خلال كل نقاش تقريباً حول التغيير المؤسساتي، يؤكد شخص ما أن "التغيير صعب". في ظاهر الأمر، هذا صحيح، لأن التغيير يتطلب جهوداً كبيرة. لكن المشكلة في هذا الموقف الذي يتغلغل في جميع مستويات مؤسساتنا، أنه يضع الصعوبة والفشل على سوية واحدة، وبفعل ذلك، هو يُعيق مبادراتنا للتغيير، التي لها معدلات نجاح عالية، أكثر مما نقنع به أنفسنا.
وتُعتبر النزعة لدينا تجاه الفشل محفورة بأذهاننا. ففي سلسة دراسات نُشرت مؤخراً، للباحثين إد أوبراين وناداف كلاين في جامعة "شيكاغو"، وجدوا أننا نفترض بأن الفشل نتيجة أكثر احتمالاً من النجاح، وعليه، نتعامل بطريقة خاطئة مع النتائج الناجحة على أنها ضربة حظ، والنتائج الفاشلة على أنها دليل على صعوبة التغيير
على سبيل المثال، عندما قُدّمت إحصائيات الموسم لنجم رياضي للمشاركين في إحدى الدراسات، الذي سجل أسوء أرقام عهدها، سارع المشاركون باستنتاج أن مهنة اللاعب بدأت في دوّامة هبوط لا رجعة فيها. لكن عندما قُدّمت إليهم إحصائيات لاعب بمعدلات أهداف تاريخية، حطم الأرقام الأخرى في ذلك الموسم، استنتج نفس الأشخاص هذا الصعود في الأداء على أنه مجرد ضربة حظ.
وجد الباحثون أن التقييم يستند إلى النظرة نفسها في جميع الحالات: عندما يحاول الأشخاص المتشائمون أن يكونوا إيجابيين أكثر، أو عندما يحاول المدراء الغاضبون كبح جماح غضبهم، وعندما يحاول طلاب مستواهم متوسط أن يصبحوا بمستوى ممتاز، وعندما يحاول مدمنو الحلوى أن يصبحوا محبين للخضار، وعندما يحاول العلماء أن يقرروا ما إذا كان الاقتصاد يمهد لحالة انتعاش أو حالة من الركود.
النزعة السلبية لمبادرات التغيير المؤسساتية
يمكن لنزعتنا السلبية في مبادرات التغيير المؤسساتية أن تخلق نبوءات سامة. فعندما يتأخر مشروع التغيير ليوم واحد عن الموعد المحدد، ويعتقد الموظفون والقادة بأن التغيير الناجح من غير المحتمل أن يثمر، سيعتبرون أن مشروع التغيير في خطر محدق. فضلاً عن حقيقة أن المبادرات الثلاث الأخرى ما زالت ضمن التوقيت المحدد لها ومتقدمة حتى. سينفك الموظفون فجأة بشكل جماعي عن الالتزام ويبدأ محرك التغيير بالخلط بين التصور والواقع.
تُعتبر الأسطورة المقنعة بأن مبادرات التغيير تفشل، منتشرة على نحو مقلق. على سبيل المثال، يصرح معظم الخبراء، بأن 70% من جهود التغيير تفشل، لكن دراسة كانت عام 2011 نشرت في صحيفة "شينج مانجمنت" (Change Management)، التي قادها مارك هيوز (Mark Hughes) وهو باحث من جامعة "برايتون"، وجد أنه لا يوجد دليل تجريبي يدعم هذه الإحصائيات. وفي الواقع، لا يوجد دليل معقول على الإطلاق يدعم فكرة أن نصف جهود التغيير المؤسساتي تفشل.
يتعقب هيوز أسطورة معدل الفشل 70% التي تعود إلى كتاب نُشر عام 1993 بعنوان: "إعادة هندسة المؤسسة" (Reengineering the Corporation)، حيث قال فيه المؤلفان مايكل هامر (Michael Hammar)، وجيمس تشامبي (James Champy): "تقدرينا غير العلمي أنه بمعدل من 50% إلى 70% من المؤسسات التي شرعت بجهود إعادة الهندسة لا تحقق النتائج المهمة المقصودة". ومنذ ذلك الحين، أصبح كتاب هامر وتشامبي "التقييم غير العلمي" ذا أهمية كبيرة. ففي مقالة عام 1994 نُشرت في صحيفة "بيرريفيود" (peerreviewed) بعنوان "إدارة أنظمة المعلومات" (Information Systems Management) قدّمت تقييم هامر وتشامبي كحقيقة مثبتة وغيرت "من 50% إلى 70%" فقط.
حاول هامر في كتابه "ثورة إعادة الهندسة" (The Reengineering Revolution) عام 1995 أن يبقي على الأرقام صحيحة. فيقول: "قمنا في كتاب "إعادة هندسة المؤسسة" بتقييم ما بين 50 و70% لجهود إعادة الهندسة التي لم تكن ناجحة بتحقيق الأداء المتقدم المرغوب. ولسوء الحظ، هذه المشاهدة الوصفية البسيطة حُرّفت، وحُوّلت، وشُوّهت بشكل بيان معياري. لكن لا يوجد معدل للنجاح المتأصل أو الفشل لإعادة الهندسة".
على الرغم من توضيح هامر، استمرت إحصائيات الـ 70% ليستشهد بها على أنها حقيقة، متضمنة كتب ومقالات "هارفارد بزنس ريفيو" أيضاً. وما اتفق عليه، أنه هناك بعض الغموض يحيط النجاح في مبادرات التغيير. لنأخذ مثالاً: عندما أجرى استشاريون في شركة "ماكنزي" (McKinsey) مسحاً تضمن 1,546 موظفاً تنفيذياً في 2009، قال 38% من المشاركين: "إن التحول كان ناجحاً كله أو كان ناجحاً في معظمه لتحسين الأداء، مقارنة بـ 30% كانوا راضين بشكل مماثل حول تحسين التحول لصحة مؤسستهم".
اعتماداً على الأرقام المقدمة من دراسة "ماكنزي"، سيكون من الجيد القول إنه طالما 30% إلى 38% فقط من مبادرات التغيير "ناجحة تماماً/ أو ناجحة في معظمها"، إذاً من 60% إلى 70% يجب أن تكون فاشلة. من ناحية ثانية، يضيف مؤسسو "ماكنزي" بأنه: "حوالي ثلث الموظفين التنفيذين صرحوا بأن مؤسساتهم كانت ناجحة نوعاً ما على كلا الصعيدين".
بمعنى آخر، يعتقد ثلث المدراء التنفيذين أن مبادراتهم للتغيير كانت ناجحة تماماً، ويعتقد الثلث الآخر أن مبادراتهم للتغيير كانت أكثر نجاحاً من الفشل. لكن "حوالي واحد بالعشرة فقط اعترفوا أنهم انخرطوا في عملية تحول كانت فاشلة تماماً أو فاشلة في معظمها". لذلك، بالإشارة إلى دراسة "ماكنزي" باعتبارها دليل على نسبة فشل تقدر بـ 70% كالقول إن كل مرة يرمي بها لاعب البيسبول كرته رمية قوية يفشل اللاعب. لكن هذا غير صحيح في البيسبول كما هو الحال في المؤسسات. فتظهر نتائج "ماكنزي" بأن حوالي 60% من مبادرات التغيير تقع بين الإخفاق، والنجاح، وواحد في العشرة هي محاولات لا أكثر.
ماذا يعني كل هذا إذاً؟
يُعتبر التغيير صعب بنفس صعوبة إنهاء الماراثون. نعم، لأنه يتطلب جهداً كبيراً. لكن حقيقة أنه يتطلب جهداً لا ينفي حقيقة أن معظم الأشخاص الذين يلتزمون بمبادرة التغيير يمكن أن ينجحوا في النهاية. هذه النقطة لم تلاحظ كثيراً من قبل جيل كامل من الخبراء، والأشخاص العاديين على حد سواء. أنا متهم أيضاً بهذا الإهمال مثل أي شخص آخر. لكن الآن بما أننا نعلم الحقيقة، ألا يقع علينا عاتق العمل عليها؟ ألم يحن الوقت لتغيير الطريقة التي نتكلم فيها عن التغيير؟
إننا القادة والاستشاريون، نحتاج إلى أن نكون واعيين بألا ينخرط أعضاء فريقنا في حالات التغيير بقائمة فارغة. فلعلّ سماعنا عقدين من الزمن عن معدلات الفشل الأسطورية زرع بذور النزعة ضد النجاح في أذهاننا، وفي كل مرة نقول "التغيير صعب" نروي تلك البذور.
لكن، الأخبار الجيدة هي أننا يمكننا علاج هذه المشكلة ببساطة بقلب السيناريو. ففي واحدة من دراساتهم، ذكّر باحثو جامعة "شيكاغو"، المشاركين في الدراسة كيف أن معظم الناس يحققون تحسناً مع القليل من الجهد. وفي هذه الدراسة، كانت النتائج معاكسة تماماً، حيث كان المشاركون في الدراسة أسرع في ملاحظة التغيّرات من الأسوأ إلى الأفضل. وعن طريق شحن الأشخاص بحقائق بسيطة عن الاحتمالية الكبيرة لتغيير ناجح، فقد تجاهل الباحثون النزعة السلبية تماماً.
وعوضاً عن سكب الزيت على النار عند التغيير المؤسساتي، يمكننا تذكير أنفسنا وفرقنا أيضاً، أننا نتعلم مهارات جديدة ونتكيف مع بيئات جديدة بالمعنى الحرفي منذ وجدنا في هذا العالم. وكل مرة نشعر بدافع لقول "التغيير صعب"، يمكننا تقديم ادعاء مختلف في كل لحظة كما هو واضح: "أن التكيف هو قاعدة الوجود الإنساني، وليس الاستثناء".
اقرأ أيضاً: عندما تطلب التغيير... اجعل تحقيقه أمراً سهلاً.