ورغم أن المنافسة قد تكون أمراً جيداً ومفيداً، لكنها قد تذهب، في بعض الأحيان، إلى أبعد من ذلك. فمن المفارقات أنه يمكنها أيضاً أن تؤثر سلباً في أداء العمل. إذ أكدت أبحاث، جرت في السنوات الأخيرة، أن أعضاء فريق المبيعات يبلون بلاءً حسناً عندما تسود حالة من التعاون بينهم. ولكن بعض أعضاء فريق المبيعات يجعلون هذا الهدف مستحيلاً. وكشخص أمضى 25 عاماً في هذا المجال، فقد التقيت بعض الأشخاص المفرطين في التنافسية، إذ لن يتحركوا خطوةً واحدة نحو مساعدة زميل لهم. والتقيت آخرين ممن يصطدمون دائماً مع زملائهم، وينخرطون في جدالات تستنزف الوقت والطاقة.
وعندما وجدت نفسي أعاني من هذا الأمر، استعنت بمدرب أعمال لمساعدتي، وبذلت جهداً كبيراً لأتعلم كيف أتدبر مثل هذه النزاعات في العمل. وأثناء خوض تلك العملية، أدركت أمراً آخر صدمني: إذ يرى بعض زملائي في قسم المبيعات أنني الشخص الأصعب.
وإليكم الخطوات التي اتخذتها في هذا الشأن، وقد شكلت فارقاً كبيراً بالنسبة لي، لذلك أود مشاركتهم إياها هنا.
إجراء تقييم (360 درجة): كنت أظن نفسي متعاوناً مع فريق العمل، وقادراً على وضع أهداف فريق العمل على قدم المساواة مع أهدافي. ولكن، فوجئت بإجابات زملائي، حينما أجريت التقييم (360)، لأعرف كيف يراني الآخرون. إذ أجاب الزملاء عن أسئلة مثل إن كنت أظهر الاحترام لكل فريق العمل، وأسعى للتلقي منهم، وأساعد الآخرين عند الحاجة، وأدعم الفريق بقدر جيد من المشاركة والتعاون، وأساهم في نجاح الآخرين. فجاءت إجابتان بأنني "نادراً" ما أفعل تلك الأمور، بينما انقسمت الإجابتان الأخيرتان بين "في كثير من الأحيان" و"دائماً".
وكان عليّ، حينها، مواجهة الحقيقة، وهي أن بعض الزملاء يرونني منافساً لهم بشكل مفرط. لم أعد ألوم "الأشخاص ذوي الطباع الصعبة"، إذ أدركت أنني كنت واحداً منهم. بل وجعلني ذلك أدرك سلوكيات أحد زملائي الذي كنت أراه مفرطاً في التنافسية معي بشكل خاص. فكان حديثه معي مقتضباً وأسلوبه دفاعياً. لقد كان على الأرجح يعاملني بالمثل، أو ببساطة ما كان سلوكه إلا رد فعل لسلوكي.
ورغم أن هذا التقييم كان مخزياً ومتواضعاً، إلا أنه دفعني للتطوير، وقادني إلى التركيز على الطرف الوحيد من المعادلة الذي يمكنني التحكم به وهو: أنا.
التطلع إلى ثلاث نتائج: حينما وضعت ذلك في اعتباري، بدأت التنقيب عن أخطائي. ووجدت أنني كنت أركز بشكل كبير على الوصول إلى الأرقام المطلوبة من المبيعات والحفاظ على وظيفتي. وهذا ما كان يقود جميع التعاملات بيني والجميع. وربما يبدو هذا عقلانياً، إلا أنه كان في الوقت ذاته أنانياً ودفاعياً. وبالتأكيد كان زملائي المفرطون في هذا التنافس يمارسون أسلوبي ذاته.
أما الآن، فحينما أتعامل مع زملائي، أسعى للحصول على ثلاث نتائج وهي: ما أريده منهم، وما يريدونه مني، والطرق لتحقيق الأمرين من أجل مصلحة الشركة. كما أتعمد منحهم الأهمية بالقدر ذاته. فعلى سبيل المثال، إن كنت أبحث عن رؤية ثاقبة في أمر ما عن عميل، وكان زميل لي يعرفه، فإنني أطلب من هذا الزميل أن نعقد اجتماعاً، ولكنني أبحث أيضاً عن طريقة أخرى لرد الجميل له، وبهذا نحقق أهدافنا معاً. وبعد ذلك، أدوّن النتائج بشأن كيف جرت الأمور، وإن كانت العلاقة تحسنت بيننا.
وباتباع هذا النهج، أتممت الصفقات والاتفاقات أكثر مما كان الأمر عليه عندما كنت أركز غالباً على أهدافي الخاصة.
مواجهة المشكلات بشكل مباشر وبلباقة: في بعض الأوقات، كان بعض زملائي يحققون نجاحات باهرة، ويتممون صفقات ضخمة مع عملاء يصعب الفوز بصفقات معهم. ولقد أردت التعلم منهم، لذلك كنت أطلب منهم بعض الأفكار والنصائح، ولكنهم كانوا يطلبون مني التنحي جانباً (وربما يستخدمون أحيانا عبارات قاسية). وبالطبع، أعرف السبب. فلقد أرادوا أن يكونوا أصحاب أفضل أداء في الفريق، لذلك كانوا قلقين من أن تكون مشاركة غيرهم تفاصيل نجاحهم بمثابة تنازل عن القمة.
لذلك، تعلمت كيف أواجه هذه المشكلات بشكل صريح، وبطريقة لبقة جداً، وذلك بإلقاء اللوم على نفسي أولاً. فكنت أقول: "انظر، أشعر أنني أجد صعوبة حينما نتواصل سوياً، فما الذي يمكنني فعله لنصبح أفضل؟". وأحياناً أشرح لهم أنني أتعامل مع مدرب لأكون قادراً على بناء علاقات أفضل مع زملائي في العمل.
وتنقسم ردود الأفعال بشكل عام إلى ثلاث فئات. فبعض الزملاء يعيدون النظر في طريقة تعاملهم، ويصبحون أكثر استعداداً للتعاون مع بقية فريق المبيعات. ويبدي آخرون سعادتهم لأنني أثرت هذا الموضوع معهم، إذ كنت أنا المشكلة في نظرهم. ومع الوقت، تتغير طريقتهم معي ملقين بالتحفظ جانباً. أما الفئة الثالثة، فهم الأشخاص الذين كانوا يصرون - على ما يبدو لي - على البقاء في حالة نزاع معي. لذلك، كنت استخدم معهم الاستراتيجية التالية.
اجعلهم يشعرون أنهم هم المشرفون عليك: قد يبدو ذلك أمراً غير بديهي للوهلة الأولى، لكنه يجدي نفعاً. فإذا كان لديك زملاء مفرطون في التنافسية، حوّلهم إلى مستشارين وناصحين لك. وبدلاً من سؤالهم كيف يعملون (وهذا ما يبدو بالنسبة لهم سر النجاح)، اطلب آراءهم فيما تريد فعله. فقد تقول: "لدي عدة أفكار بشأن كيفية توسيع عمل ما، لأنني أريد المضي قدماً للأمام في هذا العمل، وأعتقد أنني أعرف أي الأفكار هي الأفضل. فهل هذا ما عليّ فعله حقاً؟ وهل ترشدني إلى أشياء غابت عن خاطري؟".
وغالباً ما يشعر الناس بالتقدير حينما يُطلب منهم المساعدة، إذ إنها إشارة إلى إنهم مصدر للإعجاب. وهذا يساعد في إزاحة الفاعلية التنافسية جانباً، ويجعل من الشخص الآخر متعاوناً وداعماً أكثر.
كما أنه توجد حقيقة وراء ذلك في علم الأعصاب. إذ وجدتْ دراسةٌ من جامعتي كارنيغي ميلون (Carnegie Mellon) ونيويورك (إن واي يو) (NYU) أن بعض الأشخاص "يشعرون بالسعادة" عندما "يقسون" على منافس ما لهم. ويشعرون بهذه السعادة أيضاً "كاستجابة" في القشرة الأمامية المدارية للدماغ، فيما يشعرون بها بقدر أكبر عندما يتعاونون مع شخص لا يعتبرونه منافساً لهم.
التعلم من حياتنا الشخصية: عندما كنا صغاراً، واجه معظمنا التنافسية المفرطة بشكل عملي، سواء مع الطفل الذي لا يقبل الخسارة ولا الخروج من اللعبة، أو مع المراهق الذي كان عليه أن يبدو معتداً بنفسه أكثر من غيره، أو مع ذلك الشاب الذي كان عليه عيش الحياة الناجحة والمثلى أثناء لقاء الأصدقاء في لمّ الشمل بعد المدرسة الثانوية أو الجامعة. نحن نعرف بشكل عام كيفية التعامل مع هؤلاء الأشخاص، بأن ندرك أنهم يشعرون بنقص ما في داخلهم، ولا نترك فرصة لهم لمضايقتنا.
لقد وجدت في استرجاع هذه الأمثلة في الذاكرة من حياتي الخاصة عوناً لي في مجال العمل. وإن لم تنجح أي من تلك الخطوات التي ذكرت، أعلم أنني، على الأقل، عملت ما بوسعي، لذلك أمضي قدماً. وهذا كل ما يمكن فعله في بعض الأحيان.