تمهل، واكتب رسائل إلكترونية أفضل

6 دقائق
التمهل في كتابة الرسائل الإلكترونية
shutterstock.com/Andrii Yalanskyi

ملخص: كثيراً ما نستخدم في تواصلنا مع الآخرين اليوم المراسلات المكتوبة، من رسائل إلكترونية ورسائل نصية وفورية، أي أننا استبدلنا المعنى التقليدي للاستماع إلى ما يقوله الآخرون بقراءة نصوص مكتوبة على شاشات أجهزتنا. لكن، تزداد صعوبة التواصل الرقمي بسبب افتقاره إلى الإشارات التي توضح ما يعنيه الشخص الآخر، مثل التواصل البصري أو نبرة الصوت أو لغة الجسد. وبدلاً من لغة الجسد التقليدية، فإن التمهل في كتابة الرسائل الإلكترونية وامتلاك مهارات تساعد على قراءة الرسائل وكتابتها بعناية بات أمراً ضرورياً في المؤسسات التي ترغب في ضمان تفاهم أفراد فرقها واتفاقهم وتفوقهم في العالم الافتراضي الذي نعيش فيه.

 

نعاني كثيراً من مشكلة سوء الفهم المنتشرة في أماكن العمل اليوم. وفي حين تبدو عادات التواصل الرديئة مع الزملاء حتمية، ينبغي لنا السعي باستمرار للتعامل مع الآخرين بأسلوب واضح ومتعاطف، خصوصاً مع ازدياد اعتمادنا على العمل عن بعد ووسائل التواصل الرقمية. ما هي الخطوة الأولى الجيدة التي يمكننا اتباعها لتحسين عاداتنا؟ هي إعادة تعلم ما تعنيه القراءة بتمعن والكتابة بوضوح.

منذ وقت ليس ببعيد، كنا نجلس مع زملائنا حول طاولة واحدة نتبادل المعلومات ونتبادل الأفكار والآراء. أما اليوم، أصبحنا نقوم بهذه الأمور عبر المراسلات المكتوبة، من رسائل إلكترونية ورسائل نصية وفورية، أي أننا استبدلنا المعنى التقليدي للاستماع إلى ما يقوله الآخرون بقراءة نصوص مكتوبة على شاشات أجهزتنا. تقول أخصائية اللغويات نايومي بارون إن المشكلة في التواصل بواسطة المراسلات المكتوبة تتمثل في أن ما نفهمه من قراءة النص على الشاشة هو أقل مما نفهمه من قراءة نص مطبوع على الورق، إذ إننا نخصص وقتاً أقل لقراءة النص كاملاً، ونميل لاتباع أساليب القراءة السريعة والبحث عن النقاط المهمة الأساسية من النص. وعند الحاجة إلى الرد على رسالة ما، نجد عدداً هائلاً من الرسائل الإلكترونية الأخرى التي تنتظر منا كتابة ردود عليها، فتثقل المهمة كاهلنا ويفضي بنا الأمر إلى إرسال ردود سيئة ومختصرة ومربكة.

اطرح على نفسك الأسئلة التالية قبل إرسال الرسائل الإلكترونية

بالنظر إلى مدى أهمية فهم ما نقرأه ونكتبه في حياتنا الافتراضية، بات من الضروري أن نتذكر كيف يكون التواصل الجيد مع الآخرين. طبقاً لما أصفه في كتابي الذي يحمل عنوان "لغة الجسد الرقمية" (Digital Body Language)، فإن القراءة بتمعن هي الشكل الجديد للاستماع إلى الآخرين، والكتابة بوضوح هي الشكل الجديد للتعاطف. لذا، قبل أن ترسل رسالتك الإلكترونية التالية، توقف واطرح على نفسك الأسئلة الثلاثة التالية:

1. هل رسالتي الإلكترونية موجزة أكثر مما ينبغي؟

أحد أوضح أسباب تراجع مهارات القراءة لدينا في العمل هو أننا نتحرك بسرعة كبيرة غالباً، ما يزيد سهولة إغفال التفاصيل. المشكلة هي أن معظمنا ليس مشغولاً حقاً بالقدر الذي يظنه، وذلك يحملنا تكاليف باهظة. فنحن نعمل بسرعة كبيرة تسبب لنا التوتر والقلق، وتؤدي إلى تقويض التزامنا بالدقة والوضوح والاحترام في تواصلنا مع الآخرين.

لذا، تمهل، واحرص دوماً على ذكر التفاصيل فيما تقوله للآخرين. إذا أرسل إليك شخص ما رسالة إلكترونية مطولة لإعلامك بمجريات اجتماع افتراضي، فاكتب ردوداً على بنود معينة من الرسالة بدلاً من كتابة رد شامل. سيوضح ذلك أنك أخذت الوقت الكافي لقراءة ما بذله المرسل من وقت وأفكار في رسالته.

ليس من المستغرب أن يختزل القادة في المراتب العليا مراسلاتهم، لكن الرسائل النصية الرديئة والرسائل الإلكترونية الأكثر رداءة، بجملها الركيكة وأخطائها اللغوية والإملائية الفادحة، ستجعل المتلقي يشعر وكأنك تقول له: "لا أملك الوقت الكافي للاهتمام بما أرسلته!" في أحد المصارف الاستثمارية، انتشرت دعابة تقول إنه كلما كبرتْ سنك قلّ عدد الأحرف التي تحتاج إليها للتعبير عن امتنانك في رسالة نصية أو بريد إلكتروني. فقد بدأت حياتك المهنية بعبارة "شكراً جزيلاً لك"، وبعد حصولك على ترقية أو اثنتين اختصرتها لتصبح "شكراً" فحسب.

قد يجعلك الإيجاز تبدو مهماً، لكنه يضر بفريقك وشركتك. فإرسال رسالة إلكترونية متسرعة ومكتوبة بدون عناية يعني أن يقضي من يتلقاها وقتاً في محاولة فهم المقصود منها، ما يسبب التأخير وربما يؤدي إلى ارتكاب أخطاء مكلفة. تقول دانييل غونراج، أستاذة علم النفس في "جامعة بينغامتون"، إننا نبدو غير صادقين عندما نستخدم علامة الترقيم الأكثر ارتباطاً بالإيجاز، وهي النقطة في نهاية الجملة التقريرية المروعة.

خذ مثلاً رئيساً تنفيذياً، ولنسمه تامر، كان معروفاً في مكتبنا بإهماله وإيجازه الدائمين في رسائله الإلكترونية. وذات مرة، أرسل إليه أحد مرؤوسيه المباشرين رسالة إلكترونية يطرح فيها السؤال التالي: "تامر، هل تريد منا متابعة العمل وفق هذه الخطة، أم أن نجمع مزيداً من المعلومات؟" فأجاب تامر: "نعم". شكراً لك يا تامر، سنتابع العمل وفق الخطة، أو سنجمع مزيداً من المعلومات، أو سنقوم بالأمرين معاً، أو لن نقوم بأي منهما. تخيل كمية الوقت الذي أضاعه أفراد الفريق في مناقشة معنى هذا الرد وانتظار توضيحه قبل أن يخبر أحدهم تامراً بأنه لم يجب عن السؤال أساساً!

تخاطب الخبيرة في مجال القيادة الدكتورة جاكلين كوستنر المسؤولين التنفيذيين فيما قالته عن رداءة الرسائل الإلكترونية: "يجب عليك إيجاد الوقت، وإلا فلن تكون ملائماً لهذا الدور ويجب أن يقوم به شخص آخر. أو ربما كان عليك تسليم بعض مسؤولياتك لغيرك، لأنه لا عذر لك في إرسال رسائل إلكترونية غامضة للموظفين". ليس من واجب القادة الرد على جميع الرسائل، لكن عند الحاجة إلى توجيهاتهم في العمل، يجب أن تكون رسائلهم واضحة على الأقل.

ضع في اعتبارك أيضاً ضرورة مراجعة الرسالة الإلكترونية قبل إرسالها. ففي كثير من الأحيان، يرجع سوء تفسير الرسالة إلى نسيان كتابة كلمة ما أو وضع علامة ترقيم مضللة. لذا، استفد من برامج التدقيق الإملائي واللغوي، فالتدقيق اللغوي هو عادة ومهارة في نفس الوقت، والافتخار بإرسال رسالة واضحة خالية من الأخطاء سيساعد الموظفين على أخذ الاعتناء بكتابة الرسائل الإلكترونية على محمل الجد.

2. ما هي نبرة الكلام التي أظهرها في رسالتي؟

نبرة الكلام، أي الموقف أو الطابع العام للرسالة، هي عنصر أساسي آخر في مهارات القراءة والكتابة القوية. وربما كانت أهم وسيلة للتعبير عن التعاطف. لذا اسأل نفسك: من هو متلقي الرسالة؟ من هو جمهورها؟

أتعمد دائماً لفت انتباه عملائي الذين يعانون من مشكلات في التواصل الرقمي إلى أمر واحد، وهو الحرص على التفكير في التأثير البصري لرسالتهم. سأوضح لكم ما أعنيه.

كنت أدرب مديراً شاباً ذات مرة، ولنسمه أيمن، وأخبرني عن مراسلات تمت بينه وبين أحد كبار قادة شركته جعلته يشعر بأن هذا القائد يستخف به ولا يعطيه حقه من التقدير. إذ طلب المدير منه إرسال خطة مفصلة لزيادة الإنتاجية في فريقه، فحدد أيمن في هذه الخطة طريقة عمل مختلفة، وكان واثقاً من أنها ستساعد الفرق في تفادي تكرار جهودهم وتحقيق مستويات جديدة من الشفافية. كان أيمن متحمساً بشأن هذه الخطة، وأدرج في رسالته أسئلة محددة لطرحها في اجتماع الفريق المقبل. كان يتوقع رداً إيجابياً وبعض أسئلة المتابعة، لكن ما جاءه من المسؤول التنفيذي كان كلمة واحدة فقط، وهي "حسنٌ".

شعر أيمن بالارتباك والإهانة. كان التأثير المرئي لكلمة "حسن" هو أن خطة أيمن الواضحة والشاملة لا تستحق رداً على الإطلاق. هل أخذ المسؤول التنفيذي خطة أيمن في حسبانه، أم أنه رفضها تماماً؟ هل تعني كلمة "حسن" أنه يمنحه الإذن للمتابعة؟ أم هي أمر خفي لرمي فكرته الغبية جانباً؟ كان من المستحيل معرفة المقصود منها. وأيضاً، هل يرى القائد أن أيمن أصغر من أن يكلف نفسه عناء كتابة أكثر من كلمة واحدة؟ حتى لو كتب له رداً مبتذلاً، مثل "حسنٌ، سأتواصل معك لاحقاً"، فسيشعر أيمن باحترام واهتمام أكبر من مجرد كلمة "حسن".

قد يؤدي هذا القصور في نبرة الكلام، كالذي أبداه مدير أيمن، إلى الإضرار بالمعنويات وتوليد الارتباك. ومن غير المفاجئ أن يؤدي الرد بكلمة واحدة على الجهد الكبير الذي بذله الموظف إلى شعوره بانعدام التعاطف معه. لا ترد من أجل الرد فقط إذا لم تكن ستقدم شيئاً حقيقياً. وإذا كنت تمر بيوم عصيب ولا يمكنك الاهتمام كما يجب بالرد على الرسالة الإلكترونية، فأرسل رداً سريعاً تؤكد فيه للطرف الآخر أنك استلمت رسالته وسترد عليها مطولاً في أقرب وقت ممكن.

3. هل من المفيد التحدث بدلاً من إرسال رسالة؟

مع توفر العديد من منصات المراسلة المكتوبة، من الممكن أيضاً أن يفضي بنا الأمر إلى طرح عدد كبير من الأسئلة الصغيرة في الرسائل الإلكترونية أو غرف المحادثة الجماعية. أما المكالمات الهاتفية أو الاتصالات والاجتماعات عبر اتصال الفيديو، فهي ترغمنا على طرح الأسئلة المناسبة فقط بدلاً من طرح سؤال صغير تلو الآخر، كما يمكنها توفير كثير من الوقت مع توليد الألفة في نفس الوقت.

قال لي عميل ألماني ذات مرة: "كنت أتبادل سلسلة رسائل إلكترونية لا منتهية مع زميلين، أحدهما فرنسي والآخر هندي، وكانا يجريان فيها حواراً مكتوباً يدور في حلقة مفرغة حول الأمر نفسه مرة بعد مرة من دون أن يتمكن أي منهما من فهم الآخر. فدعوتهما للمشاركة في اتصال هاتفي يجمعنا ثلاثتنا، وطرحت بعض الأسئلة عليهما بطرق مختلفة، فتمكنا من التوصل إلى جوهر المشكلة".

ما أن تتلقى رسالة إلكترونية غامضة أو محيرة، لا تخف من طلب إجراء محادثة هاتفية أو عقد اجتماع شخصي أو عبر اتصال الفيديو. إذا كان موضوع الحوار حساساً، فطلب إجراء المحادثة سيوضح أنك تولي الأمر الاهتمام اللازم. وتمهلك بضع ثوان قبل الرد على أسئلة الشخص الآخر لن يجعلك تبدو متردداً، بل سيوضح أنك تصغي إليه وتأخذ عملك على محمل الجد.

تزداد صعوبة التواصل الرقمي بسبب افتقاره إلى الإشارات التي توضح ما يعنيه الشخص الآخر، مثل التواصل البصري أو نبرة الصوت أو لغة الجسد. وبدلاً من لغة الجسد التقليدية، فإن امتلاك مهارات تساعد على قراءة الرسائل وكتابتها بعناية، إضافة إلى التمهل في كتابة الرسائل الإلكترونية بات أمراً ضرورياً في المؤسسات التي ترغب في ضمان تفاهم أفراد فرقها واتفاقهم وتفوقهم في العالم الافتراضي الذي نعيش فيه.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي