كن أكثر واقعية حيال وقتك

5 دقائق
التفكير السحري

ملخص: ليس من المستغرب أن نثقل كاهلنا بالأعمال كل يوم، على افتراض أنه يمكننا أداء العديد من المهام خلال وقت قصير، لنصاب بالصدمة في نهاية اليوم عندما نجد أن العمل لم ينته بعد. وعلى الرغم من كل الصدمات السابقة، تتعطل قدرتنا التنبؤية ونقتنع أننا سنكون قادرين على تحقيق أداء غير عادي في يوم عادي. وهذا ما يدعى "بالتفكير السحري" الذي يجعلك تخيّب آمال الآخرين وتفوّت المواعيد النهائية وتشعر أن قواك خارت وتفقد مصدر إلهامك. ولكي تتحرر من تلك العادة، يجب عليك التعرف على عناصر التفكير السحري حول الوقت وأن تدرك أولاً أن عبء عملك ليس مؤقتاً؛ راجع المشاريع السابقة وحدد طبيعة الأعمال التي استهلكت معظم وقتك حتى تتمكن من تحديد أولوياتك بشكل أفضل في المستقبل. ثانياً، حذار أن تفترض أن العمل على المشروع التالي سيكون أسهل، بل خصص مزيداً من الوقت لأداء ذلك المشروع الجديد بدلاً من أن تخصص وقتاً أقل له. ثالثاً، فكر في النتيجة النهائية وفي طبيعة الأداء المرْضي قبل أن تمنح موافقتك على مشروع ما. رابعاً، ساعد الآخرين على تعلم الاستقلالية بدلاً من أن تقضي وقتك في إصلاح أخطائهم بنفسك. أخيراً، لا تفترض أنك شخص لا يمكن للمؤسسة الاستغناء عنه، بل تخلّ عن احتكارك للعمل وعزز قدرات الآخرين بدلاً من ذلك.

 

نحن رواة قصص ماهرون، نروي قصصاً خيالية لنحفز أنفسنا على أداء كميات هائلة من العمل في فترات زمنية قصيرة. وندوّن في قوائم مهامنا مهمة تلو الأخرى، ونتأكد من قدرتنا على أدائها خلال يوم عمل عادي، لنصاب بالصدمة في نهاية اليوم عندما نجد أن العمل لم ينته بعد وأننا مضطرون إلى الإسراع لإكمالها. نحن لا نخدع أنفسنا عمداً بشأن المهام التي يمكن أن نؤديها في وقت معين. وعلى الرغم من كل الصدمات السابقة التي تعرضنا لها، تتعطل قدرتنا التنبؤية ونقنع أنفسنا بأننا سنكون قادرين على تحقيق أداء غير عادي في يوم عادي.

مرحباً بكم في أرض التفكير السحري التي نهرع إليها جميعاً لنطارد أوهام الوقت غير المقيد، فنقنع أنفسنا أنه لا ضرر من وضع خطط طموحة تساعدنا في تحقيق إنجازات أكثر، ونقتنع بالحاجة إلى إظهار قيمتنا أمام الآخرين من خلال أداء أعمال إضافية، لاسيما عندما نعمل عن بُعد. ومع ذلك، قد يجعلنا التفكير السحري نخيّب آمال الآخرين الذين يعتمدون علينا، ونفوت المواعيد النهائية، ونشعر أن قوانا خارت ونفقد مصدر إلهامنا.

وتُعتبر مهمة فك قيود أنفسنا من الأوهام الزمنية أمراً معقداً، إذ يحب مدراؤنا عادة أن نرتدي رداء البطولة ويكافئوننا بسخاء عندما نؤدي عملنا على أكمل وجه. لكن لكل بطل قدرة محدودة تنضب في النهاية، وبسرعة تفوق التصور حتى.

لنتأمل حالة فرح، وهي باحثة في شركة متخصصة بالتكنولوجيا الحيوية، ورائدة فكرية بارزة وناشرة غزيرة الإنتاج في مجال عملها. تقدّم فرح مساهمة قيّمة للعديد من الزملاء وتوجه عشرات النساء في بدايات حياتهن المهنية، مع التزامها بمواعيد لا ترحم للتحدث في المؤتمرات وتقديمها الرعاية لابن أخيها الذي يعاني من حالة وهن وضعف شديدة. وعلى الرغم من شعور فرح بالفخر من عملها، تدرك أنه ليس لديها وقت لأداء مسؤوليات إدارة الموظفين أو ممارسة الرياضة أو حتى الزواج. وكانت تتوق إلى إعداد جدول مواعيد واقعي. أدركتُ عندما بدأنا العمل معاً أنها كانت مقيدة بالوقت، إذ كانت مسؤولياتها كثيرة، وكانت تعمل تحت وطأة ضغط شديد وتعاني من نقص في الموارد على الدوام. ولم تقتصر المشكلة على معاناتها من مشكلات في صحتها وعلاقاتها الشخصية فحسب، بل شعر زملاؤها أيضاً بخيبة أمل وبالانزعاج وتحملوا قدراً غير متناسب من عملهم المشترك معاً.

عناصر التفكير السحري

وكشفت أنماط فرح في تحمل المسؤوليات عن 5 عناصر من التفكير السحري حول وقتها، وهي مزالق يقع فيها العديد من عملائي، إلا أننا توصلنا إلى حل لكل منها.

عبء عملي مؤقت فقط

شعرت فرح بإغراء أن تقبل منصباً مغرياً ترأسُ فيه مؤتمراً دولياً على الرغم من مئات ساعات العمل التي تطلّبها ذلك المنصب. واستنتجت أن عبء العمل الحالي الذي تشعر فيه مؤقت بناءً على 3 مشاريع كانت على وشك الاكتمال، لكنها تجاهلت التدفق اللانهائي للطلبات الجديدة. ولم تكن مستعدة للتخلي عن أعباء العمل المتكدسة لمدة عام لترأس ذلك المؤتمر. وإذا كنت تسرح في خيالك الطموح مثل فرح، فيجب عليك أن تجري مراجعة موضوعية لمشاريعك الرئيسة التي نفّذتها العام الماضي. ما هي المشاريع التي خططت لها بالفعل وأي منها حمل الطابع الانتهازي؟ تقدم لك تلك الخطوة صورة أكثر واقعية لكيفية ملء جدول مواعيدك المستقبلي وتسهّل عليك عملية تحديد أولويات المشاريع الأكثر أهمية وإعادة التفاوض على بقية المشاريع، إما من خلال إبداء رفضك أو خفض التوقعات أو طلب المساعدة.

العمل على المشروع اللاحق سيكون أسهل

الخبرة هي أفضل معلم، لكن من الطبيعي أن تُسفر وتيرة التغيير عن تحديات إضافية مع كل مشروع جديد. هدّأت فرح من قلقها من خلال الافتراض أن المشروع الجديد سيمضي بشكل أسرع من المشروع السابق، إلا أنها سهرت عدة ليال في النهاية. وأدركت أنه على الرغم من الخبرة التي تتمتع بها والتخطيط الذي أجرته، استغرقت أنواع معينة من المشاريع وقتاً أطول بحوالي 20% مما كان متوقعاً. وتعلمَت وضع وقت احتياطي وإضافة مزيد من الوقت على ذلك الوقت الاحتياطي حتى. على سبيل المثال، إذا اعتقدت أن كتابة ملخص ستستغرق منها يومين كاملين لإنهائه، فستضيف نصف يوم إضافي آخر لتقديرها ذلك. وبدلاً من أن تقطع وعداً بتسليم الملخص يوم الثلاثاء، قدرّت إمكانية إكماله ظهر يوم الأربعاء والتزمت بتسليمه بحلول نهاية يوم الخميس. يساعدك تحديد وقت احتياطي استناداً إلى الأدلة في وضع تقديرات أكثر واقعية، كما يمكّنك تأخير مواعيد التسليم من حل أي مشكلات غير متوقعة ويقلل من حدة توترك ويتيح لك فرصة تخصيص مزيد من الوقت لأداء أنشطة أخرى في حياتك.

سأحصل على مكافآت فورية

تشكل رغبتنا في إرضاء الآخرين عقبة كبيرة في وجه الرؤية الواقعية للوقت. ويُعدّ الحصول على دعم المدير أو تشجيع الزملاء مكافآت عرضيّة باعتبارك شخصاً قادراً على تقديم أداء جيد وشخصاً يعتقد الجميع أنه يمكنهم الاعتماد عليه. ويقودنا اندفاع الدوبامين المرتبط بتلك الحقيقة إلى التطوع عندما تكون المهام الجديدة جاهزة لمن يرغب في توليها. بدلاً من ذلك، فكّر أولاً في مشاعر زملائك إذا قدمت عملاً دون المستوى، أو فرضت تأخيراً على أعضاء الفريق، أو واجهت صعوبة في التسليم خلال الوقت المناسب، أو في تقديم عمل جيد نتيجة الالتزامات التي تسرعت في اتخاذها دون تفكير. احسب الوقت الذي تحتاج إليه لأداء المهام بشكل يرضي الآخرين عند تسليمها، وليس قبل بدء العمل عليها، حتى يسهل إدارة المشروع الرئيس وتبقى علاقاتك مع زملائك وثيقة أيضاً.

سيتّبع الآخرون تعليماتي

سعى الموظفون من جميع أنحاء الشركة (وأحياناً من خارجها) إلى الحصول على رأي فرح بصفتها خبيرة قبل إصدار البيانات أو كتابة الملخصات أو الشروع في المبادرات، وكان العديد منهم يرتكبون أخطاءً متكررة. ولحل تلك المشكلة، كتبت فرح قائمة بأفضل الممارسات التي يجب أن يتبعها الآخرون قبل تقديم عملهم إليها. ومع ذلك، تجاهل معظم زملائها مبادئها التوجيهية واستمروا في إرسال عمل دون المستوى إلى بريدها الإلكتروني، متوقعين منها تقديم ملاحظات مكثفة أو حتى إعادة كتابة المستند، كما اعتادت أن تفعل في الماضي. لكن كان على فرح أن تعمل على إعادة تدريبهم. وبدلاً من قضاء ساعات في مراجعة المستندات، كانت تعيد إرسالها إليهم ببساطة وتطلب منهم اتباع المبادئ التوجيهية 5 و7 على سبيل المثال، قبل إرسال المشروع إليها مجدداً. وبالتالي، عندما تستثمر وقتك في إعداد المبادئ التوجيهية والإرشادات لمساعدة الآخرين في أن يكونوا أكثر اعتماداً على أنفسهم، امنحهم فرصة أن يتمتعوا بالاستقلالية من خلال التركيز على التفاصيل.

لن ينجح هذا المشروع دون وجودي

نادراً ما كانت فرح ترتكب الأخطاء، بل عادة ما يجري الاحتفاء بعملها والإشادة به على نطاق واسع. لكنها أدركت أن جودة أدائها قد تأثرت عندما لم تخصص فترات طويلة من الوقت لمشروع ما من خلال إقناع نفسها بأنها هي الوحيدة القادرة على تقديم أداء جيد. بدلاً من ذلك، تعلمت فرح تخصيص بعض الوقت الإضافي لتدريب زملائها بدلاً من أداء كل الأعمال بنفسها. تطلبت تلك الخطوة العديد من المحاولات من زملائها إلى حين نجحوا في أداء المهمة المطلوبة، وساعدتهم تلك المحاولات في التسلح بالمهارات اللازمة لتحقيق نتائج أفضل في المرات القادمة. ولجميعنا يدٌ في الواقع في التأكيد على الخرافة القائلة أننا أشخاص لا يمكن الاستغناء عنا أو أننا أذكى من الآخرين، فجميعنا نرغب في أن نكون أشخاصاً مرغوباً فيهم وأن نشعر بالتقدير، لكن عندما نتخلى عن رغبتنا في احتكار الإجابات على كل الأسئلة، فإننا نعزز بذلك قدرات الآخرين بدلاً من أن نواصل الاعتماد على القلة منهم.

وعندما نعتمد على التفكير السحري لهزيمة استبداد الوقت، فإننا نضعف بذلك قدرتنا على إنجاز المهام. في حين أن مواجهة تخيلاتنا بشكل واقعي تمكّننا من زيادة قدرتنا على تحقيق تقدم غير عادي دون بذل جهد خارق.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي