لماذا يجب على كل شركة أن تفكر بطريقة شركات الترفيه؟

5 دقائق

"نتنافس مع اللاعبين ونخسر أمامهم في لعبة "فورتنايت" أكثر من قضاء الوقت في مشاهدة شبكة "آتش بي أو" (HBO). لقد أثار هذا التقييم الواقعي الذي أجرته شبكة نتفليكس" - التي تعتبر أكبر شركة بث تدفقي في العالم - ضجة بين المعلقين والمحلّلين في وسائل الإعلام في وقت سابق من عام 2019. ومع ذلك، يوجد منطق وراء نتيجة هذا التقييم، حيث تمتلك "نتفليكس" 149 مليون مشترك، مقارنة بحوالي 250 مليون مستخدم لمنصة ألعاب "فورتنايت باتل رويال" (Fortnite’s Battle Royale). كما أن الوقت الذي يقضيه المستهلك على وسائل الإعلام التقليدية آخذ في التراجع، وأصبح من الصعب كسب اهتمامه والمحافظة عليه. ويكمن الحل في أن يكون المحتوى أكثر جاذبية – وقد أثبت نجاح المسلسل الذي أنتجته شبكة نتفليكس بعنوان بلاك ميرور: باندرسناتش الذي أنتجته "نتفليكس" أن المستهلك لديه رغبة قوية في مشاهدة أشكال تفاعلية أكثر من المحتوى.

ولا تعتبر "نتفليكس" وشركات الإعلام الأخرى وحيدة في إدراك أن مستقبل الاستهلاك يكمن في تقارب المحتوى والألعاب والخدمات التفاعلية. في الواقع، يجب على كل شركة التفكير بوصفها فناناً ترفيهياً في المستقبل والعمل وفقاً لذلك.

تأمّل ما فعلته سلسلة ستاربكس في شنغهاي على سبيل المثال، حيث عقدت شراكة مع شركة علي بابا لتأسيس "متنزه لاحتساء القهوة"، وأضافت ميزات الواقع المعزز داخل متجرها بحيث يمكن للمستهلكين التعرف على عملية تحميص القهوة وفتح القوائم الافتراضية من خلال توجيه هواتفهم إلى أيقونات في المتجر.

وتقوم العديد من الشركات الأخرى أيضاً بجذب الزبائن عبر إجراء العديد من التجارب المتزايدة. على سبيل المثال، ابتكر عملاق مستحضرات التجميل لوريال تطبيقاً يتيح للمستهلكين تجربة ما يصل إلى 64 "مظهراً جميلاً" على هواتفهم. كما تبيّن ملفات براءات الاختراع في وول مارت خطط الشركة الخاصة في إنشاء متاجر افتراضية تمكّن المستهلكين من التسوق من المنزل باستخدام قفازات ذكية وسماعات الواقع الافتراضي. ولم تعد استوديوهات المحتوى حكراً على عمالقة الإعلام، بعد أن أصبحت هدفاً تسعى إليه العلامات التجارية الاستهلاكية بشكل متزايد مثل ريد بول وكوكا كولا ولوريال ويونيليفر.

تقارب المحتوى الكبير التالي

على الرغم من التطورات العديدة في مجال التكنولوجيا على مدار القرن الماضي، لم يشهد المحتوى سوى تقارب حقيقي واحد مع إطلاق فيلم "ذا جاز سنغر" في عام 1927، وهو أول فيلم ناطق على الإطلاق في العالم. إذ كان المحتوى الذي يتضمن النص والصوت والصور منفصلاً دائماً في العروض التي لم تكن "حية" في الماضي. وقد تعرضت هذه الأفلام بداية إلى وابل من الانتقادات من قبل مدراء الأستوديوهات باعتبارها وسيلة للتحايل، إذ "لم يكن الكلام ينتمي إلى الصور"، وجاء ذلك بحسب مدير أستوديو رئيس في ذلك الوقت، إلا أن الأفلام الناطقة أحدثت ثورة في الصناعة ومهدت الطريق لتقنيات البث والإنترنت.

وسيثبت تقارب المحتوى الكبير التالي أنه أكثر ثورية، حيث سيجمع بين مجموعة من تقنيات الجيل القادم مثل الواقع الافتراضي والواقع المدمج والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء وتقنيات اللمس التي تحاكي حاسة اللمس والحركة. وسيكون تقارب المحتوى التالي هذا متعدد الحواس وأكثر تفاعلية.

ويمكننا أن نلاحظ بالفعل أربعة طرق يغير فيها هذا التقارب من طبيعة الاستهلاك وكيفية اتخاذ المستهلكين للقرارات.

الحضور: لا شيء يضاهي هدير الجماهير والإثارة في حضور البث المباشر للحدث الرياضي. ولكن في عالم مادي يتسم بالندرة وبحدوده الجغرافية الواسعة، يوجد حلول أخرى متاحة للأشخاص المعزولين، ألا وهي المحاكاة الافتراضية والتقنيات الذكية وتقنيات اللمس التي تجعل من "الحضور" حقيقة واقعة بالنسبة إلى الكثيرين الذين لن يتمكنوا من تجربة نظارات الواقع الافتراضي.

على سبيل المثال، تضع تقنية لايف لايك (Livelike) التفاعلية الناشئة مشجعي كرة القدم في قلب الحدث، حيث يمكن لعشاق كرة القدم اليوم تتبع اللعب من زوايا متعددة والوصول إلى معلومات آنية عن اللاعبين واللقطات السابقة. وبالمثل، مكّنت أوكيولوس فينوسز (Oculus Venues) مشجعي كرة القدم البعيدين عن روسيا من تجربة مباريات محددة عندما استضافت روسيا كأس العالم لعام 2018. كما تتيح تقنية السباق التفاعلية فيرتشوالي لايف (Virtually Live’s) لجمهور "فورميولا إي" التنافس في سباق افتراضي ضد سائقهم المفضل.

تشكيل المجتمعات الافتراضية: من الممتع حقاً الاستمتاع بالعديد من "الأنشطة الاستهلاكية" مع الأصدقاء أو الأقارب أو الأشخاص الذين يشتركون في مصلحة مشتركة، مثل مشاهدة الرياضات والسفر وزيارة أماكن الترفيه وتناول طعام فاخر. وبعيداً عن تشجيع المساعي الفردية، ستجمع هذه التقنيات المتكاملة بين عناصر المجتمع والتفاعل الآني على نحو متزايد.

وتعتبر آلة ركوب الدراجات الافتراضية "بيلوتون" (Peloton) رائدة في هذا المجال، حيث يستخدم عشاق ركوب الدراجات دراجة تمرين متقدمة لبث دروس حول ركوب الدراجات في الأماكن المغلقة في المنزل. ويساعد مدرسو "بيلوتون" الخمسة عشر، بوصفهم وجوه العلامة التجارية في تطوير هذا الإحساس بالانتماء إلى المجتمع. ويمتلك روبين آرزون، كبير مدربي "بيلوتون"، أكثر من 200,000 متابع على "إنستغرام".

الاكتشاف: لا تزال الكلمات المفتاحية التي يبحث عنها المستهلكون وتسوّق المقارنة عملاً مضيعاً للوقت إلى حد كبير. ولكن التقارب الكبير التالي للمحتوى سيتيح للمستهلكين تجربة طرق محفزة أكثر بكثير لاستكشاف المنتجات والخدمات والمواقع الجديدة.

على سبيل المثال، يستخدم تطبيق إيكيا بليس (Ikea’s Place) كاميرا هاتفك الذكي لوضع أثاث رقمي في غرفة افتراضية حتى تتمكن من رؤية قطع الأثاث في منزلك قبل شرائها. ويمكن لمنظمي الرحلات السياحية تقديم جولات افتراضية من مواقع مختلفة للأشخاص الذين يخططون لقضاء عطلة في بلد ما. ويمكن لزوار متاجر توماس كوك الذهاب في إجازات افتراضية مدتها 5 دقائق إلى مصر وألمانيا ونيويورك سيتي ووجهات أخرى قبل بدء جولة التسوق. كما يمكن للتطورات الواعدة في تقنيات اللمس والشم، التي تتيح لنا القدرة على شم الروائح والعطور ونقلها وتلقيها عبر الوسائط الرقمية، أن تمثّل نقلة كبيرة في تفاعل المستهلك مع صناعات مثل الأزياء والعطور وبيع المواد الغذائية بالتجزئة وتناول الطعام.

الخيال ورواية القصص: إذا كانت الصورة تساوي ألف كلمة، تخيل مدى قوة الجمع بين حواس الرؤية والصوت واللمس والدور الذي توفره المحاكاة الافتراضية.

وتعتبر دور نشر الكتب تجسيداً على ذلك، حيث يُدمج أدب الأطفال مع تقنية الواقع المعزز، وتحوّل كل صفحة إلى مشهد تفاعلي. ومن أوائل المشاركين في هذه التقنية كانت مؤسسة بوكس آر ألايف (BooksARAlive)، حيث يُدمج النص التقليدي مع المحتوى الرقمي باستخدام الهاتف الذكي أو التابلت أو وحدة التحكم في الألعاب. ويمكن للتطبيقات تشغيل الفيديو وإنشاء نماذج ثلاثية الأبعاد للمحتوى وإتاحة التفاعل مع النص.

كما نرى استغلال شركات خارج القطاع الإعلامي والثقافي تقنيات سرد القصص الافتراضي بهدف تغيير الطريقة التي يتفاعل بها المستهلكون مع منتجاتهم. على سبيل المثال، قامت شركة التأمين أليانز (Allianz) ببناء منزل افتراضي يمكن للزبائن استكشافه بشكل تفاعلي بهدف معرفة المخاطر المحتملة، وتشمل هذه المخاطر محمصة خبز تالفة أو حوض سمك متصدع.

التعلم من عالم الترفيه:

إن الانتقال من عالم يعتمد على خلق المنتجات والخدمات إلى عالم يصوغه الترفيه والتحفيز ليس بالمهمة اليسيرة. وستحتاج الشركات إلى التفكير بوصفها فنانة ترفيهية أكثر من كونها مُنتجة أو بائعة تجزئة في سبيل تحقيق النجاح في هذا العالم. ما الذي يجب أن تضعه هذه الشركات في اعتبارها بغية تحقيق هذه الغاية؟

الحصول على أفضل المواد: يعرف معظم المغنيين والممثلين والسينمائيين الناجحين أن مفتاح النجاح يتمثل في تقديم أفضل الأغاني والمواد والأدوار. وبالمثل، تحتاج الشركات إلى إقامة الشراكات الصحيحة مع شركات الإعلام والإنتاج والتصميم بهدف إنشاء تجارب غامرة تثير إعجاب المستهلكين.

اخلق ضجة: إن الترفيه الناجح يولد ضجة ويجعل الأفراد متحمسين للأحداث المستقبلية. وبالمثل، قد تحتاج الشركات إلى الجمع بين عناصر سرد القصص والتقييم الآني والخبرات الحسية بهدف جذب انتباه المستهلكين في البيئات الغامرة.

اعرف جمهورك: غالباً ما يدين الفنانون المشهورون بنجاحهم إلى معرفتهم ما يثير حماس جمهورهم وتقديمه لهم. ومن المحتمل أن ينقسم المستهلكون في العديد من الأسواق إلى المستخدمين النشطين والمتحمسين للمحتوى، وإلى أولئك الذين يفضلون البقاء كمتفرجين سلبيين. هل يريد جمهورك مشاهدة الفيلم فقط، أم يرغبون في التفاعل مع أحداثه؟ ما هي الأسعار والحزم المطلوبة لكل خيار؟

راقب أفعالك: إن أي خطوة أو فضيحة تشوه سمعة فنان ما قد تكون قاتلة لمهنته. وبالمثل، يطالب المستهلكون بشكل متزايد التزام الشركات بالسلوك الأخلاقي. وستحتاج الشركات التي تدير خدمات غامرة إلى تصفح مجموعة جديدة من القضايا الأخلاقية والقضايا المتعلقة بالخصوصية والإدمان والجرائم الافتراضية. وسيكون التحاور المبكّر مع الجهات التنظيمية والالتزام بمبادئ الاندماج المسؤول أمراً بالغ الأهمية.

فالترفيه قد يكون أقوى من الكفاءة غير الحماسية. ما هي خطة شركتك لكسب الجماهير في عصر تحدده التجارب الغامرة والتفاعلية؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي