يمكن لنوع جديد من شركات الخدمات إحداث تحول في سلاسل التوريد العالمية: وهي شركات التكنولوجيا المالية التي تعمل بصفتها وسيطاً في تسهيل المعاملات بين الشركة ومورديها. إذ إنها تتيح لكل من المشتري والمورد تحسين رأس المال العامل من خلال تمكين الأول من تمديد فترة المبالغ مستحقة السداد وفي الوقت نفسه تسريع عملية الدفع بالنسبة للأخير. حيث يوفر ذلك مزايا لكلا الطرفين، بما في ذلك زيادة السيولة وتقليل التغيّر في توقيت المدفوعات.
وتستخدم الشركات متعددة الجنسيات، مثل آبل، وكولجيت (Colgate)، وديل (Dell)، وبروكتر آند غامبل، وكيلوغز (Kellogg’s)، وسيمنز، شركات التكنولوجيا المالية هذه للاستفادة من رأس المال غير الممكن الاستفادة منه سابقاً في سلاسل التوريد الخاصة بها للمساعدة في تمويل النمو ضمن الأسواق الجديدة والناشئة وتطوير منتجات جديدة ودعمها وتعزيز المراكز المالية، وزيادة رأس المال اب لمتاح لبيئة العمل المتكاملة للمورّد. (يتيح استخدام شركات التكنولوجيا المالية للموردين الحصول على التمويل من الشركات متعددة الجنسيات بتكلفة أقل على رأس المال).
وشركات التكنولوجيا المالية، هي شركات تعمل عبر الإنترنت، تبسّط النُظم المالية وتعزز كفاءة تمويل سلسلة التوريد. وهي تشمل شركات جديدة، مثل أوربيان (Orbian)، وبرايم ريفينيو (Prime Revenue)، وسي تو إف أو (C2FO)، وتاوليا (Taulia)، وأريبا (Ariba)، بالإضافة إلى عمليات جديدة أطلقتها شركات الخدمات المالية التقليدية، مثل سيتي غروب (Citi Group)، وآتش إس بي سي (HSBC)، وبي إن بي باريباس (BNP Paribas)، ودويتشه بانك (Deutsche Bank).
وتعمل العديد من شركات التكنولوجيا المالية بصفتها نُظم برمجيات قائمة على الحوسبة السحابية ويمكنها تمكين أنظمة "ربط الشراء بالدفع"، التي تتضمن وظائف إدارة المشتريات والحسابات المستحقة الدفع على حد سواء. إذ إنها توفر حلاً متكاملاً يدعم العملية التي تبدأ بطلب شراء وتنتهي بالدفع للموردين. وتمكّن هذه الأنظمة المتكاملة الشركات المشترية من تقليل عبء إدارة هذه الوظائف إلى حد كبير لأنها تسد الفجوة بين المشتريات والحسابات المستحقة الدفع وتوفر هيكلاً يبسط هذه العمليات. بالنسبة للموردين، يمكن أن يكون الانضمام إلى النظام بسيطاً تماماً، مثل إضافة تطبيق إلى الهاتف الذكي.
وما إن ينضم المورّد، توافق الشركة المشترية على الفاتورة، ويتم إجراء سلسلة من العمليات على نظام شركة التكنولوجيا المالية. وتتمثل الميزة للمورد في قدرته على تلقي المدفوعات في الوقت الذي يختاره، وهي فائدة كبيرة في الفترة التي تمدد فيها الشركات المصنّعة الكبرى شروط التسديد. وفي بعض الحالات، يمكن إرسال المبلغ إلى المورّد في وقت مبكر بيومين مقابل 60 يوماً أو 90 يوماً أو حتى 120 يوماً التي غالباً ما تفضلها الشركة المشترية.
ويمنح المورّد الشركة المشترية خصماً على مبلغ الفاتورة بتكلفة أقل على رأس مال المشتري. على سبيل المثال، عندما يختار المورد تسلم مبلغ لفاتورة قيمتها 10 آلاف دولار في 15 يوماً من خلال شركة التكنولوجيا المالية، ويرسل المشتري الدفعة إلى شركة التكنولوجيا المالية بعد 90 يوماً من موافقته على فاتورة المورد، وتبلغ تكلفة رأس مال المشتري 2%، يكون الخصم الذي يعطيه المورّد لشركة التكنولوجيا المالية هو 41 دولاراً فقط (أي إن المورّد يحصل على 9,959 دولاراً من مبلغ العشرة آلاف دولار).
وتستفيد الشركة المشترية من خلال المبالغ المستحقة السداد، التي تؤثر إيجاباً في رأس مالها العامل. وفي كثير من الحالات، مددت شركات، مثل بروكتر آند غامبل وكيلوغز حساباتها المستحقة الدفع من خلال علاقات التمويل عبر سلسلة التوريد هذه، إلى 120 يوماً. ويمكن استخدام رأس المال العامل المحسن هذا لتمويل النمو في أسواق جديدة.
وعادة ما تعمل شركات التكنولوجيا المالية مثل الوسطاء. إذ تتيح لها علاقاتها بشبكة كاملة من البنوك أو المؤسسات المالية المختلفة الحصول على أفضل حلول تمويلية لزبائنها. وهذا مشابه للطريقة التي ترتب بها شركات الطرف الثالث التي تقدم الخدمات اللوجستية (3PLs) النقل. إذ كان من المعتاد أن تكون إحدى الشركات متعاقدة مع شركة نقل واحدة لتولي نقل جميع منقولاتها. لكن شركات الطرف الثالث التي تقدم الخدمات اللوجستية قادرة على انتقاء واختيار شركة النقل بطريقة الوساطة نفسها.
ومن المهم الإشارة إلى أن أنظمة شركات التكنولوجيا المالية متعددة البنوك، والتي لا تتقاضى سوى رسوم رمزية مقابل خدماتها، قد زادت من المنافسة في التمويل عبر سلسلة التوريد لدرجة أن الأرباح للمؤسسات التي تقدم التمويل قد انخفضت جداً.
ومن المرجح أن تستمر شركات التكنولوجيا المالية في التطور وإضافة خدمات إضافية. إذ تقدم بعض الشركات بالفعل خدمات سلسلة التوريد، مثل المشتريات وإدارة المخزون. وفي المستقبل، من المرجح أن توسع بعض شركات التكنولوجيا المالية نطاق وصولها بما يتجاوز التمويل إلى تقديم خدمات سلسلة التوريد، مثل إدارة المشتريات والموردين.
وقد جرت العادة على أن إدارة سلسلة التوريد كانت تدور حول الإمداد والتصنيع والتوزيع. لكنها أصبحت، في الوقت الحالي، تتمحور حول "التمويل"، واستخدام سلسلة التوريد بصفتها مصدراً لرأس المال غير المكلف. وتساعد شركات التكنولوجيا المالية على تحقيق ذلك، ومع توسعها في مجالات جديدة، من المؤكد أن تتزايد أهميتها في إدارة سلسلة التوريد.