار العمل التعاوني ليعود إلينا، ويمكن أن يمنعنا الخوف من قول "لا" لشخص يطلب مساعدتنا في أمر نعرف أننا غير قادرين على القيام به. تتمثل الخطوة الأولى لتخفيف عبء العمل التعاوني في إدراك هذا النوع من المحفزات الداخلية. يقدم هذا المقال معتقدات شائعة يجب علينا التفكير فيها، وستساعدك حماية نفسك منها في استعادة وقتك وإعادة توجيه جهودك إلى الأماكن التي تتمتع مساهمتك فيها بأعلى قيمة.

 

عملياً، كل ما نفعله في العمل هو عمل تعاوني. كان الموظفون قبل الجائحة يقضون 85% أو أكثر من أوقاتهم كل أسبوع في العمل التعاوني المتمثل في الرد على الرسائل الإلكترونية والرسائل النصية الفورية والاجتماعات واستخدام أدوات العمل التعاوني ومساحاته ضمن الفريق، وازدادت هذه النسبة في أثناء الجائحة في حين لا نرى أي نهاية قريبة لها مع انتقالنا نحو أشكال العمل الهجين المتنوعة.

تتمثل المعضلة في أن الفكر السائد حول العمل الجماعي والعمل التعاوني خلق جزءاً كبيراً من أساليب التعاون الخاطئة التي تضرّ بأدائنا وصحتنا ورفاهتنا عموماً. أجريت مع زملائي في شركة كونكتيد كومنز على مدى عقد من الزمن دراسات تحليلية على طرق إدارة العمل التعاوني التي يتبعها الموظفون الناجحون، الذين يقدمون أداء متميزاً ويزدهرون في عملهم، ضمن سياق العمل المتصل بالإنترنت بدرجة فائقة. ما تعلمناه هو أن أنجح الموظفين لم تميزهم شبكات المعارف الأكبر بل فعاليتهم الأكبر في العمل، إذ اتبع الموظفون الذين شملتهم دراستي طرقاً هادفة أكثر في تعاونهم مع الآخرين وبالتالي ازدادت فعاليتهم بنسبة تتراوح بين 18% و24% مقارنة بأقرانهم.

بينت المقابلات الشخصية المتعمقة التي أجريتها مع أكثر من 600 موظفة وموظف ناجحين أنهم حققوا هذه الميزة عن طريق اتباع 3 فئات من السلوكيات:

  • تحديد المعتقدات وتحديها؛ المعتقدات التي تؤدي بنا إلى التعاون مع الآخرين بسرعة أكبر من اللازم.
  • فرض نظام محدد في العمل منعاً للتعاون غير المنتج.
  • تغيير السلوكيات من أجل التعاون مع الآخرين على نحو أكثر فعالية.

تبين أن الفئة الأولى؛ معتقداتنا حول أنفسنا وأدوارنا، هي الأهم، إذ إنها مسؤولة عن 50% أو أكثر من المشكلة ككل. أقصد بكلمة "المعتقدات" الرغبات والاحتياجات والتوقعات والمخاوف التي نتمسك بها من دون التحقق منها غالباً والتي تركز على شعورنا تجاه حاجتنا إلى المسارعة لمساعدة الآخرين كل يوم. قد تؤدي رغبتنا في مساعدة الآخرين إلى تدخلنا في مشاريع أو نقاشات من دون أن يطلب ذلك منا، كما تحثنا حاجتنا إلى اكتساب مكانة على دفع مسار العمل التعاوني ليعود إلينا، ويمكن أن يمنعنا الخوف من قول "لا" لشخص يطلب مساعدتنا في أمر نعرف أننا غير قادرين على القيام به.

تتمثل الخطوة الأولى لتخفيف عبء العمل التعاوني في إدراك هذا النوع من المحفزات الداخلية. فكر في الجمل التالية وميّز التي يجب أن تحذر منها:

"تؤدي رغبتي في مساعدة الآخرين إلى جعلهم يتوجهون إلي بسهولة شديدة لطلب التعاون".

المساعدة هي سلوك بنّاء مثالي يمنحنا إحساساً بامتلاك هدف ويلبي حاجتنا العميقة إلى الشعور بفائدتنا ويعزز هويتنا. ولكن إذا تدخلت بسرعة أكبر من اللازم أو بصورة متكررة أكثر من اللازم وبطرق تحلّ مشكلات الآخرين من دون بناء قدراتهم فستصبح حتماً الوجهة الأسهل لكثير من الطلبات.

تذكر أن الموافقة على طلب واحد تعني رفض أولويات مهمة أخرى على الصعيدين المهني والشخصي، لذلك احرص على توضيح هذه الأولويات ولا تتردد في رفض الطلبات. لا تعمل على حلّ مشكلات الآخرين بصورة مباشرة عندما تتدخل بالفعل، بل احرص على وصلهم بالشخص المناسب، أو توجيههم نحو المعلومات أو الموارد التي يحتاجون إليها، أو تدريبهم على أفضل الطرق لحل المشكلة، وبذلك ستقل احتمالات أن يتوجهوا إليك على الفور في المرات المقبلة، وستكون قد قدمت لهم المساعدة بالفعل.

"يدفعني الشعور بالرضا الذي يولده الإنجاز إلى المشاركة في العمل التعاوني الذي يحمّلني عبئاً إضافياً".

من الممكن أن تدمن على موجات الشعور بالرضا التي تتولد من إنجاز أمر ما، فتفقد القدرة على تركيز طاقتك على الأهم: العمل الذي تضيف فيه القيمة الأعلى والأكثر تميزاً.

تجنب الأنشطة التي تولد لديك دفعة قوية ومؤقتة من الطاقة الناجمة عن إنجاز أمر بهدف الإنجاز فقط. تكون هذه الأنشطة غالباً أعمالاً روتينية تلقائية، كتفقد جميع الرسائل الإلكترونية الواردة بدلاً من تجاهل بعضها واستثمار الوقت للتركيز على عمل يتطلب جهداً ذهنياً أكبر. في أقصى الحالات أقر بعض الموظفين أنهم يدونون بنوداً ضمن قائمة الأعمال الواجب إنجازها فقط لأجل الحصول على شعور المتعة التي يولّده شطبها بعد إنهائها! انسحب أو قدم توجيهاً جزئياً مع بناء قدرات الآخرين في نفس الوقت. إن كان لا بد لك من المشاركة في مهمة صغيرة، فذكر نفسك بأن القدر الكافي يكفي حقاً.

"تؤدي رغبتي في أن أكون مؤثراً أو أن يقدّر الآخرون خبرتي إلى اعتماد زملائي عليّ بدرجة مبالغ فيها".

تؤدي الرغبة بالتأثير في الآخرين والحصول على التقدير إلى توجيه مسار مطالب العمل التعاوني المفرطة ليعود إليك، ومن الممكن أن تتحول الخبرة بحد ذاتها إلى مزلق؛ فالتركيز على خبرتك يمنعك من تطوير خبرات الآخرين.

لا تواصل سعيك لاكتساب المكانة في الخبرات التي تميزت بها في الأمس، وتنبه بدقة لطريقتك في التعليق في أثناء الاجتماعات أو مشاركتك في سلسلة رسائل إلكترونية. إحدى التبعات غير المقصودة هو أن يعتقد الآخرون أن عليهم الانصياع لك أو الحصول على رأيك قبل التقدم في كل فكرة على حدة. بالإضافة إلى أنك قد لا تفهم السياق الذي تقدم اقتراحك فيه بصورة كاملة، ولربما قدّمت نصيحة لا تفيد المشروع فعلاً في نهاية المطاف.

"يدفعني خوفي من أن أعتبر ذا أداء ضعيف إلى الانخراط في العمل التعاوني الذي يشكل عبئاً إضافياً عليّ".

يؤدي القلق من أن يرى الآخرون صورة سلبية عنك إلى صعوبة بالغة في رفض الطلبات، وهذا لا ينحصر في طلبات القادة الأعلى بل ويشمل طلبات الأقران؛ قد تخشى من أن الرفض سيؤثر عليك لاحقاً بصورة غير مرئية.

إياك واعتقاد أن الرفض هو خيارك الوحيد، فبإمكانك تقديم خيارات، مثل: "ما الترتيب الذي تريدني إنجاز هذا العمل وفقه؟" احرص على التعامل بشفافية فيما يتعلق بقدرتك وطاقتك الاستيعابية وحجم المطالب التي تواجهها بالفعل. ثم ناقش الاحتياجات الحقيقية التي يقوم عليها الطلب وتحقق من توفر طريقة مختلفة لإنجاز الطلب.

"تؤدي حاجتي إلى أن أكون على صواب إلى قضاء وقت طويل جداً في الاستعداد للأنشطة التعاونية والمشاركة فيها".

مهما كان مصدر الحاجة إلى أن تكون على صواب (يعتبر التهديد الذي تشعر به تجاه هويتك بوصفك عضواً كفؤاً في الفريق والخوف عوامل شائعة)، فهو يولّد أنشطة غير منتجة ويدفعك لقضاء ساعات في الاستعداد للاجتماعات وكتابة الرسائل الإلكترونية المثالية وخلق عمل إضافي للجميع.

من الأفضل أن تعترف بأنك لا تعرف الجواب الصحيح ولكنك قادر وعازم على التوصل إليه بسرعة. سيؤدي صدقك فيما يتعلق بحدودك وامتلاك الشجاعة لطرح الأسئلة إلى الحدّ من الأنشطة غير المنتجة وخلق المجال للآخرين ليتحدثوا بصدق عن حدودهم أيضاً.

"يؤدي الخوف من فقدان السيطرة على مشروع ما، أو الاعتقاد بأني أكثر شخص قادر على القيام بالعمل كما يجب، إلى منعي من تفويض المهام أو إنشاء الروابط بين الزملاء المحيطين بي".

إن تلبية حاجتك للسيطرة تؤدي إلى إرهاقك، كما أن التمسّك بالعمل وعدم تفويض المهام سوى لأشخاص تثق بهم يولد شعوراً لدى أفراد الفريق بأن استقلاليتهم تضاءلت، ويؤدي ذلك إلى تباطؤ أدائهم.

ضع حداً بين المهام ذات المخاطر العالية التي تحتاج حقاً إلى خبرتك والعمل المنخفض المخاطر الذي يمكنك تفويضه من دون قلق، تخلّ عن بعض الأعمال كي تبني القدرة لدى الآخرين وتتيح لنفسك بعض الوقت للانخراط في عمل تضيف فيه أكبر قدر من القيمة. واحتفل بالحلول التي يتوصل إليها الآخرون وقاوم الرغبة في التحدث عن الطرق المختلفة التي كان بإمكانك اتباعها.

"تولّد حاجتي إلى إتمام العمل تواصلاً يخلق عملاً غير ضروري وضغطاً على الآخرين ويحول مسار التفاعلات المستقبلية لتعود إليّ".

التشديد المفرط على إتمام العمل لأجل إتمامه فحسب يخلق ضغطاً غير ضروري على أفراد فريقك وقد يدفعهم للسعي وراء أهداف غير واضحة لا تتوافق مع عمل الفريق الكلي. هذا ما يحدث في لحظات سريعة، مثل إرسال عدد من الرسائل الإلكترونية في ساعة متأخرة من الليل من دون التمعن فيها بهدف شطبها عن قائمة المهام فحسب، ولكنك تقدم فيها توجيهات غير مدروسة تسبب حالة من النشاط الجنوني حولك.

ذكّر نفسك بأنه ليس من الضروري أن يكون إتمام العمل، أو صندوق الرسائل الإلكترونية الواردة الفارغ هدفاً ذا أولوية، وكي تجرب هذا الشعور، لا تردّ على كل الرسائل الإلكترونية، واترك العمل أو الطلبات التي ليست لها أولوية في قائمة الانتظار أو احذفها من جدولك تماماً، تغيّب عن أحد الاجتماعات وراقب ملاحظة الموظفين غيابك.

"يؤدي قلقي من الغموض وإدارة التكيف في أثناء تقدم المشروع إلى توليد عمل تعاوني زائد بهدف إتقان الخطة بصورة مبالغ فيها أو الحصول على التأييد".

لا يكتفي الأشخاص الكارهون للغموض من المعلومات أو وضوح الإجراءات أو مثالية الخطط، ولذا فهم يسعون دوماً للحصول على مزيد من البيانات والإجراءات الدقيقة المفصلة والاستراتيجيات الأفضل، وتستهلك متطلباتهم هذه ساعات من وقت الآخرين.

ركز على أن تسير في الاتجاه الصحيح وتقبل أفكار التكيف وخططه مع حصولك على المعلومات الجديدة. حاول التوصل إلى حل في غضون 20 دقيقة يساعد في المضي في خطة ما قدماً، بدلاً من قضاء 3 ساعات للحصول على حلول دقيقة أكثر أو اتباع إجراءات مفصلة بدرجة أكبر.

"يدفعني الخوف من أن يفوتني شيء إلى الانخراط في العمل التعاوني الذي يولد عبء عمل إضافي".

في كثير من الأحيان يؤدي الخوف من أن يفوتنا شيء إلى اختيار خيارات غير منتجة من أجل الانتقال سريعاً إلى مشاريع تعاونية جديدة. قد ينتهي بك المطاف في مشاريع تثقل كاهلك بأعباء إضافية لا تتوافق مع شخصيتك التي تسعى لبنائها حقاً أو ما تود تحقيقه من عملك.

قبل الانتقال بسرعة إلى مشروع جديد احرص على ألا تبني خططك على رد فعل عاطفي لا إرادي يحفزه الخوف أو المقارنات الاجتماعية. ابنِ علاقات في شبكة معارفك مع أشخاص يعرفونك جيداً، واستفد منهم لتطوير رواية مضادة تساعدك في تفادي اتخاذ قرارات مبنية على الخوف من تفويت شيء بدلاً من فعل ما يعود عليك بأفضل فائدة.

90% من الموظفين الذين أجريت معهم مقابلات شخصية كانوا مرهقين ومصابين بالاحتراق الوظيفي بصورة جلية، ليس بسبب أعباء عملهم الفعلية بل بسبب مطالب العمل التعاوني المتزايدة بدرجة كبيرة قبل الجائحة وفي أثنائها. ومع ذلك، كان موظف واحد تقريباً من كل 10 موظفين يعيش حياته بشروطه، ما يؤدي إلى تقديمه أداء أعلى وتمتعه بالقدرة على التحمل في العمل وازدهاره خارجه. كان السر في نجاح هؤلاء الموظفين، الذين تبلغ نسبتهم 10%، يكمن في إدراكهم للمحفزات التي تؤدي بهم إلى الانخراط بسرعة في العمل التعاوني غير المنتج. فكر في الأمر: يتمتع كل منا بقدرة لم يسبق لها مثيل في التاريخ وكانت الأجيال السابقة تتمنى الحصول عليها، وهي القدرة على تشكيل العمل الذي نقوم به والطرق التي نتبعها في أدائه. إذاً، لِم نضيع هذه النعمة من أيدينا؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .