بحث: لماذا يعتبر التنفس مهماً في تخفيف التوتر

4 دقائق
تمرين التنفس مهم جداً في تخفيف التوتر

بعد أن مرّت سيارة ضابط البحرية الأميركية جاك دي فوق عبوة ناسفة في أفغانستان، نظر إلى الأسفل ليرى ساقيه مقطوعتين بالكامل تقريباً أدنى الركبة. لكنه تذكر في تلك اللحظة تمرين التنفس الذي تعلمه في كتاب مخصص للضباط الشباب. وتمكن بفضل ذلك التمرين من البقاء هادئاً بما يكفي للاطمئنان على رجاله، وإعطاء الأوامر لطلب المساعدة، ووقف نزيف ساقيه، ولم ينس أن يضع بعض الدعائم تحت ساقيه قبل أن يفقد الوعي. وعلم في وقت لاحق أنه لو لم يتخذ تلك الخطوات لكان نزف حتى الموت.

وبما أن تمرين تنفس بسيط قد عاد على جاك بالنفع تحت وطأة ضغط شديد، قد تكون التقنيات المماثلة مفيدة لنا بالتأكيد في التخفيف من ضغوط أماكن العمل الأكثر شيوعاً. وقد أسفرت جائحة "كوفيد-19" والقضايا التي تنادي بالعدالة الاجتماعية عن تفاقم حدة القلق الذي يشعر به الكثيرون منا كل يوم بالفعل، وتظهر الدراسات أن هذا التوتر يتعارض مع قدرتنا على أداء أفضل ما لدينا. إلا أن ممارسة تمارين التنفس الصحيحة تمكنك من تعلّم كيفية التعامل مع التوتر وإدارة المشاعر السلبية.

وتقصّينا في دراستين نُشرتا مؤخراً عن التقنيات المختلفة لإدارة التوتر، ووجدنا أن تمارين التنفس كانت الأكثر فاعلية في تقليل التوتر اللحظي والتوتر طويل الأمد.

التقنيات المختلفة لإدارة التوتر

وشرعنا في الدراسة الأولى التي أجراها فريق البحث في "جامعة ييل" في تقييم تأثير ثلاثة تدخلات في مجال الرفاهة:

  • تمارين التنفس: قيمنا في التجارب التي نفذناها تأثير برنامج معين، وهو برنامج "سكاي" للتنفس والتأمل، وهو عبارة عن سلسلة شاملة من تمارين التنفس والتأمل التي يجري تعلمها على مدار عدة أيام، والمعدّة لتحفيز الأفراد على التحلي بالهدوء والقدرة على التحمل.
  • الحد من الإجهاد وفق تقنيات اليقظة الذهنية: هو أسلوب تأمل تدرّب فيه نفسك على إدراك كل لحظة دون إطلاق أي أحكام.
  • أسس الذكاء العاطفي: برنامج يعلم تقنيات تحسين الوعي العاطفي وتنظيم المشاعر.

وُزّع المشاركون بشكل عشوائي على أحد البرامج الثلاثة أو على مجموعة ضبط (دون تدخل). ووجدنا أن المشاركين الذين مارسوا تمارين برنامج "سكاي" للتنفس والتأمل تمتعوا بصحة عقلية جيدة وتعززت لديهم مهارة الترابط الاجتماعي والمشاعر الإيجابية وتحسنت لديهم مستويات التوتر والاكتئاب وجنوا فوائد اليقظة الذهنية.

وفي دراسة ثانية أُجريت في "جامعة أريزونا"، تمت مقارنة برنامج "سكاي" للتنفس والتأمل بورشة درّست استراتيجيات معرفية لإدارة التوتر بشكل تقليدي؛ بمعنى آخر، كيفية تغيير أفكارنا حول التوتر. حصلت كلتا الورشتين على تقييم مماثل من قبل المشاركين وأسفر عنهما تطورات كبيرة في تعزيز مهارة الترابط الاجتماعي لديهم. ومع ذلك، كان برنامج "سكاي" للتنفس أكثر فائدة من حيث تأثيره الفوري على مستويات التوتر والحالة المزاجية والوعي، وكانت تلك التأثيرات أقوى عند تقييمها بعد 3 أشهر.

