التلعيب: أداة مبتكرة لجعل العمل أكثر متعة وتعزيز التزام الموظفين

4 دقيقة
التلعيب
ميراج سي/ غيتي إميدجيز

ملخص: تعاني الشركات ضعف مشاركة الموظفين على نحو دائم، وتخفق في محاولات بث الحماسة فيهم في كثير من الأحيان. يستخدم التلعيب عناصر الألعاب لتحفيز الموظفين، ويمتاز بإمكانات كبيرة عند تنفيذه على نحو مدروس. تبحث هذه المقالة في علم النفس الكامن وراء التلعيب والأمثلة الناجحة عليه وسبل الاستفادة من المكافآت الاحتمالية (مثل اليانصيب المرتبط بالأداء) لزيادة تحفيز الموظفين.

تتمثل المسؤولية الأساسية لكل مدير في تحفيز موظفيه وضمان مشاركتهم الفعالة في العمل، ويعود ذلك إلى انخفاض إنتاجية الموظفين غير المتحمسين وارتفاع معدل تغيبهم عن العمل. تشمل الأساليب التقليدية لزيادة مشاركة الموظفين الفعالة منحهم المزيد من الاستقلالية والشعور القوي بالانتماء والهدف وفرص النمو الإضافية. بلغ معدل انخفاض حماسة الموظفين في العمل أعلى مستوى له منذ 9 سنوات في عام 2022 في الولايات المتحدة الأميركية، إذ أفاد ما يقرب من ثلاثة أرباع الموظفين بأنهم غير مرتبطين بأماكن عملهم.

نظراً لصعوبات الحفاظ على مشاركة الموظفين الفعالة، بدأت بعض الشركات استكشاف أساليب بديلة تهدف إلى بث الحماسة فيهم. فمثلاً استبدلت شركة يونايتد إيرلاينز (United Airlines) في عام 2018 ببرنامج يمنح مكافآت ربع سنوية صغيرة للموظفين جميعهم برنامجاً ربع سنوي آخر يُدخل الموظفين الملتزمين بالحضور كافة إلى العمل في يانصيب يقدم جوائز ضخمة، لكن الموظفين احتجوا عليه وأُلغي برنامج اليانصيب بسرعة.

هل كان تطبيق "التلعيب" في شركة يونايتد إيرلاينز فكرة خاطئة بطبيعتها أم أن رد الفعل العنيف كان بسبب سوء التنفيذ؟ نعتقد أن السبب كان سوء التنفيذ.

نهدف في هذه المقالة إلى تسليط الضوء على أحدث أبحاث العلوم السلوكية لمساعدة المدراء على دمج عناصر التلعيب بفعالية في مكان العمل، ونركز على برامج مكافآت الموظفين لأن التعويضات والمزايا هي العامل الأهم لدى الموظفين عند البحث عن وظائف جديدة، ولأننا نعتقد أيضاً أنها وسيلة غير مُستغَلة جيداً لتعزيز مشاركة الموظفين الفعالة.

إطلاق العنان لقدرات التلعيب

يأخذ التلعيب الفكرة الأساسية للألعاب التي تتضمن المتعة واللعب والقواعد والغموض والتحدي ويطبقها على سياقات أخرى. ثمة العديد من آليات التلعيب التي يمكن الاستفادة منها مثل تحقيق أهداف العمل، والنقاط التي تحدد التقدم المحرز، والملاحظات حول تأثير الإجراءات في التقدم، والشارات التي تشير إلى الإنجازات، ولوحات المتصدرين التي تُظهر ترتيب المتنافسين.

يعزز التلعيب المشاركة الفعالة لأن آلياته تعمل على تنشيط 3 عناصر أساسية في نظامنا التحفيزي. أولاً، نحن بحاجة إلى الشعور بالاستقلالية التي تتمثل في الرغبة في توجيه مسار حياتنا، إذ تتيح لنا الألعاب القدرة على اختيار المسار. ثانياً، نحن بحاجة إلى الشعور بالكفاءة الذي يتمثل في الرغبة في أن نُظهر فعاليتنا على نحو ملموس، إذ تتيح لنا الألعاب تجربة التطور نحو الإتقان. ثالثاً، نحن بحاجة إلى الشعور بالترابط الذي يتمثل في الرغبة في إنشاء روابط مع الآخرين، تسمح لنا الألعاب بالعمل مع الآخرين والتنافس معهم وتبنّي منظومة اهتمام مشترك.

بدأ التلعيب يجد طريقه إلى المؤسسات لتحفيز الموظفين، خاصة في سياق التدريب. من المتوقع أن ينمو حجم سوق التلعيب سنوياً بنسبة 27.4% بين عامي 2020 و2025. ثمة بعض الأمثلة الممتازة على التطبيقات الناجحة لبرامج التعويضات القائمة على التلعيب على الرغم من أنها ما تزال غير شائعة نسبياً. في شركة التأمين أنساي آند أسوسيتس (Ansay & Associates)، يحصل أصحاب الأداء المتميز على جائزة خاصة عبر جولة من تدوير "دولاب الحظ". في عام 2019، سمحت شركة أوبر للسائقين الحاصلين على الرتبة البلاتينية أو رتبة أعلى منها بالحصول على بطاقات يانصيب لكل رحلة منجزة على جائزة قدرها 5,000 دولار. ويمكن للموظفين في شركة ساوث ويست إيرلاينز (Southwest Airlines) مكافأة الموظفين الآخرين بنقاط تسمى "كيك تيلز" (Kick Tails)، التي تتحول إلى تذاكر يانصيب شهري.

كما يمكن توظيف التلعيب في التعويضات القائمة على الأداء. عندما يشجع برنامج الحوافز الموظفين على العمل يزداد ارتباطهم به وتقل احتمالية بحثهم عن وظائف جديدة. يعالج التلعيب المشكلتين الرئيسيتين في برامج الحوافز التقليدية في حال تنفيذه على نحوٍ جيد. أولاً، البرامج التقليدية مملة، مثل بيع عدد معين من المنتجات في الشهر للحصول على مكافأة، وهنا يمكن لمعظم الموظفين التنبؤ بالنتيجة. ثانياً، من المستبعد أن تحفز هذه البرامج الموظفين أصحاب الأداء الضعيف، لأنهم لا يتوقعون الحصول على مكافآت كبيرة على أساس الأداء. وفقاً لاستقصاء "التلعيب في العمل" (Gamification at Work) لعام 2019، أفاد ما نسبته 89% من الموظفين أن إنتاجيتهم ستزداد إذا زاد التلعيب في عملهم. قررنا اختبار هذه النتيجة.

المكافآت الاحتمالية تزيد الحافز

أعددنا في دراسة حديثة برنامج مكافآت احتمالية "يانصيب فردي" عبر الجمع بين عناصر التلعيب المتعلقة بالسعي لتحقيق الأهداف وحل الحالات غير المؤكدة، التي كان لكل منها تأثير إيجابي في التحفيز والأداء في أبحاث سابقة، لكن في سياقات مختلفة تماماً. كان أداء الموظف في هذا البرنامج مرتبطاً بتراكم بطاقات اليانصيب في اليانصيب الشخصي الذي كان يمنحه جائزة متوسطة. على سبيل المثال، يمكن للموظف أن يشارك في اليانصيب مع فرصة إضافية بنسبة 20% لربح 100 دولار لكل 10 أدوات ينشئها الموظف. ولكن بدلاً من إنشاء الأدوات، منحنا الموظفين في هذه الدراسة بطاقات لحل مسائل الرياضيات تحت ضغط الوقت. كانت إحدى السمات الرئيسية لهذا البرنامج هي قدرة الموظفين على تجميع بطاقات اليانصيب المتاحة كلها وبالتالي ضمان الفوز بالجائزة الكبرى. وقد استطاع بعض أصحاب الأداء العالي إكمال 24 من أصل 30 مسألة رياضية بنجاح.

عبر مجموعة من 7 دراسات أُجريت على ما مجموعه 455 مشاركاً من طلاب الجامعات في إنجلترا وأستراليا و1,431 عاملاً أميركياً جرى اختيارهم من سوق تعهيد جماعي عبر الإنترنت، قارنا برنامج اليانصيب الفردي هذا ببرامج المكافآت التقليدية وبرامج المكافآت الاحتمالية الأخرى. شملت هذه البرامج الأخرى مبلغاً ثابتاً (على سبيل المثال، الحصول على 500 دولار في حال إنشاء 50 أداة)، ومبلغاً بحسب عدد الأدوات (على سبيل المثال، الحصول على 20 دولاراً إضافياً لكل 10 أدوات)، ويانصيباً متعدداً (على سبيل المثال، المشاركة في يانصيب جديد والحصول على فرصة بنسبة 20% للفوز بـ 100 دولار لكل 10 أدوات). وجدنا أن برنامج اليانصيب الفردي زاد من تحفيز العمال ورفع مستوى أدائهم مقارنة بالبرامج الأخرى، وكان فعالاً على وجه الخصوص للعمال ذوي الأداء المنخفض.

الاستفادة من إمكانات المكافآت الاحتمالية

يجب على المدراء الذين يتطلعون إلى مشاركة الموظفين الفعالة وتحفيز أدائهم أن يفكروا بجدية في دمج المكافآت الاحتمالية ضمن برنامج حوافز الأجور المرتبطة بالأداء. لتجنب الكارثة التي وقعت في شركة يونايتد إيرلاينز وتكرار النجاح الذي حققته شركة ساوث ويست إيرلاينز، يجب تصميم البرامج بعناية عبر وضع توقعات مجدية وتجنب الإضرار بثقة الموظفين. نوصي باتباع الإرشادات الآتية عند تصميم استراتيجية التلعيب وتنفيذها:

أولاً، برنامج المكافآت الاحتمالي الذي لا يستطيع قياس أداء الموظفين بدقة محكوم عليه بالإخفاق. كلما كان إنتاج الموظف مستقلاً ويسهل تقسيمه إلى أهداف فرعية، ويسهل قياسه بموضوعية وبتكلفة منخفضة، كان البرنامج أفضل.

ثانياً، يؤدي برنامج المكافآت الاحتمالية الذي يعتبره الموظفون أنه يسبب لهم الخسارة إلى غضبهم. يجب ألا يحل البرنامج محل برنامج المكافآت القائم، ولا سيما البرنامج الذي يمكن التنبؤ به لدرجة أن الموظفين يتوقعون نتائجه الفعلية، بل يجب أن يكون البرنامج جديداً أو مبنياً على البرنامج القائم.

ثالثاً، يؤدي برنامج المكافآت الاحتمالية الذي يعتبره الموظفون غير عادل إلى نتائج عكسية. يجب أن يقدم البرنامج مكافآت فردية متكررة وبسيطة ويجب أن تكون الإدارة شفافة بحيث تُظهر العلاقة القوية بين الأداء الأفضل وزيادة المكافآت على المدى الطويل.

تؤدي الاستفادة الفعالة من التلعيب في مكان العمل إلى تعزيز مشاركة الموظفين، وذلك عبر دمج برنامج مكافآت احتمالي مصمم بإتقان. يلبي هذا النهج، الذي يوفر الاستقلالية ويساعد على تحقيق الكفاءة في الأداء ويعزز التواصل والتفاعل في منظومة العمل، الحاجة الماسة إلى استراتيجيات تحفيز للعاملين أكثر ديناميكية وشمولية في الإدارة الحديثة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي