مع تزايد الطلب على المهارات الجديدة والناشئة، بما في ذلك مصممي خبرة المستخدم، والمتخصصين في الأمن السيبراني وعلوم البيانات، يواجه العمال في أنحاء العالم وأسواق العمل مشكلة في مواكبة هذا الطلب المتزايد على المواهب. ووفقاً لاستطلاع حديث، أجراه المنتدى الاقتصادي العالمي، أعرب ما يقرب من 8 بين كل 10 رؤساء تنفيذيين عالميين عن قلقهم إزاء صعوبة العثور على الأشخاص أصحاب المهارات المناسبة.
وتمثّلتْ استجابة هذه المؤسسات في الدخول إلى حرب انطوى هدفها على شراء هذه المواهب أو سرقتها، بدلاً من تنميتها من الداخل. ونظراً إلى تنافس هذه المؤسسات على ملء مناصبها الشاغرة، كان العديد منها على استعداد لإنفاق مليارات من الدولارات على التوظيف أو تصيّد المواهب، في حين تردد معظمها في تدريب العمال الحاليين أو غير المهرة، خوفاً من أن يتصّيد منافسوها هؤلاء الموظفين الجذابين. ولا يزال الإنفاق على كل موظف، الذي يبلغ حوالي 1,000 دولار سنوياً في المتوسط، يمثّل جزءاً ضئيلاً من تكلفة التوظيف التي تفيد معظم التقديرات أنها تبلغ حوالي 4,000 دولار. ورغم ازدياد إجمالي الإنفاق على التدريب من قِبل أصحاب العمل على مدى السنوات الخمس الماضية، أنفقت الشركات الكبيرة مبالغ أقل على تدريب الموظفين عام 2019، مقارنة بعام 2018. ووفقاً لمسح حديث أجريناه، سرّح 70% من أرباب العمل عمالهم نتيجة تطبيق التقنيات الجديدة، في حين يعتزم آخرون منهم اتباع النهج ذاته. وقد عرضت شركات مثل "نتفليكس" (Netflix) على الموظفين الجدد أجوراً بلغت ضعف أجورهم السابقة، لحثهم على ترك العمل لدى أصحاب عملهم الحاليين.
وتعكس هذه الأرقام مأساة الموارد العامة التي يُغذيها أصحاب العمل الهائمين على وجوههم بحثاً عن عمال جاهزين للعمل بدلاً من مساعدة شاغلي الوظائف الحاليين أو الفئات الأصغر سناً التي تُعاني من نقص في الخدمات، وغير الممثلة بالقدر الكافي، في تطوير المهارات التي يحتاجون إليها لشغل المناصب المستقبلية.
ولا شكّ في أن مخاوف بعض الشركات المتمثّلة في الاستثمار في المواهب وخسارتها أمام منافسيها قد تتحقق في بعض الأحيان. إلا أن تغيير قادة الشركات من نهجهم قد يُسفر عن خلق دورة محمودة، فنشر ثقافة التبرع بالمواهب اليوم تجعل هؤلاء المتبرعين المستفيدين الرئيسين من التدريب الذي تقدمه الشركات المتنافسة. كما تُبيّن البحوث أن الموظفين أنفسهم مستعدون وقادرون على التعلم أينما وجدوا.
ونلاحظ حدوث هذا التحول بالفعل في مدينة سنغافورة، حيث تقدّم الحكومة منحاً تغطي بعض تكاليف التدريب في مؤسسات مؤهلة. وبدأت الشركات التفكير بشكل مختلف نتيجة هذه المبادرة التي طُرحت عام 2015. وكما قال أحد أصحاب الأعمال في سنغافورة لشبكة "بلومبيرغ" Bloomberg "يتعلق الأمر في النهاية برفع مستوى المهارات في القطاع بأكمله، لذا، يجب علينا أن نتمتّع برجاحة العقل".
وتتجه الشركات في الولايات المتحدة أيضاً إلى اتباع طريقة التفكير ذاتها مع اقتراب الاقتصاد من مستوى العمالة الكاملة، اليوم، تُعيد شركة "ليبرتي ميوتشوال" (Liberty Mutual)، تدريب مشغلي أجهزة الكمبيوتر المركزية في سبيل أن يصبحوا مطوري برمجيات الجافا سكريبت. كما تتبع شركة "أدوبي" (Adobe) نهج "التنمية" مقابل "التوظيف" عن طريق تعيين مواهب من المجتمعات المهملة في مناصب تطوير شبكات الويب وتصميمها، وتوفير برامج التأهيل والتدريب المهني لإعدادهم لشغل وظائف بدوام كامل.
وقد تصبح الشركات التي تستثمر في موظفيها شركات جاذبة للمواهب. وتشير البحوث إلى أنّ التعليم يأتي بين أكثر الفوائد قيمة بالنسبة إلى موظفي اليوم. ورغم أن الوفاء للشركات بلغ أدنى مستوياته، وأنّ معدلات التنقل إلى وظائف جديدة بلغت أعلى مستوياتها على الإطلاق، تُشير البيانات إلى أن برامج التطوير تزيد من استبقاء الموظفين. على سبيل المثال، تُشير تقارير "ديسكوفر فايننشال" (Discover Financial)، إلى تحقيق الشركات حوالي 1.44 دولاراً من المدخرات مقابل كل دولار تنفقه على سداد تكاليف التعليم، وهو معدل تضاعف تقريباً لموظفي مركز الاتصال الذين يصعب استبقاؤهم. ووجد تحليل أجرته شركة "سيغنا" (Cigna)، عوائد مماثلة ضمن قاعدة موظفيها.
والأهم من ذلك، يوفر الاستثمار في المهارات فرصة للتقليل من فجوة المساواة الأزلية. ويمكن للشركات التي تبحث عن العمال أصحاب المهارات العالية أن تؤدي دوراً هاماً في جعل قوة العمل أكثر تنوعاً.
ومع تطور سوق العمل، يجب أن تتطور توقعات أصحاب العمل أيضاً، إذ لم يعد تصيّد المواهب نموذجاً مستداماً للاستحواذ عليها. ويمكن أن تُساعد الاستثمارات في المواهب التي تتجاوز اهتماماتنا الفردية في بناء نظام إيكولوجي اقتصادي أكثر استدامة وإنتاجية.