الثمن الذي يدفعه المدير العطوف

4 دقائق
المدير العطوف

إليكم هذه القصة المتعلقة بموضوع المدير العطوف: تخيل أنك بدأت العمل كمدير جديد منذ فترة وجيزة، وبعد مضي بضعة أشهر في وظيفتك الجديدة، يمر بك أحد مرؤوسيك المباشرين للتحدث معك. لست واثقاً أنك تفهم ما يريده منك، ولكنك تدرك شيئاً فشيئاً مع تقدم المحادثة أن الموضوع يتعلق بمشكلة شخصية، فيخبرك مثلاً أنه مسؤول عن تقديم الرعاية لوالديه الكبيرين في السن، ويشعر أن هذه المسؤولية مرهقة ويحزنه تدهور صحتهما، ويتمنى أن يعرف سبيلاً للتعامل مع الوضع على نحو أفضل وطريقة ليكون حاضراً في حياة والديه أكثر. يسألك وهو مستاء: "هل لديك أي نصيحة لي؟".

كيف سيكون شعورك نتيجة لهذه المواجهة؟ يشير بحثنا أنك على الأرجح ستشعر بمزيج من التعاسة والحزن والتوتر، وسيتراجع انخراطك في العمل أثناء اليوم.

يساعد القادة موظفيهم على حل مشاكلهم الشخصية في العمل دائماً، وفي الحقيقة، أشارت بعض الأبحاث إلى أن القادة في بعض القطاعات يمضون ما يقارب ساعتين ونصف كل أسبوع للاستجابة إلى طلبات موظفيهم لمساعدة من هذا النوع. وتتراوح هذه القضايا بين المشاكل الزوجية والصحة النفسية ورعاية الأطفال،

بوح الموظفين بمشاكلهم للمدراء

ونظراً للوقت الذي نمضيه في العمل، ليس مستغرباً أن يبوح الموظفون في بعض الأحيان بمشاكلهم لمدرائهم. ويفضل كثير من الموظفين اللجوء إلى قادتهم لا إلى زملائهم في هذه الأمور، لأنهم يعتقدون أن المساعدة في المشاكل النفسية في العمل تقع ضمن مسؤوليات القادة. ولكن المفاجئ في الأمر هو أننا لا نعرف الكثير عن مدى تأثير الاستجابة لهذه الطلبات على مزاج القائد وأدائه في العمل.

اقرأ أيضاً: البراهين تؤكد أن المدير الكفؤ يحدث فارقاً ملموساً

ومن أجل الاستفهام عن هذا الأمر، أجرينا دراسة طولية للقادة ومن ندعوهم "تابعين" لهم، الذين يطلق عليهم اسم المرؤوسين المباشرين، وقمنا مؤخراً بنشر نتائجنا في "دورية علم النفس التطبيقي" (Journal of Applied Psychology). أجرينا استقصاء لآراء 43 من القادة المتوسطين والكبار، وقرابة خمسة تابعين لكل منهم بصورة يومية على مدى ثلاثة أسابيع عمل متتالية. وطلبنا من كل قائد تسجيل حالة مزاجه (التأثير الإيجابي والسلبي) في بداية كل يوم عمل ونهايته. بالإضافة إلى تسجيل عدد مرات استجابته لطلبات مرؤوسيه المباشرين للمساعدة أثناء يوم العمل نفسه. وركزنا على نوعين من الطلبات وهما، ما يتعلق منها بالعمل والطلبات الشخصية. وفي نهاية كل يوم من أيام العمل، طلبنا من خمسة موظفين تقييم انخراط قائدهم في العمل، أي مدى تفانيه وانغماسه في العمل أثناء اليوم.

ووجدنا أن المزاج السلبي لدى القائد ازداد في الأيام التي ساعد فيها مرؤوسه المباشر في مشكلة شخصية. ويرجع ذلك على الأرجح إلى أن المشاكل الشخصية، كالتي طرحناها في المثال آنفاً، تكون عادة غير مريحة وحساسة ومحزنة أيضاً. كما أنها تشكل عبئاً عاطفياً، فعندما يتحدث الموظفون عن الصعوبات الشخصية التي يواجهونها، يصبح القادة عرضة لانتقال العواطف السلبية إليهم عن طريق العدوى العاطفية. ولأن المشاكل الشخصية غير مرتبطة بالعمل، قد يعتبر القادة طلب المساعدة هذا معيقاً للعمل أو غير ملائم، وبالتالي يشعرون باستياء أكبر.

كما وجدنا أن مساعدة الموظفين في مشاكلهم الشخصية كانت ضارة جداً لمزاج القائد وأدائه حتى عندما قدم مساعدة لموظفيه في مشاكل تتعلق بالعمل أيضاً. وفي الأيام التي يكون ضغط العمل فيها كبيراً، شعر القادة باستياء كبير بسبب المطالب الإضافية وغير المتوقعة غالباً، وسجلوا عواطف سلبية أكثر. ولكن كان هناك جانب مشرق، ففي الأيام التي شعر القادة أن مساعدتهم في المشاكل الشخصية لها تأثير إيجابي على حياة موظفيهم، كان التأثير على مزاجهم السلبي أقل. وفي الحقيقة، رفعت مشاعر التأثير الاجتماعي الإيجابي مزاج القادة الإيجابي.

اقرأ أيضاً: أسئلة القراء: كيف أصبح زميلاً ومديراً مميزاً رغم فارق السن بيني وبين فريق العمل؟

والمثير للاهتمام أن القادة الذين يتمتعون بالخبرة الإدارية الطويلة لم يشعروا بنفس القدر من الحزن بسبب الوقت الذي قضوه في مساعدة الموظفين لحل مشاكلهم الشخصية مقارنة بالقادة الجدد غير المتمرسين. قد يكون ذلك لأنه من المحتمل أن يكون المدراء المتمرسون قد تعاملوا بالفعل مع الكثير من الطلبات من هذا النوع، وطوروا بالنتيجة ما يكفيهم من مهارات وثقة للتعامل معها كما يجب.

مساعدة زملاء العمل على حل المشاكل

وكشفنا من خلال التعمق في بياناتنا أكثر أن الموظفين لم يثمنوا مساعدة قادتهم في مشاكلهم الشخصية بنفس قدر تثمينهم لها في المشاكل المتعلقة بالعمل، وفي حين ساهمت مساعدتهم في المشاكل المتعلقة بالعمل في رفع تقييمهم لانخراط قائدهم في العمل خلال نفس اليوم، لم ينطبق ذلك على المساعدة في المشاكل الشخصية. والحقيقة، في الأيام التي قدم القائد مساعدة في مشاكل الموظفين الشخصية، تراجع تقييم الموظفين لمستوى انخراطه في العمل على الرغم من مساعدته لهم في مشاكل تتعلق بالعمل. قد يكون سبب هذا الأثر المفاجئ هو أن مساعدة الموظفين تحدث أغلب الأحيان خلف الأبواب المغلقة، وتحد من وقت القادة وقدرتهم على تقديم مساعدة جيدة في المشاكل المتعلقة بالعمل لموظفين آخرين.

ماذا يعني ذلك بالنسبة للمدراء الذين يرغبون بتقديم المساعدة، والموظفين الذين يطلبونها؟

بالنسبة للمدراء:

يجب أن تدرك أن تقديم المساعدة للموظفين في مشاكلهم الشخصية سيفسد مزاجك، وهذا لا يعني ألا تقدم لهم المساعدة بالطبع، وإنما يجب عليك أن تكون واعياً للتأثير المحتمل على أدائك ومشاعرك. ولأن المشاعر السلبية تستمر فترة طويلة، قد لا يكون الأثر محصوراً بالعمل، بل قد يتسرب إلى حياتك الشخصية أيضاً. إذا كنت قائداً جديداً، يجب أن تكون شديد الحذر في الموافقة على تقديم المساعدة فيما يخص المشاكل الشخصية، وخصوصاً إذا لم تطور بعد المهارات اللازمة للتعامل مع المشاكل المزعجة المتنوعة في العمل.

اقرأ أيضاً: أسئلة القراء: كيف أجري محادثة مع موظف يشتكي منه الآخرون؟

وإحدى الطرق الممكنة للحد من ذاك التأثير هي أن تسأل عن مدى فائدة نصيحتك، فمعرفة أنك تمكنت من المساعدة فعلاً قد تحمي مزاجك، وتحسنه أيضاً. وفيما يخص المشاكل الشخصية المحزنة على وجه الخصوص، قد يكون من الحكمة أن تنصح الموظف الذي يعاني منها بالتوجه إلى مستشار مختص في الشركة أو خارجها، وخصوصاً إذا شعرت أنك غير مؤهل للمساعدة، إذا تقبل الموظف ذلك بالطبع. وبذلك تصبح أنت وموظفيك بحال أفضل على المدى الطويل.

بالنسبة للموظف الذي يطلب مساعدة شخصية:

يجب أن تكون واعياً أيضاً للآثار المحتملة لطلبك والتأثير الذي سيلقيه على مزاج مديرك وأدائه، واحذر من طلب هذه المساعدة من قائد غير متمرس. ومرة أخرى، هذا لا يعني ألا تطلب المساعدة، وإنما أن تحاول طلب المساعدة الشخصية من مديرك في يوم لا يكون ضغط العمل عليه كبيراً، فقد بينت دراستنا أن احتمالات تضرر مزاجه وأداءه في هذه الأيام أقل. احرص على التعبير عن الامتنان عندما تحصل على المساعدة من قائدك، لأن ذلك سيحمي مزاجه. للأسف، يحط كثير منا من قيمة فوائد توجيه الشكر للآخرين، ولكن بينت الأبحاث أن التعبير عن الامتنان مفيد لراحة جميع أصحاب العلاقة.

وفي نهاية الحديث عن المدير العطوف، قد يكون العمل كقائد أمراً صعباً ويتسبب بالتوتر، وقد تكون مساعدة الآخرين في مشاكلهم الشخصية مرهقة وخصوصاً عندما تكون مثقلاً بمسؤوليات العمل بالفعل. ويبين بحثنا أنه بإمكانك المساعدة ولكن من الضروري أن تقوم باختيارات استراتيجية فيما يتعلق بوقت تقديم هذه المساعدة وطريقتها.

اقرأ أيضاً: تحديات مديرة شابة ونجاحاتها

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي