هل تمتلك شخصيتين مختلفتين بين العمل والمنزل؟

3 دقائق
التغير في الشخصية
shutterstock.com/Ainuddin Burhanuddin

هل تؤمن بالقول الشائع "كُل ما يعجبك والبس ما يعجب الآخرين"؟ وهل تطبقه على نفسك؟ إذاً، ما رأيك بما تذكره الباحثة سارة نايت في كتابها "قم بما تريده" (You Do You)، إذ تتساءل الكاتبة عما ستفعله في حال ذهبت إلى المطعم وطلبت شريحة اللحم على أن تكون "Well Done" أي مطهية جيداً، ثم جاءك النادل وقدم لك شريحة نصف مطهية. هل ستعيد الطبق وتطلب منه الالتزام بما طلبته، أم ستقبله لأنك لا تريد أن تكون ثقيلاً في الإلحاح على طلباتك، ولا تريد أن تثقل على النادل والشيف الذي يتولى إعداد الطعام؟ تقول الكاتبة: "إذا كنت من النوع الذي سيبتلع هذا الخطأ ويتقبله، بعد التأكد من أنك فعلاً قد أوضحت طلبك للنادل، فإنك في هذه الحالة من الأشخاص الذين يتخلون عن طبيعتهم لإرضاء الآخرين. وفي هذه الحالة، أنت تأكل أيضاً ما يعجب الآخرين".

ربما يقسم بعض الناس فكرة التمسك بطبيعتهم، عندما يكون الأمر بينهم وبين أنفسهم فقط، بينما يتخلون عن طبيعتهم عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع الآخرين. وعلى الرغم من وجود ذوق عام وأعراف عامة، فإن كثيراً من الناس يتخلون عن طبيعتهم ويسايرون الآخرين أكثر من اللازم.

وهذا الأمر بات سائداً لدرجة أن الكثير من الناس أصبح لديهم شخصيتان، واحدة في العمل تتصف بأنها صارمة وجدية وربما غير أخلاقية، تحت مبررات مختلفة يصيغها الشخص لنفسه، ثم شخصية أخرى مختلفة تماماً لهذا الشخص في المنزل ومع الأصدقاء، وهي شخصية ودودة، ومرحة، وذات مبادئ أخلاقية. ولا شك في أن بيئة العمل هي التي قد تفرض هذا التغير في الشخصية، ربما من حيث اللباس المطلوب أو المنافسة غير الشريفة بين الموظفين أو من حيث ثقافة المؤسسة بشكل عام، وفي هذه الحالة، يشعر الموظف أنه مرغم على التخلي عن شخصيته.

وعن هذه التجربة وحول موضوع التغير في الشخصية تقول إحدى الموظفات في فيديو نشرناه في "هارفارد بزنس ريفيو"، بعنوان "ماذا يعني حقاً أن تكون على طبيعتك في العمل": "سيكون مرهقاً جداً للموظف، نفسياً وجسدياً، أن يكون شخصاً مختلفاً عن طبيعته لمدة 8 ساعات في كل يوم.

حيث إن الشركات التي تقول للمتقدمين للوظائف "أنت تعجبنا، ولكن.." تضطرهم إلى تغيير طبائعهم والإضرار بمصلحة الموظف والشركة معاً. وكلمة "أنت تعجبنا ولكن" تعني هنا؛ أنه يتعين عليك أو عليكِ تغيير كذا وكذا في مظهرك أو لباسك أو ضحكتك أو التقليل من إلقاء النكات، وغيرها من الملاحظات.

للأسف يعيش معظم الناس في شخصيتين يتخلون في إحداها عن طبائعهم الشخصية من أجل الآخرين سواء في العمل أو الحياة الشخصية، وقد اكتشفت فرانشيسكا جينو، الباحثة، والأستاذة في كلية "هارفارد للأعمال" في بحث أجرته، أن تلبية اهتمامات الآخرين وتوقعاتهم أمر شائع جداً. وعندما طلبت والباحثون معها مما يزيد على 450 موظفاً بالغاً، تصور أنهم على وشك الانخراط في تفاعل مهني مهم، كإجراء مقابلة لوظيفة أحلامهم أو إجراء مفاوضات قيّمة لشركاتهم أو إلقاء كلمة ترويجية لفكرة مشروع أمام مستثمرين محتملين، أو إلقاء عرض تقديمي لأحد العملاء، أشار 66% منهم إلى أنهم سيستخدمون أساليب تلبية اهتمامات الآخرين بدلاً من البقاء على سجيتهم، وقال 71% منهم إنهم يعتقدون أن هذه الأساليب ستكون أفضل طريقة في هذه الحالات.

وفي دراسة أخرى، وجد الباحثون، أن تلبية اهتمامات الآخرين هي أقل فعالية من البقاء على سجيتك، إذ حصل المرشحون للوظائف الذين أجروا مقابلات عفوية أظهرت طبيعتهم الشخصية على وظائف، أكثر بنسبة 26% من الذين تصنّعوا شخصيات أخرى لإرضاء من يقابلهم.

والسبب في ذلك، كما تقول الأستاذة جينو هو: "أنك عندما تسعى إلى تلبية اهتمامات الآخرين، فأنت تتعمد التقليل من شأن اهتماماتك وتفضيلاتك الشخصية لصالح اهتمامات الآخرين وتفضيلاتهم. إن بذل جهد لإخفاء ما تفعله حقاً وحقيقة شخصيتك عن الشخص الذي تحاول إثارة إعجابه هو أمر مرهق ذهنياً وعاطفياً، وبالتالي، فهو يقوض أداءك.

ثانياً، لا يمكنك معرفة اهتمامات الشخص الآخر وتفضيلاته على نحو مؤكد حتى لو أجريت كثيراً من البحث بشأنه، وذلك يزيد من توترك ويجعلك تشعر بأنك مزيف، وأن تكون كذلك أيضاً. وكل ذلك يضر بأدائك في الاجتماع".

وبسبب اختلاف شخصيات البشر وتداخل ما هو مصطنع في الشخصية مع ما هو طبيعي، فقد بدأ الجدل الذي انتهى إلى أن كثيراً من الشركات باتت ترفض إجراء اختبارات الشخصية للمتقدمين للوظائف، مثل اختبار "مايرز بريجز" وغيره، لأن هذه الاختبارات لم تعد مؤشراً دقيقاً، حيث كشفت الدراسات، أن أكثر من نصف الناس الذين خضعوا للاختبار مرة أخرى حصلوا على نتيجة مختلفة في المرة الثانية، لدرجة أن مؤسِسة "مايرز-بريجز" تحذر من استخدام الاختبار لأجل "التوظيف أو تحديد المهام الوظيفية".

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي