الجمع بين التعليمين المتزامن وغير المتزامن هو الحل

4 دقائق
برامج التعليم
shutterstock.com/Chay_Tee

تنتشر برامج التعليم عن بُعد انتشاراً هائلاً في هذه الأيام، وتتنوع بين البرامج التي تتضمن تسجيلات كاملة للمحاضرات وتُسمى بالدورات الجماعية، والبرامج التي تُدرَّس من خلال محاضرات مباشرة عن بعد، ولعل أشهر نموذج هو نموذج الدورات المسجَّلة عن بعد، وهو النموذج  الشهير الذي تعتمده منصات عالمية مثل كورسيرا، ولكنه يواجه تحديات كبيرة في نسب الإكمال لدى الطلاب. يتضمن هذا النموذج عدداً من التسجيلات المرئية التي يحضرها الطالب، ثم يتعيَّن عليه الإجابة عن أسئلة امتحان ما كي ينجح.

لا تخفى نسب إكمال الطلاب المتواضعة جداً في هذا النوع من البرامج على أحد، إذ يشير أكثر الإحصائيات تفاؤلاً إلى أن ما بين 5% إلى 15 % فقط من الطلاب الذين يبدؤون ذلك النوع من الدورات ينتهي بهم الأمر في الحصول على شهادة. على سبيل، المثال أظهرت دراسة أجراها أكاديميون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا معدلاً فلكياً للتسرب من الدورات التدريبية، بلغ نحو 96% في المتوسط ​​على مدى 5 سنوات.

وقبل أن نقفز إلى استنتاجات متسرعة، تجب ملاحظة أن معدلات الإكمال من دون أخذ السياق الكامل للقصة ليست معياراً كافياً، فهناك أشخاص كُثر يسجلون بدورات عبر الإنترنت أو يبدؤونها بدافع الفضول فقط، ومن دون نية مسبَّقة لمتابعتها. تقول المديرة العليا للأكاديميين والأبحاث في إي دي إكس (EDX)، نينا هنتيمان، إن نسب الإكمال غير مهمة بطبيعة الحال لأن الهدف هو اكتساب المعرفة والمهارات الكافية دون أن يضطر الطلاب إلى إكمال الدورة بشكل رسمي، فمثلاً يتجول كثير من الطلاب ضمن أقسام الدورات التدريبية لمتابعة ما يساعدهم على وجه الخصوص، وقد لا يتصفحون بالضرورة كل المحاور التعليمية.

وبعيداً عن كل ذلك، بجب الاعتراف بأن نسب الإكمال تشكل تحدياً كبيراً في أي مؤسَّسة ترغب في تقديم تعليم عن بعد، وهي ما واجهنا في مؤسَّسة نيوفيرستي التعليمية حين تصدَّينا لذلك، وحاولنا بناء نموذج مختلف لرفع معدلات الإكمال إلى نسب خيالية، والوصول بالتالي إلى أعداد صخمة من الطلاب.

بدأت القصة خلال شراكتنا مع برنامج مهارات من جوجل إذ قدَّمنا بالتعاون معه دورات تدريبية مجانية في التسويق الرقمي، واستطعنا الوصول إلى نحو 50 آلاف طالبة وطالب من الناطقين بالعربية في مختلف دول العالم، وبنسب إكمال وصلت حتى 92%، ونسب إتقان (اجتياز الامتحان النهائي) وصلت إلى 71%.

وبكل صراحة فإن النسب عالية، ولا نخفي أنها كانت تسبب لنا بعض الإحراج لأنها أعلى بكثير من النسب التقليدية، ولكن ما لم نخبر به كثيرين أننا كنا نبني نموذجاً هجيناً ورصيناً يجمع بين سلاسة التعليم عن بعد وحرية الوصول إلى المحاضرة مسجَّلة، والتعليم المتزامن الذي يشجع الطالب على الحضور، وصولاً إلى نموذج فريد من نوعه في المنطقة العربية، وربما في العالم أجمع.

غالباً ما يقع الطلاب بفخ الدورات عبر الإنترنت ويظنون أنها مجرد دورات غير متزامنة، وتتضمن عدداً كبيراً من التسجيلات المنمَّقة الخالية من أي روح، وبالتالي يشعرون بالملل مباشرة بعد أول دقيقة، ما يؤكد ضرورة أن يكون البرنامج التعليمي تفاعلياً، وأن تكون الجلسة تفاعلية، لأن إتاحة البرامج مسجَّلة بعد ذلك يُضفي روحاً لها لأنها تفاعلية في الأساس.

غالباً ما يساعد ذلك على عقد سلسلة من الأحداث "المباشرة" أو المتزامنة التي يمكن للطلاب حضورها جماعياً في أثناء الدورة التدريبية. يجب أن يُتاح للطلاب إمكانية الحصول على المعلومات بأسهل طريقة لهم دون إجبارهم على طريقة معينة، فمثلاً يُفضِّل بعضهم مشاهدة الجلسة مباشرة، ويُفضِّل بعضهم الآخر مشاهدة التسجيل، كما يفضِّل آخرون مشاهدة التسجيل عبر منصة التعليم، وآخرون عبر اليوتيوب.

في برامج هذه المؤسسة، تُعقد الجلسات التفاعلية المباشرة عبر برنامج زووم (Zoom)، وهو عبارة عن منصة مؤتمرات مرئية، يمكن للمُحاضر من خلالها إلقاء المحاضرة بطريقة تفاعلية بالكامل، والإجابة عن أسئلة الطلاب، ومناقشة ملاحظاتهم، ويُتاح بعد ذلك تسجيل المحاضرة بكل الطرائق الممكنة التي تسهِّل العملية على الطالب.

يمكن دمج منصات اجتماعية أخرى أيضاً لدعم العملية التعليمية تتيح استضافة مناقشات متزامنة مع منصات الدورة التدريبية التي توفِّر موارد غير متزامنة، مثل مجموعات تيلجرام (Telegram)، وفيسبوك (Facebook).

تساعد إضافة الأحداث المباشرة الطلاب على الشعور بأنهم جُزء من مجتمع تعليمي أكبر، وتُضفي شعوراً بالحيوية والإلحاح في تجربة تعليمية قد تمتد لأسابيع، فالمزج بين الجلسات التفاعلية المباشرة والجلسات المسجَّلة، وإتاحة المواد بكل شكل ممكن هو سر مهمٌّ لرفع معدلات الإكمال.

وفي هذا السياق، بنينا النموذج التالي كما يلي:

  • جلسات المواد تفاعلية ومباشرة خلال موعد محدد.
  • تُلقى المحاضرة عن بعد بأسلوب يحرص على خلق جو تفاعلي كبير بين الطلاب.
  • تُسجَّل المحاضرة، وتُتاح عبر المنصة الإلكترونية.
  • تُتاح التسجيلات عبر منصات أخرى مثل يوتيوب كرابط خاص ليس للجميع.
  • توظَّف وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك أو واتساب بما يدعم الدورة التدريبية.
  • يشعر الطلاب خلال مشاهدة الجلسة المسجلة بأنهم في الجلسة المباشرة، فلا يشعرون بالملل إطلاقاً.

على صعيد آخر، تشكل المادة العلمية سبباً في تغير نسب الإكمال وهي بوصلة العملية التعليمية، فإذا كان كل ما تعرضه في دورتك التدريبية عبارة عن معلومات سردية، فستواجه صعوبة في المنافسة، وستواجه صعوبة أصلاً في إقناع الطلاب بإكمال البرنامج التدريبي.

لن يصرف الطلاب وقتاً على برنامج تدريبي عن بعد من أجل موضوع معيَّن أو تقنية معيَّنة، فالإنترنت مليء بما يفيدهم، ولكن يسجلون ببرنامج تدريبي لأنهم يريدون تحقيق نتيجة محددة لتحقيق تحول معين، وللتعلم من تجربة عملية، وبالنسبة لهم، فإن البرنامج التعليمي حالياً مجرد طريقة لتعلم كيفية الحصول على هذه النتيجة.

هم يقدِّرون النتيجة لا المعلومات، وما يحتاجون إليه هو الانتقال من النقطة "أ" إلى النقطة "ب" -من واقعهم الحالي إلى واقعهم المنشود- بأسرع ما يمكن وبكفاءة عالية، أي ما يحتاجون إليه هو التحول، فلتضع نصب عينيك أن برنامجك التعليمي عبر الإنترنت هو اختصار ذلك الطريق، وبعبارة أخرى يجب أن تقدِّم خريطة الطريق.

كما نتَّبع ما يلي:

  • لا تُركِّز الجلسات على شرح تقني بل على كيفية تطبيق المادة العلمية في الحياة العملية.
  • نختار محاضرين لديهم من ذوي الخبرة العملية الكافية، ويشرحون آلية تطبيق المعلومات في الحياة العملية وكيف استفادوا منها.
  • تُربط البرامج التعليمية بسوق العمل، وهناك جلسة دوماً بعنوان "فرص العمل في العالم الرقمي".
  • يتكلَّم المحاضر دوماً عن كيفية تطبيقه للأفكار ويكون البرنامج التعليمي دراسة حالة عملية.
  • تُقدَّم الوظائف على شكل تمارين دراسة حالة، وليس مجرد أسئلة واختيارات فقط.

إن بناء نظام جديد يجمع بين الجدية المطلوبة للعملية التعليمية والمتمثلة في دروس حية مباشرة، مع المرونة المقدمة لمشاهدة تسجيلات تلك الجلسات هو مفتاح ذلك النموذج الجديد، بالإضافة إلى تغيير جذري في عملية الإلقاء بما يحفِّز المتعلِّم على التفاعل حتى لو كان متابعاً لجلسة مسجَّلة، وللأمانة ليس هذا فحسب، بل توظيف تقنيات الاقتصاد السلوكي والتدخلات السلوكية أيضاً لدفع المتعلِّمين إلى إكمال البرنامج بأسرع وقت ممكن وهو ما سنتكلم عنه لاحقاً في مقالة أخرى.

أدى تطبيق تلك الخطوات، بالإضافة إلى جودة الدورة التعليمية إلى قفزة هائلة في معدلات الإكمال في مسار التعليم، ولأتمتة إجراءات العمل دور في تسريع العملية أيضاً. يسجِّل الطلاب، ومن ثم يحصلون على معلومات الدخول تلقائياً، ومن ثم يتعيَّن عليهم تقديم الامتحانات ويحصلون بعد ذلك على الشهادة بشكل مؤتمت بالكامل، ما يعني إمكانية إعطاء برامج تعليمية جماعية لأعداد هائلة في وقت واحد.

في الواقع، نعتقد أننا تجاوزنا مشكلات المقررات التدريبية عبر الإنترنت الحالية، وتصدَّينا لما واجهته تلك البرامج من عثرات وصولاً إلى نموذج يستحق التعميم.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي