سأل مدرب الكاراتيه الخاص بابني طلابه الصغار: ما هو الشيء الوحيد الذي ترغب حقاً في تحسينه في العام الجديد؟ أجاب الطلاب على الفور بإجابات من قبيل "التقليل من مشاهدة التلفاز!" و"تحسين أدائي لحركات الكاراتيه!" و"العمل على إدارة وقتي!". ثم طلب المدرب من طلابه أن يكونوا أكثر تحديداً وأن يكتبوا هدفاً واحداً ويخبرونه به في الدرس القادم. وبابتسامة عريضة أخبر طلابه أنه قد يوقف الدروس كل فترة وبصفة دورية على مدار العام لمعرفة كيف يُبلي الجميع في تحقيق أهدافهم.
وأنا أحضر هذا الدرس، فكرتُ كم من المرجح أن يحقق هؤلاء الأطفال أهدافهم لأنهم يحظون بدعم إضافي من مدربهم ومن بعضهم البعض. فسواء كانوا أطفالاً في درس كاراتيه أو كباراً في اجتماع لشركة "وايت وتشرز" (Weight Watchers) أو مؤسسة "توست ماسترز" (Toastmasters)، يعلم الجميع بديهياً قيمة امتلاك مجموعة دعم تساعدنا في تغيير عادتنا أو تعلم أشياء جديدة أو تحقيق أهدافنا للعام الجديد.
من السهل ضمان الحصول على الدعم من الآخرين، فقد يكون لدينا أصدقاء أو زملاء في العمل نُنفِّس لهم عما بداخلنا عندما نمر بأسبوع عصيب في العمل، أو ربما نتواصل مع الأفراد في شبكة علاقاتنا إذا كنا نبحث عن وظيفة. ولكن في خضم انشغالاتنا اليومية في العمل، كيف يمكننا بشكل متعمد أن نبني شبكة دعم لنا في خلال سعينا لتنمية أنفسنا بوصفنا بشر وقادة؟ وكيف يمكننا أن نتعامل مع المشكلات بصورة مباشرة بدلاً من انتظار مدرائنا أو مؤسساتنا لتؤدي هذا الدور؟
فيما يلي سوف أعرض قصة اثنين من القادة أقاما شبكة علاقات داعمة، واكتشفا المنافع العائدة عليهما وعلى الآخرين طوال مسيرتهما.
تامر هو القائد الأول، وهو رئيس شركة ومتأثر بشكل كبير بالمثل القديم القائل إن القادة في الغالب يعانون من الوحدة. ولأنه قائد واع بذاته ومحنك، أدرك أنه يحتاج إلى إعادة النظر في شبكة الدعم المحيطة به، فقد كان يعاني حقاً من الضغوطات الناتجة عن مواصلة الوفاء بتحقيق النتائج المالية في ظل النمو البطيء للإيرادات.
جيهان، وهي الثانية، قائدة في قسم العمليات لفريق تضاعف حجمه بعد عملية استحواذ أجرتها الشركة. وبطبيعة الحال يحضر أعضاء الفريق إلى مكتبها على الدوام لتقديم استفسار أو لطلب مشورة. ومن جراء شعورها بالإنهاك تساءلت إلى مَن يمكن أن تلجأ لطلب المشورة، وكيف سوف تعالج الملاحظات الأخيرة التي أبداها مديرها حول أنها يجب أن تبني مهارات تنفيذية أكثر قوة، وكذلك قدراً أكبر من الثقة مع زملائها.
رغم اختلاف الحالتين، استفاد كل من تامر وجيهان من بناء شبكة دعم لهما، وإعادة ترتيب الأدوار داخلها بشكل واع. فكلاهما فكّر بالطريقة الصحيحة، وحدد ما يحتاج إليه، وتواصل مع الأفراد المناسبين للحصول على الدعم. وفيما يلي كيفية تحقيق ذلك:
1. فكّر بطريقة سليمة. كنقطة انطلاق، تعين على القائدين التغلب على مقاومتهما لفكرة إحراز تقدم فيما يتعلق بالحصول على الدعم. فقد كان تامر يشعر بالقلق إزاء تصورات الآخرين، وقيَّم الخبرة والتحفيز والكفاءة المقترنين بمنصبه، وتساءل: هل سيبدو ضعيفاً وهشاً إذا بادر بطلب الحصول على دعم من الآخرين؟ وهل إذا فعل ذلك سوف يثير شكوكاً أو تصورات سلبية حول قدرته على إدارة المؤسسة؟
تستمتع جيهان بهويتها بوصفها قائداً عطوفاً يمتلك قدرة كبيرة على تنمية مواهب الآخرين، ولكنها لم تكن متأكدة من استطاعتها أن تطلق لنفسها العنان وتتلقى الدعم من الآخرين، فقد كانت رائعة في دعم الآخرين، ولكنها لم تكن كذلك فيما يتعلق بتلقي الدعم منهم.
تعيَّن على الاثنين إعادة تشكيل الصورة التي يرى بها نفسه، فقرر تامر أنه لا يرغب في أن يكون قائداً خبيراً صاحب كفاءة فحسب، ولكن أيضاً متعلماً استراتيجياً مرناً. أما جيهان فقد قررت أنها لا ترغب في أن تكون قائدة عطوفة فحسب ولكن أيضاً قائدة ناجحة وإيجابية وأكثر حزماً.
2. حدد ما تحتاج إليه. مع تقبُّل تامر وجيهان لفكرة "شبكة الدعم"، حددا أي نوع من الدعم يحتاجان إليه. ولكن ما هي الأدوار التي يمكن أن يلعبها الآخرون، وأي منها له أهمية بالغة بوجه خاص للأهداف والغايات التي يرغب كل قائد في تحقيقها خلال العام؟
فيما يلي قائمة توضيحية، وإن كانت موجزة، بأنواع أدوار الدعم التي ينبغي للقائد أن يسعى إلى توافرها حوله:
- الخبير: حتى عندما نكون نحن أنفسنا خبراء، دائماً ما يكون هناك منحنى للتعلم. نحتاج إلى أن نبحث باستمرار عن الأشخاص الذي يستطيعون تمييز الأنماط، ويمتلكون الخبرة، أو أفضل الممارسات المتعلقة بالمشكلات التي تواجهنا. كما نحتاج إلى التحلي بالشجاعة والثقة لأن نفكر بـ "عقلية المبتدئ"، وهو مصطلح مأخوذ من مذهب "بوذية الزن"، ويشير إلى الانفتاح على التعلم، حتى وإن كنتَ في مستوى متقدم.
- محب التفاصيل: يجب أن يكون القادة قادرين على التعبير عن قناعاتهم ورؤاهم بوضوح للآخرين. يصل بعضنا إلى هذه الدرجة من التعبير عن قناعاته بوضوح بعد أن نسمع أنفسنا ونحن نتحدث بصوت مرتفع، أو من خلال الخوض في التفاصيل مع الآخرين. لذا، احترم عمليتك المعرفية من خلال البحث عن شخص يمكنك معه تبادل الأفكار والتفاصيل المفصلة ومناقشتها. ويجب أن يكون هذا الشخص مختلفاً بشكل ملحوظ عن الجمهور الذي يتعين عليك في نهاية المطاف التواصل معه بطريقة واضحة وبليغة.
- مؤدي الأدوار: مع وجود العديد من أصحاب المصلحة، نحتاج جميعنا إلى شخص ما يمكننا أن نمثل معه الأدوار المختلفة في وقت مبكر من إجراء التعاملات عالية المخاطر، فمن الأفضل أن نفهم رد الفعل الطبيعي للطرف الآخر، أو ما يمكن أن يطرأ من أمور قبل بدء التعاملات الفعلية. لهذا، يُعد مؤدي الأدوار ثروة قيّمة يمكن من خلالها اختيار الصياغة المناسبة أو المعاني والمفاهيم الأساسية المناسبة لأي تواصل.
- المرآة: جميعنا يحتاج إلى هذا الشخص الذي يخبرنا بالحقيقة بشكل مباشر، فالأشخاص الذين هم في حياتنا بمثابة المرآة يجعلوننا نتحمل مسؤولية أفعالنا وقراراتنا، ويُبدون لنا ملاحظات قيمة، كما يساعدوننا على رؤية الجوانب المجهولة في شخصيتنا قبل أن تتحول إلى إخفاقات.
- مصدر التشجيع: عندما نشعر أننا أصبحنا أقل استقراراً، يمكن للكلمات التي تحمل تقديراً لجهودنا أن تشعل روح الحماس بداخلنا من جديد. لذا، جِد مَن يمكنك أن تعتمد عليه حقاً لتتمكن من تقدير قيمة نفسك.
