الأميركيون ينجبون أطفالاً أقل، ماذا سيعني ذلك بالنسبة للتعليم العالي؟

4 دقائق

التغير الديموغرافي هو قوة مستمرة. وغالباً ما يكون الحرم الجامعي في صدارة تركيبة التحول لكل جيل. فمثلاً، من غير المتوقع أن يصبح البيض من أصول غير إسبانية أقلية في سكان الولايات المتحدة حتى منتصف القرن، لكن ويليام فراي، وهو زميل كبير في معهد "بروكينغز" (Brookings Institute)، يشير إلى أنّ التحوّل سيحدث بحلول عام 2020 في أوساط هؤلاء الذين لا تزيد أعمارهم على 18 عاماً. وتتجلى الدلالات على ذلك المنعطف المهم في حرم الجامعات على مستوى الولايات المتحدة.

ويقترح أحد الاتجاهات الديموغرافية الناشئة الأخرى، والمتمثل في الخصوبة المنخفضة، تحديات جديدة تنتظر التعليم العالي. إذ شهدت الولايات المتحدة بشكل عام معدلات خصوبة أعلى من تلك الموجودة في الدول المتقدمة الأخرى. وعلى أي حال، منذ بداية الركود الاقتصادي الكبير عام 2008، انخفض معدل الخصوبة الكلي (مقياس الخصوبة مدى الحياة) بنحو 20%. ويقدّر الباحث في علم السكان كينيث جونسون أنّ الولايات المتحدة سجّلت ولادة 5.7 ملايين طفل منذ عام 2007. ولو بقيت معدلات الخصوبة قبل الركود ثابتة خلال عام 2018، لكان يوجد 800,000 حالة ولادة إضافية في العام الماضي.

وبتقصي 18 عاماً إلى الأمام منذ ركود عام 2008، يمكننا توقع انخفاض كبير في عدد تلاميذ الكليات المحتملين بدءاً من عام 2026. بعد فترة طويلة زادت فيها أعداد الطلاب المحتملين عاماً بعد عام في الولايات المتحدة، نتوقع الآن فترة انكماش.

تبين "مفوضية وسترن إنترستيت للتعليم العالي" (Western Interstate Commission for Higher Education) التي تتنبأ بعدد خريجي المدارس الثانوية حسب الولايات، أننا لسنا بحاجة إلى الانتظار لرؤية أثر الضعف الديموغرافي على التعلم العالي. وبينما كانت الولايات المتحدة ككل تشهد خصوبة قوية في أوائل الألفية الثانية، كان الربع الشمالي الشرقي من الدولة يعاني من تدنّ في معدلات الخصوبة منذ فترة طويلة. وبالتالي، تتوقع المفوضية أنّ الكثير من الولايات في هذه المنطقة تجاوزت ذروة عدد خريجي المدارس الثانوية فيها مع انخفاض أكبر متوقع بحلول أوائل الثلاثينات من القرن الحالي. فمثلاً، ولاية ميشيغان انخفضت بنسبة 16% عن ذروتها، وستشهد انخفاضاً أكثر بنسبة 15% في المستقبل، أما ولاية كونيتيكت فهي منخفضة بنسبة 11% مع توقع انخفاض إضافي بنسبة 18%، وولاية فيرمونت منخفضة بنسبة 27% منذ الذروة التي سجلتها قبل الركود مع انخفاض متوقع بنسبة 8%.

ويهدف عملي الخاص إلى فهم ما تعنيه هذه الاتجاهات بالنسبة للطلب على التعليم العالي. فبداية، يبدو الأمر واضحاً: قلة الشباب والشابات تعني انخفاض الطلب. وعلى أي حال، لا تخدم أي من المدارس شريحة ممثلة من الطلاب. وتخدم كل من الكليات المجتمعية والكليات الإقليمية والجامعات والمؤسسات ذات التوجهات الوطنية مجالات مختلفة من مجموع المجالات المتوفرة. ولذا فمن المحتمل أن تتبع الأسواق الفرعية مسارات مختلفة ومميزة. ولوضع تصوّرات للطلب على التعليم العالي، استخدمت بيانات من وزارة التعليم الأميركية لتقدير احتمال الدخول إلى الجامعات على اختلاف أنواعها، بناءً على خصائص ديموغرافية. ثم جرى تطبيق هذه الاحتمالات على بيانات السكان من مكتب تعداد السكان الأميركي لوضع تنبؤات لاتجاهات الالتحاق بالكليات في المستقبل.

وتشير النتائج إلى أنّ كليات التعليم على مدار عامين والمدارس غير الانتقائية التي تمتد الدراسة فيها على مدار 4 سنوات يمكنها أن تتوقع مساراً يتتبع اتجاهات السكان. ونظراً لأنّ هذه المدارس تخدم مجموعة فرعية ممثلة نسبياً من الطلاب، ولأنّ نحو 70% من الخريجين يدخلون الكليات في فصل الخريف الذي يلي إكمالهم الدراسة في المدارس الثانوية، تمثل هذه النتيجة حساباً حتمياً تقريباً لعدد السكان. وفي المقابل، فإنّ الطلب المتوقع على مدارس شديدة الانتقائية يحيد عن الاتجاه السكاني العام. يزيد عدد الآباء والأمهات الذين يحملون درجة البكالوريوس، وقد كان الأطفال في مثل هذه الأسر أكثر ميلاً للالتحاق بكليات لأربع سنوات بشكل عام والالتحاق بكليات انتقائية بشكل خاص. إذا تواصلت أنماط الالتحاق هذه في المدارس والكليات، يمكن للمدارس شديدة الانتقائية أن تتوقع اتجاهاً نحو الارتفاع في الطلب يصل إلى نحو 10% بين الآن وحتى عام 2025. لكن حتى إذا كان هذا الاتجاه نحو الارتفاع لن يصمد أمام الخصوبة المتدنية، حيث أنّ الطلب المتوقع على المدارس شديدة الانتقائية في عام 2029 أعلى بقليل من المستوى الذي عليه الحال اليوم.

واستجابة لانخفاض أعداد الطلاب المحتملين، قد نتوقع بذل جهود للتوظيف بحثاً عن أسواق جديدة. لكن حتى التخلص من الفجوات في الالتحاق لن يقضي على انخفاض معدلات الخصوبة. ونتيجة لذلك، تبدو المنافسة المحتدمة في الأسعار ممكنة أيضاً. وبينما يمكن للتسعير العدواني التخفيف من تراجع سوق لمؤسسة ما، وللتعليم العالي ككل، إلا أنّ هذه الاستراتيجيات تشكّل إلى حد كبير ألعاباً يكون الفوز فيها على حساب الآخرين وتترك جميع المؤسسات مع صافي إيرادات منخفض من الرسوم الدراسية. وقد يحتدم التوظيف الدولي بالاستفادة من سوق نمت بمعدل متوسط يفوق 5.5% على مدار الأعوام السبعين الماضية. وعلى أي حال، في العامين الماضيين، تقلصت طلبات الالتحاق الدولية الحديثة بنسبة 10%، ما يشير إلى أنّ المنافسة من دول أخرى وبعض سياسات الولايات المتحدة الحالية الصارمة إزاء تطبيق التأشيرات الدراسية قد تضع عراقيل أمام هذه الاستراتيجية.
إذا كانت التغييرات التي تطرأ على التوظيف غير كافية، فمن الأرجح أنّ المؤسسات ستتطلع إلى التكيف خارج مكتب القبول والتسجيل. فمثلاً، يمكن للكليات أن توظف عدداً أقل من التلاميذ الجدد إذا زادت معدلات الاستبقاء. تبلغ معدلات استبقاء طلاب السنة الأولى في المدارس التي تكون فيها مدة الدراسة سنتين نحو 60%، وفي المدارس التي تكون فيها مدة الدراسة أربع سنوات 80%. ومن بين الطلاب الذي يبدؤون في التعلم في مؤسسات لسنتين، لا يحصل 46% منهم بعد مرور ست سنوات على أي درجة علمية ولا يلتحقون بالكلية. وتبلغ تلك النسبة 24% للكليات التي تكون الدراسة فيها أربع سنوات. التعامل مع هذا الاستنزاف له دور مهم في تعويض الضعف الديموغرافي.

قد تؤدي التكنولوجيا الرقمية دوراً في هذا العمل من خلال تحسين التواصل مع الطلاب حول المتطلبات المتبقية للحصول على الدرجة العلمية، ما يسهل وصول هيئة التدريس إلى الطلاب الذين يواجهون صعوبات أكاديمية أو يبدؤون في التغيب عن الفصول، أو تقديم إمكانية وصول أسهل للدعم المالي وغيره من أشكال الدعم. وربما يتمثل الأمر الأكثر جاذبية في أنّ البعض يرون قدرة كامنة في الأدوات المتاحة عبر الإنترنت لخفض التكاليف الإرشادية، وهو هدف مرغوب في عصر المنافسة الكبيرة. وبالاعتراف بهذه القدرة، يوجّه روّاد الفكر مثل كيفن غوثري، رئيس مؤسسة "إيثاكا" (ITHAKA) التعليمية غير الربحية، تحذيراً من التكنولوجيات ذات الجودة الرديئة (في مقابل منخفضة التكلفة) التي تنتج "نظاماً ثنائي المستوى" يحصل فيه عدد قليل من الطلاب على تعليم باهظ الثمن وعالي الجودة فيما يعاني العدد الأكبر من الطلاب من تقليد مصمّم على نحو رديء. بالنسبة للابتكارات الأخرى التي تُصنع استجابة للتركيبة السكانية المتغيرة، فإنّ احتمال مساهمة الأدوات الرقمية بفعالية في تحقيق أهداف كبيرة سيتوقف على عدد كبير من التفاصيل المتعلقة بالتنفيذ.

لتراجع مستويات الخصوبة تأثيرات على اقتصاد الولايات المتحدة بأكملها، وسيكون قطاع التعليم من بين القطاعات الأولى التي تواجه تبعات ذلك. ويتعين أن نتوقع استمراراً في الزعزعة والابتكار والمنافسة في الأسعار، وخصوصاً في جهة الشمال الشرقي والغرب الأوسط من الولايات المتحدة، حيث تشهد تلك المناطق تراجعاً في الأسعار بالفعل. وبينما يتعذر توقع ما ستؤول إليه الأحوال بالضبط، من غير المؤكد فيما إذا كان الانخفاض في معدلات الخصوبة الذي بلغ 17% منذ عام 2007 سيشكّل ضغوطات جديدة في التعليم العالي على مدار العقد القادم من شأنها أن تدفع عجلة الابتكار.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي