في لقاء مع أنتوني سكاراموتشي، المدير الجديد للاتصالات في البيت الأبيض، أجراه جيك تابر من قناة "سي إن إن" (CNN)، استخدم سكاراموتشي في مديح سارة هاكابي ساندرز، السكرتيرة الجديدة للمكتب الصحافي في البيت الأبيض، كلمات واصطلاحات مثل "أصيلة" و"مميزة". غير أنّ سكاراموتشي في جزء صغير لم يتجاوز 60 ثانية فقط من مدة اللقاء الذي استمر 26 دقيقة، أساء إلى سارة ساندرز، والنساء عموماً، وإلى الرجال المناصرين لمبدأ المساواة بين الجنسين. فكيف يمكنه أن يأخذ بعين الاعتبار فن التعامل مع النساء في العمل.
التقليل من شأن زميلات العمل عن طريق الخطأ
مع أنّ من المنطقي افتراض أنّ سكاراموتشي تحدث بنوايا حسنة، لكن حديثه عن ساندرز يُقدّم مثالاً نموذجياً عن كيف يمكن لرجل حسن النية مثل سكاراموتشي أن يقلل عن غير قصد من شأن زميلة له من خلال حديثه عنها بأسلوب غير موفق ويغفل الجوهر. ولسوء الحظ، تُعتبر هذه الظاهرة شائعة جداً، ويُشير إليها عالما النفس بيتر غليك وسوزان فيسكه بوصفها "تمييزاً حسن النية على أساس الجنس"، وهو موقف شهامة قائم على الاعتقاد بأنّ المرأة مخلوق ضعيف وبحاجة إلى حماية من الرجل، خلافاً للنوع الآخر من التمييز القائم على أساس الكراهية (وهو موقف معاد حيال النساء يسعى إلى السيطرة والهيمنة عليهن).
وبينما لا يبدو النوع الأول من التمييز بهذا القدر من السوء، يُبيّن غليك وفيسكه كيف أنّ هذا النمط من المحاباة والأبوة يوحي بأنّ المرأة بحاجة إلى رعاية وحماية الرجل، فضلاً عن أنّ الرجال الذين يتبنّون هذا النوع من التمييز، من المرجح أن يقبلوا بتعرض النساء للإساءة والتحرش في مكان العمل (وأنا بالطبع لا أضع سكاراموتشي ضمن فئة الرجال هذه). علاوة على ذلك، وجدت الأبحاث أيضاً أنّ هذا النوع من التمييز يقلّل احتمال تلقي النساء ملاحظات صريحة على أدائهن وتكليفهن بمهام صعبة، ويُزيد احتمال أن يتلقّين عروضاً لتقديم مساعدة غير مرغوب فيها تقوض ثقتهن بأنفسهن. وبالمحصلة تنتقص كل هذه الممارسات من كفاءة النساء وتصعّب عليهن التقدم على مسار عملهن.
استخدام المفردات المناسبة لتوصيف زميلات العمل
في سياق الحديث عن المرأة، ربما يعني قول مثل "أريد أن أجعلها أفضل"، كما فعل سكاراموتشي، بالنسبة للكثيرين تقويضاً لصورة كفاءة المرأة المعنية. إلا أنّ التمييز حسن النية على أساس الجنس غالباً ما يأخذ أشكالاً أكثر مكراً وحذقاً. فالسمة الأولى التي استخدمها سكاراموتشي في مديح ساندرز على سبيل المثال كانت "دافئة". وتُظهر الأبحاث أنّ مثل هذه الإطراءات تُشكل مأزقاً مزدوجاً بالنسبة للنساء: فإذا ما وُصفت امرأة ما بأنها لطيفة، غالباً ما يعني ذلك أنها لا تملك الكفاءة.
وتخلص الأبحاث ذات الصلة برسائل التوصية للتقدّم إلى الوظائف الشاغرة بأنّ المرأة كثيراً ما تُوصف بأنها "متعاونة" و"اجتماعية" (من خلال استخدام كلمات مثل لطيفة وودودة ومساعدة للآخرين)، في حين من المرجح أن يُمنح الرجل مسحة أكثر "رقيّاً" (من خلال استخدام كلمات مثل ذكي ويتمتع بكاريزما جذابة ويمتلك الإرادة). وغني عن القول أنّ الشخص الذي يوصف بأنه "متعاون" (وهو وصف يطلق على النساء أكثر من الرجال) من غير المرجّح أن يحظى بالوظيفة.
اقرأ أيضاً: نصائح من الرئيسات التنفيذيات اللواتي لا يتوقعن الدعم من محيطهن
وفي جزء آخر من اللقاء، قدّم سكاراموتشي لساندرز بعض النصائح قائلاً: "إذا كنت تشاهدينني يا سارة، أود أن أعبّر عن إعجابي بالشخص الذي كان مسؤولاً عن تصفيف الشعر والمكياج يوم الجمعة. وأرغب في الاحتفاظ بذلك الشخص ضمن هذه الوظيفة". في الكثير من مجالات الحياة، يكون من الجيد أن تمدح مظهر شخص آخر، غير أنّ الحديث عن مظهر امرأة في سياق الحكم عليها في عملها، وبخاصة وأنت تحاول تعداد صفاتها الجيدة المرتبطة بوظيفتها، ربما يضرّها أكثر مما يفيدها.
ولقد أظهر بحث حديث أنّ أصحاب رؤوس أموال المشاريع الاستثمارية يتكلّمون عن مظهر رائدات الأعمال النساء أكثر من مظهر رواد الأعمال الرجال، ولعل هذا التصور النمطي حول النساء إلى جانب التصورات النمطية السلبية الأخرى يضر بسوية تمويل أعمال الرائدات النساء بالمقارنة مع أعمال الرواد الرجال.
وخلال اللقاء عمد سكاراموتشي إلى مخاطبة ساندرز باسمها الأول: سارة. ولعل المشكلة في استخدام الاسم الأول بهذا الشكل هي أنه على الرغم من أنّ ذلك يجعلها قريبة من المتكلم، إلا أنه لا يوصل للجمهور إشارات قوية بمكانتها وكفاءتها. فقد أظهرت دراسة حول هذا الموضوع أنّ أصحاب لقب "دكتور" من الرجال يُقدّمون في الغالب بلقبهم، في حين أنّ صاحبات لقب "دكتور" من النساء يُقدّمن في الغالب باسمهن الأول.
اقرأ أيضاً: يمكن للنساء تخطي الحواجز من خلال أربع طرق لكسر النمطية
أنا واثق من أنّ ردة فعل الكثيرين، وبخاصة من الرجال، على انتقادي لسكاراموتشي ستتسم بالسخط. ولا شك في أنّ البعض سيسأل بأسى: "ألا يمكن للرجل أن يتفوه بكلمات لطيفة حول امرأة ما من دون أن يتم انتقاده؟". في حين يرى البعض الآخر هذه المقالة بوصفها فصلاً جديداً من فصول الحرب التي تشنها القوى الليبرالية على الرجال. إنني أتفهم أيها السادة سخطكم واستياءكم، ولكن حاولوا بأقل تقدير عندما تهبون للدفاع عن إحدى النساء أن تلتزموا في قرارة أنفسكم بما يلي: "سأركّز في إطرائي لها على الكفاءة لا على الدفء. وسأصفها بأنها قادرة على الاعتماد على الذات، لا بأنها تحتاج إلى حمايتي. وسأركز على عقلها لا على مظهرها الخارجي. وسأعزز مكانتها بما تمتلكه من ألقاب أكاديمية، لا من خلال مخاطبتها بلغة غير رسمية تقلل من منزلتها".
اقرأ أيضاً: بحث: المستثمرون يعاقبون رائدات الأعمال على سلوكياتهن
يريد الكثيرون من الرجال دعم النساء في العمل. ولذلك دعونا نتوقف عن اتباع طرق وأساليب ربما تؤدي إلى نتائج عكسية، ولنستخدم إطراءات تعترف بكفاءة واستحقاق ومكانة زميلاتنا النساء لا تؤدي إلى تقويضها. إذاً، يمكننا البدء باتباع هذا نهج فن التعامل مع النساء في العمل انطلاقاً من هذه اللحظة، فالأمر لا يحتاج إلى تحضير لمعرفة كيفية التعامل مع النساء في العمل.
اقرأ أيضاً: الجداول المتقلبة تشكل أذى كبيراً لسيرة المرأة المهنية