أدرك القادة منذ فترة طويلة أنّ امتلاكهم لموظفين متعددي الثقافات والأعراق، من نساء وملونين، يمنحهم ميزة تنافسية في ما يتعلق بخدماتهم ومنتجاتهم المقدمة إلى المستخدمين النهائيين المتنوعين بدورهم. إلا أنه في الوقت ذاته، سوف تستمر الفجوة الواسعة ما بين إدراك القادة لأهمية هذا، وبين تطبيقه بالشكل الصحيح على أرض الواقع.
يعود السبب جزئياً إلى وجود خلط في المعاني بين "التنوع" و"الشمولية"، حيث يظن كثيرون أنهما ذات الشيء، لكنهما يعنيان أمرين مختلفين. إذا أخذنا مكان العمل مثلاً، فإنّ التنوع يساوي التمثيل، لكن من دون الشمولية، لن يكون مكان العمل قادراً على إنشاء عمليات التواصل الحيوية اللازمة لجذب المواهب المتنوعة وتشجيع مشاركتها ودعم ابتكاراتها، والتي ستؤدي جميعها في نهاية المطاف إلى نمو الأعمال التجارية. بعبارة أخرى، وبكلمات فيرنا مايرز، "يعني التنوع دعوتك إلى الحفلة، في حين تعني الشمولية دعوتك للرقص".
تشير العديد من الدراسات أنّ التنوع وحده لا يقود إلى الشمولية. في الواقع، عندما لا يكون هناك شمولية، فإنّ ذلك يُحدث ردة فعل عكسية ضد التنوع. أظهرت أبحاثنا حول الرعاية والعاملين من ذوي خلفيات عرقية متنوعة، أنه رغم شعور 41 في المئة من الأميركيين من ذوي الأصول الأفريقية، و20 في المئة من ذوي الأصول الآسيوية و18 في المئة من ذوي الأصول اللاتينية، (ممن استطلعت آراءهم في مستويات الإدارة العليا) أنّ عليهم رعاية الموظفين ممن هم من نفس جنسهم أو عرقهم (مقارنة مع 7 في المئة ممن يشعرون بذلك لدى البيض)، إلا أنهم يترددون في اتخاذ ما يكفل تطبيق ذلك. يكمن السبب في شعور الرعاة، من غير البيض، وخصوصاً في مستويات الإدارة العليا، من أنّ قيامهم بذلك سيعطي تصوراً بأنهم يعطون معاملة خاصة أو يتبنون أشخاص ممن هم غير البيض، وبالقلق من عدم قدرة هؤلاء الأشخاص على تحقيق "النجاح اللازم". كانت النتيجة أنّ فقط 18 في المئة من الأميركيين من ذوي أصل آسيوي، و21 في المئة من ذوي الأصل الأفريقي و25 في المئة من ذوي الأصل اللاتيني يقومون بالفعل برعاية أشخاص ممن هم من نفس عرقهم (مقارنة مع قيام 27 في المئة من البيض بذلك).
أما الصعوبة الأخرى فتتمثل في البيانات. من السهل قياس التنوع، فكل ما علينا القيام به هو إجراء إحصاء ومعرفة العدد، إلا تحديد مسألة الشمولية ليست بمثل هذه البساطة. إذ أنه لنفهم صورة الوضع الحقيقي في الشركات، علينا القيام بالتعرف على مدى شعور الأشخاص بأنهم مشمولون في العمل إضافة إلى عملية حصر عددهم ضمن الشركة.
عملت ذات مرة مع شركة تقع في دولة تشيلي ممن لا يبدو عليها أنها تعاني من أي مشاكل بالتنوع. كان أبرز موظفيها شخص من سكان البيرو الأصليين، وكان يحظى بالاحترام وبراتب مميز ومشمول في مناقشات صنع القرار في فريق القيادة. مع ذلك، ولدى إجراء مقابلة فردية معه، أقر بأنه لا يرى لطموحه أي مستقبل في تلك الشركة، وأضاف "أعرف أنهم يقدرونني، لكنني من السكان الأصليين، بينما هم من البيض ممن جاؤوا في الماضي من إسبانيا. بالتالي، لن يجعلوني من الشركاء في الشركة بسبب لوني وخلفيتي". لم تكن التدابير التقليدية في حساب التنوع بقادرة على إدراك معاناة الرجل من أي مشاكل، إنما كانت روايته حول مشاعره هناك هي العامل الأساسي لمعرفة مقدار الشمولية.
قمنا في مركز ابتكار المواهب بوضع إطار فريد وقوي لقياس الأمور ذات الأهمية، حيث اعتمدنا منهجية مؤلفة معتمدة على ثلاثة تيارات رئيسية من المعلومات: عدد كبير من استطلاعات الرأي الشاملة وسرية التعبئة لتوفير الأساس الإحصائي، وجلسات عمل للحصول على رؤى أعمق، وأداة معتمدة على الإنترنت مستخدمة لتيسير إجراء مجموعات بؤرية ضمن الشركات لتقدم القصص الكفيلة بتجسيد الإحصائيات، ومقابلات فردية لإثراء الإحصاءات بمعنى أعمق. كشفت أبحاثنا، ضمن إطار العمل هذا، أربعة عوامل تقود إلى الشمولية.
قادة شموليين
يمتلك هذا النوع من القيادة خليطاً من ستة تصرفات قيادية في آن: التأكد من إتاحة الفرصة لكل أعضاء الفريق للكلام والإصغاء لهم جميعاً، وهو ما يجعلهم يشعرون بالأمان لاقتراح أفكار جديدة. تمكين أعضاء الفريق من اتخاذ القرارات. تلقي المشورة وتطبيق الملاحظات الناتجة عنها. ومشاركة النجاح مع باقي أعضاء الفريق. من بين الموظفين الذين أشاروا إلى امتلاك قائدهم ثلاث صفات على الأقل من الصفات الست المذكورة في الأعلى، 87 في المئة قالوا أنهم يشعرون بأنهم موضع ترحيب ومشمولون في فريقهم، و87 في المئة قالوا أنهم لا يترددون في التعبير عن وجهات نظرهم وآرائهم، و74 في المئة قالوا أنه شعروا بأنّ أفكارهم مسموعة وموضع ترحيب. أما بالنسبة لمن أجابوا على الاستطلاع بالقول أن قائدهم لا يمتلك أياً من الصفات المذكورة أعلاه، فقد انخفضت النسبة السابقة من 87 في المئة إلى 51 في المئة في الحالة الأولى، ومن 87 في المئة إلى 46 في المئة في الحالة الثانية، ومن 74 في المئة إلى 37 في المئة في الثالثة.
الأصالة
ليس من المستغرب قيام الجميع بإنفاق جزء لا بأس به من جهدهم في محاولة لكبح أجزاء من شخصياتهم لا يودون إظهارها في مجال العمل. لكن وفقاً لأبحاثنا، قال 37 في المئة من الأميركيين من أصل أفريقي ولاتيني و45 في المئة من ذوي الأصل الآسيوي إنهم "احتاجوا إلى تقديم تنازلات حول أصالتهم" للتوافق مع معايير الشركة الخاصة بالسلوك والنمط. ويظهر بحثنا حول النساء في الصناعات العلمية والهندسية والتقنية أنه بغض النظر عن النوع (ذكر أو أنثى)، فإنّ التصرف "كرجل" يزيد من فرص من يقومون بذلك في التحول إلى قادة في مجالاتهم الصناعية. يعتبر هذا مضيعة لطاقة الموظفين، ناهيك عن أموال صاحب العمل المنفقة على زيادة التنوع في الشركة.
التشبيك والرؤية
بالنسبة للنساء والملونين، يعتبر المفتاح للارتقاء والتقدم متمثلاً بشكل غير عادل في الحصول على راع. إنّ "الراعي" هو قائد ضمن الإدارة العليا يقوم بتسليط الضوء على ربيبه (أي من يقوم بتبنيه مهنياً) أمام الآخرين في دوائر صنع القرار، ويعمل على حصوله على مهام رئيسية وترقيات، ويضع سمعته على المحك في صالح تقدم ربيبه. بالنسبة لأولئك الذين يشعرون بالتهميش بسبب جنسهم أو عرقهم أو عمرهم أو هويتهم الجنسية أو خلفيتهم التعليمية والاقتصادية، تعتبر الرعاية أمراً بالغ الأهمية ولاسيما في سياق تنشيط الطموح وجذب المشاركة. سيؤدي وجود راع إلى زيادة نسبة الرضا عن التقدم المهني المحقق. وعلى العكس، يزيد عدم وجود راع من احتمالية ترك الشخص لعمله في غضون عام.
مسارات وظيفية واضحة
تعتبر خريطة النجاح المهني بالنسبة للنساء والأفراد الملونين غامضة، إذ تشير أبحاثنا إلى أنّ 45 في المئة من النساء يتركن المجال المهني لرعاية أطفالهن، و24 في المئة منهن يغادرن لرعاية أقاربهن المسنين في اتجاه بات سائداً مؤخراً. لكن في نفس الوقت، كان هناك من شعرن بمشاعر سلبية دفعتهن لترك العمل: 29 في المئة من النساء تركن العمل لأنهن شعرن بأنّ حياتهن المهنية غير مرضية، و23 في المئة شعرن أنّ حياتهن المهنية تراوح في مكانها. نمّت تعليقات من النساء في مجموعات التركيز عن شعورهن بالإحباط من تخطيهن أثناء الترقية لمناصب أعلى، وشعورهن بأنه يتم تجاهلهن في ما يتعلق بالفرص المناسبة. يكافح الأفراد الملونين أيضاً لاختراق السدود المهنية الماثلة في وجوههم. وللمفارقة، تفترض عادة مجموعة الأغلبية معرفة سبب عدم تقدم تلك الفئة، وهو ما يؤدي إلى تبسيط المشكلة وعدم إيجاد الحل المناسب لها.
على الشركات البدء بفهم بسيط إنما أساسي لوجود وجهات نظر مختلفة، لكل منها قيمتها، والعمل على استكشاف وتحديد مجموعة الحواجز التي تعيق مشاركة هؤلاء الأفراد. يمكن للمؤسسات بعدها صياغة الخطط والبرامج التي تقدم خيارات وتوفر معالم تساعد النساء والملونين على العثور على المسار الصحيح في ما يتعلق بمسارتهم الشخصية والمهنية.
يمكن أن يؤدي التركيز على تلك العوامل الأربعة إلى حصول تغيير حقيقي، حيث وجدت أبحاثنا أنّ الموظفين مع مدراء شموليين تزيد احتمالات شعورهم بأنهم قادرون على إطلاق العنان لقدراتهم بنسبة 1.3. كما أنّ الموظفين القادرين على تحقيق ذواتهم كاملة في العمل هم أقل عرضة بنسبة 42 في المئة للإعراب عن رغبتهم بترك وظائفهم في غضون عام. كما أنه 62 في المئة ممن يملكون رعاة هم عرضة لعرض الترقية عليهم أو حصولهم على ترقية، في حين كان 69 في المئة من النساء ممن تركن العمل سيبقين لو امتلكن خيارات عمل مرنة.
يمثل وجود التنوع من دون الشمولية تفويتاً لفرص كثيرة، مع إحجام الموظفين عن تقديم أفكارهم ومقترحاتهم لاعتيادهم عدم الأخذ بها. إلا أنه في الوقت ذاته، يقدم التنوع مع الشمولية مزيجاً قوياً يساهم في استبقاء المواهب وزيادة المشاركة.