إليك هذا المقال الذي يتناول متاجر البيع بالتجزئة والجريمة تحديداً. يزداد حول العالم عدد العقارات ذات "الاستخدام المتعدد" التي تجمع بين المنازل السكنية والمحال التجارية. وتشمل الفوائد التي تذكر من الجمع بين المساكن ومتاجر البيع بالتجزئة اختصار المسافات وبناء أحياء يسهل فيها الانتقال سيراً على الأقدام وإضفاء طابع محلي أقوى عليها. وتشير الأبحاث الحديثة إلى فائدة محتملة أخرى وهي أن متاجر البيع بالتجزئة يمكن أن تؤدي دوراً مهماً في منع الجريمة.
إغلاق مستوصفات صرف الماريجوانا الطبية
درسنا في بحثنا تأثير إغلاق نوعين من شركات البيع بالتجزئة بصورة مؤقتة على الجريمة، وتناولنا في هذا الإطار مستوصفات صرف الماريجوانا الطبية (MMDs) والمطاعم. لماذا اهتممنا بدراسة المستوصفات؟ في العام 2010، بدأت لوس أنجلوس عملية إغلاق جماعية لثلثي المستوصفات في المدينة. ومكنتنا حقيقة أن عمليات الإغلاق استندت إلى عملية تسجيل اعتباطية للغاية حدثت قبل عدة سنوات، من استخدام عمليات الإغلاق كتجربة طبيعية لتقدير الآثار السببية لتلك المستوصفات على الجريمة.
كان من المفاجئ لنا اكتشاف أن عمليات الإغلاق ارتبطت بزيادة ملحوظة في معدلات الجريمة في الأحياء المحيطة مباشرة بمستوصف مغلق، مقارنة مع الأحياء المحيطة بالمستوصفات التي سمح لها بالبقاء مفتوحة. وأظهرت النتائج التي توصلنا إليها أن المستوصفات لم تكن أداة جذب الجريمة مثلما وصفت في كثير من الأحيان، ولكن على العكس من ذلك، خفضت الجريمة في محيطها المباشر. وعند توزيع التأثير تبعاً لأنواع الجرائم، وجدنا أن الزيادة في الجريمة بعد إغلاق المستوصفات كانت مدفوعة بأنواع الجرائم التي يمنعها عادة وجود المارة في المكان، مثل جريمة التعدي على الممتلكات والسرقة من السيارات.
إلا أنّ اهتمامنا انصب على متاجر البيع بالتجزئة والجريمة بشكل عام وليس فقط ما يحدث عندما أغلقت المستوصفات الطبية. وتساءلنا: هل نلاحظ الدينامية نفسها في سياق آخر لمتاجر بيع بالتجزئة؟
إغلاق المطاعم
لقد فحصنا بعد ذلك أثر إغلاق المطاعم المؤقت من قبل إدارة الصحة العامة في مقاطعة لوس أنجلوس بسبب مخالفة قانون الصحة العامة. عندما يكتشف المفتش الصحي حدوث انتهاك يمثل خطراً صحياً وشيكاً، يبادر على الفور إلى إغلاق المطعم. ويبقى المطعم مغلقاً إلى أن يؤكد فحص المتابعة اللاحق أن الوضع سوي. عندما درسنا أنماط الجريمة حول عمليات الإغلاق هذه، سجلنا بشكل أساسي النمط نفسه الذي سجلناه لدى إغلاق المستوصفات: لقد شهدت المنطقة المحيطة بمطعم مغلق على الفور زيادة في عدد جرائم التعدي على الممتلكات وسرقة السيارات، مقارنة بالمناطق المحيطة بالمطاعم التي إما أعيد فتحها مؤخراً أو على وشك أن تُغلق. علاوة على ذلك، اختفت هذه الزيادة في معدلات الجريمة بمجرد إعادة فتح المطعم.
الاختلافات في طبيعة هذه المؤسسات وسبب وتوقيت إغلاقها جعلتنا نتساءل عن العامل المشترك الذي قد يدفع إلى النتائج المتشابهة. يتمثل أحد العوامل الرئيسة المشتركة بين مؤسسات البيع بالتجزئة، سواء كانت المستوصفات أو المطاعم في أنها تولد حركة مشاة. ومع حركة السير تأتي مراقبة غير رسمية.
المراقبة
ومثلما كتبت جين جاكوبس في عملها الرائد عام 1961 "موت وحياة المدن الأميركية العظمى" (The Death and Life of Great American Cities)، يوفر الناس شكلاً طبيعياً من المراقبة العرضية التي يمكن أن تحسّن مستوى السلامة العامة. لقد أثبتت هذه الفكرة التي أسمتها جاكوبس "عين على الشارع" أنها ذات تأثير كبير وهي الآن حجر الزاوية في التخطيط الحضري الحديث. لكن في حين أنه من البديهي أن يتراجع احتمال ارتكاب المجرمين جريمتهم أمام شهود بدلاً من زقاق مظلم، إلا أن العلاقة بين تجارة التجزئة والجريمة أكثر تعقيداً. لا يقتصر الأمر على كون عملاء البيع بالتجزئة (والمتاجر التي يترددون عليها) مستهدفين محتملين للجرائم، ولكنهم قد يكونون أيضاً من مرتكبي الجرائم. لهذا السبب، فإن تأثير تجارة التجزئة على الجريمة غامض من الناحية النظرية، إذ يمكن أن يذهب في أي من الاتجاهين، وحتى الآن لم تكن لدينا أدلة تجريبية يُعتد بها.
تمكنا من استكشاف هذه العلاقة في سياق إغلاق المطاعم والمستوصفات وتقديم تفسير جديد للقول السائر. وعلى وجه التحديد، لاختبار ما إذا كان تراجع وجود "عيون على الشارع" يمكن أن يكون الآلية الشائعة المؤدية للجريمة وراء النتائج التي توصلنا إليه، جمعنا "نقاط المشي" لكل مؤسسة في عينتنا. تمثل نقاط المشي مقياساً لقابلية المشي في المنطقة وفقاً لعدد المطاعم والمقاهي ومحلات البقالة القريبة والميزات الأخرى التي تولد حركة السير على الأقدام. يقع النشاط التجاري الذي يسجل درجة عالية من نقاط المشي بالقرب من العديد من المحلات الأخرى. وبالتالي، يجب أن يكون لإغلاق نشاط تجاري في منطقة ذات درجة عالية من المشي تأثير محدود جداً على حركة السير على الأقدام المحلية. من ناحية أخرى، يجب أن يكون لإغلاق نشاط تجاري في منطقة تنخفض فيها نقاط المشي تأثير كبير نسبياً على إجمالي حركة السير على الأقدام. إذا كانت نتائجنا مدفوعة بمقدار وجود "عيون على الشارع"، فينبغي أن نجد، عندما تكون كل الأمور الأخرى متساوية، أن الجريمة مرتبطة سلباً بنقاط المشي. هذا هو بالفعل النمط الذي اكتشفناه: كانت الزيادة في الجرائم المرتبطة بإغلاق الأعمال التجارية أقوى في الأحياء التي تتمتع بدرجات أقل من الحركة وعدد أقل من المحلات الأخرى المحيطة.
وعند الاطلاع على العلاقة بين متاجر البيع بالتجزئة والجريمة تحديداً، فإن عملية حساب سريعة تقترح باستخدام نتائجنا وتكاليف الجريمة اعتماداً على دراسة أجريت عام 2010 أن متجراً مفتوحاً للبيع بالتجزئة يوفر ما يزيد عن 30,000 دولار أميركي في السنة كمنفعة اجتماعية من حيث السرقات التي منع حدوثها، وهو أمر يجب أخذه في الاعتبار عندما تقررون مقدار الإكرامية التي تريدون تركها في مطعم الحي المفضل لديكم، أو المقهى أو المخبز. وهو أمر يجب على المخططين المدنيين وضعه في الاعتبار عند تقسيم الأحياء. تجذب محلات البيع بالتجزئة العملاء، وهي بذلك تساهم في خفض الجريمة.
اقرأ أيضاً:
- التركيبة الأمثل لنجاح شركات البيع بالتجزئة
- لماذا لن تمثّل متاجر أمازون للبقالة مستقبل تجارة البيع بالتجزئة؟
- هل انتهاء عهد متاجر تويز آر أص ينذر بنهاية عصر متاجر التجزئة؟
- كيف أعادت أزمة فيروس كورونا تعريف الوظائف؟