يعتبر المنزل ملاذاً وراحة من ضغط العمل، أليس كذلك؟ إنه ليس كذلك دائماً، حتى وإن استطعت إلقاء مشاريعك وما يؤرق فكرك وراء ظهرك عند الخروج من المكتب، فقد يجد شريك حياتك صعوبة في القيام بذلك مثلك وبالتالي ينتقل ذلك الضغط إليك أيضاً. إذاً، كيف يمكنك مساعدة شريك حياتك في التغلب على ضغط العمل؟ وما أفضل ما تقوم به عندما يبدأ شريكك بالشكوى، وما هو الفعل الأسوأ؟ وهل يمكنك مساعدته على تغيير نظرته للأمور؟ وكيف تضع قواعد ليعود المنزل ملاذاً للراحة والسكينة مرة أخرى؟
ماذا يقول الخبراء؟
يعتبر التعامل مع الضغط واقعاً لا بد منه في الحياة العملية. وعندما تكون طرفاً في حياة يمارس فيها الزوجان عملاً وظيفياً، تصبح لديك ضغوطاتك الخاصة التي عليك التعامل معها بالإضافة إلى ضغوطات نصفك الآخر. ولكن، لا ليس ذلك بالضرورة أمراً سيئاً، إذ تشير جينيفر بتريليري، أستاذة مساعدة في السلوك التنظيمي في "المعهد الأوروبي لإدارة الأعمال (إنسياد)" (INSEAD)، إلى ذلك قائلة: "عندما يكون لكل من الزوجين وظيفته الخاصة، فقد يعني ذلك التعرض لضغط مضاعف، ولكن يمكن أن يعني كذلك ضعف التعاطف والتفاهم بينهما"، وتضيف أنّ الجانب الإيجابي أيضاً هو أنّ مساعدة الطرف الآخر في التغلب على الشعور بالضغط يساعدك أنت كذلك على مواجهته بشكل أفضل، وتقول: "عندما ينجح الزوجان في التعامل مع الضغوطات، يصبح كل منها أكثر قدرة على التكيف مع الظروف المختلفة". ويرى جون كولمان، مؤلف مشارك في كتاب "الشغف والهدف" (Passion & Purpose)، أنّ السر يمكن في عدم التفكير من منطلق أنكما "شخصان يواجه كل منهما الضغط بمفرده" بل من منطلق أنكما "شريكان تواجهان الضغط معاً". ويضيف أنّ هدفك هو: "أن يجدك شريك حياتك متنفساً إيجابياً له"، وسواء كان يشعر بالضغط نتيجة صدام مع مديره أو اقتراب موعد تسريح موظفين من الشركة أو يشعر بالضغط بسبب عميل يدفعه للجنون، فإليك بعض النصائح حول كيفية مساعدته على تخطي ذلك الشعور:
الاستماع الجيد
عندما يعود الشريك إلى المنزل ويبدأ في التحدث عن آخر المواقف التي أزعجته في العمل، يميل معظمنا إلى "الاستماع بنصف اهتمام". تقول بتريجليري: "تكون الساعة السابعة مساء وأنت مندمج في إعداد العشاء والأطفال يلعبون حولك، فتومئ برأسك وتقول له ’أجل، أجل’"، ولكن على الأغلب سيثير ذلك مزيداً من الإحباط في نفسه. وبدلاً من ذلك، تقترح بتريجليري "منحه اهتماماً كاملاً"؛ استمع و"ركز تماماً فيما يقول"، ولا تقاطعه أثناء الحديث، "فغالباً كل ما يحتاجه شريكك هو مجرد التحدث لمدة ثلاث دقائق وإزاحة العبء عن صدره". يوضح كولمان أنه عليك ألا تقدم أي نصائح في هذا الوقت، ويقول: "ليس عليك أن تكون حلالاً للمشاكل دائماً، فأحياناً كل ما يريده شريكك هو أن تستمع إليه".
تقديم الدعم
يرى كولمان أنه من الضروري أن "تظهر تفاعلك مع ما يقوله شريكك، وعدم الاكتفاء بالتحديق إليه"، بل عليك "التحدث بأسلوب مشجع وداعم". عليك أن تتعاطف معه وتواسيه، ولكن دون أن تقارن ضغوطاتك بضغوطاته. "فمثلاً، عندما يبدأ شريكك بالحديث، لا تقل له ’أتظن أنّ يومك كان سيئاً، استمع لما حدث معي!’، فلن يجدي ذلك أي نفع"، فالقدرة على تحمل الضغط ليست مجالاً للتنافس بينكما. ومع ذلك، فليس من السهل دائماً تقديم الدعم والتشجيع عند الحاجة لذلك، فكما يقول كولمان، أحياناً "لا يكون المرء مهيأً عقلياً للتعامل مع مشكلات شريكه". وترى بتريجليري أنه إذا كان الوقت غير مناسب، فاعرض "متابعة الحديث في وقت لاحق، في المساء مثلاً أو في اليوم التالي أو حتى في عطلة نهاية الأسبوع القادمة"، فالمهم هو أن "تترك الباب مفتوحاً لمتابعة الحديث".
القيام بدور الموجه المهني (دون مبالغة)
يقول كولمان: "من مزايا الزواج أن يصبح لديك شريكاً يعرفك كما تعرف نفسك"، بل ربما أفضل قليلاً. "فإذا شعرت أنّ شريكك يسيء تقدير موقف ما في العمل أو يسير في الاتجاه الخاطئ، فعليك أن تقول شيئاً حيال ذلك". ويقترح كولمان "طرح الأسئلة المناسبة يساعد على توسيع آفاق الطرف الآخر". حاول تقصي وجهة نظره وأسبابه، ولكن بشكل ملائم، كأن تقول مثلاً: "’ما الذي يجعلك ترى الأمر بهذه الطريقة؟’ أو ’هل هناك موقف آخر يتطلب استجابة مختلفة؟’ فأحياناً عليك أن تساعد شريكك على التعرف على الجوانب الخفية التي قد يجهلها". وترى بتريجليري أنه عليك تقديم النصيحة في هذا الوقت، ولكن بطريقة لطيفة، فتقول مثلاً: "لدي اقتراح قد يساعدك على المضي قدماً، هل تود سماعه؟ سيساعد ذلك على تخفيف حدة الموقف".
إمعان التفكير
ترى بتريجليري أنه من الضروري كذلك أن تكون على علم بنوع الضغط الذي يمر به شريك حياتك، فهناك نوعان من ضغوطات العمل؛ وهما "الضغط المؤقت، مثلاً الناتج عن اجتماع سيئ أو إخفاق في مشروع، والضغط المزمن، الذي يظل مستمراً" لفترة طويلة، وتضيف أنّ الضغط المزمن قد يشير إلى أنّ شريكك "على الطريق الخاطئ"، وهذه الأعراض هي "الأعراض التقليدية لعملية التكيف مع الوضع السيئ ومقاومة التغيير" بمعنى أنه عليك "ملاحظة سلوك شريكك ومزاجه وتصرفاته" ومساعدته على التفكير جيداً في وظيفته ومسار حياته المهنية. "اطرح عليه أسئلة مثل، كيف تسير الأمور؟ هل تقف في المكان الصحيح؟ هل تشعر بالرضا؟"، إذ تعتبر هذه الأسئلة، بالتأكيد، فرصة "لفتح حديث طويل وهادف تُفضل مناقشته في سهرة خارج المنزل أو أثناء التنزه على الشاطئ". أما إذا كان شريكك يعاني حقاً من الضغط، فعليك أن تكون قادراً على التحكم في الأمر.
تشجيع الصداقات والاهتمامات الخارجية
يرى كولمان أنه على الرغم من كل ذلك، "لا يمكنك أن تكون قادراً بمفردك على التعامل مع ضغوطات شريكك، إذ يعتبر شريك الحياة، عادة، أكثر من نعتمد عليه، إلا أنّ زيادة اعتماد كل طرف على الآخر يمكن أن يفسد العلاقة". ولذلك، عليك أن "تساعد شريكك في أن يحظى بحياة خارج المنزل والعمل، ويصبح له فضاء آخر. امنحه الحرية والمساحة للقيام بنشاط يستمتع به، مثل هواية أو رياضة". ومن الضروري كذلك أن يكون لدى كل منكما "مجموعة من الأشخاص خارج المنزل يمكنهم مساعدته على مواجهة" التحديات المهنية؛ ويستمعون إليه جيداً ويقدمون النصح والمشورة. وتؤكد بتريجليري ضرورة تشجيع شريكك على "إقامة صداقات وعلاقات جديدة"، وقد يكون من المفيد كذلك "تشجعيه على زيارة معالج نفسي أو مدرب مهني لمساعدته على تجاوز الأمر". ومع ذلك، عليك أن تضع في اعتبارك أنّ المعالج أو المدرب ما هو إلا "عنصر تكميلي وليس بديلاً" عن دورك.
تخلص الشريكين من الضغط معاً
أخيراً، وكما يوضح كولمان، عليك أن تجعل "منزلك ملاذاً للراحة والسكينة"، ولكن من الأسهل قول ذلك عن فعله. إذ يعتبر توسع استخدام الهواتف النقالة وأجهزة الكمبيوتر المحمولة وطبيعة العمل المستمر ليلاً ونهاراً عقبات كبيرة تحول دون تحقيق ذلك. ولذلك "عليك وعلى شريك حياتك الحرص على استخدام الأجهزة المحمولة بطريقة حكيمة، ويجب أن تكون هناك أوقات خلال اليوم تتركا فيها الهواتف؛ فمن الضروري أن تضعا حداً لاستخدام أجهزة العمل في المنزل". كما يقترح كولمان مساعدة شريكك على "تخصيص عادة يفصل بها بين العمل والحياة"، وقد تكون هذه العادة، مثلاً، الاستماع إلى كتاب مسموع أو موسيقى أو مجرد المشي في نهاية يوم العمل، "فكلاكما بحاجة إلى وقت تتخلصا فيه من الضغط".
قواعد عليك تذكرها
افعل:
- ترك هاتفك ومنح شريكك انتباهاً كاملاً.
- تقديم النصيحة بطريقة لطيفة، ومساعدة شريكك على التعرف على الجوانب المجهولة بالنسبة له.
- تخصيص عادات تساعد على الهدوء تمارس عند الانتهاء من العمل، فكلاكما بحاجة إلى وقت تتخلصا فيه من الضغط.
لا تفعل:
- الاستعجال في حل مشاكل شريكك، فأحياناً لا يريد سوى التنفيس عما بصدره.
- إغفال التصرفات العامة للشريك، فعليك أن تلاحظ إذا بدى عليه أنه أصبح عالقاً في وظيفة بلا هدف.
- تصور أنك قادر بمفردك على التعامل مع ضغوطات شريكك في العمل، فعليك أن تشجعه على إقامة صداقات وممارسة هوايات واهتمامات خارجية.
دراسة حالة رقم 1: تخصيص عادات تساعد على الهدوء وممارسة دور الموجه الداعم
يعرف أليكس ميمبريلو، الرئيس التنفيذي لشركة كاردينال (Cardinal) للتسويق الرقمي في أتلانتا، جيداً التحديات التي يواجهها في مساعدة شريكة حياته على التعامل مع ضغوطات العمل، ويقول: "تعمل زوجتي في شركة كبيرة متخصصة في تكنولوجيا المعلومات، وتعاني من ضغط كبير بسبب رئيسها في العمل منذ عامين، كان الأمر صعباً حقاً".
توصل أليكس إلى بعض الوسائل لمساعدة زوجته في التغلب على الضغط. أولاً، يستمع جيداً إليها، إذ يقول: "في أول 15 دقيقة بعد عودتها من العمل، أتركها فقط تفرغ ما بصدرها"، ويضيف: "تخبرني بما قاله رئيسها في ذلك اليوم، وأنا لا أفعل شيئاً سوى الإنصات لها. لا أبدي انفعالي ولا أقدم النصيحة، فليس هذا وقتاً مناسباً لأي اقتراحات".
ثانياً، يقدم الدعم لها؛ يقول: "عندما تصبح أكثر هدوءاً، أذكّرها بنقاط قوتها وجميع الميزات الرائعة التي تتمتع بها، أحاول أن أكون مصدراً للإيجابية".
ثالثاً، يتخلص هو وزوجته من ضغوطاتهما معاً؛ يقول: "بعد العشاء، نحب أن نفعل ما يساعدنا على الهدوء فنخرج في جولة بالسيارة حول المدينة. عندما كنت أعاني من ضغط العمل منذ فترة، بدأنا في فعل ذلك، واستمرت هذه العادة حتى الآن. السر في الحركة، فهي وسيلة رائعة للتخلص من التفكير في العمل".
رابعاً، يشجع زوجته على التمتع بحياة خارج العمل والمنزل؛ يقول: "يُعتبر تعليمها الباليه للفتيات مهماً لها، وأنا أشجعها على الاستمتاع بالأمر".
وأخيراً، يقدم لها النصح والمشورة؛ يقول: "أصبحت تؤدي عملها بشكل روتيني، وكنت أريد مساعدتها على الخروج من تلك الحالة، لذلك أصبحت أستخدم كلمة ’تخيلي’ كثيراً، مثلاً، تخيلي شكل الحياة إذا شعرت بالطاقة والنشاط في عملك".
دراسة حالة رقم 2: وضع حدود للحديث عن العمل، مع ترك الشريك ينفس عما بداخله
تساعد جيسيكا ماكلين، التي تعمل مراجعة حسابات عامة في واشنطن العاصمة، زوجها على التعامل مع ضغوطات عمله، ويساعدها هو كذلك؛ تقول: "بصراحة، أعتبر نفسي من مدمني العمل، يتطلب عملي جهداً كبيراً وأحيانًا لا أعرف كيف أتوقف. وسبق وأخبرني زوجي أنه يشعر وكأنني متزوجة من عملي".
أدرك كلاهما أنهما بحاجة لمعرفة أفضل وسيلة للتعامل مع هذا الضغط، فتقول: "تحدثنا معاً بوضوح وتعمق ووضعنا بعض القواعد الأساسية".
القاعدة الأولى: ممنوع الحديث عن العمل في المساء؛ تقول: "في السابق، كنت معتادة على بدء الحديث عن يومي في العمل فور عودتي إلى المنزل، وكان ذلك يشعرني بالذنب حقاً، الآن، أصبحنا أولاً نحتسي شراباً ونشاهد التلفاز ونتناول طعام العشاء ونتحدث عن أي شيء عدا العمل".
القاعدة الثانية: الاهتمام بما يحتاجه الطرف الآخر. يعمل زوج جيسيكا في وظيفة حكومية، وتقول أنه "يشعر بالضغط لكنه لا يتحدث عن ذلك باستمرار، وعندما يتحدث عن المشاكل التي يمر بها، كنت أفضل إسداء النصيحة وتوضيح كيفية التعامل مع الموقف، إلا أنه أخبرني ذات مرة ’أنا لا أريد النصيحة، فقط دعيني أتحدث’. والآن، أعلم أنّ علي الاستماع فحسب".
القاعدة الثالثة: ممنوع المقارنات؛ تقول جيسيكا: "اعتدت أن أقارن مشكلات عمله بمشكلاتي، فإذا تحدث عن مشكلة تواجهه، كنت أرد عليه مثلاً ’لقد مررت بموقف أسوأ بعشرات الأضعاف’".
أدركت بعد ذلك أنّ زوجها لا يروقه هذا الأسلوب؛ تقول: "أخبرني في آخر مرة فعلت فيها ذلك ’نحن لا نتحدث عنك أنت. بل عن وضعي أنا’، لذلك، تعلمت عدم المقارنة، فدوري أن أكون مستمعة وداعمة".
تقول جيسيكا إنها لاحظت أيضاً كيف يحقق زوجها التوازن الأمثل بين العمل والحياة، فتقول: "لديه هوايات يمارسها بانتظام؛ يذهب إلى صالة الألعاب الرياضية أربع أو خمس مرات في الأسبوع ويقضي بعض الوقت مع أصدقائه". والآن، تحاول جيسيكا جاهدة إدخال المزيد من وقت الراحة والترفيه في حياتها.