ملخص: نشهد اليوم تحوّلاً مزلزلاً في طرق العمل، إنه تطور ناجم عن تقدم التكنولوجيا وتغير المعايير المجتمعية؛ سيتميز العمل في هذه المرحلة الجديدة بالقدرة على التكيّف ودمج التكنولوجيا والمرونة وروح التعاون، وستحكمه علاوة على ذلك نظرة شاملة لا تكتفي بحساب الإنتاجية فقط، بل تحسب رفاهية الأفراد والتأثير المجتمعي الأوسع للعمل الذي ننجزه. يرتكز التحول المهم الذي يشهده هذا العصر على 4 محاور: 1) تسريع الإنتاجية بالذكاء الاصطناعي، و2) إدخال نماذج أعمال تكنولوجيا الويب 3، و3) بروز جيل جديد من العاملين الذين يلغون الحدود الفاصلة بين العالم الواقعي والعالم الرقمي، و4) تحوّل نظرة المجتمع إلى العمل. سيحقق من يسخّرون هذه القوى مستويات جديدة أعلى من الإنتاجية والقدرة على الإبداع، في حين سيخاطر من يقاومونها بالتخلف عن الركب والتلاشي.
ألغي كثير من حدود العمل التقليدية التي قيّدت العديد منّا، مثل مكاتب العمل المغلقة والجداول الزمنية المحدّدة والقيود الجغرافية، بفعل جائحة كوفيد-19 وقوى العولمة وظهور اقتصاد الأعمال المستقلة، في المقابل تعزّز العمل بفضل تكنولوجيات الويب 3 والذكاء الاصطناعي التوليدي. تُعزّز هذه التحولات الثورية نموذج عمل جديداً يستمر على مدار اليوم والأسبوع ويتميز ببيئة عمل تعاوني لا محدودة تمتد عبر القارات والمناطق الزمنية والثقافات.
سواء تعلق الأمر بمطوّر برمجيات في ساو باولو يعمل مع مصمم في سنغافورة، أو محلّل بيانات في لندن يعمل مع رسام في نيروبي، أضحى بإمكان الجميع التعاون آنياً على الإبداع والابتكار. من المتوقع أن يؤدي هذا التحول نحو الوظائف اللامركزية القائمة على المشاريع إلى تعزيز اقتصاد العمل المستقل وإتاحة الفرص الاقتصادية الشاملة على مستوى العالم. وتمنح التكنولوجيات المعتمدة على البلوك تشين (سلسلة الكتل) ركيزة لدعم هذه النماذج الجديدة من خلال توفير سجلات عمل غير قابلة للتلاعب ستشكّل السِّير الذاتية الجديدة التي تعرض مهارات الموظف وإنجازاته وتاريخ عمله، الأمر الذي يعزز الثقة به وقابلية توظيفه. علاوة على ذلك، ستؤدي وسائل الدفع الجديدة مثل الرموز الرقمية إلى ظهور قوة عمل لا مركزية بدرجة أكبر.
يرتكز التحول المهم الذي يشهده هذا العصر على 4 محاور: 1) تسريع الإنتاجية بالذكاء الاصطناعي، و2) إدخال نماذج أعمال تكنولوجيا الويب 3، و3) بروز جيل جديد من العاملين الذين يلغون الحدود الفاصلة بين العالم الواقعي والعالم الرقمي، و4) تحوّل نظرة المجتمع إلى العمل.
الذكاء الاصطناعي التوليدي: ميدان العمل المعرفي
سيكون تأثير الذكاء الاصطناعي التوليدي في مستقبل العمل وسوقه وموظفي المكاتب عميقاً جداً، ومن المؤكد أنه سيحلّ محلّ الإنسان في إنجاز بعض المهام والوظائف التكرارية، غير أن أفضل ميزاته الواعدة هي عمله جنباً إلى جنب مع البشر. أشارت دراسة حديثة أجرتها منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة إلى أنه من المرجح أن يعزز الذكاء الاصطناعي الوظائف بدلاً من أن يقضي عليها، وقال الرئيس التنفيذي لشركة آي بي إم (IBM)، آرفيند كريشنا، في مقابلة مع قناة سي إن بي سي (CNBC): "من المؤكد أن الذكاء الاصطناعي لن يلغي الوظائف الإدارية بل سيزيدها".
لكن ثمة من يعتقد عكس ذلك، فقد صرّح لنا مؤسس الشركة الناشئة التي تعيد بلورة مستقبل الذكاء الاصطناعي التوليدي تاتش كاست (Touchcast)، إيدو سيغال، قائلاً: "لم يسبق أن شهدنا الذكاء الاصطناعي يحلّ محلّ الموظفين في تخصص معرفي بهذه الدرجة، كان الهدف أن تحلّ الأتمتة محلّ العمالة اليدوية لكن من الممكن أن تتوسع اليوم كي تشمل أتمتة الوظائف المعرفية. كان لدينا ذكاء اصطناعي محدود لحالات محدودة، لكن لم تكن لدينا حلول واسعة مثل الحلول الجديدة التي نراها اليوم تؤدي مهام وظائف كاملة، مثل البرمجة وبعض أشكال المحاماة والاستشارات الإدارية".
تؤكد الأبحاث التي أجرتها مؤسسة غولدمان ساكس (Goldman Sachs) مؤخراً ما يقوله سيغال إذ تكشف أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يحلّ محلّ ما يعادل 300 مليون وظيفة بدوام كامل في السنوات الخمس عشرة المقبلة على نحو يؤثر في الوظائف المكتبية التي كانت في الماضي لا تقبل المساس بها. لكن ثمة رابحون وخاسرون في أيّ تطور تكنولوجي؛ فالذكاء الاصطناعي قادر على خلق 69 مليون وظيفة جديدة في السنوات الخمس المقبلة، ويمكن أن يرفع الناتج المحلي الإجمالي العالمي على المدى البعيد بنسبة 7%، إذا تحققت توقعات نموه الواردة في أبحاث مؤسسة غولدمان ساكس بالكامل. ومن الممكن أيضاً أن تدعم التكنولوجيا البشر بطرق لم نتصورها من قبل مع توقع اقتراب الاستثمار في الذكاء الاصطناعي من 200 مليار دولار على مستوى العالم بحلول عام 2025.
يعتقد معظم الخبراء في الوقت الحالي أن الذكاء الاصطناعي سيؤثر تأثيراً إيجابياً في مستقبل العمل، إذ سيزيد ربحية الشركات وإنتاجيتها، لكن هذا التحول يأتي أيضاً في وقت سيشهد انقلاب نموذج الأعمال التقليدي رأساً على عقب من خلال تطبيقات الويب 3.
نماذج عمل جديدة
يعتمد نموذج العمل اللامركزي الناشئ على توزيع الصلاحيات والمهام، وهو ما يَعِد بجعل العمل أقدر على تلبية الاحتياجات الفردية والأهداف الجماعية. هذه التكنولوجيات التي يشار إليها غالباً باسم الويب 3 ليست مجرد تحديثات هامشية، بل هي حجر أساس التحول الرائد في علاقاتنا بالعمل. يوضح كتابنا "موت التوظيف" (Employment Is Dead) الذي تصدره مؤسسة هارفارد بزنس ريفيو برس أن نماذج العمل القديمة تتدهور بسرعة، في حين يتيح ظهور تكنولوجيات الويب 3 مجموعة من الأدوات لإعادة تشكيل أماكن العمل حيث سيتجاوز العاملون المستقلون، لا الموظفون، الأطر المركزية التي تقيّد الشركات الحديثة اليوم.
تقدم أساليب الويب 3 مجموعة من نماذج الأعمال الجديدة بفضل تكنولوجيات مثل البلوك تشين والقواعد اللامركزية (الأنظمة الرقمية التي تعمل دون سلطة مركزية) وملكية المستخدم للبيانات. ويتطور اقتصاد الأعمال المستقلة ليتحوّل إلى سوق عالمية للمواهب يتمتع فيها العمال الأفراد والمستقلون، غير الموظفين، بقوة وسيطرة أكبر على أرباحهم وسبل عيشهم. ومع تبنّي تكنولوجيا ويب 3 بالطرق المناسبة، ستتمتع بالقدرة على حلّ مجموعة من مشكلات الأعمال وما يحبط العاملين، مثل إلغاء الوسطاء أو المدراء والسماح من ثمّ للأفراد بالعمل مباشرة مع العملاء أو الزبائن وتقديم تعويضات أكثر عدالة (يمكن أن تؤدي العقود الذكية في تكنولوجيا البلوك تشين إلى أتمتة تعويضات العمل العادلة وضمانها ويمكن أن تقلل النزاعات وتضمن الدفع في الوقت المناسب) والسماح للفرد بملكية عمله (يمكن أن يتمتع العاملون بملكية حقيقية لإبداعاتهم الرقمية، مثل إبداعات الفن أو الموسيقى أو صناعة المحتوى، من خلال تكنولوجيا البلوك تشين والرموز غير القابلة للاستبدال ما يوفر مزيداً من الرقابة والتعويضات العادلة).
تتخذ شركات الويب 3 على سبيل المثال شكل مؤسسات مستقلة لا مركزية (DAOs) تُوزَّع فيها عملية صناعة القرار بين المشاركين، وهم حاملو الرموز المميزة. وتساعد هذه المؤسسات على تمكين المشاريع التي يقودها أفراد المجتمع، وتسمح لأصحاب المصالح بالتصويت على المقترحات والاستثمارات وقضايا الحوكمة. كما تبدو هذه المؤسسات شبيهة بديمقراطية رقمية لن يكون الفرد فيها مجرد عميل، بل مشاركاً في إنشاء المشروع.
مع صعود هذه المؤسسات يتحوّل الموظفون من مجرد أدوات في عمل الشركة إلى مشاركين يتمتعون بالصلاحيات ولديهم مصالح ملموسة في أعمالهم. ويتمتع أعضاء هذه المؤسسات بفضل استخدام رموز الحوكمة برأي مباشر في عمليات صناعة القرار بدءاً من تخصيص الموارد وصولاً إلى التوجيه الاستراتيجي. وبذلك، تسود روح الديمقراطية في مكان العمل، ويُتاح للموظفين جني قدر كبير من القيمة التي يولدونها؛ فكّل مهمة تُنجَز أو فكرة تُقدَّم أو مشروع يُدار في هذه المنظومة يُنسب مباشرة إلى فرد معين نستطيع مكافأته وتقديره بإنصاف. وعلى عكس الأنظمة التقليدية التي تحصد فيها المؤسسات ثمار عمل الموظفين، تضمن المؤسسات اللامركزية المستقلة أن يجني الموظفون ثمار القيمة التي يخلقونها، كما تعتمد في جوهرها على تعزيز ثقافة الملكية الشفافة والعادلة التي يمكن التحقق منها مع إعادة تشكيل جذري لمعنى الانخراط الحقيقي في العمل. ومع ذلك من الممكن أن تظهر مخاوف متعلقة بتقدير جهود الأفراد والمطالبة بالتعويضات العادلة عن العمل المنجز. فعلى غرار أيّ تكنولوجيا أو بنية تنظيمية مؤسّسية ناشئة، قد يواجه التنفيذ العملي لمبادئ المؤسسة المستقلة اللامركزية تعقيدات تتطلب التعامل معها بطرق مدروسة لضمان تحقيقها بالكامل.
في ظل وجود ما يقرب من ملياري شخص حول العالم غير مشمولين في النظام المصرفي التقليدي، يقدم التمويل اللامركزي (DeFi) ثورة مالية دون وسطاء، ولا بنوك ولا شركات سمسرة، ويكتفي فقط بعقود ذكية تسهل المعاملات بين المشترين والبائعين، حيث يمكنك إقراض عملتك الرقمية لكسب الفائدة وتداول الأصول على مدار اليوم والأسبوع والتعامل بعملة عالمية واحدة. ومن شأن هذا الأمر إتاحة المنتجات المالية على نطاق واسع وتمكين أيّ شخص لديه هاتف ذكي من المشاركة في التمويل العالمي وتجاوز التقاليد المالية القديمة.
لكن مَن المؤهلون أكثر لنشر تطبيقات الويب 3 واستخدامها؟ إنهم أبناء جيل زد، المولودون بعد سنة 1997، الذين يمثلون جيلاً جديداً من العاملين نشأ مع التكنولوجيا الرقمية والأنظمة اللامركزية وعقلية الابتكار والوعي الاجتماعي.
زلزال الشباب: جيل جديد من العاملين
مصطلح زلزال الشباب (youthquake) الذي ابتكرته مجلة فوغ في الستينيات لوصف تحولات الموضة والثقافة آنذاك عاد اليوم من جديد ليعبّر عن تأثير جيل زد لسببين رئيسيين: 1) تعداد أبناء هذا الجيل 2) براعتهم الرقمية الفطرية. نظراً إلى أن ما يقرب من 52% مـن سكان العالم لم يبلغوا 30 عاماً بعد، وفقاً لمكتب تعداد الولايات المتحدة، فأبناء هذا الجيل الرقمي نشؤوا وهم يحملون بين أيديهم أجهزة رقمية منذ الصغر، فأثرت بعمق في تشكيل قيمهم واهتماماتهم ورؤاهم عن العالم. وغالباً ما يمزج أبناء جيل زد بين الواقع والعالم الرقمي الذي يفضلونه أحياناً للعيش والإبداع والعمل.
لنأخذ على سبيل المثال منصة الألعاب روبلوكس (Roblox) التي تسمح للمستخدمين بلعب العشرات من الألعاب التي أنشأها مستخدمون آخرون، لقد استطاعت جمع عدد مذهل يبلغ 66.1 مليون مستخدم يومياً يشاركون بنشاط في الشراء والبيع والتصميم والابتكار داخل عالمها الافتراضي. يعتقد العديدون من هؤلاء المستخدمين، الذين يمارسون الألعاب المفتوحة المصدر منذ قرابة عقدين، أن لديهم وظيفة مستدامة بسبب القيمة التي ينتجونها لكسب العملة الافتراضية الممنوحة في هذه الألعاب، والتي يمكنهم تعويضها بأموال "حقيقية" عبر برنامج روبلوكس لتبادل المطورين، ديفيكس (DevEx). لذا إذا خيّرت شباب اليوم بين العمل في مطعم لشطائر البرغر أو التحوّل إلى مؤثرين اجتماعيين فالأغلبية ستفضّل الخيار الثاني.
وفقاً لاستبيان أجراه موقع إيرث ويب (Earth Web) مؤخراً فإن 75% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 أعوام و17 عاماً يطمحون إلى أن يصبحوا من صناع محتوى يوتيوب بدلاً من ممارسة مهن تقليدية مثل الطبيب أو الإطفائي. يسلط هذا التوجه الضوء على التأثير المتزايد لاقتصاد المؤثرين الذي تبلغ قيمته 250 مليار دولار، إذ تفوق جاذبية الحرية الإبداعية غالباً جاذبية الوظائف التقليدية في الشركات. وبينما نتطلع إلى المستقبل، من الضروري جداً أن نفكر في عمل الجيل الذي ترعرع في كنف الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين واللامركزية، في هذا الإطار يقدم مفهوم زلزال الشباب منظوراً نقدياً جديداً وصريحاً لكيفية تنظيم العمل وتحديد تعويضاته وتقييمه.
تحوّل مجتمعي في النظرة إلى العمل
غيّرت جائحة كوفيد-19 علاقتنا بالعمل إلى الأبد بعد أن أثبتنا أنه بإمكاننا العمل خارج بيئة المكاتب التقليدية، لا سيّما مع زيادة إنتاجية العمل المنزلي بنسبة 47% في عام 2020 وفقاً لدراسة أجرتها شركة برودسكور (Prodoscore). وأشار تقرير آخر أعدّه الأستاذ المشارك في وحدة إدارة التكنولوجيا والعمليات في كلية هارفارد للأعمال، بريثويراج شودري مع زملائه، إلى أن العاملين عن بُعد كانوا منتجين أكثر بنسبة 4.4% في المتوسط مقارنة بنظرائهم في المكاتب، نتيجة لبيئة عملهم الأهدأ وفترات التوقف الأقل بسبب مقاطعة الزملاء، إلى جانب القدرة على تنظيم يوم العمل وفقاً للفترات الأكثر إنتاجية بالنسبة لكل فرد.
علاوة على ذلك ازداد انتشار أنشطة اقتصاد العمل المستقل، مثل العمل الحر والعقود المؤقتة والعمل القائم على المشاريع، ما وفّر للأفراد مرونة أكبر في اختيار المهام وتحديد وقت كسب مورد عيش مستدام ومكانه وكيفيته.
وقد يكون الأهم من ذلك أننا شهدنا أيضاً تحولاً كبيراً في عقلية التعامل مع الأمور التي يمكننا قبولها في حياتنا العملية في المستقبل بعد أن أصبحنا نركز أكثر على مستويات رفاهيتنا وأهدافنا علاوة على الاعتبارات البيئية والاجتماعية المتعلقة بالعالم الذي نعيش فيه.
ستركز النسخة المقبلة إذاً من أماكن العمل أكثر على رفاهية الموظفين وصحتهم النفسية وشعورهم بالغاية من العمل، ونظراً إلى أن صيف 2023 سجّل أعلى معدلات درجات الحرارة فليس بإمكاننا فصل أماكن العمل عن مسؤوليات كل من الاستدامة البيئية والمجتمع. كما تدرك الشركات اليوم أن دافعية الموظفين ورضاهم عن ظروف عملهم يعززان الإنتاجية ويحفزان الابتكار بدرجة كبيرة. وثمة ممارسات عمل راسخة كانت في السابق غير تقليدية ولكنها أضحت اليوم مقبولة على نطاق واسع، مثل استخدام الاجتماعات الافتراضية على منصة زووم للتعاون عن بعد والمرونة في العمل من المنزل خلال الساعات التي تكون فيها إنتاجية الموظف في أقصاها واعتماد قواعد اللباس المريح، التي قوبلت كلّها بمقاومة قبل ظهور جائحة كوفيد-19 وتزايد المخاوف المناخية لكنّها أصبحت الآن ممارسات عادية ومقبولة.
باعتبارنا مؤسّسَين مشاركين في معهد وورك 3 (Work3 Institute)، وهو شركة أبحاث واستشارات متخصصة في قضايا تقاطع الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيات الويب 3 واستراتيجيات مكان العمل، فإننا نساعد المؤسسات الكبيرة على الانتقال إلى نموذج عمل جديد مصمم على نحو خاص لعصر الويب 3 والذكاء الاصطناعي نطلق عليه اسم "وورك 3" (Work3) ويمثل تقدماً شكلته التطورات التكنولوجية والأعراف المجتمعية المتغيرة. سيتميز العمل في هذه المرحلة الجديدة بالقدرة على التكيّف ودمج التكنولوجيا والمرونة وروح التعاون، وستحكمه علاوة على ذلك نظرة شاملة لا تكتفي بحساب الإنتاجية فقط، بل تحسب رفاهية الأفراد والتأثير المجتمعي الأوسع للعمل الذي ننجزه.
سنشعر بالثقة في مستقبل عمل أفضل من خلال تبنّي تكنولوجيات اليوم والغد وابتكاراتهما، بدءاً باجتماعات الواقع الافتراضي التي تلغي المسافات مروراً بالتوازن الأفضل بين العمل والحياة وصولاً إلى خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي تعمل على زيادة الإبداع البشري. ومع ذلك، من الضروري استخدام هذه الأدوات بذكاء ومسؤولية وإلا فسدت تجربة العمل بالنسبة إلى الجميع.
عليكم إذاً ربط أحزمة الأمان لأن عالم العمل على وشك أن يشهد تحولاً مزلزلاً، فمعايير القرن الواحد والعشرين التي ما تزال تحكم حياتنا المهنية على شفا تحوّل جذري. سيحقق من يسخّرون هذه القوى مستويات جديدة أعلى من الإنتاجية والقدرة على الإبداع، في حين سيخاطر من يقاومونها بالتخلف عن الركب والتلاشي.