معظمنا يعرف ذلك الزميل الذي يتصرف بطريقة ودودة عندما يكون المدير حاضراً، وبطريقة لَدودة عندما يكون المدير غائباً! وقد يكون سلوك هذا الزميل محبطاً خصوصاً إذا لم يلاحظ المدير سلوكه غير المتسق، بل يمنحه الثناء أو الترقيات بناءً على سلوكه هذا. وقد تشعر بضرورة فضح هذا السلوك غير المتسق، ولكن من المهم قبل اتخاذ أي إجراء أن نفهم سبب تصرف الزميل بهذه الطريقة، وما الذي يمكن فعله تجاه ذلك.
أشكال السلوك غير المتسق
عليك أن تدرك أن هناك أشكالاً مختلفة من هذا السلوك غير المتسق, وفيما يلي 3 من أكثر مظاهر هذا السلوك شيوعاً:
- الزميل المتألق: يجيد هذا الزميل التحدث بسرعة وفصاحة ويستجيب غالباً بطريقة بارعة وذكية، ولديه دائماً قصة مثيرة للاهتمام يرويها عندما يكون المدير حاضراً، ولدى هذا الزميل أفكار طموحة ونبيلة ويبدو منخرطاً بعمق. لكن المشكلة تظهر عندما يحين وقت توزيع العمل وتنفيذ المهام. تقول مؤلفة دليل هارفارد بزنس ريفيو لسياسات بيئة العمل، كارين ديلون، إن هناك جانباً مخادعاً في سلوك هذا الموظف؛ ففي حين يغادر بقية أفراد الفريق الاجتماع مع مهام موكلة إليهم، لا يتحمل هذا الزميل أي مسؤوليات.
- الودود والمتفهم: يبدو هذا الزميل ودوداً وداعماً ويخبرك بما تريد سماعه، ولكنك تكتشف بعد ذلك أنه يكيد بك من خلف ظهرك. وتسمي ديلون هذا النوع من الزملاء بـ "الزميل الطيب المخادع"، وتوضح أن هذا الشخص "يشيد بجهودك عندما يكون المدير حاضراً، ثم تكتشف بعد ذلك أنه يذهب خفية إلى المدير للتعبير عن مخاوفه بشأنك". وتُفاجأ عادةً بهذا السلوك، وخاصةً إذا كانت توقعاتك أعلى بشأن هذا الزميل!
- المكيافيلي الكلاسيكي: سلوك هذا الزميل ساحر وواثق ومحترم عندما يكون المدير حاضراً، لكنه فظ ووقح ومتجاهل في غيابه. ويُحسن هذا الزميل معاملة الزملاء الذين يمكنهم مساعدته في تحقيق طموحاته. وفي كتاب "أعط وخذ: لماذا تعزز مساعدة الآخرين نجاحنا" (Give and Take: Why Helping Others Drives Our Success)، يصف الأستاذ في جامعة وارتن، آدم غرانت، هؤلاء الزملاء بـ "الآخذين"، ويقول إن سلوك هؤلاء "الآخذين" يتصف بالازدواجية؛ إذ يميلون إلى الهيمنة والسيطرة على مرؤوسيهم، لكنهم يتبنون فجأة موقفاً خاضعاً ومحترماً تجاه رؤسائهم. ويضيف غرانت: "يريد الآخذون أن ينالوا إعجاب الرعاة المؤثّرين؛ لذلك يبذلون قصارى جهدهم في التقرب منهم وجذبهم وإطرائهم، ونتيجة لذلك، يكوّن الأشخاص ذوو النفوذ انطباعات إيجابية جداً عنهم".
معاملة السلوك غير المتسق لزميل العمل
بغض النظر عن نوع السلوك الذي تعامله، هناك خطوات يمكنك اتباعها لإدارة رد فعلك ومعاملة ذلك الزميل بطريقة أفضل.
أولاً: أدرِك أن هذا الموقف لا يتعلق بك؛ لذلك تجنب أخذ الأمر على محمل شخصي. وعندما تلاحظ السلوك المنحرف، تريّث قليلاً وراقب السلوك بدلاً من الرد فوراً؛ إذ من السهل أن تشعر بأنك ضحية في هذا الموقف، ولكن هذا السلوك يتعلق أكثر في الواقع بافتقار زميلك إلى الوعي الذاتي أو بشعوره بالنقص أو بتجارب الماضي. تقول ديلون موضحة: "لا يتعمد معظم الزملاء أن يكونوا ذلك الزميل السيئ، فلا نوايا خبيثة لديهم. وهذا السلوك عادة يكون بسبب نقص الوعي أو افتقارهم إلى الذكاء العاطفي بالإضافة إلى الرغبة في إثارة إعجاب المدير ونيل رضاه". وربما تعلّم البعض هذا السلوك من العمل في المؤسسات السياسية حيث كان يُنظر إليه على أنه ضروري للنجاح.
ثانياً: لا تنخرط في السلوك نفسه للزميل الذي يتصرف على نحو غير متسق. فنحن عندما نلاحظ هذا السلوك، تتولد لدينا رغبة في تحقيق العدالة أو المعاملة بالمثل، خاصة إذا نال الزميل مكافأة بناءً على هذا السلوك! فتختلط مشاعرنا وتتأجج في صدورنا عبارات مثل: هذا ظلم. أنا أعمل بجد طوال الوقت وأحاول أن أكون زميلاً جيداً مع الآخرين. لماذا لا يرى المدير ذلك؟! وبغض النظر عما تفعله، قاوم الرغبة في الرد بأفعال سلبية مماثلة. تقول ديلون: "لا يستحق الأمر هدر طاقتك والإضرار برفاهتك للرد بالمثل، فلا تنخرط في سلوك مدمر للذات، ولا تحاول ملاحقة هذا الشخص لتنتقم منه، ولا تشهّر به أمام الزملاء الآخرين. ولا تنسحب أو تُظهر عدم احترامك له عندما يتحدث إليك؛ لأن ذلك يُظهرك بصورة سلبية فعلياً. وعليك أن تدرك أن المدراء الأكْفاء سوف يدركون في نهاية المطاف أن سلوكه هذا غير قويم.
ثالثاً: حافظ على نهج إيجابي عند معاملة هذا الزميل. فقبل معالجة الموقف علناً، كن صادقاً مع نفسك وفكر ملياً؛ هل سلوك زميلك مزعج فحسب أم أنه يؤثر في فعاليتك أو فعالية فريقك في العمل التعاوني وإنجاز المهام؟ وإذا كان سلوك زميلك يعوق أداءك وأداء الفريق وترى أنه من الضروري اتخاذ إجراء ما، فمن الأفضل عادةً أن تبدأ بمعالجة المشكلة مع زميلك بدلاً من التحدث مباشرة إلى المدير في هذا الشأن، وعالج المشكلة بطريقة بنّاءة. وتنصح ديلون بتجنب مواجهة زميلك أمام الآخرين، وتضيف: "من الأفضل إجراء محادثة مع زميلك على انفراد والتوضيح له أنك تهدف إلى تحسين الموقف ولا تحاول إثارة صراع معه". فافترض حسن نية زميلك واهدف إلى فهم وجهة نظره مع توضيح ما تتوقعه منه أيضاً. فيمكنك أن تقول له مثلاً:
- "من غير الواضح لي كيف قُسِّمت المهام بين الفِرق في هذه الخطة, هل يمكننا أن نناقش من سيتولى كل مهمة قبل الاجتماع القادم؟".
- "علمت أن لديك بعض التحفظات بشأن النهج الذي نتبعه. أنا منفتح لسماع مقترحاتك عنه، هل يمكنك مشاركتي وجهةَ نظرك؟ سأكون ممتناً إذا واصلتني مباشرة في هذا الشأن في المستقبل".
- "أُدرك أننا جميعاً مشغولون. هل يمكن أن تخبرني كيف يمكننا ضمان حصول فريقنا على اهتمامك الكامل في هذا الأمر؟ لقد شعرت بإحباطك ونفاد صبرك في المرة الأخيرة التي عاملتك فيها، وأرغب في أن نحافظ على نهج تعاوني مفيد للجميع".
انقل المشكلة إلى المدير بحذر إذا لزم الأمر. فإن لم تلاحظ تحسناً ملموساً وما زلت تعتقد أن سلوك زميلك يؤثر سلباً في العمل، فيجب عليك توخي الحذر عند عرض المشكلة على مديرك، واستغرِقْ الوقت الكافي للتحضير. واسأل نفسك: هل فعلتُ كل ما بوسعي لحل المشكلة؟ كيف هي علاقتي الحالية مع مديري؟ كيف يمكنني عرض المشكلة على مديري بطريقة لا تعطي انطباعاً بأني أحاول التخلص من المشكلة ورميها عليه فحسب؟ ما هو أفضل توقيت وأنسب أسلوب لطرح المشكلة؟
وتنصح ديلون قائلة: "تجنب الظهور بمظهر الشخص الذي يسبب المشكلات، واحذر من أن تبدو بمظهر الغاضب أو السطحي ومن توجيه الاتهام أو الشكوى أو التذمر. وركز على العمل بدلاً من ذلك". وكن واضحاً بشأن نواياك عند مواصلة مديرك، واطرح الأسئلة، واهدف إلى التوضيح، وحافظ على نبرة هادئة وحيادية.
فيمكنك أن تقول له مثلاً:
- "لقد تحدثت إلى أحمد بخصوص توزيع الأدوار والمسؤوليات بصورة أفضل في المشروع القادم. هل يمكننا عقد اجتماع ثلاثي للتأكيد قبل أن تباشر فِرقنا ذلك؟".
- "شكراً لإخباري بأن لدى لورا تحفظات بشأن نهجنا، لقد واصلتها بالفعل في هذا الشأن. فإذا تلقيتَ أي معلومات إضافية منها فيرجى إخباري بها أو شجعها على التحدث إلي مباشرة".
- "أنا مرتبك قليلاً بشأن دور سعيد في هذا المشروع، لقد تحدثت إليه مباشرة عن سلوكه في الاجتماعات؛ إذ يبدو منعزلاً أو محبطاً عندما لا تكون حاضراً. سأكون ممتناً إذا كان هناك أي إرشادات بشأن فهم موقع المشروع ضمن قائمة أولوياته".
وتعلّم من زميلك المهارات الإيجابية وادمجها في نهجك؛ فغالباً ما يكون هناك سبب شخصي وراء إزعاج أحد الزملاء لنا، لذا من الحكمة أن نحاول التعلم من ذلك. وضع في حسبانك كيف يعكس سلوك زميلك جوانب لا تحبها في نفسك؛ فهل ترجو أن تكون قادراً على التفكير بسرعة تحت الضغط؟ وهل تشعر بالقلق بشأن عدم ظهورك أمام مديرك أو غيره من كبار المسؤولين في المؤسسة؟ فبدلاً من النظر إلى سلوك زميلك على أنه سلبي فقط، ركز على المهارات الإيجابية التي يُظهرها، مثل القدرة على التنظيم ورواية القصص وطرح الأسئلة الثاقبة والتفكير الاستراتيجي وإظهار نقاط قوته أمام الآخرين. ويمكنك محاكاة المهارات الإيجابية لزميلك من دون تبني سماته السلبية مثل الوقاحة أو الغطرسة أو الازدواجية أو عدم الاحترام.
تقول مؤلفة كتابَي "كيف تعيد اكتشاف نفسك" (Reinventing You) و"تميّز" (Stand Out)، دوري كلارك، إنه من الممكن الترويج لنفسك من دون تنفير زملائك والظهور بمظهر المتغطرس؛ لذا ركز على تنمية هذه المهارات المهمة بطريقتك الفريدة من دون المساس بنزاهتك أو انتهاك مبادئك مع الحفاظ على علاقات إيجابية مع الآخرين.
ومن السهل أن تشعر بالغضب والإحباط من الزملاء الذين يختلف تصرفهم عندما يكون المدير حاضراً عن تصرفهم في غيابه. لذا أعِد توجيه هذه الطاقة نحو الجوانب التي تقع ضمن سيطرتك، مثل الانتباه إلى سلوكك ومعالجة المشكلات بطريقة بنّاءة والانفتاح على التعلم والمواءمة مع قيمك الشخصية. بعبارة أخرى: ركز على أن تكون زميلاً أفضل بدلاً من محاولة معاقبة الآخرين لعدم تصرفهم بالطريقة نفسها في مختلف المواقف.
اقرأ أيضاً: المغرور والعدواني والمتشائم: كيف تعمل مع زملاء العمل صعبي المراس؟