- الملاذ الآمن: ابحث عن الأشخاص الذين يُمكنك أن تتخلى عن حذرك وأنت بصحبتهم، وتستطيع أن تشارك أفكارك وآرائك وملاحظاتك معهم دون الخوف من إصدار الأحكام أو العقوبة. عند فلترة أفكارك، ابحث عمَّن يمكنك الاعتماد عليه ليستمع إليك ويفكر في الفرص المتاحة دون إفساد فرحتك أو محاولة التفوق عليك.
3. حدد المطابقين للمواصفات. لا نحتاج إلى عدة أشخاص مطابقين لمواصفات كل دور مما سبق، فأحياناً يكون هناك شخص أو شخصين فقط مطابقين للمواصفات إلى حد كبير، والأمر الجيد هو أن الشخص المطابق للمواصفات ربما يكون أمام ناظريك مباشرة. وفي حالات أخرى قد تدرك أنك أخطأت في اختيار شبكة الدعم الخاصة بك، وأنه قد حان الوقت لإعادة ترتيب الأدوار داخلها.
عندما أجرى تامر هذا التمرين بدأ في النظر إلى اثنين من مرؤوسيه المباشرين بمنظور مختلف، فهناك سامي، الذي يتسم بأنه متواضع وأقل غروراً من بقية أعضاء الفريق التنفيذي. فهو ملاذ آمن بطبيعته، ولنزاهته وإخلاصه يمكن أن يكون بمثابة مرآة رائعة أيضاً.
كما أنه لاحظ كم تكون شيرين، الرئيسة التنفيذية للشؤون المالية، ذات أهمية بالغة للفريق في السنوات التي تبرز فيها التكاليف والميزانيات في الصدارة. لذا، يرغب الآن في الاستفادة من خبرتها تلك. وأخيراً رأى أن السعي لإيجاد رؤساء شركات آخرين يديرون شركات لها ثقل، سيكون مصدر تحفيز له.
أما جيهان فقد أدركت أنها تحتاج إلى قدر أكبر من الدعم الذي يقدمه الأشخاص محبي التفاصيل ومؤديي الأدوار ومصادر التشجيع، فهي ترى أنهم سوف يقدمون لها دعماً بالغ الأهمية أثناء محاولتها بناء مهارات تنفيذية وحضور أكثر قوة على مدار العام.
ما أدهش جيهان هو أنها كانت تسعى إلى الحصول على هذا الدعم نفسه في السابق، إلا أنّ الأشخاص الذين كانت تذهب إليهم طمعاً في التوجيه كانوا يفتقدون في الأساس التأني أو روح التعاطف لإمدادها بهذا النوع من الدعم.
ومع زيادة وعيهما بكيفية الحصول على الدعم من الآخرين، ازداد وعيهما أيضاً بكيفية تقديمهما الدعم للآخرين. عندما قدّر تامر قيمة أن يكون للفرد ملاذ آمن، أصبح يرغب في أن يضيف هذا الدور لدوره بوصفه قائداً وأن يشجع مدرائه على فعل الشيء نفسه. ومن خلال دراسة أحدث البيانات المتوفرة حول إدماج الموظفين وتفاعلهم في العمل، التي بيّنت أن الموظفين لا يشعرون بالأمان دوماً إزاء مشاركة أفكارهم مع مدرائهم، تساءل ما إذا كان هذا هو نوع الدعم الذي يفتقدونه.
أما جيهان فقد علمت أن في فريقها المتنامي يتعين عليها إظهار مواطن قوتها، فتقدم الدعم لفريقها بوصفها خبيراً ومرآة، من خلال تحديد المسار وإلزام الآخرين أن يكونوا أشخاصاً مسؤولين، عوضاً عن لعب دور مصدر التشجيع فحسب.
في النهاية، عندما نصبح أكثر وعياً وتقديراً للدعم الذي يقدمه لنا الآخرون، نصبح أيضاً أكثر وعياً بكيفية تقديم الدعم لهم على أفضل وجه. وبهذا فإننا نساعد أنفسنا، والآخرين، على الاستفادة بعمق من روعة العلاقات الإنسانية التي تتسم بالإيجابية والصفاء والأصالة.