يوجد في الولايات المتحدة الأميركية ما يقرب من 50 مليون شخص في عقدهم الثالث، إلا أن معظمهم يرزحون تحت وطأة قدر مذهل لا سابق له من الغموض، فهم لا يمتلكون أدنى فكرة عما إذا كانوا سيحصلون على عمل أو عن مكان إقامة في غضون السنوات الخمس المقبلة، ولا يعرفون ما إذا كانوا على بعد يوم أو عقد من حصولهم على ترقية، أو ما إذا سيكون باستطاعتهم دفع فواتير معيشتهم. واليوم، تخرّج ملايين من العمال المرتقبين الجدد دون أي احتفالات رسمية ليجدوا أنفسهم في عالم يشهد جائحة وركوداً عالميين. فكيف يمكن أن يساعد الخريجون الجدد أنفسهم للخروج من حالة الضياع هذه؟
بصفتي عالمة نفس حصلت على تخصصها في عقدها الثالث، أسمع كل يوم عن معاناة العمال الشباب الذين يشعرون باليأس من مستقبلهم المجهول. وفي حال كان اليأس ينتابك أنت أيضاً، فتأكد أنك لست وحدك من تنتابه تلك الأحاسيس. تُظهر البحوث أن أفضل طريقة للتكيف مع حالة الغموض تلك تتمثّل في تغيير طريقة تفكيرنا فيها والعثور على الطريق الصحيح لنواصل المسير، بدلاً من السعي وراء المجهول.
اقتراحات تساعد الخريجين الجدد في الخروج من حالة الضياع
تجنب السفر عبر الزمن. عندما يبدو المستقبل مجهولاً، نميل إلى قضاء كثير من الوقت في التفكير فيه. ومع ذلك، لا يجب أن يكون العقد الثالث من عمرك هو الوقت الذي يُطلق علماء النفس عليه "السفر عبر الزمن"، أو الوقت الذي ترهق عقلك فيه مستغرقاً في التفكير في الشهر المقبل أو العام المقبل، وإنما هو الوقت الأمثل لوضع خطط للمستقبل والعمل في سبيل تنفيذ تلك الخطط. لكن يوجد فرق بين الاستعداد للمستقبل والتظاهر أننا ملكناه بالفعل.
ويوجد مثل من التبت يقول: "خطط لحاضرك تبني مستقبلك". بمعنى آخر، تتمثّل أفضل طريقة للتخطيط للمستقبل في التخطيط للحاضر. فإذا كنت قلقاً بشأن ما قد تبدو عليه حياتك عندما تبلغ الخامسة والعشرين أو الخامسة والثلاثين من العمر، فلا بد لك من اكتشاف الوسائل التي تساعدك في التخطيط لتلك المرحلة اليوم. قد يكون الأمر بسيطاً وينطوي على كتابة خطاب تعريفي أو تصفح قوائم الوظائف الشاغرة أو التواصل مع شخص ما في شبكة علاقاتك يساعدك في تحقيق ما تصبو إليه.
الانتقال من أزمة الهوية إلى رأسمال الهوية. يمثّل رأسمال الهوية مجموعة الأصول الشخصية التي تمتلكها، وهو يضم المهارات والخبرات والصفات التي تميزك في الوقت الراهن. قد يشغل العامل الشاب العادي ثماني وظائف بحلول عمر الثلاثين. وبالتالي، لا ينبغي أن تقضي العقد الثالث من عمرك سعياً وراء تلك "الوظيفة الدائمة"، بل لا بدّ لك من الاستثمار في نفسك بداية ذلك المسار، حتى إن اضطررت إلى قبول أي وظيفة لتدبير شؤونك المالية.
ومهما كانت الخطوة التي تتخذها، حاول أن تضيف قيمة إلى شخصيتك. قالت لي إحدى الموجّهات ذات مرة عندما كنت على وشك بدء إجازة الأمومة: "لا تتركي أي سنة من عمرك تذهب سدى". ما قصدَته هو أنه حتى لو شعرتِ أن مستقبلك متوقف بسبب ظروف غير عادية، حققي أي إنجاز يمكنك وضعه في سيرتك الذاتية، مثل حضور دورات التوعية المالية عبر الإنترنت أو الحصول على شهادة تقنية أو التحضير لاختبار القبول للدراسات العليا في مجال الإدارة؛ فالحصول على عمل جيد ليس الطريقة الوحيدة لتعزيز رأسمال الشخصية.
تجنب أسئلة "ماذا لو" وركز على أسئلة "ما هو". يتمثل أحد أكثر أخطاء التفكير شيوعاً في ظل المواقف المجهولة في التفكير الكارثي. وهو أسوأ سيناريوهات التفكير الذي يصف أحد عملائي ممارسيه بأتباع أسئلة "ماذا لو". ماذا لو لم أجد وظيفة قط؟ ماذا لو طُردت من العمل؟ ماذا لو لم أكن ناجحاً في حياتي؟ بدلاً من التفكير في سيناريوهات "ماذا لو"، تريّث ومارس التفكير القائم على الأدلة أو أسئلة "ما هو".
اكتب الأدلة التي لديك حول مدى فداحة الكارثة التي تتخيلها، وستجد عندما تمعن التفكير فيها أن وضعك ليس سيئاً بالقدر الذي كنت تتخيله. كن على استعداد لأن تطرح على نفسك السؤال التالي: "ما هي الخطة التي يجب أن اتبعها في حال تحققت مخاوفي؟" إذا كنت قلقاً بشأن احتمال أن تفقد عملك، فسارع إلى تدوين خططك اللاحقة في حال خسرت عملك بالفعل. إن مواجهة مخاوفنا تجعل تلك المخاوف أقل قوة، وهو نهج يُتيح لنا إدراك قدرتنا على تجاوز أكبر مشكلات حياتنا حتى.
قاوم هدف السعي وراء الطمأنينة. الطمأنينة هي آلية شائعة للتكيف لدرجة أن المؤتمر الوطني لعلماء النفس أدرج جلسة مخصصة للعمل مع "مدمني السعي وراء الطمأنينة". قد تكون مدمن السعي وراء الطمأنينة إذا اتصلت بوالديك عشرات المرات في اليوم تستطلع رأيهما حول ما يجب عليك فعله في حياتك، أو إذا راسلت معالجك النفسي مراراً وتكراراً متسائلاً عما إذا كانت وظيفتك أو علاقتك ستدوم.
عندما أبث الطمأنينة في قلوب العملاء، يسارعون إلى حضور جلسة أخرى سعياً وراء الحصول على مزيد من الطمأنينة بعد تزايد مشاعر القلق في أنفسهم؛ والأمر أشبه بدواء لا يدوم مفعوله طويلاً. لذلك، بدلاً من التواصل مع المدراء أو الأصدقاء أو الشركاء وزيادة التواصل معهم لالتماس مشاعر الطمأنينة التي لا يمكنهم تقديمها أو لا يجب عليهم منحها، لا بد لك من أن تسعى إلى تعزيز مشاعر الطمأنينة داخلك معتمداً على نفسك.
فكّر في موقف صعب تعرّضت له في الماضي، وذكّر نفسك بما فعلته لتجاوز ذلك الموقف، حيث تتيح لك تلك الطريقة كسب مزيد من الثقة وتساعدك في إدراك مدى قدرتك وقوتك، وأن تلك القدرات والقوة لا تقتصر على الأشخاص من حولك فقط.
لا تأبه بمشاعر الندم. الندم هو شعور بعدم الرضا يحدث عندما نتخيل أن الخيار الذي اتخذناه أسوأ من الخيار الذي لم نتخذه. ومع ذلك، لا يمكننا أبداً معرفة ما كان سيحدث إذا شاءت الأقدار أن نسير في اتجاه معاكس. وتشير البحوث إلى أن الإيمان بتلك الحقيقة قد يدرأ مشاعر الندم. لذلك، تجنّب التفكير وامض في حياتك دون خوف من الندم.
وإذا وجدت نفسك مثقلاً بمشاعر الندم، فحدد ماهية المشكلة التي جعلتك تشعر بالندم. هل تفتقد إلى وجود توازن بين عملك وحياتك الشخصية؟ هل تفتقد وجود مدير أفضل؟ هل تندم على الخيارات التي اتخذتها فيما يخص الأسهم؟ بدلاً من أن تندم على الأمور التي لم تتمكن من تحقيقها، تطلع إلى المستقبل واستعمل مشاعر الندم كمعلومات حول خططك المستقبلية. قد يقودك الندم إلى الاستسلام، لكن عقدك الثالث ليس وقت الاستسلام.
حافظ على صحتك واسعَ نحو بلوغ السعادة. يشهد عقلك وشخصيتك تغييرات عدة في العشرينيات من عمرك أكثر من أي وقت آخر في مرحلة البلوغ. وبغض النظر عن السلوكيات التي تود تغييرها في نفسك، لا بد من تغييرها من خلال تطوير عادات جيدة. صحيح أن مشكلات الصحة العقلية مثل القلق والاكتئاب وتعاطي المخدرات تميل إلى الظهور في العشرينيات من العمر، وغالباً ما تكون تلك المشكلات استجابة لحالة من الغموض، إلا أنها تميل إلى التحسن في العشرينيات من العمر أيضاً، شرط أن تبذل جهداً لتجاوزها.
بدأت إحدى عميلاتي في الجري للتحكم في مزاجها. واستغلت أخرى فترة الإغلاق العام بسبب "كوفيد-19" للتخلص من سمنتها. في حين قلّلت أخرى من وقت تصفح منصة "إنستغرام" وأصبحت تنام أكثر. وتمكنت إحداهن من تطوير هوايتها بينما وجدت صعوبة في التقدم في عملها. صحيح أن فترة العشرينيات من العمر تكون أكثر سعادة عندما نحرز تقدماً كبيراً في العمل، لكن لا يزال الأشخاص في العشرينيات من عمرهم يتمتعون بالسعادة والصحة عمالاً أفضل، حتى إن لم يكونوا قد حصلوا على عمل بعد.
فكر في العقد الثالث من عمرك وكأنه طائرة أقلعت لتوها. إنه الوقت الذي قد يُحدث إجراء تغيير بسيط فيه فارقاً كبيراً في الوجهة التي تقصدها. إنه وقت الاضطراب وعدم الاستقرار. لكن إذا اكتشفت كيفية تجاوز تلك المرحلة، يمكنك حينئذ الوصول إلى مبتغاك أسرع من أي وقت آخر في الحياة، حتى وإن كانت خطواتك صغيرة. ويمكنك الخروج من حالة الضياع التي كنت على وشك الوقوع فيها.