ملخص: يحاول الموظفون عادة التعامل مع التوتر في العمل بطريقتين؛ الأولى هي المثابرة والتركيز على إنجاز المهام المجهدة، ويتّبعها غالباً الموظفون المحترفون الذين ينحازون في سلوكهم تجاه العمل ويفضلون التوصل إلى الحلول بسرعة. أما الطريقة الشائعة الأخرى فهي الابتعاد مؤقتاً عن العمل والهروب من البيئة المجهدة. لكن كلا النهجين ليس آمناً تماماً، إذ يؤدي الاستمرار في العمل مع الشعور بالتوتر والإعياء إلى الإرهاق وتراجع الأداء، في حين أن الابتعاد عن العمل لا يوفر سوى راحة مؤقتة من التوتر دون أن يعالج أسبابه الأساسية في المقام الأول.
تشير الأبحاث إلى خيار ثالث قد يكون أكثر فعالية في إدارة التوتر وآثاره: التركيز على التعلم؛ سواء كان تعلم مهارة جديدة أو جمع معلومات جديدة أو السعي إلى خوض تحديات فكرية. في مشروعين بحثيين حديثين، شمل أحدهما موظفين من مجموعة متنوعة من القطاعات والمؤسسات، وركز الآخر على الأطباء المقيمين، وجد الباحثون أدلة على أن أنشطة التعلم يمكن أن تحمي الموظفين من آثار التوتر الضارة، بما فيها المشاعر السلبية والسلوك غير الأخلاقي والاحتراق الوظيفي.
متوتر، قلق، منهك، مستنزف، هذا ما يعانيه كثير من الموظفين في العمل بسبب الضغوط المختلفة، مثل ساعات العمل الطويلة والمشكلات والتحديات المتكررة وضرورة إنجاز المزيد من العمل بموارد أقل، وما إلى ذلك. أثبتت الأبحاث أن ضغوط العمل هذه تثير القلق والغضب لدى الموظفين وتدفعهم إلى تبنّي سلوكيات غير أخلاقية واتخاذ قرارات رديئة ،وتصيبهم بالإعياء والاحتراق الوظيفي المزمنين؛ تقوض هذه العواقب جميعها الأداء على المستويين الفردي والمؤسسي على حد سواء.
يحاول الموظفون عادة التعامل مع التوتر في العمل بطريقتين؛ الأولى هي المثابرة والتركيز على إنجاز المهام المجهدة، ويتبعها غالباً الموظفون المحترفون الذين ينحازون في سلوكهم تجاه العمل ويفضلون التوصل إلى الحلول بسرعة، ويفخرون بقدرتهم على مواصلة العمل حتى عندما يشعرون بالتوتر والإعياء.
أما الطريقة الشائعة الأخرى فهي الابتعاد مؤقتاً عن العمل والهروب من البيئة المجهدة. شهدت الأبحاث المتعلقة بأخذ فترات راحة في أثناء يوم العمل نمواً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، وبينت أن فترات الراحة والاسترخاء تحسن الحالة العاطفية وتعزز مستويات الطاقة في العمل. تفسر نتائج تلك الأبحاث سبب الشعبية المتزايدة التي تتمتع بها "مرافق الاسترخاء"، مثل غرف القيلولة ومعدات التمارين الرياضية ومناطق الترفيه، في الشركات التي تنتمي إلى القطاعات التي تعتمد على المعرفة بكثافة.
لكن نهجي المثابرة والابتعاد كليهما ليس آمناً تماماً؛ أثبتت الأبحاث منذ فترة طويلة أن البشر ليسوا قادرين على التعامل مع أعباء العمل الكبيرة، ما يحد من قدرتنا على العمل المتواصل. إذا واصلنا بذل الجهد مع شعورنا بالتوتر والإعياء، فلن يؤدي ذلك إلا إلى مزيد من الإرهاق وضعف الأداء، ولن يوفر الابتعاد عن العمل سوى راحة مؤقتة من التوتر دون أن يعالج أسبابه الأساسية في المقام الأول، وحين نعود إلى العمل سنواجه المشكلات نفسها مع شعور أقوى بالذنب والقلق.
إذاً ما الذي يمكن للموظفين فعله غير ذلك لتخفيف الآثار السلبية للتوتر؟ يقترح بحثنا خياراً ثالثاً: التركيز على التعلم، سواء كان تعلم مهارة جديدة أو جمع معلومات جديدة أو السعي إلى خوض تحديات فكرية. في مشروعين بحثيين حديثين، شمل أحدهما موظفين من مجموعة متنوعة من القطاعات والمؤسسات، وركز الآخر على الأطباء المقيمين، وجدنا أدلة على أن أنشطة التعلم يمكن أن تحمي الموظفين من آثار التوتر الضارة، بما فيها المشاعر السلبية والسلوك غير الأخلاقي والاحتراق الوظيفي.
استكشفنا مفهوم التعلم بصفته وسيلة لتخفيف التوتر لأنه يساعد الموظفين على تطوير موارد عملية ونفسية قيّمة. من الناحية العملية، يوفر لنا التعلم معلومات ومعارف جديدة يمكن أن تكون مفيدة في حل المشكلات المجهدة على المدى القريب، وبالإضافة إلى ذلك، يزودنا بمهارات وقدرات جديدة لمعالجة الضغوط المستقبلية أو حتى تجنبها. من الناحية النفسية، يساعدنا تخصيص الوقت للتفكير في معرفتنا وتعلم مهارات جديدة على تعزيز إحساسنا بالكفاءة والفعالية الذاتية (الإيمان بقدرتنا على تحقيق الأهداف وإنجاز المزيد)، ويساعدنا التعلم أيضاً على منحنا إحساساً أعمق بالهدف المتعلق بالنمو الشخصي والتطور، وهكذا سنرى أننا نتحسن ونتطور باستمرار ولسنا مقيدين بقدرات ثابتة. تمكننا الموارد النفسية المكتسبة من التعلم من تعزيز قدرتنا على التحمل في مواجهة الضغوط.
الأدلة الداعمة لاستخدام التعلم أداة لتخفيف التوتر
في دراستين متكاملتين، درس فريقنا (مؤلفا المقالة المشاركان؛ تشن وديفيد، مع الزميل أونبيت وانغ) أكثر من 300 موظف أميركي من مختلف المؤسسات والقطاعات للتحقيق في ضغوط العمل وسلوكهم في مكان العمل. أثبتت الأبحاث السابقة أن الأفراد غالباً ما يتبنون سلوكيات غير أخلاقية في العمل عندما يعانون التوتر، مثل السرقة أو تزوير الجداول الزمنية أو إساءة معاملة الزملاء، لذلك استكشفنا إمكانية تعلم مهارات جديدة أو أخذ فترات راحة في العمل باعتبارها حلولاً ممكنة لهذه المشكلة. استخدمت الدراسة الأولى استقصاءات يومية لتتبع مشاعر الموظفين وأنشطتهم في العمل على مدار أسبوعين؛ واستخدمت الدراسة الثانية استجابات استقصائية مزدوجة لربط أنشطة الموظفين ومشاعرهم بملاحظات المشرفين عليهم. في الدراستين كلتيهما، أبلغ الموظفون عن درجة مشاركتهم في أنشطة التعلم في العمل (مثل توسيع آفاقهم أو خوض تحديات فكرية أو اكتساب معرفة جديدة)، بالإضافة إلى أنشطة الاسترخاء (مثل أخذ فترات راحة قصيرة أو التنزه، أو تصفح الإنترنت).
كشفت الدراسة الأولى أنه حين شعر الموظفون بالتوتر في فترة مشاركتهم في عدد أكبر من أنشطة التعلم في العمل، واجهوا عدداً أقل من المشاعر السلبية (مثل القلق والضيق) وكانوا أقل عرضة لتبنّي سلوك غير أخلاقي (مثل سرقة ممتلكات الشركة وإساءة معاملة الزملاء). وبالمثل، كانت هذه الفوائد في الدراسة الثانية أكثر شيوعاً بين الموظفين الذين أبلغوا عن انخراطهم في عدد أكبر من أنشطة التعلم في العمل مقارنة بأقرانهم.
في المقابل، لم تخفف أنشطة الاسترخاء عواقب التوتر السلبية، فقد أبلغ الموظفون عن المستويات نفسها من المشاعر السلبية وتبنّوا القدر نفسه من السلوك غير الأخلاقي في الأيام التي شاركوا فيها في المزيد من أنشطة الاسترخاء في العمل، مقارنة بالأيام الأخرى (في الدراسة الأولى)، وعندما ركزوا عموماً على الاسترخاء أكثر من غيرهم (في الدراسة الثانية). وبالتالي لم يثبت الاسترخاء فعاليته في إدارة التوتر مثل التعلم.
أُثبتت الآثار الإيجابية الوقائية للتعلم بصورة أوضح في دراسة أجراها أحد المؤلفين المشاركين في المقال (كريستوفر)، مع زميليه هيذر ساتيا وسانجاي ديساي، شملت الأطباء المقيمين الذين تنطوي وظيفتهم على مهام مجهدة تتمثل في رعاية المرضى الذين يعانون أمراضاً خطيرة إلى جانب العمل ساعات طويلة مع القليل من الراحة أو الاسترخاء. استجابةً للمشكلة المتنامية المتمثلة في معاناة الأطباء الاحتراق الوظيفي، أجرينا دراسة استقصائية شملت نحو 80 طبيباً مقيماً في قسم الطب الباطني في جامعة جونز هوبكنز للحصول على فهم أعمق لارتباط سلوكياتهم في عملهم بالاحتراق الوظيفي. أشار تحليلنا إلى أن الأطباء المقيمين الذين اعتقدوا أن فريقهم يتبنى سلوكيات التعلم أكثر، مثل البحث عن معلومات جديدة أو التفكير في سير عمل الفريق، أبلغوا عن مستويات أقل من الاحتراق الوظيفي بدرجة ملحوظة. كانت هذه العلاقة الترابطية بين التعلم الجماعي وانخفاض الاحتراق الوظيفي ملحوظة خصوصاً بين المقيمين الذين أبلغوا عن مستويات أقل من التوجه نحو تحقيق أهداف التعلم، أي الذين لا يركزون بطبيعتهم على التعلم في عملهم. يشير ذلك إلى أن العمل ضمن فريق يسعى أفراده الآخرون إلى التعلم يساعد على تخفيف آثار العمل المجهد والصعب الضارة، لا سيما بالنسبة لمن لا يركزون على التعلم بأنفسهم.
الاستفادة من التعلم في العمل بطريقة استراتيجية
ما الخطوات الملموسة التي يمكنك اتخاذها لتعزيز التعلم عند مواجهة التوتر في مكان العمل؟
أولاً، ابدأ بعقليتك
تدرب على تغيير نظرتك إلى تحديات العمل المجهدة. عندما تواجه التوتر، غيّر الرسالة التي تقولها لنفسك من "هذه مهمة أو موقف عمل مرهق" لتكون "هذه فرصة صعبة ولكنها مجزية للتعلم". من خلال إعادة تأطير المهام المجهدة والنظر إليها على أنها فرصة للتعلم، يمكنك تغيير عقليتك وتجهيز نفسك بصورة أفضل للتعامل مع المهمة مع التركيز على النمو والمكاسب الطويلة الأمد.
ثانياً، اعمل وتعلم مع الآخرين
بدلاً من التفكير في التحدي المجهد بمفردك، التمس وجهات نظر الآخرين؛ يمكن أن تكشف مناقشة عامل الضغط مع زملائك وأقرانك عن رؤى وأفكار خفية نابعة إما من تجاربهم الشخصية أو من الأسئلة ووجهات النظر الفريدة التي يطرحونها.
ثالثاً، ضع أنشطة التعلم في إطار شكل جديد من "الاستراحة من العمل"
إلى جانب الاستراحات القائمة على الاسترخاء فقط، سواء القصيرة مثل التأمل أو الطويلة مثل أخذ أيام إجازة، فكر في إعادة تعريف التعلم نفسه باعتباره استراحة من مهامك الروتينية في العمل. قد يبدو ذلك مجرد تغيير في عقليتك، ولكن إذا كان نشاط التعلم يسمح لك بالابتعاد عن نمط الجهد الذي تبذله في أنشطة العمل العادية (مثل التفكير بالأرقام والتفاعل مع العملاء)، ويتوافق أيضاً مع اهتماماتك الجوهرية، فهذا سوف ينعشك ويجدد طاقتك من الناحية النفسية. النظر إلى التعلم على أنه عمل إضافي منفّر في المواقف المجهدة، ولكن النظر إليه باعتباره شكلاً من أشكال الراحة سيجعله أكثر جاذبية، ومن المرجح أن يخلق تجارب إيجابية وممتعة.
يمكن أن يكون تبني التعلم طريقة فعالة لحماية نفسك من آثار التوتر السلبية في العمل. ولكن في الوقت نفسه، ليس من الضروري انتظار ظهور التوتر للبحث عن فرص التعلم؛ فحتى من دون مشكلات مُلحة، سيمكنك جعل التعلم جانباً أساسياً من حياتك المهنية من تطوير مواردك الشخصية ومرونتك، وسيعدّك للتغلب على الضغوط المستقبلية المرتبطة بالعمل.