دراسة حديثة: التوقف الاضطراري عن العمل يُعيد شحن العقل للإبداع

4 دقيقة
التوقف الاضطراري عن العمل

اكتشفنا أنّ التوقف الاضطراري عن العمل يعزز القدرة على الإبداع عندما درسنا النظام الإلكتروني الذي استخدمته شركة أوروبية كانت قد تعرضت لحريق، واستخلصنا أفكار العاملين في المصنع وجمعنا مقترحاتهم. كان النظام يتيح للعاملين تقديم مقترحاتهم ميدانياً، وكان البعض يقترح تغييرات بسيطة، مثل استبدال الأدوات البالية؛ في حين كان البعض الآخر يقترح تغييرات رئيسية، مثل نظام جديد لطلب الدهانات الذي وفر للشركة 280,000 يورو سنوياً. حصل الموظفون البالغ عددهم 8,500 موظف في الجزء المُغلَق من المصنع الأوروبي على إجازة مدتها 4 أيام. وفي الأسابيع الثلاثة التي تلت عودتهم إلى العمل، أنتجوا أفكاراً أكثر بنسبة 58% من تلك التي قدمها الموظفون الذين لم ينقطعوا عن العمل. بالإضافة إلى ذلك، كانت أفكارهم ذات جودة أعلى؛ إذ أجرى المدراء تقييماً للمقترحات المقبولة وتوصلوا إلى أن المقترحات التي قدمها الموظفون الذين توقفوا عن العمل كانت أفضل بنحو 3 نقاط مئوية من تلك التي قدمها العاملون الآخرون.

هارفارد بزنس ريفيو: كنت أعتقد أن التوقف الاضطراري عن العمل يُضعِف القدرة على الإبداع؛ لذا أحرص على تفعيل الوضع الصامت على هاتفي عندما أمارس العمل. يبدو أن التركيز في العمل يعتمد على مقدار الانتباه الذي يبقى موجَّهاً إلى المهمة الأصلية ومقدار الانتباه الذي ينصرف إلى الأشياء الأخرى. درسنا أيضاً حدثاً اضطرارياً في المصنع الأوروبي لم يؤدِّ إلى التوقف عن العمل، وهو فيضان اضطر الموظفون إلى العمل على إزالة أضراره. أدى هذا الحادث إلى تراجع مستوى الأداء الإبداعي لأنه أرغم الموظفين على توجيه انتباههم إلى المهمة الجديدة. هذا ما يحدث حين يتشتت تركيزك على الفور بسبب انتباهك إلى إشعارات وسائل التواصل الاجتماعي على هاتفك، لذلك ربما ينبغي لك تفعيل الوضع الصامت عليه،  لكن ربما يجدر بك أيضاً النهوض من مكتبك بين الحين والآخر والذهاب في نزهة طويلة.

ماذا عن الحصول على إجازة طويلة؟

ثمة أسباب وجيهة عديدة لأخذ إجازة، لكن أبحاثنا لا تشير إلى أنها تحسّن القدرة على الإبداع في العمل، لأنها لا تندرج تحت مفهوم التوقف الاضطراري. عندما درسنا النوع الثالث من التوقف عن العمل في المصنع، وتحديداً عطلات نهاية الأسبوع الطويلة، لم نلاحظ أي زيادة في اقتراحات الموظفين بعد عودتهم منها. نعتقد أن السبب يتعلق بما يسمى "بقايا الانتباه"، وهي المحفز الأفضل للإبداع؛ تتبلور "بقايا الانتباه" عندما تواصل عقولنا التفكير في أمر مهم لنا حتى بعد انتقالنا إلى نشاط آخر. لك أن تنظر مثلاً إلى الأفكار العبقرية التي توصلت إليها في أثناء الاستحمام أو وأنت تدفع عربة التسوق في متجر البقالة. هذه الأفكار كلها نتجت عن مثابرة دماغك وراء الكواليس، لكن عندما نفعل شيئاً يسمح لنا بفك الارتباط بمهامنا تماماً، مثل قضاء عطلة نهاية أسبوع أو إجازة طويلة، فلن يبقى في عقولنا القدر نفسه

من بقايا الانتباه، وبالتالي لا نحقق إنجازات غير مسبوقة من النوع نفسه.

هل على المدراء قطع التيار الكهربائي عن المبنى من حين لآخر؟ وهل يجب أن أفصل جهاز الواي فاي بمنزلي من حين لآخر؟

بالطبع لا، فالخسائر الناتجة عن تراجع الإنتاجية بسبب قطع التيار الكهربائي في المصانع أو المقرات المكتبية أكبر بكثير من مكاسب القدرة على الإبداع، بل لا تدانيها حتى، لكن يجب علينا أن نتقبّل حتمية حدوث توقف اضطراري عن العمل دون ترتيب مسبّق، فسلاسل التوريد معرَّضة للتوقف فتجبر المصانع على انتظار قطع الغيار. وقد تُخلى أحياء كاملة بالمدن في بعض الدول الأوروبية وفيها مبانٍ إدارية عديدة لعدة أيام متتالية بسبب تفكيك قذيفة جوية قديمة. وقد تتوقف خطوط التجميع وتتعطل، وهلمّ جرّاً،  لذا يجب أن يكون المدراء على أهبة الاستعداد للاستفادة من هذه الأحداث العارضة.

هل هناك أي اقتراحات لكيفية فعل ذلك؟

أولاً: يجب التأكد من امتلاك الموظفين وسيلة للوصول إلى نظام لإدارة الأفكار من منازلهم حتى يتمكنوا من تسجيل الأفكار الجديدة بسهولة حينما تخطر على بالهم. ثانياً: على المدراء إعادة النظر في حوافز الأنشطة الحيوية؛ إذ قدّم المصنع الذي درسنا حالته مكافأة مالية ضخمة نوعاً ما للعاملين الذين نُفّذت اقتراحاتهم  بنسبة 10% من قيمة الفكرة، لكن ثمة تحذيراً مهماً هنا، وهو أن بحثنا لم يدرس فترات التوقف المشحونة بالانفعالات العاطفية، مثل التي تعرّض لها العاملون في مانهاتن في أعقاب أحداث 11 سبتمبر/أيلول. غني عن القول إن المدراء مطالبون بالتعامل مع هذه الأنواع من التوقف الاضطراري عن العمل بأسلوب مختلف، ويجب أن تكون محاولة تحفيز القدرة على الإبداع آخر ما يدور في أذهانهم آنذاك.

هل تزداد قدرة الموظف على الإبداع عندما يعمل عن بُعد؛ لأن فرصه في إيجاد وقت فراغ ستزداد ما لم يضطر إلى الانتقال للمقر المكتبي؟

لا نعرف على وجه اليقين. قد يكون الأمر عكس ذلك تماماً؛ فقد تكون التنقلات المسائية فرصة كلاسيكية لاغتنام بقايا الانتباه، في حين أنها لا تشكّل جزءاً من روتين الموظفين الذين يعملون من المنزل، لكن الموظفين قد لا يكلفون أنفسهم عناء عرض أفكارهم بمجرد عودتهم إلى المنزل أو قدومهم إلى مقر العمل في اليوم التالي، وقد يكونون كذلك أيضاً مُستنفَدين معرفياً لدرجة أنهم يعجزون عن التفكير الإبداعي. وقد تشكل فترات العمل الطويلة عن بُعد عبئاً على درجة الانتباه إذا كانت الحياة الشخصية للموظفين

تتعارض مع مهامهم المهنية دائماً. ومع ذلك، فإجبار نفسك على أخذ فترات راحة مرتجلة قد يكرر   الظروف المشار إليها في دراستنا ويعزز القدرة على الإبداع.

تطبّق شركة جوجل "قاعدة 20%" التي يحصل الموظفون بموجبها على يوم حُر كل أسبوع لمتابعة المشاريع الواقعة خارج نطاق مسؤولياتهم الاعتيادية، فهل يستفيد هذا الأسلوب من الأثر نفسه الذي توصّلتَ إليه؟

قد تكون له فوائد للشركة، مثل استثمار هذا الوقت الحر لتعزيز تنفيذ المشاريع الجانبية، لكنني لا أتوقع أن يؤدي ذلك إلى زيادة الأفكار الجديدة؛ إذ من المفترض أن يركّز الموظفون على المهام الجديدة بدلاً من التركيز على مهامهم المعتادة.

وعلى الرغم من ذلك، تستطيع الشركات اتخاذ خطوات أخرى لتشجيع الموظفين على تقديم أفكار أكثر وأفضل. إذا خصّصت الشركة مثلاً أياماً للصحة النفسية، يمكنها أن تجعل بعضها مرتجلاً ربما بالإعلان عن يوم معيَّن مع عدم إرسال إشعار به إلا قبل بضعة أيام فقط حتى تقل احتمالات أن يرتب الموظفون لأنشطة تستهلك انتباههم.  ويمكن للشركات أيضاً دمج أوقات الفراغ في أيام عمل الموظفين عشوائياً، مثلاً باختتام اجتماع قبل الموعد المقرر. يحاكي هذا النوع من التدابير التوقف الاضطراري عن العمل وقد يولّد الآثار الإيجابية نفسها.

هل تنطبق نتائجك على الثقافات غير الغربية؟

ربما، ولكن قد لا تكون هذه ظاهرة عالمية؛  فبعض الثقافات قادرة على التعامل مع عدم اليقين براحة أكبر، لذا قد يسبب التوقف الاضطراري عن العمل توتراً لا ضرورة له ويضر بقدرة الموظفين على الإبداع، والشركات في بعض الدول ليست ملزمة بدفع أجور للعاملين خلال فترات التوقف الاضطراري عن العمل الذي تناولته دراستنا، ما قد يُفسِد تأثيره. النتيجة التي توصلنا إليها مفاجئة، لكنها نتيجة أولية فقط ولا بد من إجراء مزيد من الأبحاث للتحقق من صحتها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي