كنت أتابع مقطع فيديو تدريبي لليوغا وقد تابعته لأكثر من 30 مرة سابقاً. ولأنني أعرف النمط جيداً، لا أواجه مشكلة كبيرة في التنفس بشكل متوازن خلال الوضعيات واستشعار أبعاد كل حركة والدخول في جولة من التأمل (الذهني – الجسدي).
لكن على الرغم من ذلك فقد كنت هذه المرة مشتتاً جداً. لم يكن ذهني شارداً وحسب، بل كنت مشوشاً أيضاً وغير متقن للأداء. قمت بحركة "المحارب 1" (Warrior 1) مرتين في الاتجاه نفسه بدلاً من تبديل الأرجل. كما فقدت توازني أثناء "وضعية النسر" (eagle pose). وفي لحظة ما أثناء متابعتي لمقطع الفيديو خلال "وضعية الوقوف على قدم واحدة" (standing split) وجدت أنني متأخر بمقدار وضعيتين عن المدرب.
ومع ذلك لم يكن أدائي الضعيف هو الجزء الأسوأ، بل سلوكي ومزاجي، إذ شعرت بالتوتر والانزعاج والقلق، وهي ليست النتيجة التي كنت أبحث عنها من ممارسة اليوغا.
تسأل عن المشكلة؟ لم أكن أمارس اليوغا فقط، كنت أيضاً أشاهد البرنامج التلفزيوني الثورة (Revolution) على جهاز الآيباد الصغير الخاص بي (وهو بجانب شاشة التلفاز) في الوقت نفسه.
كانت تجربة بدأتها بعد محادثة مع والدتي، حيث كنا أنا وأمي نتحدث عن خططها لتناول العشاء، وذكرت أنها سوف تخرج مع زوجين من أصدقائنا تستمتع برفقتهما فعلاً. وسألتها ما الذي تستمتع به معهم.
أجابت: "يضحكان كثيراً وأنا أحب ذلك، فلم يعد الناس يضحكون كثيراً".
لقد علق تعليقها في ذهني. إنها محقة، نحن لا نضحك كثيراً كما اعتدنا أن نفعل.
فكرت في الأمر، وتوصلت إلى فرضية اخترت أن أختبرها: وهي أننا لسنا محبطين، بل أننا مشتتون. واتضح أنّ الضحك هو شيء لا يحدث عندما نكون في حالة تشتت.
كتبت سابقاً عن سلبيات تعدد المهام. وكما تظهر تجربتي المتعلقة بأداء اليوغا والكثير من الدراسات، نحن ندفع ثمناً غالياً من الكفاءة بتشتيت انتباهنا بفعل الكثير من الأشياء في وقت واحد. ولكن ملاحظة والدتي تشير إلى نتيجة أكثر شناعة لتعدد المهام وهي تأثيره العاطفي.
من المستحيل أن نشعر بالفرح أو المتعة عند تشتت انتباهنا. ما سنشعر به بالتأكيد هو الغضب والإحباط والإزعاج، إذ يمكن لهذه العواطف أن تظهر بسهولة. بل ويشجع تعدد المهام ظهورها. أما أن نتمكن من الضحك في مثل هذه الحالات فهو أمر مستحيل.
لماذا يعدّ هذا الأمر مهماً؟ هل من المهم فعلاً كوننا نضحك أكثر أو أقل؟، وما علاقة هذا بالقيادة؟
اتضح أنّ هناك كل العلاقة والأهمية. لم تكن تجربة اليوغا هي الأولى. قبل هذه التجربة، شاهدت التلفاز بينما كنت أجهز فاتورة بطاقة الائتمان الخاصة بي على جدول "إكسل"، والتي تبدو مهمة لا تحتاج إلى تفكير إذ لا تتطلب أكثر من سحب الأرقام من خلية إلى أُخرى. لم يقتصر الأمر على استغراق هذه العملية أربعة أضعاف الوقت الذي أنجزه فيها عندما لا أكون مشتتاً وحسب، بل تزايد غضبي كثيراً أثناء عملي. ثم عندما دخل أحدهم إلى المكتب ليطرح سؤالاً تذمرت منه.
هنا يتعلق الأمر بالقيادة.
عدم الضحك هو عَرَض يؤشر متأخراً لمرض يخلق الفوضى في حياتنا ومؤسساتنا.
نحن لم نعد نضحك أبداً لأننا لم نعد حاضرين بشكل كامل أبداً. فيزيائياً، نحن في مكان واحد ولكن عقلياً، نحن في كل مكان. فكر في بعض المكالمات الهاتفية التي أجريتها مؤخراً، وبعد ذلك فكر في الأشياء الأُخرى التي كنت تفعلها في الوقت نفسه. هل كنت تتصفح الإنترنت؟ تقرأ وتحذف رسائل البريد الإلكتروني؟ تفرز البريد؟ أو ربما كنت تفكر في أي عدد من المشاكل، (عملية تجديد مثلاً أو جدال خضته مؤخراً أو قائمة لا تنتهي من المهام)، أي شيء غير مرتبط بالأمر الذي تقوم به.
للأسف، أصبح حضورنا الكامل في اللحظة الحالية هو ضحية حياتنا الممتلئة جداً والمضطربة.
"ولكن ألا يستمتع بعض الناس كثيراً عندما يواجهون تحدي التركيز على أكثر من شيء في وقت واحد؟"، هذا كان سؤال صديقة لي عندما شاركتها الفكرة. "وماذا عن الأنشطة المعقدة متعددة الأبعاد مثل القيام بعرض تقديمي؟"
يمكنني القول أنّ صديقتي محقة. أحب القيام بعروض تقديمية، وعندما أفعل ذلك أفكر بعدد لا يحصى من الأشياء في وقت واحد (المحتوى وتقديمي للعرض وطاقة الحضور وتوقيتي لدعابة ما والشخص الذي يجلس في الصف الأمامي ويبدو مستاء وعدد الدقائق المتبقية وما إلى ذلك). ولكن سبب محبتي لإثارة كل هذه المتغيرات هي أنها "تحديداً" تبقيني في أعلى درجات تركيزي. أكون حينها دائم الاستعداد وكل حواسي في حالة تأهب ومستعداً لأي شيء. نعم، أقوم بالكثير من الأمور في وقت واحد ولكنها جميعها مرتبطة ببعضها.
تتضمن النشاطات المعقدة متعددة الأبعاد الكثير من المتعة لأنها تتطلب تركيزاً موحداً، بمعنى أنّ كل المهام التي نتعامل معها متصلة. وإنما تحصل المعاناة عندما نركز في الوقت نفسه على أمور منفصلة عن بعضها، مثل المكالمة والبريد الإلكتروني.
إليكم الخبر السار: الحل هو المتعة.
كشخص تحركه الإنجازات، أود أن أقترح تحدياً شخصياً: حاول زيادة عدد المرات التي تضحك فيها خلال اليوم. ولا أعني تلك الضحكة الخافتة (التي لا تكون مرتفعة بما يكفي) بل أعني أن تضحك فعلاً. اختر رقماً: 3؟ أو 8؟ أو 20؟ ثم حاول الوصول إلى هذا العدد.
يبدو الأمر للوهلة الأولى جنونياً بعض الشيء. ولكن فكر في الأمر: في المؤسسات، نقيس جميع أنواع الأشياء التي من المفترض أن تؤدي إلى نتائج، لم لا نفعل هذا مع الضحك أيضاً؟، على الأقل حتى نعتاد عليه مرة أُخرى.
المثير للاهتمام فيما يتعلق بالضحك أنه لا يمكنك أن تفرضه، إنما يحدث تلقائياً عندما تكون الظروف صحيحة. وهذا يحدث عندما تكون مركزاً على ما تقوم به في اللحظة الحالية.
إذاً، كيف يمكننا زيادة عدد مرات ضحكنا؟، قم بتهيئة الظروف التي تزيد من احتمالية الضحك: افعل شيئاً واحداً في وقت واحد وركز عليه بشكل كامل. أما إذا كانت الأفكار المشتتة تدخل إلى ذهنك وتخاف من نسيانها، دوّنها حتى تستطيع التركيز عليها لاحقاً بشكل حصري. ولا تشتت انتباهك بما هو أبعد مما أمامك في الوقت الحالي.
نعلم أنّ تلك الأمور ستجعلنا أكثر إنتاجية، ومن الجيد معرفة أنها تجلب الفرح والإنتاجية أيضاً.