يُدرك معظم المدراء التنفيذيين الحاجة لعمل فِرق المبيعات في شركاتهم كمستشارين ولبيع "الحلول". إلّا أنّ العديد من هؤلاء المدراء قد يتفاجأ عند معرفة سوء أداء فِرق المبيعات الخاصّة بهم عند تنفيذ استراتيجية "البيع الاستشاريّ"، أو "أسلوب البيع الاستشاريّ"، فقد دار حديثٌ بيني وبين مدير المشتريات في إحدى شركات عملائي مؤخّراً حول هذا الأمر، حيث قال لي: "باستطاعتي دوماً أن أعرف إن خضع المندوب لتدريبٍ في المبيعات، لأنّه عوضاً عن تقديم المنتج يقوم بطرح قائمةٍ من الأسئلة".
أسلوب البيع الاستشاريّ
في كثيرٍ من الأحيان، لا تتجاوز فِرق المبيعات، التي تحاول "القيام" بالبيع الاستشاريّ، التطبيق البدائيّ لمبادئ المبيعات المتمحورة حول الحلول: "دع الفريق يطرح الأسئلة، ومن ثم طابق إمكانيّاتنا مع ما قاله العميل" وبالتالي فإن فريق المبيعات يقوم بكتابة قائمة بالأسئلة المصمّمة لاستنباط المعلومات من العملاء المحتملين، بصيغة الاستجواب. لقد اختبرتُ العديد من المكالمات المشابهة لهذا وصدّقوني لم تكن ممتعةً أبداً.
فلتحقيق أكبر فائدةٍ مرجوّةٍ من أسلوب البيع الاستشاريّ، علينا تخطّي أسلوب التبسيط المبالغ به والذي يتمحور حول الحلول. فالفكرةُ ليست في استجواب المشتري، بل في الخوض في مناقشةٍ متبادلةٍ بين البائع والمشتري تؤدّي بهما إلى اكتشاف أولويات العمل، ودراسة ما هو في مصلحة الشركة، وتقييم الحلول التي يقدّمها البائع. صحيحٌ أن طرح الأسئلة هو في النهاية جزءٌ من عملية التفاعل هذه، ولكن هناك طرقٌ مناسبةٌ للقيام بذلك. إليك بعضُ العثرات المهمة التي عليك تجنّب القيام بها:
تجنّب الأسئلة التي تعتمد على قوائم التحقّق الجاهزة: قبل بضع سنواتٍ، كنتُ أعمل مع شركة خدماتٍ ماليّةٍ لم تشهد الكثير من النجاح في تبنّي أسلوب المبيعات المتمحور حول الحلول. وعندما حضرتُ بعض الاجتماعات معهم كان من السهل أن أرى السبب وراء ذلك. فقد قام البائعون الذين سافرت معهم بعملٍ جيدٍ عند طرح الأسئلة والحصول على الإجابات. لكنّني شعرتُ (وكذلك العملاء المحتملين، بناءً على إجاباتهم وتصرّفاتهم) بأنهم كانوا يدقّقون في قائمة تحقّقٌ لا أكثر. ونتيجةً لذلك، بدت مكالماتُ المبيعات كأنها آليّة ورصينة . رغم أنّهم استطاعوا الحصول على بعض المعلومات الجيدة حول احتياجات العملاء التي أتاحت لهم الفرصة بطرح المنتج المتوافق معها والذي كانوا يبيعونه خلال المحادثة، إلا أنّ فرصتهم مع العميل لم تكن كبيرة.
حيث لم يكن لديهم شعور متبادلٌ بالتفاهم، كما لم يكن العميلُ على ثقةٍ بقدرة البائع على مساعدته في تنمية أعماله. وقد لاحظت تكرار هذا السيناريو مع الباعة المبتدئين وذوي الخبرة فضلاً عن كبار الشركاء في الشركات الاستشارية الكبرى: حيث يركّزون فقط على طرح الأسئلة والتي نادراً ما يحصلون من خلالها على المعلومات التي يحتاجونها حقاً.
تفادي طرح الاسئلة الموجّهة
تفادى طرح الأسئلة الموجّهة. ففي مكالمة المبيعات، لا شيء أكثر سوءاً من السؤال الذي يتمحور حول ما يهمّ صاحبه فقط أو يجعله ذكيّاً حول ما هو بديهيّ. فأنا أسخر من طريقة الحديث هذه باستخدام المثال التالي: "إذا كان باستطاعتي أن أريكَ شيئاً مثيراً للاهتمام، فهل ستكون مهتمّاً؟" إنّ نوع الأسئلة الذي يتم تدريب محترفي المبيعات عليه يركّز عادةً على تسليط الضوء على مشاكل العميل، ونقاط المعاناة، ومصادر عدم الرضا، وبالتالي سيرى العميل ما يقدّمه البائع عندها حلّاً لمشكلته. وقد يكون من المفيد اكتشاف تحدّيات المشتري، ولكن عندما يسأل البائع سؤالاً مثيراً للسخرية ذي إجابةٍ واضحةٍ كـ "ما هي تبعات فشل مركز البيانات؟" فسيؤدّي هذا إلى سخط الزبون. وكذلك فإنّه من غير المجدي طرحُ أسئلةٍ متلاعبةٍ لأن ذلك سيدفع المشترين لاتّخاذ موقفٍ دفاعيٍّ مما سيولّد عندهم الشكوك حول نوايا البائع - ودهائه.
اقرأ أيضاً: البيع بأسلوب كسر التعادل
فبدلاً من ذلك، اطرح الأسئلة التي تُثبت الاهتمام الحقيقيّ والتعاطف والرغبة في التفّهم. حاول أن تذهب أعمق من مجرد اكتشاف قائمةِ المشاكل التي يتعيّن حلّها: اسأل ما الذي يأمل المشتري تحقيقه جرّاء شراء المنتج أو الخدمة، ولماذا يُعدّ هذا الأمر أولوية بالنسبة له الآن.
تحاشى سلوكيّات المحادثة السلبيّة: عندما يُركز البائعون بوضوحٍ على إقناع زبونٍ محتملٍ أو كسب صفقةٍ ما، سيولّد هذا جواً سلبياً في علاقتهم معه. وفي الواقع، فإننا نجد عند النظر إلى ما يحدث في الدماغ خلال هذا النوع من التفاعل الأحاديّ الاتّجاه في المبيعات، أنّ المشترين يواجهون هذا النوع من السلبية على مستوىً كيميائيّ. كما تؤكّد جوديث غليزر في مقالتها: "الكيمياء العصبيّة للمحادثات الإيجابية"، أنّه هنالك سلوكيّاتٍ محدّدةً تساهم في إنتاج تفاعلاتٍ كيميائيةٍ سلبيةٍ، أو "مُنتجةٍ للكورتيزول"، وتفاعلاتٍ كيميائيةٍ إيجابيّةٍ "مُنتجةٍ للأوكسيتوسين" لدى الآخرين. ومن بين السلوكيّات التي تخلق تأثيرات سلبيّةٍ كبيرةٍ، مُحاولة إقناع الآخرين والتصرّف على أنّهم لا يفهمون. على وجه التّحديد، السلوكيّات النمطيّة التي تُعطي الباعة صيتاً سيئاً: عدوانيّون جداً، ولا ينصتون، ويتحدّثون دون توقّفٍ عند عرض منتجاتهم. وعلى العكس، فإن السلوكيّات التي تخلق تأثيراً كيميائياً إيجابياً، تشمل الاهتمام بالآخرين، وتحفيز المناقشات باهتمامٍ حقيقيّ، ورسم صورةٍ للنجاح المتبادل معهم. كما يطبّق خبراء أسلوب المبيعات الاستشاريّة هذه التقنيات عند الجلوس مع العملاء الحاليّين والمحتملين بهدف خلق ديناميكيّةٍ تعاونيّةٍ ذات نتائج إيجابية.
قد يبدو أسلوب المبيعات الاستشاريّة بسيطاً، إلّا أنّه من الصعب تنفيذه بطريقةٍ صحيحة. فلا يمكن لمحترفي المبيعات حضور تدريبٍ لبضعة أيامٍ ثم الاعتقاد أنّهم اكتسبوا هذه المهارات بإتقان. وهذا يُشبه تماماً المحاسب الذي يحضر دورةً تدريبيةً لمدّة أسبوع ثم يعتقد أنّه أصبح لديه مهارات مدير الإدارة الماليّة. فأسلوب البيع الاستشاريّ هو استراتيجيّة عملٍ أساسيّة تُركّز على خلق القيمة من خلال الرؤية والمنظور الذي يُمهد الطريق نحو علاقاتٍ طويلة الأجل وبناء حلولٍ حقيقيّة لعملائك. لذا، عندما يقوم الباعةُ بذلك بطريقةٍ صحيحة، عندها تُكون الاستراتيجيّة فعّالة.
اقرأ أيضاً: