خسرت شركة فيسبوك في 25 يوليو/تموز 2018 أكثر من 100 مليار دولار من القيمة السوقية لأسهمها خلال ساعتين فقط من التداول عقب إعلانها عن النتائج المالية لأدائها الربع سنوي، وذلك على الرغم من زيادة أرباحها عما سبق أن توقعه المحللون. فما السبب في هذه الخسارة المدوية والتدهور المفاجئ؟ يرجع السبب في ذلك إلى إخفاق الشركة في تحقيق أهدافها الخاصة بنمو الإيرادات وزيادة عدد المشتركين في الموقع. ويوضح هذا المثال أنّ المستثمرين يهتمون بالمعلومات التي تتجاوز مجرد الأرباح والمكاسب المادية، ويعتبرونها معلومات متعلقة بقيمة الاستثمار. وفي مقال نُشر حديثاً في مجلة هارفارد بزنس ريفيو، رأينا أنّ الشركات الرقمية الحديثة، مثل أوبر وفيسبوك وألفابت (Alphabet) تلعب دوراً اقتصادياً كبيراً تزداد أهميته يوماً بعد يوم، إلا أنّ بياناتها المالية تغفل العوامل الأساسية التي تحدد قيمة الشركة. وفي مقالة لاحقة أجرينا مقابلات مع مجموعة من رؤساء الشؤون المالية في شركات التكنولوجيا الرائدة والمحللين الرئيسيين في البنوك الاستثمارية، واستخلصنا من تلك المناقشات سبع رؤى أساسية. ونقترح بناء على هذه الرؤى خطة عمل جديدة لإعداد التقارير المالية في الشركات الرقمية.
تُعتبَر بيانات الإيرادات والعوامل المحركة لها في الشركات الرقمية -دون شك- أهم البيانات المتعلقة بالقيمة من وجهة نظر المستثمر. ويُعدّ مستوى وتوجه الشركة لتحديد معيار الحدّ الأعلى لإجمالي مبيعاتها مؤشراً متقدما على نجاح نموذج عملها. وتشير الإيرادات الأولى للشركة إلى مدى قبول العملاء لمنتجاتها وخدماتها. وعندما تتنافس العديد من الشركات على هدف واحد، تشير الإيرادات إلى مدى تقدم كل منها نحو تحقيق الريادة السوقية التي تنشئ البروتوكول السائد لشركاء الصناعة ومورديها وعملائها. (وفي سوق مثل وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن أن يعتمد نجاح الشركة على مبدأ المكسب المطلق "الفائز يحصد كل الأرباح" الذي يأتي من الريادة السوقية).
لذلك، لا ينظر المستثمرون إلى الإيرادات المعلن عنها فحسب، بل ينظرون كذلك إلى العوامل المحركة لهذه الإيرادات، لأنّ الأنشطة التشغيلية للشركات الرقمية غالباً ما تختلف عن الأنشطة المدرة للدخل. فعلى سبيل المثال، يبدو، ظاهرياً، أنّ مستخدمي موقع فيسبوك هم عملاء الشركة (نُطلق عليهم جدلاً تسمية "وحدات الأصول")، على الرغم من أنّ العملاء الحقيقيين الذين يشكلون مصدر إيرادات الشركة يتمثلون بالشركات التي تدفع مقابل الإعلانات (يمكن تسميتها "وحدات الإيرادات"). ويعتبر التمييز بين هاتين المجموعتين من العملاء، وفهم الآلية التي تجعل النمو في المجموعة الأولى دافعاً إلى نمو مقابل في المجموعة الثانية ، عاملاً أساسياً بالنسبة للمستثمرين لفهم كيفية تعزيز القيمة لمصلحة المساهمين وخلق قيمة مضافة لأصحاب الأسهم في الشركة.
ولذلك، يهتم المحلل المتابع لشركة فيسبوك بعدد الأعضاء النشطين، وتوزيعهم الجغرافي ومعدلات استمرارهم، ومتوسط الوقت الذي يقضونه على الموقع، ومعدلات نمو أي من هذه المقاييس أو تراجعها، وتكشف شركة فيسبوك بالفعل عن معظم هذه المقاييس في بياناتها المالية. وعلى الرغم من ذلك، تظل كيفية ترجمة هذه المقاييس إلى إيرادات لغزاً غامضاً بالنسبة للمستثمرين الخارجيين، فعلى سبيل المثال، لا تفصح الشركة في بيانها المالي عن مدى ارتباط معدلات الإعلانات بساعات نشاط مستخدمي الموقع، وما إذا كان ذلك المعدل في زيادة أم نقصان، ومدى اختلافه باختلاف الموقع الجغرافي والسمات المميزة لكل عميل، ومقدار الإيرادات التي تحصل عليها الشركة من بيع بيانات العملاء الشخصية. ونحن نؤكد أنّ البيان المفصل حول نموذج عمل الشركة الرقمية وكيفية تحويله إلى عائدات، والتوجه السائد حول العوامل الرئيسة المحركة للإيرادات يجب أن يكون أهم وأبرز ما يُكشَف عنه في التقرير المالي للشركة الرقمية.
أما العنصر الثاني المطلوب توفره في الإقرارات المالية للشركات الرقمية، فهو البيان المفصل عن النفقات، ويقدم على شكل ثلاث فئات عامة:
- توضح الفئة الأولى المبلغ الذي تمّ إنفاقه على دعم العمليات الجارية. وبينما يمكن ألا تتكبد الشركة أي مبالغ مقابل التكاليف الهامشية الخاصة بتوليد إيرادات إضافية، يتعين على الشركات الرقمية إنفاق مبالغ كبيرة لتعزيز عروضها واللحاق بركب المنافسة. ويمكن أن تُصرف هذه النفقات على مجالات غير مادية مثل اكتساب العملاء وسلامة البيانات وعدم اختراقها أو تسريبها، والغرامات التنظيمية وتحسين المنتجات، أو على أصول مادية مثل الأجهزة والخوادم وأبراج الاتصالات. كما يمكن أن تكون هذه النفقات ناتجة عن عمليات شراء واستحواذ ضرورية للحفاظ على القدرة التنافسية للشركة. ويجب أن تعرض الشركة كافة التكاليف الثابتة والمتغيرة بشكل منفصل، وتوضح تفاصيل التكاليف المتغيرة المرتبطة بوحدة النشاط فيها قدر الإمكان. مثلاً، توضح شركة تويتر "التكلفة لكل مشاركة إعلانية". وخلافاً للقواعد المحاسبية الحالية التي تتعامل مع النفقات الداخلية غير الملموسة باعتبارها مصروفات، وتتعامل مع كافة النفقات الداخلية المادية والأصول غير المادية المكتسبة باعتبارها نفقات رأسمالية دُفعت لشراء أو تحسين الأصول الثابتة للشركة، فإننا نقترح حسم واقتطاع كافة نفقات الدعم باعتبارها مصروفات عند حساب الأرباح التشغيلية.
- وتوضح الفئة الثانية استثمارات الشركة في المشروعات المستقبلية، فعندما يضع المستثمرون أموالهم في الشركات الرقمية، يشترون غالباً خيارات عاجلة في مشروعات طموحة جداً تعتمد مكاسبها على الحظ مثل مكافآت اليانصيب. لذلك، يتعين على الشركة إدراج قسم تفصيلي منفصل يوضح التقدم المحرز في كل مشروع من مشروعاتها المستقبلية، وكيفية ارتباطه بالعمليات الحالية فيها، والموارد الإجمالية المخصصة لذلك المشروع، والموعد المحتمل لإطلاقه. ولا تنص القواعد المتبعة حالياً على الإفصاح أو الكشف عن توجهات المشروعات المستقبلية، وتتطلب الممارسة المحاسبية الحالية اقتطاع جميع النفقات غير الملموسة والاستثمارية باعتبارها مصروفات تشغيلية، كما تتطللب الإعلان عن جميع نفقات الاستثمار المادي مجمعة مع نفقات الصيانة المادية. ويعتبر التمييز السليم بين النفقات التي تقتصر على دعم العمليات الحالية فحسب والنفقات التي من شأنها تعزيز الإيرادات المستقبلية عاملاً هاماً بالنسبة للمستثمرين لفهم كيفية تحقيق الشركة لأرباحها الحالية والمستقبلية. ولذلك فإنّ رؤيتنا تختلف عن الممارسة المحاسبية الحالية من حيث ضرورة التمييز بين نفقات الاستثمار ونفقات الصيانة، والإعلان عن كل منهما بشكل منفصل بصرف النظر عما إذا كانت نفقات مادية أو غير ملموسة. ويتعين على الشركة بعد ذلك ترك الأمر للمستثمر ليقرر ما إذا كانت هذه النفقات تعد بمثابة استثمارات أم أقساط خاصة بخيارات الشراء أم مصاريف تشغيلية.
- وفي الفئة الثالثة، يتعين على الشركة تفصيل ما يطلق عليه البنود الخاصة أو الاستثنائية غير المتكررة. ويختلف مقترحنا عن الممارسة المحاسبية الحالية في جانب واحد بسيط، حيث تعلن الشركات حالياً عن صافي الأرباح، ثم تتراجع عن الكثير من هذه البنود والعناصر غير المتكررة لتقدم تفاصيل أرباح لا تندرج تحت المبادئ المحاسبية المقبولة عموماً (non-GAAP). ونظراً لتعامل المستثمر مع هذه الأرقام غير المتوافقة مع المبادئ المحاسبية المقبولة عموماً باعتبارها معلومات متعلقة بالقيمة، فإننا نقترح طريقة أكثر مباشرة لحساب هذه الأرقام.
يتمثل الأسلوب الذي نقترحه في عرض كل فئة من النفقات المدرجة ضمن الفئات الثلاث السابقة على نحو منفصل وهذه الفئات هي دعم العمليات الحالية، والاستثمار في المشاريع المستقبلية، والعناصر غير المتكررة ، ثم ترك الأمر للمستثمرين فيما يتعلق بالتحقق من النفقات التي يجب خصمها من بين هذه النفقات عند حساب الأرباح المستدامة. وبناء على الكشوفات المالية التي تتم وفق هذه الخطّة، يمكن للمحلل البارع توقع الإيرادات المستقبلية، وتقدير النفقات اللازمة للحفاظ على نموذج أعمال الشركة، وحساب القيمة الحالية للتدفقات النقدية المستقبلية. وبعدها، يمكن للمحلل أن يتوّج ذلك التقييم ويختتمه بقيم الخيارات الخاصة بالمشاريع ذات الطموح الفائق.
كما نوصي بإعداد إقرار مالي أكثر طموحاً، يمكن للشركة من خلاله عرض تقديرها للقيمة الدائمة لوحدات الأصول، ومن أمثلة ذلك القيمة الدائمة للمستخدم اليومي لموقع فيسبوك، والمشترك الجديد في لينكد إن، والسيارة الجديدة في أوبر، والوحدة الإيجارية الجديدة في إير بي إن بي (AirBnB). يجب على الشركات الرقمية إجراء مثل هذه التقييمات داخلياً لمكافأة موظفي المبيعات والتسويق لديها، ويجب إتاحة إمكانية الاطلاع على هذه التقديرات للمستثمرين أيضاً.
ونعتقد أنّه من غير المحتمل قريباً أن تتغير الطريقة الحالية لتقديم التقارير، وهي تتم وفقاً للمبادئ المحاسبية المقبولة عموماً، ولهذا يمكن للمستثمرين الحصول على معلومات خاصة بعناصر مثل مصروفات الضرائب والالتزامات والأصول النقدية من خلال تقارير المبادئ المحاسبية المقبولة عموماً. وتعتبر الخطة المقترحة التي نطرحها عنصراً إضافياً للمتطلبات التنظيمية الحالية، وينبغي أن يكون بمثابة وثيقة تكميلية لبيان الدخل. ويمكن إدراج هذه الخطة الأساسية ضمن قسم مناقشات وتحليلات الإدارة (MD&A) من البيان المالي، وينبغي عدم تدقيقه وعدم خضوعه للتقاضي فيما يتعلق بالمعلومات الاستشرافية المستقبلية، وإلا فسوف يمتنع المدراء عن تقديم بياناتهم الشخصية.
وعلينا أن نسلم بوجود أربعة انتقادات محتملة على الأقل لهذه الخطة المقترحة. أولاً، قد تكون الشركات قد قدمت بالفعل جزءاً من هذه المعلومات المتعلقة بالقيمة في تقاريرها السنوية. ولكنّ المشكلة تكمن من وجهة نظرنا، في أنه حتى في حالة توفير المعلومات المتعلقة بالقيمة، فغالباً ما يتم تصنيفها بشكل خاطئ، أو جمعها بعناصر أخرى لا ترتبط بها، أو ذكرها بشكل غير واضح في الحاشية السفلية للمستند على هيئة صياغة موحدة، فعلى سبيل المثال، لا تعلن أي شركة رقمية غالباً عن مصروفات الأجور والتسويق على الرغم من أنها نفقات كبيرة وهامة. ثانياً، قد يحتج البعض ويجادل بأنه لو كانت هذه الخطة تضيف قيمة تفيد المستثمرين، لكانت الشركات تبنتها بالفعل، أو لكانت الهيئات الرقابية أجبرت الشركات على اتباعها. والحقيقة، مع ذلك، حسبما سمعناه من رؤساء الشؤون المالية مراراً وتكراراً، هي أنه ما لم تُجبر الشركات على اتباع خطة محددة أو ما لم تبدأ بعض الشركات المنافسة في القيام بذلك، سيبقى رؤساء الشؤون المالية مترددين في تعزيز الكشف عن البيانات والإقرارات أو تقديمها بطريقة أكثر دقة وتفصيلاً. يضاف إلى ذلك أنّ هيئة الأوراق المالية والبورصات (SEC) والمجالس المختصة بوضع المعايير المحاسبية قد أخفقت في إحداث تغيير كبير وجوهري في نموذج التقارير المالية، ما يجعله غير مفيد عملياً لتقييم المستثمر.
وثالثاً، قد يزعم البعض أنّ الشركات سوف تقدم أرقاماً غير دقيقة بعد هذه الخطة، وعلى سبيل المثال قد تُطلق شركة ما على مصروفات تحسين المنتجات اسم نفقات تطوير المنتجات بشكل مضلل أو تبالغ في تقدير القيمة الدائمة للعميل. ونحن نرى أنّ المستثمر سيقوم بتعديل فكرته عن الأرقام المترتبة على تقييمات الخطة مع مرور الوقت بناء على سمعة الإدارة ومصداقيتها. والأهم من ذلك أنّ المستثمرين سيكونون في حالة أفضل حين تعلن الإدارة عن هذه الأرقام مقارنة بعدم الإعلان عن أيّ منها على الإطلاق.
وأخيراً، قد تكشف بعض هذه البيانات المعلن عنها عن معلومات خاصة وسرية للمنافسين والعملاء وشركاء العمل والجهات التنظيمية. ومع ذلك، فإننا نرى أنّ فائدة هذه الإقرارات- وخصوصاً في تعزيز عمليات تخصيص رؤوس الأموال وتوزيع الموارد المالية واستثمارها في الأسواق- تفوق آثارها السلبية. ولذلك، وعلى الرغم من أنّ هذه الخطة المقترحة غير منصوص عليها في الممارسة المحاسبية المتبعة، ولا تشترط هيئة الأوراق المالية والبورصات الالتزام بها، فإننا ضرورة اتباعها في الإقرارات والبيانات المالية، وذلك للتوصل إلى قرارات استثمارية سليمة تجعل المستثمرين يستعيدون ثقتهم في التقارير المالية مرة أخرى.