رحلة تجربة المتعامل في الخدمات الحكومية بدولة الإمارات العربية المتحدة

4 دقيقة

أحب دائماً أن أبدأ جلسات التدريب التي أقدّمها في القطاع الحكومي بهذا السؤال: ”ما هو الهدف الأساسي للقطاع الحكومي في دولة الإمارات؟”، تتنوع الإجابات بين تحسين جودة الحياة، والتعليم، والاهتمام بالإنسان، وتقديم أفضل الخدمات، وتمكين المواطنين، وغيرها من الأهداف المهمة. وفي النهاية، أخبر المشاركين بأن الهدف الأسمى للحكومة في دولة الإمارات هو إسعاد الناس. ففي حديث مع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة مع بعض قيادات الجهات الحكومية قال لهم أريدكم أن ترسموا الابتسامة على وجه الناس. أما صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء، فيقول إن الحكومة الإيجابية لا ترى في صياغة التشريعات واقتراح القوانين هدفاً بحد ذاته، بل وسيلة لإسعاد الناس وتحقيق مصالحهم.

هذه هي الرسالة الأسمى التي تعكسها القيادة الإماراتية في خطاباتها المختلفة، وتعبّر عنها فلسفة الخدمات الحكومية من خلال تصميم رحلة تجربة المتعامل وتوفير خدمات تتميز بأعلى المعايير مع مراعاة الوقت والجهد والتكلفة، بهدف تحسين حياة الأفراد وإثراء تجربتهم.

قصة التحوّل في تقديم الخدمات الحكومية

تمثّل تجربة المتعامل مع الخدمات الحكومية في دولة الإمارات واحدة من القصص الملهمة في عالم الخدمات الحكومية الحديثة. فمنذ أواخر التسعينيات، بدأت تختفي مشاهد الطوابير الطويلة أمام المكاتب الحكومية، ليحل محلها نظام تذاكر الأرقام، حيث يجلس المتعامل على مقعد مريح حتى يحين دوره للتوجه إلى موظف الخدمة. كما تم إدخال مفهوم ”الموظف الشامل”، الذي يمكنه تقديم الخدمة من خلال موظف واحد، بدلاً من الحاجة إلى زيارة عدة مكاتب. وهذا التحول هو بداية لسلسلة من مراحل تطوير الخدمات الحكومية، التي نمر بها حتى الآن.

مراحل تطوير الخدمات الحكومية في الإمارات

  • تعزيز استخدام الخدمات الإلكترونية (2003-2013): كان التركيز في هذه المرحلة على تحويل الخدمات الحكومية إلى الشكل الإلكتروني، ما أسهم في تسهيل المعاملات وتسريعها.
  • تحقيق التميز في تقديم الخدمات (2013-2018): شهدت هذه الفترة إطلاق برامج قياس الأداء ومتابعة الخدمات لضمان جودة التقديم وتحقيق رضا المتعاملين.
  • التحول نحو الخدمات الاستباقية (2019-2023): تم الاهتمام بتقديم باقات خدمات تركز على الإنسان، ودعم الخدمات الرقمية، وتعزيز الترابط بين الجهات باستخدام بنية تحتية رقمية متقدمة.
  • نموذج الخدمات 2.0 (2023 حتى الآن): نحن الآن في مرحلة جديدة تستدعي التكيف مع التحولات التكنولوجية السريعة، وتطوير حلول مبتكرة تستجيب باستمرار لاحتياجات المتعاملين.

نموذج خدمات 2.0: لماذا الآن؟

مع تسارع وتيرة التطور التكنولوجي، أصبح من الضروري تطوير نماذج حكومية قادرة على التكيف مع التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم. وعلى الرغم من أهمية التكنولوجيا، فإن هذه النماذج الجديدة تعتمد في الأساس على الإنسان، إذ تتطلب إعادة توجيه السياسات والسلوكيات لضمان التناغم بين الإنسان والتكنولوجيا. ويرتكز النموذج الجديد على بناء فِرق عمل مبدعة تتمتع بالمرونة والقدرة على التكيف المستمر مع التغيرات.

التحول نحو إدارة المنتجات

ينتقل نموذج الخدمات 2.0 من النهج التقليدي لإدارة المشاريع إلى مفهوم إدارة المنتجات، الذي يتيح تطوير الخدمات بناءً على الاحتياجات المتغيرة للمتعاملين. ويعتمد هذا التحول على أسس منهجية تشجع على التعلم من الأخطاء، والتكيف بسرعة، واتخاذ المبادرات. ومن خلال تعزيز ثقافة المخاطرة والتعلم المستمر، تسعى الجهات الحكومية إلى تقديم منتجات وخدمات تتسم بالجودة والابتكار.

محور الاهتمام في الحكومة الإماراتية

الخدمات ذات الأولوية هي تلك الخدمات التي تتمتع بأهمية قصوى وتستهدف شريحة واسعة من المتعاملين. وليست هذه الخدمات ضرورية فقط، بل تشكّل جزءاً أساسياً من برامج التنمية والمشاريع الحكومية، ويتم تطويرها باستمرار بما يتماشى مع المعايير الحكومية المتميزة. ويتم تحديد نطاق هذه الخدمات بناءً على توافق بين الجهات الحكومية، وكذلك تعديلها عند الضرورة القصوى لضمان تلبية احتياجات المتعاملين.

وتشمل الخدمات ذات الأولوية جميع القطاعات الحيوية، مثل الخدمات الرقمية والخدمات الاستباقية التي تستشرف احتياجات المتعاملين قبل أن يطلبوها، إلى جانب باقات الخدمات المتكاملة التي توفر حلولاً شاملة للمتعاملين. كما تتضمن الخدمات التفاعلية التي توفر استجابة فورية، وتلك التي تتميز بسهولة الاستخدام والوضوح، ما يسهّل على المتعاملين إتمام معاملاتهم بسرعة وسلاسة.

محاور التركيز الستة في إدارة المنتجات

للانتقال الناجح إلى إدارة المنتجات في الجهات الحكومية، هناك 6 محاور رئيسية يجب التركيز عليها:

  • عقلية النمو: تعتمد إدارة المنتجات على عقلية نمو مستدامة، تدفع الفِرق نحو الابتكار والتعلم المستمر، بدلاً من التركيز على تحقيق أهداف قصيرة الأجل.
  • تحمل المسؤولية: يشكّل الالتزام بتحقيق أهداف المنتج وتحمل المسؤولية عنها جزءاً أساسياً من هذا التحول، ما يعزز الشفافية والمساءلة داخل الفِرق.
  • التفكير الشامل: يتطلب الابتكار في إدارة المنتجات تبنّي منظور شامل ومبتكر، يتجاوز الأهداف اللحظية ليحقق قيمة مستدامة على المدى الطويل.
  • التعاون الفعّال: يعتمد نجاح الفِرق في إدارة المنتجات على العمل الجماعي والترابط بين الأعضاء لتحقيق أهداف مشتركة.
  • السرعة والمرونة: إن التسريع في تقديم الحلول والخدمات بناءً على احتياجات المتعاملين من العوامل الحاسمة لتحقيق النجاح.
  • التمحور حول الإنسان: أخيراً، يجب أن تكون احتياجات المتعاملين وتوقعاتهم هي البوصلة التي تقود جميع جهود تطوير المنتجات والخدمات.

مبادئ التصميم في نموذج خدمات 2.0

تشكّل المبادئ الستة الآتية أساساً لتصميم الخدمات الحكومية في نموذج 2.0:

  • الشخصنة الفائقة: تتطلب تصميم الخدمات بحيث تتناسب مع احتياجات كل متعامل على حدة.
  • السهولة والتبسيط: تهدف إلى تقديم خدمات سهلة الوصول ومباشرة.
  • الشمولية: ضمان وصول جميع فئات المجتمع إلى الخدمات، بغض النظر عن اختلافاتهم.
  • المرونة: التكيف السريع مع التغيرات وتلبية متطلبات المتعاملين على الفور.
  • الكفاءة: تحسين العمليات وتقليل الهدر لضمان تقديم خدمات فعّالة.
  • الأتمتة الفعلية: استخدام التكنولوجيا لتحسين الكفاءة وتقليل الأخطاء البشرية، ما يؤدي إلى تحسين تجربة المتعامل.

مراحل تطوير المنتج الحكومي

تمثّل مراحل تطوير المنتج الحكومي عملية حيوية، وتشمل:

  • مرحلة طرح المنتج: تبدأ بتحديد الجدوى وتحليل احتياجات المتعاملين.
  • مرحلة الإطلاق: تقديم المنتج للسوق مع التركيز على جذب المتعاملين وترويج المنتج.
  • مرحلة النضج: استقرار المنتج في السوق والتركيز على تحسين الأداء وتوسيع قاعدة المتعاملين.
  • مرحلة توسعة النطاق: توسيع انتشار المنتج أو تحسينه بناءً على التطورات.

وفي الختام، تسعى حكومة دولة الإمارات من خلال نموذج خدمات 2.0 إلى تحقيق رؤيتها في أن تصبح الأفضل عالمياً في تقديم الخدمات الحكومية، من خلال تحسين جودة الحياة، وتعزيز الثقة بين الحكومة والمجتمع، وضمان استدامة الخدمات، وتعزيز التنافسية على المستوى العالمي.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي