ملخص: يفرط العديد من الشركات في الاعتماد على البيانات الضخمة والتحليلات المحوسبة بحثاً عن رؤى استراتيجية. ولكن بدلاً من ذلك من الأفضل لمسؤوليها أن يخرجوا ويتحدثوا مع عملائهم ويحققوا التواصل الحقيقي مع العملاء، مثلما تفعل "تويوتا" (Toyota) و"أدوبي" (Adobe)، لأن البيانات تشير إلى ما يعتقد المدراء أن عملاءهم يهتمون به.
يؤمل أن تساعد القدرة على جمع تفاصيل دقيقة وحساسة ومعالجتها على نطاق واسع في الكشف عن علاقات لا يمكن تصورها داخل السوق. ولكن هل تتساوى "التفاصيل" مع "الرؤى" فعلاً؟
من الواضح أن العديد من صناع القرار يعتقدون أنهما كذلك. على سبيل المثال، في أستراليا تنفق البنوك الأربعة الكبرى، "وستباك" (Westpac) والبنك الوطني الأسترالي و"أيه إن زد" (ANZ) و"كومنولث بنك" (Commonwealth) مبالغ كبيرة على البحث في جبال من بيانات العملاء التي تربط مجموعة واحدة من المتغيرات، مثل النوع الاجتماعي والعمر والوظيفة، بمجموعة من المنتجات والخدمات المصرفية. وقد أعلن أكبر بنك في أستراليا، وهو بنك "كومنولث"، عن مساعيه ذات الصلة بالبيانات الضخمة.
ومثل البنوك الكبرى، تبحث أكبر سلسلتين من سلاسل المتاجر الكبرى في أستراليا، وهما "وول ورثز" (Woolworths) و"كولز" (Coles)، في بيانات العملاء وتستخدم إمكانات الحواسيب الهائلة المتوفرة حالياً، والمطلوبة أيضاً، مع استخدام تقنيات إحصائية سعياً إلى إيجاد "رؤى". وقد يتضمن ذلك مزيجاً من تصفح الإنترنت واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي وأنماط الشراء وما إلى ذلك؛ ما يعني إجراء تحليل معقد عبر منصات متنوعة.
على الرغم من أن تطبيق تحليل الارتباط والانحدار (من بين أدوات أخرى) على مجموعة كبيرة للغاية من البيانات مناسب في بعض الأحيان وله مكانته، يساورني قلق حقيقي من أن الرؤساء التنفيذيين وكبار المسؤولين التنفيذين سيعاودون التزام مكاتبهم مجدداً لاقتناعهم أن قسم تكنولوجيا المعلومات سيقوم بكل الأعمال الشاقة عندما يتعلق الأمر بالاستماع إلى العميل.
الجاذبية المضللة للبيانات
للتعرف على الجاذبية المضللة للأرقام، دعونا نستعرض الكيفية التي خُدعت بها إحدى الشركات لسنوات بسبب بياناتها.
كمال هو الرئيس التنفيذي لشركة متخصصة في إدارة الثروات تركز على أصحاب الثروات الكبيرة. فهي تساعدهم في استثماراتهم من خلال توفير منتجات وحلول متعلقة بالمحافظ الاستثمارية ومشورة بشأن التخطيط المالي وفرص عقارية.
استخدمت شركة كمال استطلاعات الرأي لجمع بيانات حول أداء الأعمال، مثلما تفعل الشركات المنافسة. ولكن كمال وفريقه التنفيذي أدركوا أن البحث في هذه التفاصيل بدقة شديدة لا ينتج عنه رؤى يمكن أن تستخدمها الإدارة في تطوير الاستراتيجية.
لذا، قرر فريق كمال أن يسلك مساراً مختلفاً يتضمن الاستماع إلى العميل. أجرى الفريق سلسلة من المقابلات الشخصية مع العملاء، وكانت هذه المقابلات منظمة بطريقة تسمح للعميل بالتحدث وللشركة بالاستماع. وما اكتشفه كمال والمسؤولون التنفيذيون صدمهم حقاً.
أول اكتشاف هو أن بياناتهم تستند إلى أشياء غير منطقية. وقد حدث ذلك لأن الأسئلة التي كانوا يطرحونها كانت مبنية على تصورات المدراء لما كان ينبغي للعملاء الإجابة عنه، وليس ما يرغب العملاء في التعبير عنه. وبالتالي نتج عن ذلك بيانات لا تعكس المتطلبات الحقيقية للعملاء. فقد كانت قائمة الأولويات التي تم الحصول عليها من خلال المقابلات التي أُجريت مع العملاء مطابقة لأولويات العملاء التي افترضتها الإدارة بنسبة 50% فقط.
وهذا الأمر لم يحدث في شركة كمال فحسب، إذ أظهرت الدراسات أن البيانات الضخمة غالباً ما تكون "غير دقيقة تماماً". فقد بيّنت دراسة أجرتها شركة "ديلويت" (Deloitte) أن "أكثر من ثلثي المشاركين في استطلاع الرأي ذكروا أن بيانات الطرف الثالث حولهم كانت صحيحة بنسبة 0 إلى 50% فقط إجمالاً. وتصور ثلث المشاركين أن المعلومات صحيحة بنسبة 0 إلى 25%".
في حالة كمال، تضاعف هذا الخطأ فيما يخص تصنيف هذه المتطلبات. على سبيل المثال، اعتقدت الشركة أن العملاء الأكبر سناً لن يصنفوا "التكنولوجيا" (الأدوات الرقمية والأدوات المتاحة عبر الإنترنت) في مرتبة عالية في قائمة متطلباتهم. ولكنهم اكتشفوا في المقابلات أنه في حين أن هؤلاء العملاء الأكبر سناً لم يكونوا من مستخدمي التكنولوجيا النهمين، إلا أن الكثير منهم يهتمون بها بدرجة كبيرة. وكان هذا بسبب أن لديهم مساعدين استخدموها بالفعل ولأنهم اعتبروا أن امتلاكهم لأحدث التقنيات شرط أساسي لتكون شركاتهم عصرية ومتطورة.
ما اكتشفه كمال وفريقه وأدهشهم أيضاً هو قلة عدد المقابلات التي استغرقها الأمر لتكوين رؤى حقيقية. يقول كمال: "احتجنا إلى حوالي 18 إلى 20 عميلاً للتعرف على معظم التعليقات الموضوعية. كنا نظن أننا سنحتاج إلى عدد أكبر من ذلك بكثير". ما تعرض له كمال هنا هو ما يُسمى بـ "التشبع"؛ وهو مصطلح يُستخدم في البحوث ويشير إلى النقطة التي يمكنك فيها التوقف عن إجراء المقابلات لأنك لم تعد تسمع أي شيء جديد.
أهمية الاستماع إلى العميل
قد لا يكون التواصل مع عملائك شائقاً وجذاباً بقدر الاستثمار في "البيانات الضخمة"، ولكنه يتمتع بسجل حافل بالنجاحات والإنجازات. فلنعد بالذاكرة إلى فترة حاسمة في تاريخ شركة "تويوتا" (Toyota).
عندما أرادت شركة "تويوتا" تصميم سيارة فاخرة للولايات المتحدة، لم يجلس فريقها في طوكيو منتظراً ابتكار التصميم المثالي. كما أنه لم يبحث في البيانات التي تم الحصول عليها من عملاء "تويوتا" الحاليين حول الطرازات الحالية للشركة. بدلاً من ذلك، أرسل الفريق المصممين والمدراء إلى كاليفورنيا لرؤية العميل المستهدف وإجراء مقابلات معه، وهو مسؤول تنفيذي أميركي يكسب دخلاً مرتفعاً، لمعرفة ما يريده في السيارة. أدى اكتساب هذه المعرفة، إلى جانب التميز الهندسي الذي لا شك فيه، إلى سير "تويوتا" في اتجاه جديد تماماً: وهو تصدير سيارات فارهة إلى الولايات المتحدة، المعروفة بسيارة "ليكزس" (Lexus). وقد أصبح الاستماع إلى العميل متأصلاً في ثقافة "تويوتا".
الاستماع إلى العميل هو أيضاً عنصر أساسي في ثقافة شركة "أدوبي" (Adobe)؛ فهي تتحدث عن "ثقافة الاستماع للعملاء" ووضعت مجموعة مفيدة من المبادئ التوجيهية حول كيفية الاستماع إلى العملاء. عبرت إيلين تشاو، مديرة المنتجات في الشركة، عن ذلك كما يلي: "الاستماع هو الخطوة الأولى. نحاول التركيز على ما يريد العملاء تحقيقه، وليس بالضرورة الكيفية التي يريدون تحقيقه بها".
لذا، استخدم قدرات الحواسيب الحديثة لاستكشاف الأنماط في سلوك عملائك في الشراء، شريطة ألا تكون بياناتك "غير دقيقة تماماً". ويجب أن تفهم قيود البيانات الضخمة. فالبيانات تاريخية وثابتة. تاريخية لأنها تتعلق بالماضي. فعلى الأرجح انتقل عملاؤك من المرحلة التي جُمعت فيها البيانات إلى مرحلة أخرى. وثابتة لأنها لا يمكنها أبداً الإجابة عن سؤال لم تفكر في طرحه، كما هو الحال مع أي نماذج حاسوبية.
تُستمد الرؤى الحقيقية من رؤية العالم بعيون شخص آخر. ولن تحصل على ذلك إلا من خلال التواصل الحقيقي مع العملاء والاستماع إلى قصصهم.