4 نصائح لتحقيق التوازن بين شغفك ودخلك المادي

6 دقائق
التوازن الصحيح بين الشغف والربح
shutterstock.com/IgorAleks

ملخص: بات الجيل الحالي من العاملين أكثر قدرةً على التحكم في ظروف عملهم مقارنة بكل الأجيال السابقة. وقد تسبّبت الزعزعة وحالة عدم اليقين الناجمتان عن تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد في دفع الكثير من العاملين إلى إعادة النظر فيما يريدون تحقيقه من وظائفهم وشجّعتهم على المطالبة بالمزيد. فما شكل العلاقة التي تريدها بينك وبين العمل الذي تتقاضى عنه أجراً؟ ظلّت الإجابة تدور لفترة طويلة من الزمن حول النُّصح بـ "اتباع شغفك"؛ أي العثور على عمل تحبه ويكون هادفاً في الوقت نفسه. لكن مبدأ الشغف هذا لا يخلو من المخاطر. فقد يستغرق العثور على وظيفة تلبّي شغفك شهوراً أو سنوات، ما يؤدي إلى التضحية بالاستقرار الاقتصادي. علاوة على ذلك، فإن استثمار إحساسنا بالهوية بهذا الشكل المكثَّف في وظائفنا المدفوعة الأجر يعرّضنا لمخاطر وجودية قد تدمّر شعورنا بقيمة الذات في حالة تسريح العمال أو حدوث تغيُّرات أخرى في العمل. ويكمن مفتاح السر في إيجاد التوازن الصحيح بين الشغف والربح في مسيرتك المهنية. ويمكنك تحقيق هذا التوازن من خلال استكشاف طرائق تتيح لك الحصول على وظيفة مُرضية لا تتطلب بالضرورة أن تكون شغوفاً بمحتواها، إلى جانب تقليص الحيّز الذي يشغله العمل بدوام كامل في حياتك وتنويع مصادر صناعة المعنى في جعبتك وبناء تحالفات مع الزملاء والعاملين الآخرين في سبيل تحقيق ما تريد.

 

نمر الآن بلحظة فارقة في تاريخ القوى العاملة في عصر ما بعد الصناعة. فقد بات الجيل الحالي من العاملين أكثر قدرةً على التحكم في ظروف عملهم، من حيث الأجور ومكان العمل ووتيرة عملهم، مقارنةً بالأوضاع التي كانت سائدة منذ وصول حملات الدفاع الجماعي عن مصالح العمال وتكوين النقابات العمالية إلى الذروة قبل أكثر من نصف قرن من الزمان. ونتيجة لحالة عدم اليقين المالي والوجودي التي تسبب فيها تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد، فإن الكثير من العاملين، خاصة المهنيين، راحوا يعيدون النظر فيما يريدون تحقيقه من وظائفهم وباتوا أكثر جرأة على طلب المزيد.

وقد حان الوقت لاتخاذ إجراء ملموس. إذ لا يوجد ما يدل على المدة التي ستستغرقها هذه اللحظة، وهناك بوادر لاحتمالية العودة إلى الأساليب القديمة التي تشهد هيمنة أرباب العمل على مجريات الأحداث؛ حيث تُلح الشركات على مطالبة كل العاملين بالعودة إلى المقرات المكتبية، وأبدى أرباب العمل تذمرهم من التطرف في فكرة تمكين العاملين.

وتتيح هذه الظروف فرصة غير مسبوقة للتفكير فيما نريد تحقيقه من وظائفنا. ما شكل العلاقة التي نريدها بيننا وبين العمل الذي نتقاضى عنه أجراً؟

مبدأ الشغف ومخاطره

على مدى السنوات الثلاث الماضية، كانت الإجابة عن هذا السؤال التي لاقت صدى واسعاً لدى الكثيرين تدور حول النُّصح بما يلي: أريد أن أتبع شغفي. أريد عملاً أحبه. أريد عملاً هادفاً. أريد عملاً يعكس شخصيتي. أُطلق على هذه المثل العليا "مبدأ الشغف". وكما أوضحتُ في كتابي، فإن مبدأ الشغف يشير إلى إعطاء الأولوية للعمل المُرضي على المستوى الشخصي حتى لو كان ذلك على حساب الأمان الوظيفي أو الراتب اللائق. وأجد أن أكثر من 70% من العاملين الحاصلين على تعليم جامعي يثنون بشدة على الاعتبارات المتعلقة بالشغف في نظرياتهم التي تتناول عملية صناعة القرارات المهنية الصائبة، ويمنحها ما يقرب من ثلثيهم أهميةً تفوق بعضاً من الاعتبارات الأخرى الحساسة، مثل الرواتب الجيدة والأمان الوظيفي.

ولطالما كان مبدأ الشغف يشكّل الدافع الرئيس في عملية صناعة القرار المهني لدى الأميركيين، ومؤخراً كان بمثابة صفارة الإنذار التي تُغري الكثير من العاملين الأميركيين بالمشاركة في حملة الاستقالة الكبرى. وقد اتضح لي أن الأشخاص الذين عانوا عدم الاستقرار الوظيفي نتيجة تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد كانوا في الواقع أكثر إقبالاً على الاستثمار في البحث عن الشغف مقارنةً بالأشخاص الذين نعموا بالاستقرار الوظيفي خلال تلك الحقبة. وقد أدّى توافر المزيد من الحرية في سوق البحث عن فرص العمل، مقروناً بالعقلية الوجودية لفكرة أن "الحياة قصيرة"؛ وهي الفكرة التي تغذّت على الاضطرابات المرتبطة بتفشي جائحة فيروس كورونا المستجد، إلى إضفاء المزيد من المنطقية على الدعوات المنادية باتباع شغفك وانتشارها بين الكثير من العاملين أكثر من أيّ وقت مضى.

لكن اتباع شغفك قد يكون محفوفاً بالمخاطر، وينطوي على مخاطر مالية كبيرة. فقد يتطلب العثور على وظيفة تلبي شغفك بعد التخرُّج في الجامعة مباشرة أن تضحي بكلٍّ من الوقت والاستقرار الاقتصادي. وقد يستغرق البحث عن وظائف لا تتناسب مع مؤهلاتك ومهاراتك فحسب، بل تُغذي روحك أيضاً، شهوراً أو حتى سنوات من عمرك. وقد يعني ترك وظيفة في منتصف مسيرتك المهنية لتبدأ من جديد في مجال عمل آخر أن تبتعد عن شبكات العلاقات والعادات والمعارف غير الرسمية التي كانت تشكّل العمود الفقري لنجاحك السابق.

علاوة على ذلك، فإن القدرة على التعامل مع هذه المخاطر ليست موزَّعة بالتساوي. ومن المرجَّح أن يكون لدى الباحثين عن الشغف من الأُسر الثرية المنتمية إلى الطبقة المتوسطة العليا نقاط انطلاق اجتماعية (مثل شبكات العلاقات الأسرية والأصدقاء) وشبكات أمان اقتصادي (مثل حصولهم على بعض المال عن طريق الميراث أو اعتمادهم على آباء قادرين على تحمُّل مصاريفهم المعيشية ودفع قيمة فواتيرهم خلال فترة تدريبهم غير المدفوعة الأجر) التي تعينهم على الحصول على عمل يلبّي شغفهم ويتيح لهم الحصول على أجر لائق في الوقت نفسه. ومن غير المرجّح أن يتمكن الباحثون عن الشغف من بين أولئك الذين ينتمون إلى الطبقة العاملة من الوصول إلى هذه الموارد، بل من المرجّح أن ينتهي بهم الأمر في وظائف محفوفة بالمخاطر بعيدة كل البعد عن شغفهم.

ويتمثّل الخطر الآخر للسعي وراء الشغف في فكرة الوجودية بحد ذاتها. فقد يكون استثمار إحساسنا بالهوية بهذا الشكل المكثَّف في وظائفنا المدفوعة الأجر أشبه بوقوع قوة العمل في حب الروبوتات. فقد يكون عملنا هادفاً وذا مغزى عميق بالنسبة لنا، أي أنه يشكّل جزءاً أساسياً من هويّتنا ومَنْ نريد أن نكون. وقد نكرّس جهدنا العاطفي والجسدي والعقلي لوظائفنا ونتفانى في العمل بشكل يتجاوز بكثير ما يطلبه منا أرباب العمل بصورة رسمية. لكن العلاقة التي تربطنا بصاحب العمل هي علاقة اقتصادية في نهاية المطاف، وإذا رأت مؤسستنا أن منصبنا الوظيفي قابل للاستبدال أو غير مربح، فلن يسعفنا أي قدر من الشغف أو ينقذ موقفنا.

ويجب أن نضع في اعتبارنا حقيقة أننا حينما نُعطي الأولوية للشغف في صناعة قراراتنا المهنية، فإننا نجعل جزءاً أساسياً من إحساسنا بالهوية عُرضة للتحطُّم على صخرة أهواء تعظيم الربح وعمليات إعادة الهيكلة والتوقف عن العمل للحفاظ على الصحة العامة في المستقبل.

الموازنة بين الشغف والربح

لستُ من دعاة التسامح مع التعاسة في وظائفنا سعياً وراء تعظيم إمكانات الأرباح مدى الحياة. إذ يُعد الاستمتاع بالوقت الذي تمضيه في العمل جزءاً مهماً من الرضا العام عن الحياة. وعلى الرغم من ذلك، فهناك مساحة مشتركة بين البحث عن الشغف بأي ثمن وبين عيش حياة كادحة في مقابل الحصول على المال. وإليك بعض المبادئ التوجيهية لتحقيق التوازن الصحيح بين الشغف والربح في تشكيل الحياة المهنية:

خلق حالة من المرح

من النادر أن تحب كل شيء في وظيفتك، وربما كان هذا ضرباً من الخيال. ولكن هناك الكثير من السُّبُل للحصول على وظيفة مُرضية لا تستلزم أن تكون شغوفاً بمحتواها، كالعثور على عمل مع زملائك الذين تعتز بصداقتهم أو العمل في مؤسسة تحترم رسالتها أو تحقيق التوازن بين مهمات العمل التي توفر المزيج الصحيح من الأنشطة المستقلة والتعاونية.

تقليص البصمة

قد لا يكون هذا خياراً واضحاً أو سهلاً، لكن حاول التفكير في تقليص المساحة التي يشغلها العمل بدوام كامل في حياتك لصالح إتاحة المزيد من الوقت والطاقة لفعل الأشياء التي تستمتع بها. وقد أسهم التحوُّل إلى فكرة العمل عن بُعد والعمل المرن عقب تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد في جعل هذا الأمر أكثر قابلية للتحقيق. إذ يمكن استغلال فكرة الوظيفة غير المُرضية ولكنها تُلائم بدقة ساعات العمل المُتوقَّعة أو العمل بدوام جزئي الذي يوفر أموالاً تكفي لتلبية الاحتياجات الشخصية والأسرية، وذلك لتوفير قدر أكبر من الحرية لمتابعة الأنشطة الهادفة.

تنويع مصادر صناعة المعنى في جعبتك

وفّر حيّزاً للاستثمار في الهوايات والأنشطة غبر المرتبطة بالعمل ما دمتَ تشعر بأنها أنشطة هادفة وتعبّر عن الذات، سواء كانت أنشطة رياضية أو أعمالاً تطوعية أو حتى معزوفات موسيقية. وقد يكون تخصيص حيّز منتظم في جداول مواعيدنا للشغف غير المرتبط بالعمل أمراً صعباً، ولكننا نحتاج في هذه اللحظة إلى أن نكون أكثر حرصاً على التمسُّك بهذه العادة. ابحث عن الوقت واعمل على حمايته. وبهذه الطريقة يمكننا التراجع عن معيار العامل المثالي، وافتراض أننا مطالبون حتماً بتكريس أنفسنا لوظائفنا.

طلب المساعدة ومد يد العون للآخرين

استغل الفترة الانتقالية الحالية الناجمة عن تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد للتفكير في شكل العلاقة التي تريدها بينك وبين العمل الذي تتقاضى عنه أجراً. وهذا يعني اغتنام هذه اللحظة الفارقة التي تمنحك القوة خلال العملية التفاوضية لطلب كل ما تحتاج إليه لتغيير ساعات العمل أو هيكل العمل، أو لاستثمار الوقت في نفسك خارج نطاق العمل. وتذكّر أنك لست وحدك في هذا المأزق، فالكثير من العاملين في القارب نفسه. لذا عليك أن تبحث عن طرق لتقديم هذه المطالب بشكل جماعي. واعمل على بناء تحالفات مع الزملاء والعاملين الآخرين. وابحث عن التضامن مع الآخرين وتلقّي الدعم منهم في مجال عملك. ابحث عن أساليب التفاوض التي نجحت مع الآخرين.

وإذا كان التاريخ يعيد نفسه، فإن هذه الفرصة الذهبية لتمكين العاملين قد تكون قصيرة الأجل فعلياً. فدعونا نستغلها من أجل تحقيق التوازن الصحيح بين الشغف والربح لإعادة رسم مستقبل العمل للأفضل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي