بعد العمل مدة عامين في شركة متعددة الجنسيات، كان أيمن مستعداً لتغيير وظيفته وكان يعلم أن بناء شبكة علاقات أمر بالغ الأهمية لتحقيق ذلك، لكن جهوده في التواصل مع المسؤولين التنفيذيين داخل شركته وخارجها لم تسفر عن أي فرص أو اجتماعات، والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أنه لم يكلف أحد نفسه عناء الرد على رسائله.
كان أيمن يؤدي عملاً رائعاً وكان يتمتع بمؤهلات قوية، لذا لم تكن المشكلة في سيرته الذاتية، إذ تواصل مع مسؤولين تنفيذيين مؤثّرين ورفيعي المستوى، لكن الاستجابة كانت ضعيفة.
عندما حللنا رسائله الإلكترونية والرسائل التي أرسلها عبر لينكد إن، سرعان ما اكتشفنا المشكلة التي تمثلت في نهجه وأسلوب صياغته، وجاءت رسائله العشرين الأخيرة كما يلي: "عزيزي فلان، أبحث عن عمل جديد وأود أن أتناول القهوة معك وأستمع إلى أفكارك، فهل تمنحني ساعة من وقتك نلتقي فيها؟".
كيف يمكنك جذب انتباه الأشخاص المؤثرين الذين تريد بناء علاقات معهم، ولكن من غير المرجح أن يستجيبوا لك؟ في الواقع، إن كبار المسؤولين التنفيذيين مشغولون ولا يرون قيمة كبيرة في قضاء الوقت مع شخص من مستوى إداري أدنى، لذلك سيتجاهلون غالباً الرسائل الإلكترونية أو الرسائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
طلبتُ من أيمن أن يضع نفسه في مكان الطرف الآخر، وسألته: "كيف سترد على رسالة مماثلة أرسلها لك شاب من رتبة أدنى ولا تعرفه حق المعرفة؟ إذا تلقيت 20 رسالة، فعلى أي منها سترد؟ ومن ستختار من المرسلين لمقابلته؟".
ساعد تمرين التأمل الذي أجراه أيمن، وكذلك العديد من الطلاب والمهنيين الذين أدربهم، على تحديد الاستراتيجيات التي تؤدي إلى عقد اجتماعات مهمة، وفي النهاية، حدد أيمن 5 أساليب مدعومة بالعلوم الاجتماعية تدفع الآخرين إلى الرد على الرسائل وتقديم المساعدة، ولكن بشرط استخدامها بطريقة مدروسة:
احصل على رسالة توصية
يتذكر أيمن طلاب الجامعة الذين اتصلوا به العام الماضي، ويعترف بخجل أنه تجاهل غالبيتهم، ويقول: "الشخص الذي استجبت له على الفور كان طالباً قال لي الرئيس التنفيذي إنه يتعين علي مقابلته".
الدرس المستفاد: أفضل طريقة لتضمن ترتيب لقاء هي أن توصي بك شخصية محترمة في القطاع. إن وجود أصدقاء في مستويات عليا يمنحك أفضلية على غيرك ويؤثر إيجاباً في تحديد راتبك.
التطبيق العملي: قد يكون من الصعب الحصول على توصية إذا لم تكن قريباً من شخص مؤثر، ولكن عندما تتحقق بعناية من شبكات علاقاتك، فستجد غالباً أشخاصاً تجمعك بهم روابط متينة. اطلب من شخص مؤثر أن يقول كلمة طيبة عنك للشخص الذي تريد مقابلته أو أن يقدمك إليه، أو أن يساعدك على ترتيب لقاء معه.
تعاقد فريق أيمن مع شركة استشارية في العام السابق، وقد أُعجب شريك الشركة بعمله، وكانت لدى هذا الشريك شبكة واسعة من العلاقات مع أصحاب المستويات العليا في شركات أخرى، لذلك طلب منه أيمن تقديمه إلى نائب الرئيس الذي أراد مقابلته، فرحب الشريك بذلك، وأوصى به أيضاً لدى اثنين من المسؤولين التنفيذيين.
ركز على أوجه التشابه بينك وبين المتلقي
أوضح أيمن كيف أنه يمد يد العون دائماً لأشخاص في جامعته أو للذين درسوا في قسم الاقتصاد بالكلية، وذكر ذلك بفخر:
"أنا أساعد خريجي الجامعة".
الدرس المستفاد: ينجذب المرء إلى من يشبهه ويبدي استعداداً لمساعدته، ولا تقتصر الروابط المشتركة على المستوى الأكاديمي بل تمتد إلى جوانب كثيرة أخرى تخلق تقارباً فورياً بينهما، ومنها، الانتماء إلى المدينة نفسها أو تشجيع الفريق الرياضي نفسه أو تشارك تجارب استثنائية (مثل عمل الأنثى مهندسة في مجال التسويق أو الحصول على شهادة علمية غير تقليدية)، أو حتى أن يحملا الاسم أو تاريخ الميلاد نفسه.
التطبيق العملي: حسّن الأسلوب الذي تتبعه في ترويج نفسك، استخدم منصة لينكد إن أو محرك جوجل لمعرفة معلومات عن الأشخاص الذين تود مقابلتهم، واذكر أوجه التشابه بينك وبينهم في رسائلك.
راجع أيمن قائمته وأصابته الدهشة عندما عرف أن 5 من المسؤولين التنفيذيين الذين يرغب في التواصل معهم ينحدرون من مسقط رأسه في مدينة فيلادلفيا، لذا كتب رسائل إليهم مضيفاً فيها ما يلي: "لاحظتُ أنك تنحدر من مدينة فيلادلفيا أيضاً، لذا أظنك لا تزال تحتفل بفوزنا الذي طال انتظاره في بطولة سوبر بول 2018".
احرص على أن يكون طلبك مثيراً لاهتمام المتلقي
استجاب أيمن لمهندسة تواصلت معه، لأنها ركزت في كلامها على الذكاء الاصطناعي، وقال عن ذلك:
"رأيت أنها ربما تكون أدرى مني بالذكاء الاصطناعي، وقد أتعلم منها".
الدرس المستفاد: إذا كانت لديك معلومات أو مهارات أو رؤى يمكن أن تكون مفيدة للشخص الذي تريد مقابلته، فمن المرجح أن تلفت انتباهه.
التطبيق العملي: قد يسهل على كبار المهنيين إبراز مهاراتهم الاستثنائية، ولكن إذا كنت طالباً فيمكنك أيضاً التركيز على خبراتك الأكاديمية أو معرفتك بالتكنولوجيا الناشئة، فكر في الجوانب التي تثير اهتمام الطرف المستهدف أو التي يحتاج إلى عون فيها، ركز على معرفتك الفريدة التي قد تمتلكها وأوضح له كيف يمكن أن يستفيد منها، وركز أيضاً على مؤهلاتك، مثل الانتساب إلى مؤسسات مرموقة، فهي تمنحك المصداقية، لكن لا تتوسع، بل اذكر تلميحات لإثارة اهتمام المتلقي.
عمل أيمن في حملة على وسائل التواصل الاجتماعي لتوليد مبيعات داخل المتجر، وقد رأى في ذلك قصة مقنعة للمسؤولين التنفيذيين في مجال البيع بالتجزئة، لذا، سلط الضوء على كيفية "تعزيزه للمبيعات ضمن المتجر بنسبة 75% من خلال الوسائط الجديدة". طلب أيمن من أحد المسؤولين التنفيذيين أن يقابله، وقال: "أود سماع وجهة نظر مسؤول تنفيذي في الإدارة العليا وأخذ مشورته حول استخدام هذه المهارة لمساعدة تجار التجزئة، لأنني أسعى إلى التقدم في مسيرتي المهنية".
استخدم الإطراء
أحد الطلاب لم يستخدم أياً من الأساليب المذكورة أعلاه، لكن أيمن استجاب له على الرغم من ذلك، لأنه أحرجه، وعن ذلك يقول: "لقد بالغ في مدحي".
الدرس المستفاد: يقولون إن كثرة الإطراء تفقده تأثيره، لكن الناس غالباً ما يقدّرونه حتى إن بدا زائداً عن حده، لذا ركز على إرضاء الأنا، فالمرء يحب من يجعلونه يشعر بالرضا عن نفسه ويراهم أكثر مصداقية.
راجع أيمن رسائل البريد الإلكتروني العامة التي أرسلها، لتعديلها بحيث تكون مخصصة ومنها مثلاً: "لقد أعجبت حقاً بالنقطة التي طرحتها في مقابلتك التلفزيونية الأسبوع الماضي، فقد جعلتني أعيد التفكير في نظرتي إلى الخصوصية عبر الإنترنت".
اطلب المساعدة وتابع التواصل
كانت نسبة الذين تواصلوا مع أيمن في العام الماضي صغيرة جداً، إذ إن معظم الأشخاص يتحرجون جداً من الطلب، أو يظنون أنهم لن يتلقوا رداً إذا تواصلوا.
الدرس المستفاد: قد تبدو احتمالات الحصول على رد ضئيلة، ولكن الأبحاث تُظهر أننا نبالغ في تقليل استعداد الآخرين لمساعدتنا، بنسبة تزيد على 50%. عندما سألت أحد كبار المسؤولين التنفيذيين عن سبب استجابته للشباب، رد بعبارة شائعة: "لقد طلبوا المساعدة واستمروا في التواصل، ومعظم الأشخاص لا يفعلون ذلك، أجد صعوبة بالغة في رفض طلب صادق ومدروس، خاصة عندما يتعلق الأمر بشيء ملموس وبسيط، مثل تقديم صاحب الطلب إلى شخص ما".
التطبيق العملي: اطلب المساعدة ولا تتردد، فاحتمال حصولك عليها أكبر بكثير مما تظن، أو اسأل نفسك: "ما الذي سأخسره إذا طلبتُ المساعدة؟" لا يمكن لأصحاب المسؤوليات الكبيرة والذين يشغلون مناصب عليا معرفة ما يدور في ذهنك إن لم تتواصل معهم. استخدم الأساليب المذكورة أعلاه لجعل طلبك أكثر إقناعاً، وقدّم طلباتك شخصياً، فهذا يعزز فرصة قبولها بدرجة كبيرة.
الخلاصة:
ازداد التنافس في سوق العمل أكثر من أي وقت مضى، ويحصل أغلب الأشخاص على وظائفهم من خلال المعارف. وقد ثبت أن لبناء شبكة علاقات تأثيراً كبيراً في نجاح المسيرة المهنية، لكن بناء هذه الشبكة يتطلب التواصل.
بعد مناقشة الأمر، راجع أيمن الرسائل التي أرسلها ثم أعاد كتابتها باستخدام الأساليب المذكورة. استغرق الأمر بعض التفكير، ولكنه لم يستغرق سوى وقت قصير نسبياً، وقد ازداد معدل الاستجابة لرسائله بنحو 3 مرات تقريباً، ويعمل أيمن على تعزيز أسلوبه كل بضعة أشهر، بناءً على الخطوات التي أجدت نفعاً.
اتبع خطوات أيمن وستتمكن من مقابلة أشخاص أكثر وخوض محادثات أكثر، ما يسمح لك ببناء شبكة علاقاتك والتقدم في مسيرتك المهنية.