يُعكّر الذكاء الاصطناعي صفو القوة العاملة، وسيواصل القيام بذلك مع ازدياد قدراته. ولا شك أن "الذكاء الاصطناعي" سيتمكن قريباً من أداء المهام الإدارية التي تستهلك معظم وقت المدراء بسرعة وبشكل أفضل وبتكلفة أقل". ولكن عندما يتعلق الأمر بالمهام الأكثر تعقيداً وإبداعاً مثل الابتكار، يبقى السؤال المطروح هو ما إذا كان بإمكان الذكاء الاصطناعي أداء المهام أفضل من البشر.
لا شك أن الإنجازات التي حدثت مؤخراً في مجال الذكاء الاصطناعي كانت استثنائية، إذ أصبح كمبيوتر واتسون (Watson) مثلاً يساعد في البحوث حول مرض السرطان والإقرارات الضريبية من بين أشياء أخرى. وهزم ألفا غو (AlphaGo)، برنامج الكمبيوتر المصمم للعب لعبة الطاولة القديمة غو (Go)، لي سيدول، وهو أحد أفضل اللاعبين في العالم هزيمة ساحقة بنتيجة 4-1. وبما أن لعبة "غو" أكثر تعقيداً بكثير من الشطرنج، مثّل انتصار ألفا غو إنجازاً رئيساً. ولكن لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فبعد انتصاره في مارس/آذار من العام 2016، حقق البرنامج المملوك من قبل شركة جوجل أكثر من 60 فوزاً على خصوم على الإنترنت، وهي سلسلة انتصارات أدت إلى انهيار أفضل اللاعبين في العالم. وقال تشين يايي، الخبير الصيني في لعبة "غو": "تطوّر البشر في الألعاب منذ آلاف السنين، إلا أنّ الكمبيوترات تخبرنا الآن أن البشر أساؤوا الفهم بالكامل". وأضاف: "أعتقد أنه لم يُوشك أحد على الإلمام بأساسيات لعبة غو".
على الرغم من هذه الإنجازات، لا تزال الكمبيوترات تعاني من بعض أوجه القصور. على سبيل المثال، على الرغم من اعتماد ألفا غو على التعلم العميق للقيام بالخطوات التي زادت فرص فوزه، لم يعرف مبرمجوه سبب قيام النظام بخطوات معينة. يمكنهم أن يبحثوا بشكل متعمّق لمعرفة أشياء من قبيل القيم في "العصبونات" الرقمية الكثيرة لإحدى الشبكات متعددة المستويات، ولكن كانت معظم المعلومات موزعة عبر رقع واسعة من الشبكة العصبية ولم تكن متاحة بحيث يمكن إيجازها في حجة منطقية فيما يتعلق بسبب اختيار نقلة معينة.
وريثما يصبح الإيجاز ممكناً، لن يثق المدراء والرؤساء التنفيذيون الخبراء في مختلف مجالاتهم بكمبيوتر أو إنسان آخر لا يمكنه تقديم سبب وراء اعتبار نقلة خلّاقة وخطرة في الوقت ذاته كأفضل النقلات التي يتعين القيام بها. يبحث فويل نايت شتى أوجه هذه القيود الحالية في مقالته الاستفزازية "السر المظلم الكامن في جوهر الذكاء الاصطناعي" (The Dark Secret at the Heart of AI).
وبالإضافة إلى ذلك، طوّرت وزميلي لي سبيكتور برهاناً رياضياً يُوضح حدود مدى الابتكار الذي قد يصل إليه الكمبيوتر. ووجدنا في هذا البرهان الذي نُشر في جريدة "الذكاء الاصطناعي للتصميم والتحليل والتصنيع الهندسي" (AIEDAM) أنّ أسرع كمبيوتر فائق حديث لم يستطع تعداد أو استكشاف جميع خصائص مسألة معينة حتى وإن كان قد بدأ العمل على حل المشكلة بالعودة إلى الخمسينيات. وعند النظر في الخصائص الغامضة لفرضية الابتكار، التي تنص على أن كل حل مبتكر قائم على خاصية جديدة واحدة على الأقل أو خاصية مغفَلة في الغالب للمشكلة، يمكنك رؤية كيف قد يتعذّر على الذكاء الاصطناعي أن يتطور بشكل كاف ليتولى وظائف مدراء الابتكار.
علاوة على ذلك، لا تستطيع الكمبيوترات دائماً أن تسدّ الثغرات في سوء فهمنا لطريقة سير الأمور. إذ رمى مصنّعو أغلفة الهواتف العديد من الهواتف الذكية المحاطة بغلاف على أسطح صلبة قبل بيع منتجاتهم، ولم يعتمدوا فقط على تجارب محاكاة الكمبيوتر للهواتف المرمية المغلفة. ستحتاج نظرياتنا دائماً إلى مقاييس تجريبية فعلية لسد الثغرات في إدراكنا.
بالنظر إلى هذه القيود، اقترحت وشريكي في التأليف حلاً يتمثّل في واجهة بشرية حاسوبية (HCI) جديدة تتيح للبشر والكمبيوترات العمل سوياً لمواجهة نقاط ضعف كل منهما. مثلاً، يمكن أن تمنع الكمبيوترات البشر من الوقوع ضحية الانحيازات المعرفية مثل الثبات الوظيفي والتعلّق بالتصميم وثبات الهدف والتعامي عن المسلمات والتعامي عن المقارنة. ويمكن أن يُعوض البشر أوجه القصور الابتكارية التي تعاني منها الكمبيوترات. لكي ينجح هذا الأمر، يجب أن تكون الواجهة سهلة الاستخدام لكل من البشر والكمبيوترات على حد سواء.
وبناء على ذلك، يجب ألا نشغل أنفسنا بشأن ما إذا كانت الكمبيوترات ستتفوق على البشر؛ وفي المقابل، يجب أن نُركز على تصميم نظام يتيح للبشر والكمبيوترات التعاون سوياً وبسهولة، بحيث يستطيع كل شريك أن يستفيد من نقاط قوة الآخر ويُغطي نقاط ضعفه. خلال هذه المسيرة، سيرتقي البشر إلى مستوى التحدي المتمثل في العمل مع شريك آلي قوي، إذ يحدث هذا بالفعل في بعض الأحيان. وبعد خسارة أول ثلاثة مباريات أمام ألفا غو، ومشاهدة نظام الكمبيوتر يقوم بنقلات جديدة لم يرها اللاعبون من قبل، قام لي سيدول بنقلة خلّاقة للغاية من جانبه وانتهى به الأمر بالفوز في المباراة.
يمكن للمرء أن يرى المزيد من ذلك في المستقبل، إذ سيواصل البشر والكمبيوترات تحدي بعضهم البعض بينما نُطوّر النظم وتستمر في تقدمها. وكنتيجة لذلك، سيصبح كلاهما أكثر قدرة على الابتكار في تلك الأثناء. كما سيساهم تصميم الواجهة المناسبة للبشر والكمبيوترات ليتعاونا على حل المشكلة نفسها، في إطلاق العنان لمستوى من القدرة الابتكارية لا يمكن لأحد الشريكين تحقيقها وحده.