لماذا يجب على القادة التوقف عن استخدام مفهوم فوكا (VUCA)؟

4 دقائق
فوكا
shutterstock.com/epsilomo

في قاموس الأعمال، لا يوجد سوى القليل من المصطلحات الرنانة التي حظيت بالجاذبية نفسها التي اكتسبها مصطلح فوكا (VUCA)، المأخوذ من المجال العسكري لوصف البيئات التي تتسم بالتقلب (Volatility) وعدم اليقين (Uncertainty) والتعقيد (Complexity) والغموض (Ambiguity). لكن استخدام هذا الاختصار والآثار المترتبة على ذلك يستدعي المزيد من التدقيق.

اختصار وليس صفة

يمكن أن يؤدي تطبيق اختصار فوكا بصفته مصطلحاً شاملاً إلى الارتباك وسوء الفهم، إذ قد لا توجد العناصر جميعها التي يمثلها في المواقف جميعها. سنشرح كل مكون من فوكا على حدة لتوضيح هذه النقطة.

يشير التقلب إلى وتيرة التغيير وشدته. على سبيل المثال، غالباً ما يواجه قطاع النفط والغاز تقلبات شديدة بسبب تذبذب الطلب والعرض العالميين، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن هناك درجة كبيرة من عدم اليقين أو الغموض في القطاع.

ينشأ عدم اليقين عندما يكون من الصعب التنبؤ بالنتائج بسبب نقص المعلومات الموثوقة. على سبيل المثال، واجهت الشركات خلال الأيام الأولى من جائحة كوفيد-19 حالة من عدم اليقين بسبب المسار غير المعروف للفيروس. مع ذلك، لم يجعل هذا التحدي المحدد الوضع أكثر تقلباً بالضرورة.

يتعلق التعقيد بعدد العوامل التي يجب على المؤسسات أن تأخذها في الاعتبار والعلاقات المعقدة بينها. خير مثال على التعقيد سلاسل التوريد العالمية، التي تتضمن عدداً لا يحصى من الجهات الفاعلة المترابطة عبر مناطق أو ولايات قضائية مختلفة. مع ذلك، لا يترافق التعقيد في هذا السياق مع التقلب أو الغموض دائماً.

يشير الغموض إلى الافتقار إلى الوضوح بشأن تفسير حدثٍ ما. يُعد ظهور تقنيات جديدة، مثل الحوسبة الكمومية، مثالاً نموذجياً على الغموض. في حين أنه من المسلّم به قدرتها على زعزعة العديد من القطاعات، هناك غموض كبير حول كيفية حدوث ذلك بالضبط. لكن هذا الغموض لا يجعل الوضع متقلباً بطبيعته.

توضح هذه الأمثلة أن مكونات فوكا يمكن أن توجد معاً، لكنها يمكن أن تظهر أيضاً على نحو منفصل، ما يتطلب استراتيجيات فريدة لإدارتها.

مفهوم فوكا نسبي وليس مطلقاً

لا تقتصر ظروف فوكا على عصرنا الحالي. على سبيل المثال، شهدت فترة الثورة الصناعية تقلبات وتعقيدات ملحوظة، إذ أدت التكنولوجيات الجديدة في ذلك الحين إلى تحويل القطاعات القائمة جذرياً. غالباً ما نعتبر عصرنا أكثر تأثراً بظروف فوكا مقارنة بالماضي، وهو تصور تشاركنا فيه الأجيال السابقة التي واجهت تحدياتها الفريدة. يؤثر هذا التصور السائد في عملية صنع القرار. إن ما يتطلب تغيير أساليب صناعتنا للقرار ليس وجود ظروف فوكا بحد ذاتها، بل الدرجة التي تؤدي فيه هذه الظروف إلى تغير الوضع الراهن.

الشكل رقم (1) -درجة فوكا (المصدر: كرايانبرينك، 2018، منقول بتصرف)

النتائج العكسية لعقلية فوكا

تُنصح المنظمات عادة بتبنّي استراتيجيات تتجاوز مبادئ أساليب الإدارة التقليدية لمواجهة ظروف فوكا. على الرغم من أن الاستراتيجيات الموضحة أدناه يمكن أن تساعد المؤسسات على إدارة بيئة فوكا، فإن فعاليتها يمكن أن تختلف اعتماداً على الموقف، وقد يؤدي بعضها إلى نتائج عكسية اعتماداً على عنصر فوكا الموجود أو الغائب. إليك بعض الأمثلة:

المرونة: القدرة على التكيف بسرعة في البيئة المتقلبة سمة بالغة الأهمية. يجب على المؤسسات تعزيز المرونة في عملياتها وفي عملية صنع القرار وتنفيذ الاستراتيجية. مع ذلك، يمكن أن تؤدي هذه المرونة في بيئات تتسم بعدم اليقين أو الغموض إلى اتخاذ قرارات متسرعة. عندما تُتخذ القرارات استناداً إلى معلومات غير كاملة أو غير واضحة، قد تؤدي إلى نتائج سلبية.

حل المشكلات بطريقة تعاونية: يتطلب التوصل إلى حلّ فعال للمشكلات المعقدة مجموعة متنوعة من وجهات النظر. لذلك يجب على المؤسسات تشجيع العمل التعاوني وحل المشكلات عبر تعاون مختلف الأقسام الوظيفية. في هذا الصدد، يمكن أن يساعد إنشاء فرق متنوعة وتعزيز ثقافة التواصل المفتوح على معالجة القضايا المعقدة بفعالية أكبر. لكن العمل التعاوني يمكن أن يبطئ عملية صناعة القرار. ففي البيئات المتقلبة التي تتطلب استجابات فورية، يمكن أن يؤدي العمل التعاوني الزائد إلى شلل اتخاذ القرار، حيث تعوق الجهود المبذولة للتوصل إلى توافق في الآراء اتخاذ أي قرار.

البيانات والتكنولوجيا: يمكن أن تساعد التحليلات المحوسبة المتقدمة على فهم المواقف المعقدة والتنبؤ بالاتجاهات المستقبلية. لكن البيانات قد تكون غير متاحة أو غير موثوقة أو قد تُفسر على نحو خاطئ في المواقف التي يكتنفها الغموض، ما يؤدي إلى اتخاذ قرارات مضللة.

يمكن لمفهوم فوكا تقييد تفكيرنا

يتجاهل سرد فوكا في كثير من الأحيان الفرص المحتملة ويمكن أن يؤدي إلى تضييق نطاق تفكيرنا دون قصد. ينطوي المصطلح عادة على موقف دفاعي، ما يعني أننا تحت رحمة محيطنا. على سبيل المثال، بدلاً من النظر إلى قطاع السيارات الكهربائية على أنه قطاع يسوده عدم اليقين، نظرت إليه شركة تيسلا باعتباره قطاعاً يحتوي على إمكانات غير مستغلة. بعبارة أخرى، لم تنظر تيسلا إلى البيئة التنظيمية غير المؤكدة وأسواق النفط والغاز المتقلبة والتعقيد المتمثل في إنشاء نوع جديد من المركبات على أنها تهديدات، بل فرص يمكن استغلالها. نتيجة لهذا المنظور، تمكنت تيسلا من الابتكار وترسيخ نفسها قوة مهيمنة في قطاع السيارات.

يبالغ مفهوم فوكا في عدم القدرة على التنبؤ ببيئة الأعمال

صحيح أن هناك عناصر من التقلب وعدم اليقين والتعقيد والغموض في عالم الأعمال، لكنها ليست واسعة الانتشار دائماً أو لا يمكن التغلب عليها. على سبيل المثال، تعمل شركة ماكدونالدز في 119 دولة، وتواجه قدراً كبيراً من عدم اليقين والتعقيدات. مع ذلك، حققت نجاحاً كبيراً في التنبؤ بسلوك المستهلك وتكييف قوائمها وعملياتها بما يتناسب مع مختلف الأسواق. يرجع هذا النجاح في الأساس إلى أنظمتها القوية وعملياتها المتسقة والتزامها الثابت بفهم احتياجات العملاء وتلبيتها.

يمكن لمفهوم فوكا أن يصرف الانتباه عن المشكلات الفعلية

يمكن أن يصرف استخدام مفهوم فوكا بصفته مصطلحاً توصيفياً الانتباه عن المشكلات الفعلية التي تواجهها الشركات. على الرغم من أن عناصر التقلب وعدم اليقين والتعقيد والغموض موجودة بدرجات متفاوتة، لا يتمثل التحدي الرئيسي في وجودها بحد ذاته، بل في قدرتنا على الاستجابة لها بفعالية. لنأخذ شركة نوكيا على سبيل المثال. لقد كانت ذات يوم شركة الهاتف المحمول المهيمنة، لكنها فشلت في الاستجابة لظهور الهواتف الذكية. قد يجادل البعض بأن ذلك كان بسبب بيئة فوكا، لكن الحقيقة أن سقوط نوكيا كان في المقام الأول نتيجة عوامل داخلية، مثل الافتقار إلى الابتكار والتردد في الاستجابة لتفضيلات العملاء المتغيرة.

مفهوم فوكا بصفته أداة للفهم

بدلاً من النظر إلى مفهوم فوكا باعتباره توصيفاً ثابتاً للموقف، يجب أن نعتبره أداة ديناميكية للفهم، منظوراً يسمح لنا بفهم طبيعة المواقف المختلفة واتخاذ قرار بشأن الاستجابات المناسبة. مفهوم فوكا والمتغيرات الحديثة الأخرى المشتقة منه، مثل باني (BANI)؛ الذي يمثل الأحرف الأولى من "هش (Brittle)، قلق (Anxious)، لا خطّي (Nonlinear)، مبهم (Incomprehensible)" أو مفهوم تونا (TUNA)؛ الذي يمثل الأحرف الأولى من "مضطرب (Turbulent)، غير مؤكد (Uncertain)، جديد (Novel)، غامض (Ambiguous)"، ليست وصفاً حرفياً للواقع، بل هي بالأحرى أدوات مفاهيمية تساعد صناع القرار على فهم المواقف، وبالتالي تحسين فهمهم لبيئة الأعمال. يجب ألا تملي هذه الأطر نهجنا، بل يجب أن نستخدمها نقطة انطلاق لتقييم السياق المحدد بعناية ومن ثم تخصيص استراتيجياتنا وفقاً لذلك.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي