كانت النظرة التقليدية لتدريب المدراء التنفيذيين، قبل سنوات خلت، تتمثل في اعتباره "مساعدة إصلاحية للمدراء التنفيذيين الذين يتسم أداؤهم بالضعف". وتحولت هذه النظرة، في الآونة الأخيرة، إلى اعتباره نشاطاً نخبوياً باهظ التكلفة غالباً ما يقتصر على المدراء التنفيذيين الذين يتبوؤن أرفع المناصب. لكن في كلتا الحالتين - سواء كان تدريب المدراء التنفيذيين يتعلق بمساعدة أسوأ المدراء أو أفضلهم - فإنه ظل، في جوهره، ضيق النطاق نظراً لطبيعته المفصلة والفردية، حيث تتبنّى المؤسسات، بصورة متزايدة، فكرة أن يقدم القادة الداخليون المزيد من التدريب لمرؤوسيهم المباشرين.
وفي الوقت الحاضر، تتيح التكنولوجيا لأعداد أكبر بكثير من الموظفين الاستفادة من تدريب المدراء التنفيذيين من خارج المؤسسة على نطاق واسع. وعلى مستوى أساسي، تجعل المنصات من السهل العثور على مدرب وانتقاءه، للقيام بعملية تدريب عن بعد عبر تكنولوجيا التداول بالفيديو - أو يمكن حتى عبر التواصل الافتراضي ثلاثي الأبعاد في المستقبل - وتنظيم الشؤون الإدارية ذات الصلة بعملية التدريب هذه.
وفضلاً عن ذلك، فقد أتاحت بعض "تقنيات التدريب" المناقشات بشأن التدريب دون تدخل بشري وبتكلفة أقل بكثير. وتتيح روبوتات الدردشة، مثل "باكيت كونفيدنت" (Pocket Confidant) و"بيبول سكوايرد" (People Squared) للأشخاص طرح الأسئلة والعمل على محاكاة المشكلات الماثلة والتدرب على المهارات في ألعاب تنافسية. وتسمح التكنولوجيا وتقنية الذكاء الاصطناعي بحدوث هذا الأمر في أي وقت وفي أي مكان. وتشجع بعض الشركات، مثل "أكسا" (Axa) و"آي بي إم"، اعتمادها لتوفير سبل الحصول على التدريب بشكل واسع.
لكن لعل الأثر الأكبر للتكنولوجيا سيكون مصدره الكيفية التي أتاحت بها لمدربي المدراء التنفيذيين، كل على حدة، (أو للقادة الذين يعملون بصفتهم مدربين) تحسين تواصلهم مع عملائهم وتقديم الخدمة لهم. وسيساعد هذا الأمر على استكمال سلطاتهم المخولة بالاستدعاء والملاحظة والتفسير والعرض المرئي والتشجيع. وتوجد أربعة مجالات رئيسة يمكن للتكنولوجيا إحداث تغيير بها على عملية التدريب وعلى أثرها. وفي معظم الحالات، فقد ظهرت الحلول التكنولوجية من التطبيقات في سياقات أخرى مثل التدريب في مجال الرياضة والأبحاث المتعلقة بالزبائن. وتتمثل هذه المجالات في التالي:
- رصد التقدم المحرز صوب تحقيق الأهداف من خلال استخدام خط أساس واضح. يمكن للتكنولوجيا المساعدة في إيجاد نظرة وحيدة لسياق العميل ومقدراته ووعيه بالذات عن طريق تجميع نواتج اختبارات القياس النفسي (مثل السمات الشخصية الخمس الكبرى ومؤشر مايرز بريغز للنوع (MBTI) وأداة التقييم النفسي "فيرو بي" (Firo-B)) والملاحظات. ويمكن لها، بالتالي، المساعدة في رصد التقدم المحرز بشأن تحقيق الأهداف المتفق عليها في بداية البرنامج وتسجيل ملاحظات عن المناقشات. وتقدم منصة "ليدر إي كيو" (LeaderEQ)، التي يعمل دوري كلارك (أحد كتّاب هذا المقال) مستشاراً لها، ومنصة "بتر آب" (BetterUp) هذه الخدمة.
- تكوين صورة أشمل بشأن ما يقوله العميل (وما لا يقوله). من شأن التطبيقات مثل "ويننج مايندس" (Winning Minds) و"جويك سبيتش" (GWEEK speech) تقديم توصيات بشأن ما يمكن للفرد أو للفريق فعله لتحسين مهاراتهم في التواصل. ففي بعض الأحيان، لا يقول المرء ما يفكر فيه أو ما يشعر به، سواء كان قراراً واعياً أو لا. ويمكن أن يوفر تفسير تعبيرات الوجه وحركات العين والتغييرات الفسيولوجية أفكاراً إضافية بشأن اهتمامات العميل وحالته العاطفية أو التزامه تجاه أحد مسارات العمل.
- تحديد خيارات بناءً على السيناريوهات وأساليب المحاكاة والاستقراءات. يمكن أن يساعد الواقع الافتراضي، مع التلعيب والتجسيدات الرقمية والصور المجسمة، الشخص المتلقي للتدريب في تصور سيناريوهات مستقبلية باستخدام برمجيات مثل "برو ريل وورلد" (Pro Real World). ويستخدم هذا النهج بالفعل في مجال الرياضة. إذ يمكن للخوارزميات اقتراح مسارات للاستفسارات بناء على تحليل المناقشات المسجلة سابقاً أو المناقشات مجهولة المصدر، بشكل ملائم، التي أجراها أشخاص آخرون متلقون للتدريب. وقد جرى تبني هذا النهج في جوانب أخرى في الحياة المؤسسية مثل أقسام خدمة الزبائن.
- استخدام "التلميحات" لتشجيع السلوكيات المستهدفة وتعزيزها. توزع منصات مثل "ليدر آمب" (LeaderAmp) و"غرو هابي" (Grohappy) توصيات ذات طابع شخصي بشأن المقالات والمدونات الصوتية ومقاطع الفيديو والفعاليات بهذا الغرض.
وبطبيعة الحال، فثمة مخاطر يجدر تفاديها، حيث إن استخدام قدر كبير من التكنولوجيا يمكن أن يقف عائقاً أمام فعالية التدريب والتجربة المكتسبة منه. إذ يمكن أن يعتمد الأشخاص المتلقون للتدريب اعتماداً مفرطاً على الردود التي يوفرها روبوت الدردشة. ويمكن للمدربين والأشخاص المتلقين للتدريب التراجع وتعديل ما يقولونه تخوفاً من الكيفية التي سيستخدم بها التطبيق معلوماتهم. ويمكن أن يشعر المدرب أن كاهله مثقل بالمعلومات، وهو ما قد يسفر عن حالة جمود أو التباس.
لكن في معظم المواقف (كما هو الأمر في حالة البشر ولعبة الشطرنج)، فقد رأينا أن الجمع بين أفكار الإنسان والآلة يتفوق على استخدام أحدهما منفرداً. بل يمكن أن يصبح التدريب أكثر صعوبة دون استخدام التكنولوجيا في ضوء ازدياد تطبيقاتها، حيث سيتوقع الأشخاص المتلقون للتدريب استخدام التكنولوجيا في التدريب بمرور الوقت، لأسباب ليس أقلها أن الذكاء الاصطناعي والتحليلات المحوسبة يؤديان أدواراً أكثر أهمية في حياتهم، ابتداء من الاقتراحات التي تقدمها شركة "نتفليكس" إلى خدمة الزبائن التي يعززها الذكاء الاصطناعي. وفي واقع الأمر، توجد بعض السيناريوهات التي يفضّل فيها الأشخاص التقديرات التي تخلُص إليها الخوارزميات على التقديرات الصادرة عن البشر، على سبيل المثال، عند إسداء مشورة لهم في معرض الرد على سؤال.
لطالما سعى المدربون إلى مساعدة عملائهم على التحسّن. وبالتطلع إلى المستقبل، فإن تطبيق التكنولوجيا على نحو استراتيجي - إلى جانب تقديرات المدربين وحرارة تفاعلهم ونزاهتهم - سيكون طريقة ذات أهمية متزايدة بالنسبة إليهم للقيام بذلك.