خضع المشاركون قبل الورشة وبعدها لمهمة تنطوي على الكثير من التوتر؛ وكانت تلك المهمة تحاكي مهمة العمل تحت وطأة ضغط شديد، مثل إلقاء عرض تقديمي في اجتماع عمل. أظهرت المجموعة التي أكملت الورشة المعرفية زيادة في معدلات التنفس وضربات القلب قبل بدء تلك المهمة المثيرة للتوتر، كما كان متوقعاً. في المقابل، حافظت المجموعة التي شاركت في برنامج "سكاي" للتنفس على ثباتها من حيث التنفس ومعدل ضربات القلب، وهو ما يشير إلى أن البرنامج قد غرس فيهم قوة مانعة ضد القلق المرتبط عادة بالرضوخ تحت وطأة موقف مثير للتوتر. وهو ما يعني أنهم كانوا في حالة عاطفية أكثر إيجابية وكانوا أكثر قدرة على التفكير بوضوح وأداء مهامهم بفاعلية.

وبالمثل، وجدنا في دراسة أجريت على قدامى المحاربين في العراق وأفغانستان الذين عانوا من الصدمة النفسية أن برنامج "سكاي" للتنفس والتأمل أعاد مستويات القلق لديهم إلى طبيعتها بعد أسبوع واحد فقط، وشهدوا أيضاً فوائد في صحتهم العقلية بعد عام كامل.

ما الذي يجعل التنفس فاعلاً للغاية؟

ما الذي يجعل التنفس فاعلاً للغاية، إذاً؟ قد يكون من الصعب عليك تجاوز المشاعر القوية مثل التوتر أو القلق أو الغضب. فكر فقط في مدى عدم فاعلية "التزام الهدوء" الذي يوصيك به أحد زملائك في لحظة التوتر الشديد. في الواقع، يُصيب قشرة الجبهة الأمامية في دماغنا المسؤولة عن التفكير العقلاني حالة من الخلل الوظيفي عندما نكون في حالة توتر شديد، ولذلك نادراً ما يكون التفكير المنطقي مفيداً في ضبط الأعصاب. وهو ما قد يجعل من الصعب عليك التفكير بشكل صحيح أو أن تُبدي مهارات الذكاء العاطفي أمام فريقك. إلا أن ممارسة تقنيات التنفس قد تكسبك بعض السيطرة على عقلك.

وتُظهر البحوث أن أنماط التنفس لدينا تتأثر بمشاعرنا المختلفة. وبالتالي، يمكنك تغيير ما تشعر به من خلال تغيير طريقة تنفسك. على سبيل المثال، عندما تشعر بالبهجة يكون تنفسك منتظماً وعميقاً وبطيئاً. لكن عندما تشعر بالقلق أو الغضب، سيكون تنفسك غير منتظم وسيكون قصيراً وسريعاً وسطحياً. ويمكنك حتى إدراك ماهية المشاعر التي تشعر بها عند تتبع نمط التنفس الذي تمارسه.

ما هي آلية عمل هذه الممارسة؟ يُشير تغيير إيقاع التنفس إلى الاسترخاء، وهو ما يؤدي إلى إبطاء معدل ضربات القلب وتحفيز العصب المبهم (الحائر)، ويمتد من جذع الدماغ إلى البطن، وهو جزء من الجهاز العصبي اللاودي (السمبتاوي) المسؤول عن أنشطة "الراحة والهضم" في الجسم (على عكس الجهاز العصبي الودي، الذي ينظّم العديد من استجاباتنا "للتصدي أو الانسحاب"). ويساعدك تحفيز الجهاز العصبي اللاودي على التزام الهدوء، فتشعر بتحسن، وتستعيد قدرتك على التفكير بعقلانية.

ولتفهم مدى فاعلية التنفس في تهدئتك بشكل أفضل، حاول تغيير نسبة الشهيق مقارنة بالزفير. ويُعتبر هذا النهج إحدى الممارسات الشائعة التي تستخدم التنفس لتقليل التوتر. فعندما تستنشق الهواء، تتسارع ضربات قلبك. لكنها تتباطأ عند إطلاق الزفير. خذ نفساً عميقاً مع العد حتى الرقم 4 وأطلق الزفير مع العد حتى الرقم 8 لبضع دقائق فقط، وتكون بذلك قد ساهمت في تهدئة نظامك العصبي. وتذكر أنه عندما تشعر بالضيق، حاول أن تطيل فترة الزفير.

وعلى الرغم من أن تمرين التنفس القصير مثل هذا قد يكون فاعلاً في الوقت الحالي، ستجد أن تطبيق برنامج التنفس اليومي الشامل مثل تقنية برنامج "سكاي" للتنفس والتأمل سيدرب جهازك العصبي على القدرة على التحمل طويلاً. وقد تساعدك هذه الأساليب البسيطة في الحفاظ على رفاهك وخفض مستويات التوتر لديك في العمل وفي أي مكان.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي