ملخص: عند تقديم استراتيجيات جديدة استجابة لمشهد الأعمال دائم التغير، يجب أن يحرص المسؤول التنفيذي على تحقيق التوافق بين هذه التغييرات والصورة الأكبر لوجهة مؤسسته؛ أي "رؤية" الشركة، ذلك لأنه عندما تتضارب الاستراتيجية مع الرؤية فسيفقد الموظفون والمساهمون والعملاء ثقتهم بإدارة الشركة. من أجل تحقيق هذا التوافق يجب على المسؤولين التنفيذيين تقييم مدى اتساق التغييرات الاستراتيجية قصيرة الأمد المقترحة مع الرؤية بعيدة الأمد ومقاومة الضغوط على تلك الاستراتيجيات التي تتضارب معها.
نظراً للوقت والجهد اللازمين لتطوير الاستراتيجيات الجديدة وتنفيذها، من الأفضل ألا نغير الاستراتيجيات أكثر مما ينبغي. ولكن ثمة حالات لا بد فيها من إجراء تغييرات استراتيجية قصيرة الأمد، لا سيما في سياق الأعمال الحالي دائم التغير. خذ مثلاً ضرورة الاستجابة لمناشدات التغيير الاجتماعي أو مطالبات المستثمرين بتغيير النتائج المالية الضعيفة.
عند الاستجابة لهذا النوع من الضغط، يجب أن يحرص المسؤول التنفيذي على تحقيق التوافق بين التغييرات الاستراتيجية التي يقوم بها مع الصورة الأكبر لوجهة المؤسسة وما تطمح لتحقيقه في المستقبل؛ أي "رؤية" الشركة. فعلى كل حال يجب أن تمثل القرارات الشاملة بشأن الأولويات وتخصيص الموارد تجسيداً لهذه الرؤية في الأفعال، وعندما تتضارب الاستراتيجية مع الرؤية فسيفقد الموظفون والمساهمون والعملاء ثقتهم بأن الإدارة تتبع خطة متماسكة ومتسقة للمضي بالشركة قدماً.
من أجل تحقيق هذا التوافق يجب على المسؤولين التنفيذيين تقييم مدى اتساق التغييرات الاستراتيجية قصيرة الأمد المقترحة مع الرؤية بعيدة الأمد ومقاومة الضغوط على تلك الاستراتيجيات التي تتضارب معها. يمكن أن تساعد هذه العملية بحد ذاتها القائد في تقييم درجة وضوح رؤيته وقدرتها على الإقناع، أو ضرورة صقلها أو مراجعتها.
فلنلق نظرة على طرق القيام بذلك فعلياً في سياقات مختلفة.
الاستجابة للتغيير الاجتماعي
يعدّ ربط الاستجابات الاستراتيجية قصيرة الأمد بالرؤية بعيدة الأمد أمراً بالغ الأهمية في استجابة الشركات للحراك الاجتماعي، إذ إنه يمثل ضغطاً على الشركات للتحرك بسرعة وبصورة علنية. ولكن عندما يطبق قائد الشركة استراتيجيات لا ترتبط بالرؤية الأكبر فستبوء هذه الاستراتيجيات بالفشل.
مثلاً، في صيف عام 2020 بعد جريمة قتل جورج فلويد، سارعت عدة شركات لوضع استراتيجيات بهدف إقناع موظفيها وعملائها بأنها تأخذ موقفاً صارماً ضد العنصرية الممنهجة، ولكن نتائج جهودها كانت مختلطة لا محالة. في حين عزا البعض السبب إلى قصور برامج التدريب على مكافحة العنصرية التي نفذت على نطاق واسع، أعتقد أن هذه الاستراتيجيات لم ترق إلى مستوى خطاب الشركات لأنها لم تكن مدعومة بالرؤية الأكبر للتغيير الذي تحتاج إليه الشركة نفسها.
خذ مثلاً معاكساً، في بعض الشركات التي وضعت بالفعل رؤية قوية لترسيخ الشمول والتنوع الاجتماعيين، كانت الاستراتيجيات الجديدة مدعومة بإطار عمل قائم بالفعل وأثبتت نجاحها. مثلاً، بحلول صيف عام 2020 كانت شركة الصناعات الدوائية "جونسون آند جونسون" قد وضعت بالفعل رؤية مفصلة تتمثل في "تعظيم قوة التنوع والشمول الاجتماعيين العالمية، وتحفيز نتائج أفضل وميزة تنافسية مستدامة للشركة"، وكانت تنشط بالفعل في تنفيذ مبادرات تتقدم بالشركة في هذا الاتجاه. لذلك بحلول شهر نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2020، حين تمثلت استجابة الشركة للوعي المتزايد بالظلم الاجتماعي في التعهد بتخصيص 100 مليون دولار لمعالجة مشكلات عدم المساواة العنصرية والصحية، شكلت هذه الاستراتيجية جزءاً واضحاً من التزام قائم بالفعل لا استجابة عابرة متوقعة للضغط الاجتماعي، وتضمنت دعم العيادات الصحية المتنقلة في مجتمعات السكان أصحاب البشرة الملونة وزيادة بنسبة 50% في تعيين موظفين من أصحاب البشرة الملونة في المناصب القيادية في الشركة. لربما كان هذا الاتساق واحداً من الأسباب التي منحت الموظفين المنتمين للفئات التي يتم تهميشها عادة شعوراً إيجابياً قوياً تجاه ثقافة الشركة وبيئة العمل فيها، ما جعلها ضمن أفضل 10% من الشركات التي تضم أكثر من 10 آلاف موظف وفقاً لموقع تقييم أماكن العمل "كومبارابلي" (Comparably).
يجب على القائد الذي تفكر شركته في اتخاذ خطوات كبيرة استجابة للحراك الاجتماعي التحقق من تنفيذها لهذا النوع من الرؤى بعيدة الأمد أيضاً، وإن لم تكن تفعل ذلك فينبغي له تطوير تلك الرؤية بالتوازي مع استراتيجياته قصيرة الأمد. كانت استجابة شركة "بيبسيكو" في صيف عام 2020 مركزة على المستقبل والصورة الأكبر على هذا النحو؛ إذ تعهدت بإضافة 100 موظف من أصحاب البشرة الملونة إلى صفوف المسؤولين التنفيذيين في غضون 5 أعوام وحققت بالفعل ما لا يقل عن ربع العدد المستهدف، كما قالت إنها ستضاعف إنفاقها على شركات التوريد التي يملكها أشخاص من أصحاب البشرة الداكنة في غضون 5 أعوام وأحرزت تقدماً ملموساً في هذا الاتجاه.
الاستجابة لضغط الأعمال
إن مواءمة الاستراتيجيات قصيرة الأمد مع الرؤية بعيدة الأمد أساسية في الاستجابة إلى الضغوط المالية، إذ يشعر المسؤول التنفيذي عادة أنه مجبر على إجراء التغيير الذي تطلبه الأرقام.
وشركة "جنرال إلكتريك" هي خير مثال على ذلك، إذ تبنت رؤية مقنعة طويلة الأمد منذ عام 2005 تهدف لتخفيض الأثر البيئي على مستوى العالم تحت عنوان "المخيلة البيئية" (ecoimagination) قادت الشركة باتجاه الاستثمار في توليد طاقة الريح والماء وفي مبادرات تهدف لصنع تكنولوجيات ذات انبعاثات كربونية أقل لمحركات الطائرات ومنتجات أخرى. لاقت هذه الرؤية ترحيباً إجمالاً، ولكن الضغط للحفاظ على الإيرادات دفع الشركة لتبني استراتيجية بيع شركة الماء في عام 2017 ومضاعفة جهدها في عمليات الاستحواذ في قطاع الطاقة غير المتجددة [خذ مثلاً عملية شراء شركة "ألستوم" (Alstom) لتوليد الطاقة بقيمة 9.5 مليار دولار في عام 2015 والتي شملت مصنع التوربينات التي تعمل على الفحم، وعملية الاندماج مع شركة "بيكر هيوز" (Baker Hughes) التي تقدم خدمات التنقيب عن النفط ومعداته في عام 2016]. أدت هذه الصفقات إلى تكذيب صورة شركة "جنرال إلكتريك" فيما يتعلق بالحفاظ على البيئة وأغرقتها في أعباء ديون كبيرة، وهي مشكلات كان من الممكن تفاديها لو أنها التزمت برؤية "المخيلة البيئية".
بالمقابل، حرص الرئيس التنفيذي لشركة "ميرك" (Merck)، كين فريجر، على إبقاء التركيز المباشر في تحركات شركته موجهاً إلى رؤية الشركة الشاملة على الرغم من ضغط المساهمين الهائل في بداية العقد الثاني من الألفية الثالثة لتخفيض الإنفاق على استراتيجية البحث والتطوير من أجل زيادة الربحية وسعر السهم. قاوم فريجر تغيير الاستراتيجية وعمل على تخصيص مبالغ أكبر من الميزانية لاستراتيجية البحث والتطوير لأنه اعتبرها أساسية في تحقيق رؤية الشركة بعيدة الأمد المتمثلة في "استخدام قوة العلوم الرائدة في إنقاذ الأرواح وتحسين الحياة في العالم"، وعلى الرغم من الانتقادات الشديدة التي طالت قراره على المدى القصير فقد حرص على إبقاء تركيز الشركة موجهاً نحو رؤيتها، وأدت هذه الاستراتيجية إلى تطوير أحد عقاقير الشركة الرائجة للأورام المناعية والموافقة عليه وإنشاء خط إمداد قوي للأبحاث، وعندما تقاعد فريجر في عام 2021 كان سعر السهم قد تجاوز ضعف قيمته.
استعن بالتغيير لتسريع رؤيتك
مهما كان مصدر الضغط الذي تتعرض له لتغيير استراتيجيتك، لا تحصر تفكيرك في قدرتك على تحقيق التوافق بين التغيير والرؤية بعيدة الأمد فحسب، بل فكر أيضاً في طريقة تحقيق هذا التوافق على نحو يسرّع مساعي شركتك لتحقيق تلك الرؤية.
خذ مثلاً شركة تكنولوجيا كبيرة كان هدفها بعيد الأمد يتمثل في جذب مزيد من النساء إلى وظائفها المتعلقة بالتكنولوجيا الفائقة، إذ اغتنمت النقلة المفاجئة إلى العمل عن بُعد والعمل الهجين على اعتبارها طريقة لتسريع رؤيتها المتعلقة بالتنوع بين الجنسين بصورة استباقية. أدرك المسؤولون التنفيذيون في الشركة من دراساتهم وملاحظاتهم السابقة أن النساء، اللائي ما زلن يحملن العبء الأكبر من مسؤولية رعاية الأطفال، يواجهن صعوبة غالباً في الدخول إلى فرق التكنولوجيا الميدانية في الشركة التي كان أفرادها الرجال يبقون في العمل حتى وقت متأخر أو يخرجون معاً بعد العمل، إلى جانب أن نساء كثيرات يقدّرن ساعات العمل المرنة أكثر من روح الزمالة. وبدافع من هذه المعلومات، اتبع هؤلاء المسؤولون التنفيذيون نهجاً مدروساً للاستفادة من ترتيبات العمل الهجين والعمل عن بُعد التي فرضتها جائحة فيروس كورونا في خفض أهمية الفرق التي يعمل أفرادها ضمن مكتب واحد، ويحرصون اليوم على منح المدراء القدرة على الاستمرار في إنشاء ترتيبات عمل مرنة للموظفين الجدد والحاليين على حد سواء. على الرغم من أن الوقت لا يزال مبكراً لمعرفة النتائج الأكيدة، فالمؤشرات الأولية في القطاع تبيّن أن هذه الاستراتيجية تسهّل تعيين النساء واستبقاءهن.
تحقق من رؤيتك
يتم العمل على تحقيق التوافق بين استراتيجيتك ورؤيتك طويلة الأمد على افتراض أنك تملك رؤية بالفعل، ولكن يجب عليك اختبارها لا سيما عندما تواجه ضغطاً لتغيير استراتيجيتك.
تتمثل إحدى الطرق السريعة لاختبارها في أن تسأل نفسك السؤال التالي: "كيف ستتمكن شركتك (أو وحدتك أو قسمك) على مدى 3-5 أعوام المقبلة من تمييز نفسها عن المنافسين واجتذاب أصحاب المواهب المهمة وضمان أن تكون مستدامة من الناحية المالية أو التشغيلية؟" دوّن الجواب على ورقة فيما لا يزيد على بضع جمل، ثم اطرح نفس السؤال على 3 من مرؤوسيك المباشرين وبعض أصحاب المصلحة الآخرين (كأعضاء مجلس الإدارة أو أهم العملاء أو الشركاء مثلاً).
إن لم تتمكن من توضيح الرؤية بسهولة، أو إن لم تحصل على أجوبة متسقة على نحو منطقي من الآخرين، فإما أنك لا تملك رؤية واضحة ومهمة، وإما أنك لم تتمكن من توضيحها أو فهمها بدرجة كافية.
إن لم تتمكن رؤيتك من اجتياز هذا الاختبار بالفعل، فخذ بعض الوقت (حتى وإن كان بضعة أيام فقط) وحاول أن توضح الرؤية بعيدة الأمد، وقد كتبت عن عدة طرق للقيام بذلك سابقاً في "الدليل الإرشادي للقادة"، وإن لم تكن الرئيس التنفيذي فبإمكانك اتباع إجراءات مماثلة في مجالك. وعلى كلّ، فإن وضع الرؤية بعيدة الأمد على رأس الأولويات هو خطوة حاسمة لدمج التغييرات الاستراتيجية قصيرة الأمد في خطتك.
من دون الرؤية التي توجهك، ستفضي استجابتك بإجراء التغييرات الاستراتيجية إلى نتيجة ما، ولكن ليس بالضرورة أن تكون النتيجة المرجوة.