تأسست شركتنا العائلية، التي أسسها جدي، في عام 1880. وعملت على استيراد وتوزيع المنتجات الغذائية المحفوظة في السوق اليونانية.
كنّا وقتها نبيع المنتجات الجافة مثل السكر، والقهوة، والفاصولياء، والعدس، والبازلاء، والحمص. كما كنا نخزن السمك المحفوظ الذي نزود به القرى الجبلية، التي كان الكثير منها يفتقر إلى الكهرباء: سمك الرنجة الهولندي المدخن، والسردين المملح من البرتغال، ولحم الحوت المملح من النرويج، وأيسلندا، وكندا، وكله كان معلباً في صناديق خشبية أو أكياس.
وعندما كنت فتى صغيراً، لم تكن هذه البضائع تحمل اسم الشركة أو علامتها التجارية؛ كانت كلها تباع بالجملة وتسلّم إلى متاجر البقالة؛ وكانت المنافسة كلها على أساس السعر. لم يتغير هذا الوضع حتى خمسينيات القرن الماضي عندما انضممت إلى الشركة بعد حصولي على ماجستير في إدارة الأعمال من الولايات المتحدة الأميركية.
حينها بدأنا بتعبئة المنتجات في أكياس بلاستيكية تزن نصف كيلوجرام أو كيلوجرام. وأدخلنا أيضاً المنتجات غير الغذائية إلى محلات البقالة، بعد الحصول على حقوق التوزيع من شركتي المنتجات المنزلية الأميركية "أميركان هوم برودكتس" (American Home Products) و"جونسون آند جونسون".
وارتفعت مبيعاتنا من المنتجات المعلبة ذات العلامة التجارية بسرعة وحققنا ازدهاراً لفترة من الزمن بوصفنا أول شركة تقدم على هذه الخطوة. لكن النموذج السائد في صناعتنا كان يشهد تغيّراً بعد أن باتت المتاجر الكبرى (السوبر ماركت) تحل مكان متاجر البقالة التقليدية، وبدأت تستورد منتجاتها مباشرة. وفي هذه البيئة الجديدة، لم يعد هناك موطئ قدم في سلسلة القيمة لبائعي الجملة، وحتى نبقى على قيد الحياة، كان علينا أن نصبح وكلاء لصالح مورّدينا مقابل عمولة، وأن نأخذ الطلبيات من السوبر ماركت.
في حالتنا نحن، منحنا تحركنا المبكر نحو المنتجات ذات العلامات التجارية بعض الوقت للتكيف مع أنفسنا، وسمح لنا بالشروع عمداً في عملية إغلاق قسم البيع بالجملة لدينا. لكن كان هناك خطر حقيقي بأن نخسر مبلغاً كبيراً من الأموال المستحقة لنا من 11 ألف متجر بقالة في عموم أنحاء اليونان، بما أن العديد منهم ممّن لم يتوقعوا ممارسة العمل التجاري معنا، كانوا سيحتفظون بديوننا لديهم إلى الأبد. وبغية التقليل من فرص حصول ذلك، اتخذت قراراً بزيارة أكبر عدد ممكن من هؤلاء الزبائن الأكبر حجماً لإعلامهم شخصياً بأننا لن نورّد لهم بعد الآن.
بطبيعة الحال، لم يكن الأمر يتعلق بلقائي مع الزبائن فحسب. فقد كان عدد الزبائن أكبر من أن يتاح لي ذلك. إذ يتعين عليّ أن أضمن تعاون فريق المبيعات لدينا. وبما أن العديد منهم كانوا سيخسرون وظائفهم نتيجة التغيير الذي نريد إدخاله على استراتيجيتنا، فقد كان من الصعب التسليم بتعاونهم. ولضمان هذا التعاون، استعنت بوكالة توظيف تتساعدهم في العثور على وظائف جديدة، ودفعت لهم رواتبهم حتى إيجادهم لهذه الوظائف، كما قدمت لهم جميعاً كتب تزكية شخصية مفعمة بالكلام الإيجابي.
لم تكن تكلفة الأمر زهيدة، لكن هذا الاستثمار آتى أُكله، حيث تمكنا من استعادة غالبية أموالنا المستحقة. لكن الأفضل من كل ذلك هو أن خروجنا بهذه الطريقة المشرّفة وضعنا في مصاف المحترمين من الوكلاء العاملين مقابل عمولة، وهي مهمة تتطلب من الشركة أن تحظى بسمعة جيدة في التعامل مع الناس بإنصاف.
فالثقة، وليس الثمن، هي العامل الفيصل.