في عالم متقلب، يمكن للتوتر والقلق من المجهول أن يدفعا بالبعض إلى حدّة المزاج. يمكن للأشخاص ذوي المزاج العكر أن يتسببوا بالإحباط للجميع، وذلك بنشر السلبية وزرع بذور الشك في اللحظة التي يحتاج فيها القادة إلى الالتزام. وعندما يتفاقم المزاج السيئ لدى الجميع بسبب مشاكل الأداء، قد يتحول المتأففون إلى موظفين سابقين ساخطين يسعون إلى إيذاء الفريق.
في بدايات حياتي المهنية، عندما استأجرتُ منزلاً لقضاء العطلة مع بعض الأصدقاء، تعلمت درساً مهماً من كتاب كلاسيكي للمختصة بعلم الإنسان، ماري دوغلاس، بعنوان "النقاء والخطر" (Purity and Danger): يتطلب الحفاظ على النظام تعاون الكثير من الأشخاص، غير أنه يكفي وجود شخص واحد مستاء وساخط لنشر الفوضى. ويقع على عاتق الباقين منع هذا المستاء من نشر تأثيره السلبي.
لقد أصبحت هذه النصيحة إحدى نصائحي المفضلة التي أقدّمها للمدراء ومجالس الإدارة. وفي إحدى الحالات التي اطلعت عليها حديثاً، فُصِل الرئيس التنفيذي للشؤون المالية من عمله في شركة صغيرة بسبب شبهة ارتكابه مخالفات في حسابات المصاريف، إضافة إلى أنه كان في نظر الآخرين متدني المستوى من حيث صياغة الاستراتيجيات والعمل الجماعي. غير أنه لم يتقبّل طرده من العمل على الإطلاق. فقد استشار محامياً أول مرة، ثم استشار محامياً ثانياً وثالثاً عندما قال له الأول أنه لم يكن لديه ما يكفي من الأسس القانونية لرفع دعوى قضائية. واستعان بأصدقائه الذين أرسلوا رسائل بالبريد الإلكتروني إلى العملاء البارزين حول مظلمته. في هذه الأثناء، اضطر الرئيس التنفيذي والرئيس التنفيذي الجديد للشؤون المالية إلى جمع رأس المال والإيرادات لتعويض النقص الذي ألقى الرئيس التنفيذي السابق للشؤون المالية الساخط بالمسؤولية عنه على عاتق جميع أفراد الشركة الآخرين. وقد أدى الضجيج الذي أثاره والقصص التي رواها حول سوء معاملته إلى تعريض المؤسسة بأسرها لخطر الانهيار.
عند مواجهة الأشخاص ذوي المزاج العكر أو المستائين أو الساخطين، يمكن لهذه النصائح والتحذيرات أن تكون مفيدة.
- لا تتح لهم المجال لزيادة تأثيرهم. لا تسمح لمزاعمهم بأن تشغل أكثر مما تستحق من الوقت ومن اهتمام الإدارة. وكلف شخصاً واحداً بمعالجة شكواهم كي يستطيع الآخرون متابعة العمل الحقيقي.
- استمر بسرد قصتك الإيجابية بشأن غاية المؤسسة، ومهمتها، وأهدافها، وإنجازاتها. ذكّر الآخرين بالصورة الشاملة.
- لا تستخدم نبرة غاضبة. حافظ على هدوئك وسلوكك الاحترافي. ولا تنحدر إلى مستواهم برواية قصص تتضمن الكثير من الإساءات. بيّنت الأبحاث الحديثة أن اللجوء إلى اللغة المسيئة يضفي طابعاً سيئاً على مستخدمها أمام الآخرين، بمفعول يرتد عليه شخصياً.
- لا تنشر أقاويلهم نيابة عنهم. لا تفتتح الاجتماعات أو الحوارات بإعادة سرد تفاصيل الموقف. واكتفِ بعبارة أو اثنتين بصياغة بسيطة حول أسفك لوجود بعض الشكاوى. لا تتخذ موقفاً دفاعياً. ولا تُضف مصداقية على الأقاويل بتقديم إجاباتك الخاصة عن أشياء قد لا يعرفها الحضور أو لا يكترثون بها.
- لا تفترض أنه يكفي أن تكون على حق. قد تكون الوقائع التي تدعم موقفك كافية في محاكمة قانونية، ولكنها ليست كافية بالضرورة أمام الرأي العام. فالآخرون يبنون قناعاتهم على أساس أفعالك. ويجب أن يروا أنك تتصرف وفقاً لمبادئك. وسيحكمون على مصداقيتك واتساق سلوكك.
- قدِّم مبادرة صغيرة، حتى لو لم تكن مضطراً إلى ذلك. فعلى كل حال، من الممكن أنك لست محقاً بصورة مطلقة. ويمكن لتنازل صغير أن يجعلك تبدو لبقاً ومتفهماً. ويتيح للشخص المستاء أن يدّعي بأنه حقق انتصاراً ما، وهو ما يسهل عملية التخلص منه. اجعل حدودك واضحة.
- لا تستجب للشائعات على الفور. لا تسمح للأقاويل المسيئة بالانتشار دون مواجهتها بردٍّ دقيق ومقنع وجذاب. وقدِّم القصة المضادة للقصة التي ينشرها المسيء دون تكرار الإساءة.
- أبلغ حلفاءك بما يحدث مبكراً، وعلى نحو متكرر. وقدم لهم جميع الحقائق والتفاصيل. واطلب دعمهم.
- واصل طريقك. ولا تتوقف عن العمل. وبادر بتطوير خطط مثيرة للاهتمام، والإعلان عنها. وساعد الجميع على وضع تصور للمستقبل.
والأهم من هذا، يجب أن تحرص على فعل ما يصبّ في مصلحة مهمة الشركة وحمَلة أسهمها. حتى في عالم متقلب يفرض عليك اتخاذ قرارات صعبة، فإن أفضل وسيلة لمواجهة الاستياء هي من خلال وجود غاية ملهمة ومحفّزة.