على مدى السنوات القليلة الماضية، ارتفع بشكل ملحوظ عدد الشركات التي تنمو بسرعة مفرطة في جميع أنحاء العالم. وتم ابتكار مصطلح "النمو المفرط" من طرف ألكسندر إيزوسيموف، واستُخدم لأول مرة في هارفارد بزنس ريفيو سنة 2008، ويشير هذا المصطلح إلى الجزء الحاد من منحنى تطور الأعمال على مدار دورة حياتها، أي الجزء الذي تنمو فيه الصناعات والشركات بسرعة كبيرة، فتتوسع الأعمال بسرعة وترتفع القيمة السوقية للشركة بشكل كبير ومفاجئ، ويصل معدل النمو السنوي المركب إلى +40%، كما ينمو رأس المال البشري بشكل كبير نتيجة للارتفاع الكبير في عدد الموظفين الذين تم توظيفهم بهدف دعم النمو الحاصل. فكيف يمكن توسيع نطاق الثقافة في الشركة؟
الشركات مفرطة النمو
هذا ما يميّز الشركات مفرطة النمو عن غيرها من الشركات التي تنمو بمعدل أبطأ وأكثر استقراراً. ونظراً لتوسعها السريع، فالشركات مفرطة النمو بحاجة لتأمين سريع لاحتياجاتها من أفراد وأنظمة ملائمة من أجل مواكبة سرعة نموها، فإذا لم تفعل ذلك، يمكن أن تنهار بسرعة.
في الوقت الذي تواجه فيه الشركات مفرطة النمو العديد من العقبات، تُظهر الأبحاث أنّ إدارة المواهب هي التحدي الرئيس للنمو. من أكبر أولويات إدارة المواهب هي كيفية توسيع نطاق ثقافة الشركة والحفاظ عليها. إنَّ الثقافة تُعرف بأنها المعتقدات والقيم الأساسية التي تشكل المؤسسة، وقد يكون من الصعب حقاً إدارتها عندما يتوسع حجم الشركة من 10 إلى 1,000 موظف، لكنه يبقى ممكناً.
نصائح لتوسيع نطاق الثقافة في الشركة
من خلال تجربتي في مجال الشركات الناشئة وبناء المشاريع، تعرفت على التحديات الفريدة التي يواجهها مؤسسو وموظفو الشركات سريعة النمو، فضلاً عن الاستراتيجيات الناجحة المستخدمة للتغلب عليها. وفيما يلي بعض النصائح للشركات مفرطة النمو التي ترغب في توسيع نطاق ثقافتها إلى مئات أو آلاف الموظفين في جميع أنحاء العالم:
عرِّف الثقافة من خلال سلوكيات واضحة يمكن ملاحظتها بسهولة
التعلم التنظيمي هو عملية اجتماعية يتعلم فيها الموظفون من خلال مراقبة الآخرين، لكن القيم المجردة مثل "الابتكار" أو "الاحترام" أو "الدافع" يمكن أن تعني أشياء مختلفة لأشخاص مختلفين. وبما أنّ الشركات مفرطة النمو ترفع عدد موظفيها بسرعة كبيرة، فيمكن أن تضيع الثقافة بسرعة خلال مرحلة التحول هذه. يمكن للموظفين استيعاب القيم بناءً على فهمهم الشخصي، وليس على رغبة الشركة، وهكذا يتم تعلُّم سلوكيات غير مقصودة في جميع أقسام المؤسسة، ويتم الانتقاص من قيم الشركة ومعتقداتها مع مرور الوقت.
اقرأ أيضاً: اجعل لشركتك ثقافة عظيمة بمساعدة التكنولوجيا
الخطوة الأولى لتوسيع نطاق الثقافة هي حصر مفهوم قيمة أو معتقد الشركة في سلوكين أو ثلاثة يمكن ملاحظتها من الجميع. على سبيل المثال، يمكن تعريف "الاحترام" على أنه 1) الاستماع الجيّد للغير و2) إعطاء القدر نفسه من الاهتمام للأفكار المختلفة. نتائج هذه العملية هي الحصول على قائمة واضحة لأفضل 10-15 سلوكاً يمكن ملاحظته بسهولة، وهي نفسها السلوكيات التي تحدد ثقافة شركتك. تنطوي هذه العملية على هدفين أساسيين. أولاً، تضمن أنّ الجميع يعمل وفق نفس المفاهيم الثقافية. وثانياً، تضمن إمكانية رؤية القيم المجردة بطرق ملموسة، وهو ما يُمكِّن الموظفين من تعلُّم القيم وقياسها وتعزيزها بسهولة.
إنشاء مكتبة رقمية خاصة بالمحتوى التعليمي وإتاحتها لجميع الموظفين
بمجرد إعداد قائمة السلوكيات، اسأل نفسك: ما هي المعرفة والمهارات والمواقف اللازمة لتوليد كل سلوك؟ ماهو المحتوى الذي يمكن أن يساعد الموظفين في تعلم هذه السلوكيات، وكيف يمكن إتاحته للجميع؟
تعتمد العديد من الشركات النامية على برامج قصيرة وشخصية لتعليم الموظفين الجدد ثقافة الشركة. هذه البرامج، التي عادة ما تدوم لأيام معدودة، تكون مفيدة بشكل عامل في تقديم نظرة عامة ومختصرة على ثقافة الشركة، لكن التعلّم هو عبارة عن عملية مستمرة، ولسوء الحظ، فإنّ التدريب الثقافي يتباطأ في العديد من الشركات مفرطة النمو مباشرة بعد فترة إعداد الموظفين الجدد. تكون موارد الشركة محدودة أثناء فترة النمو المفرط أو موجّهة بشكل كبير نحو الوظائف الأساسية المدرّة للدخل مثل المبيعات والتسويق. ومن ثم يمكن أن تلعب الوظائف الداعمة مثل التدريب الثقافي دوراً ثانوياً.
فلكي يكون التعلُّم فعالاً، لا يكفي مجرد "دفع" التعلم إلى مجموعة من الأفراد في بيئة مغلقة. تُظهر الأبحاث وجود حاجة لنموذج أكثر انفتاحا للتعلُّم: يجب أن يكون الموظفون قادرين على الوصول إلى مواد تعليمية حول ثقافة الشركة و"سحبها" عند الحاجة في أيّ وقت.
اقرأ أيضاً: ما هي أسرار بناء الثقافة المؤسسية الناجحة؟
يمكن أن يساعد إنشاء مكتبة أو منصة رقمية للمحتوى في ذلك، حيث تُمكّن من إبراز أفضل السلوكيات التي تريد توسيع نطاقها. بعد ذلك، قم بإدخال مواد تعليمية منظمة خاصة بكل سلوك، والتي من شأنها مساعدة الموظفين في فهم السلوك وإظهاره. قد تكون هذه المواد مقالات قصيرة، أو مناهج دراسية، أو مقاطع فيديو، أو تقييمات عبر الإنترنت، أو مقابلات شخصية مسجلة، وتأكد أيضاً من تحديث هذه المواد وإضافة مواد أخرى باستمرار. بهذه الطريقة حتى لو افتقرت الشركات مفرطة النمو إلى الموارد اللازمة لتدريب مكثف للأفراد، فإنها لا تزال قادرة على ضمان قناة مفتوحة باستمرار لتعليم الثقافة لموظفيها.
استخدم برامج التعلم المختلطة لتوسيع نطاق التدريب الثقافي
عادة ما تقرر الشركات مفرطة النمو استثمار المزيد من الموارد في تدريب الموظفين الجدد، لذلك تقدم ورشات فردية لمساعدتهم على تعلم المهارات المتعلقة بثقافة الشركة، وبالرغم من المزايا التي يتمتع بها التدريب الشخصي، إلا أنه قد لا يُمكِّن من التوسع بسرعة، حيث يمكن أن تحدّ المتطلبات اللوجستية مثل الأماكن الثابتة للورشات ومواعيدها من إتاحة الموظف، وهو الأمر الذي يمكن أن يكون محبطاً للغاية بالنسبة للموظفين الذين يرغبون في تعلم مهارات جديدة. يمكن أيضاً أن يؤثر نقص التدريب سلباً في استبقاء المواهب الذي يُعتبر مهماً للغاية أثناء فترات النمو الهائل للأعمال.
تحتاج الشركات مفرطة النمو إلى التأكد من إمكانية ملاءمة تدريب الموظفين للسرعة التي يرتفع بها عددهم، وللقيام بذلك، يمكنها استخدام برامج التعليم المختلطة التي توفر برامج لتوسيع نطاق التعلم سواءً باستخدام شبكة الإنترنت أو دونها. على سبيل المثال، بدلاً من ورشات التدريب الطويلة، يمكن دمج جلسات شخصية قصيرة مع تعلم ذاتي دون الاتصال بالإنترنت (مثل الوسائل التعليمية أو التسجيلات)، أو التعليم الإلكتروني المباشر (مثل الفصول الافتراضية)، أو الحلقات الدراسية المتوفرة في مختلف المواقع الإلكترونية. تُظهر الأبحاث أنّ استخدام التوليفة الصحيحة من المحتوى المناسب يمكن أن يجعل من التعليم المختلط وسيلة أكثر فعالية من التعليم التقليدي أو التعليم الإلكتروني. وبالنسبة للشركات مفرطة النمو، يوسّع التعليم المختلط بشكل كبير إمكانية الوصول والاتصال بالموظف، وهو أمر مفيد بشكل خاص عند ارتفاع عدد الموظفين بسرعة، كما يخفّض تكاليف التدريب بمرور الوقت، مما يساعد على الاحتفاظ بالموارد القيّمة أثناء فترات النمو السريع.
تأكّد من تعزيز المدراء المستمر للسلوكيات المستهدفة
فهم يمثلون عاملاً حاسماً في توسيع نطاق ثقافة الشركة، حيث وبالإضافة إلى إمكانية اقتداء الموظفين بهم، يتطلع الموظفون إلى الحصول على موافقة مدرائهم وتوجيههم، لكن يمكن أن تكون فترة النمو المفرط مربكة للشركة، لأنّ الأهداف التجارية تتوسع، وتتغير الخطط بسرعة، وينشغل المدراء بتحقيق أهداف طموحة للغاية، وفي خضمّ هذه الاختلالات، من السهل أن ينسى المدراء امتلاكهم لأداة فعَّالة في تشكيل وصقل السلوك: إنها التقدير.
تشير الدراسات إلى أنّ التقدير الشخصي العالي للموظف له أهمية قصوى في تعزيز السلوكيات المرجوة. بالرغم من أهمية التقدير بالنسبة لمعظم الشركات، إلا أنه يعد قيّماً بشكل خاص للشركات مفرطة النمو لأنه لا يتطلب موارد أو يتطلب قدراً ضئيلاً منها، فهو مجاني، وسهل التنفيذ، وفعّال للغاية في تشكيل وصقل سلوك الموظف.
ذكِّر جميع المدراء باستخدام هذه الأداة باستمرار، وقدّر الأفراد على سلوكياتهم الإيجابية فوراً، بغض النظر عن مدى بساطتها، وليس بالضرورة أن يكون الثناء لفتة كبيرة أمام الجميع، فيمكن للمدراء الثناء على الأفراد شخصياً خلال اجتماعات فرق العمل الصغيرة، أو خلال محادثات خاصة، أو حتى عبر البريد الإلكتروني أو منصات الدردشة. الأهم أن يكون التقدير فورياً، ومتكرراً وشخصياً للغاية. يستغرق الأمر بضع ثوان فقط، لكن يمكن أن يكون له تأثير قوي ودائم على ترسيخ السلوكيات المستهدفة.
يمكن أن يمثل النمو المفرط وقتاً صعباً بالنسبة للشركات، خاصة عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على ثقافة الشركة، لكن هذا لا يعني أنه لا يمكن توسيع نطاق الثقافة في الشركة أو الحفاظ على الثقافة أثناء فترة النمو السريع. باتباع الاستراتيجيات المذكورة أعلاه، يمكن للشركات مفرطة النمو أن تضمن توسع نطاق الثقافة بشكل فعَّال في كامل المؤسسة التي تنمو سريعاً.
اقرأ أيضاً: