ثمة أمر ينطبق على جميع المؤسسات، وهو أن الموظفين هم من يحققون الإنجاز (أو لا يحققونه). ولذا فمن الممكن تحديد العامل المشترك وراء معظم المشاكل التي نراها في مختلف المؤسسات ألا وهو الموظفون. فكيف يمكن بناء الثقة في فريق العمل بشكل واضح؟
كلما وضعت مجموعة من الموظفين معاً، فستكون هناك، بلا أدنى شك، مشاكل بينهم. لا أقول إنه يوجد ما يعيبني أو يعيبك، فلا شك أننا رائعون! وكذلك الحال بالنسبة لمعظم الأشخاص الذين قابلناهم في حياتنا المهنية، لكنني كغيري ألاحظ أن الأشياء تبدأ في التعقد عندما تتحول "أنا" إلى "نحن". فعندما تضع مجموعة من الأشخاص الحكماء والأذكياء والعقلانيين معاً، غالباً ما تأخذ الأمور منحنى خاطئاً، وتكون النتائج مروّعة. وهذا يعلل العدد الكبير من نتائج البحث عن كلمتي "بناء الفريق" (بالإنجليزية) والذي يصل إلى 8,910,000,000 نتيجة (في زمن قدره 0.86 ثانية) على موقع جوجل!
بالطبع، لسنا غير مثمرين دائماً عند الحديث عن مراحل ومنهجية بناء فرق العمل، حيث نكون أحياناً أستاذة في عمليات الإنتاج. فمثلاً، أرسلنا بعثات إلى القمر، وقضينا على شلل الأطفال، وسمعت عن فِرق رياضية تتعاون على نحو جيد. وربما يكون الكثير منكم أيها القرّاء أعضاء في فِرق فعّالة. ومن المحتمل بالقدر نفسه أنّ الكثير منكم ليسوا كذلك أو لم يكونوا كذلك في السابق. إنّ الكثير من الفِرق ليست جيدة بالقدر الذي يمكن أن تكون عليه.
كل الأشياء الأخرى تتغير، ويبقى الموظفون كما هم، سواء يعملون في المجال التكنولوجي أم مجال المنسوجات، وفي دبي أو دبلن، وفي مؤسسة غير ربحية أو في مشروع اجتماعي. وعندما تضع موظفين رائعين معاً، وتقوم بإعطائهم الموارد التي يحتاجونها، يتعين أن تتحقق أشياء رائعة، ولكن في كثير من الأحوال لا يحدث ذلك. هذا ليس خطأهم، فالعمل الجماعي الفعّال ليس شيئاً يسهل تحقيقه. وعلى الرغم من أن بالإمكان تسريعه في ظل ظروف استثنائية ومع تركيز متزايد، إلا أنه يتطلب بصفة عامة وقتاً. ولا تركز مجموعات القيادة على بناء الفريق خارج "معتكفاتها" أو "اجتماعاتها الخارجية" السنوية.
بناء الثقة في الفريق
بناء الفريق ليس شيئاً يفرضه مستشار خارجي "عليك"، وليس شيئاً يمكنك التركيز عليه سنوياً أو حتى كل ثلاثة أشهر. وسواء كنت قائداً أم عضواً في الفريق، فإنك تقوم باستمرار بتقوية فريقك أو إضعافه من خلال تصرفاتك. دعني أكرِّر ذلك: تصرفاتك. نعلم جميعاً ما هي الأشياء الضرورية للفِرق عالية الإنتاجية، فالأبحاث واضحة تماماً، ومع ذلك فإننا غالباً ما نمضي في طريقنا مع عكسها. وما السبب في ذلك؟ أعتقد أن الأمر يتعلق بمواطن الضعف.
اقرأ أيضاً: طريقة توفير الأمان النفسي الذي تحتاج إليه الفرق عالية الأداء
الفِرق الأعلى إنتاجية التي رأيتها لا تُعتبر دائماً مكاناً مريحاً للتواجد فيه؛ إذ يمكنك أن تعبر عن آرائك وأفكارك وتطرح الكثير من الأسئلة الصعبة، لكن القرارات الأفضل تُتخذ من خلال تشجيع هذه النزاعات والتأكيد عليها، ثم تُنفّذ هذه القرارات على نحو أكثر فعالية وبتكلفة أقل. ومع ذلك فإنّ هذا هو نوع خاص من النزاع، فهو نزاع على أساس الأفكار وليس لأسباب شخصية. إنه نزاع من أجل هدف إيجابي في إطار السعي لتحقيق هدف متفق عليه، وليس نتيجة صدام بسبب الخطط. وهو نزاع من أجله يحدث ما نراه على تلفزيون الواقع، فبينما قد يكون من الممتع مشاهدة حادث اصطدام سيارة، إلا أنه أمر غير مثمر.
هذا النوع من الخلاف الإيجابي المثمر هو ما يسمح لنا بمساءلة الأشخاص. تتمحور فكرة الاتفاقية الجماعي أو المسؤولية الجماعية حول ضرورة أن تتجادل فِرق القيادة فيما بينها، وعندما تغادر القاعة، يتعين عليها أن تدعم القرار المتخذ، والأهم من ذلك أن تكون هذه الفِرق مستعدة للخضوع للمساءلة. المسؤولية في نهاية المطاف هي ما تقود إلى تحقيق النتائج، وقد أدركت ذلك مؤخراً أثناء وجودي في المطار في الرياض.
وصلت إلى الرياض وهاتفي لا يعمل (لذا لم تكن لديّ أي فكرة عن المكان الذي أذهب إليه)، ودون أن تكون بحوزتي نقود، ولم تأتِ السيارة التي ستُقِلني. ووسط حالة من الذهول والاضطراب، عدت إلى المطار لطلب المساعدة. لم أكن متفائلة نظراً لتجربتي في جميع المطارات في كل مكان في مثل هذا الوضع، إذ ليس لهم علاقة بالمشكلة، وأيضاً بسبب تجربتي في الرياض على وجه التحديد، التي زرتها سابقاً، ولم تترك انطباعاً جيداً لدي فيما يتعلق بخدمة الزبائن بطريقة ممتازة! ولكن في هذه الرحلة الأخيرة، رافقني رجل رائع إلى الخارج، وبعد أن استخدم هاتفه لتحديد وجهتي، أجلسني في سيارة وأعطى السائق الإرشادات كاملة. شعرت بالدهشة وعبّرت له عن ذلك. أجابني بطريقة مهذبة قائلاً: "أنا أول شخص يقابله الزائرون في بلدي، فمن المهم أن أترك انطباعاً جيداً". أيدته في ذلك وأوضحت له أن الزيارات السابقة إلى المملكة العربية السعودية لم تترك لدي انطباعاً بأن ما ذكره لي كان مفهوماً شائعاً على نحو كبير. هزّ الرجل رأسه وقال "نحن نخضع للمساءلة الآن".
اقرأ أيضاً: تكييف أسلوبك الخاص في القيادة لإدارة الفرق الكبيرة
أصابني ذلك بالقشعريرة. نحتاج إلى المزيد من المسؤولية، وهذا يحدث فقط عندما يُشارك الأشخاص على نحو ملائم، وعندما يشعرون أنّ صوتهم مهم، أو بعبارة أخرى عندما يستطيعون التعبير عن آرائهم، وعندما يمارسون النوع الصحيح من الخلاف.
وإذا بدا أنّ هذا التصرف يستلزم قدراً كبيراً من الثقة، فهو كذلك. يتطلب الأمر ثقة لإخبار شخص ما أنك تعتقد أنه مخطئ أو لإخبار شخص ما أنك تعتقد أنّ بإمكانه أن يُحسِّن أداءه. لكن هذا ما تفعله الفِرق متميزة الأداء. وربما هذا ما نقصده بكلمة "فِرق"، وهي مجموعات من الأشخاص الذين يثقون في بعضهم البعض، والذين لا يتوقعون الكمال، لكنهم يتوقعون بالفعل أشياء أخرى.
اقرأ أيضاً: سر الفريق المثالي في شخصيات أفراده وليس في مهاراتهم
يفهم القادة والفِرق عالية الإنتاجية التي أعرفها أننا لسنا كاملين أو مثاليين، والأشخاص الآخرون ليسوا كذلك أيضاً، ونحن جميعاً نعرف ذلك والآخرون يعرفون ذلك. وبالتالي فهم يعترفون بذلك، ويصلحونه أو يتجاوزونه أو يتقبلونه، لكنهم لا يحاولون إخفاءه أو التظاهر بأنه ليس موجوداً. هم يبنون جسور الثقة من خلال معالجة مواطن الضعف المتعلقة بمراحل ومنهجية بناء فرق العمل.
ماذا بوسعك أن تفعل من أجل بناء الثقة في فريق العمل بشكل صحيح؟
-
طوروا العلاقات الشخصية: تعرّفوا على بعضكم عن قرب.
-
اقضوا وقتاً في التفكير والحديث حول طريقة عملكم معاً.
-
حددوا التصرفات التي تريدونها والتصرفات التي تعتبر بمثابة خطوط حمراء.
-
اعترفوا بالأخطاء من أجل بناء الثقة في فريق العمل لأنه لا يمكن خداع الآخرين.
-
امدحوا التصرفات التي ترغبون برؤيتها.
-
ركزوا على هدف مشترك، وليس جوانب أو إنجازات شخصية.
-
تمتعوا بالشفافية بشأن النتائج المرغوبة عند بناء الثقة في الفريق.
اقرأ أيضاً: حل المشكلات المستعصية: دروس من الفرق العابرة للصناعة